﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ۝٥١ فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ ۝٥٢ وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ ۝٥٣﴾ [المائدة ٥١-٥٣]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


حوار مع الأب الدكتور ميشيل لولونغ:

حوار مع الأب الدكتور ميشيل لولونغ:
كنا على موعد مع الأب الدكتور ميشيل لولونج، في مكتبه في باريس، وكان معي الدكتور أحمد جاب الله رئيس اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا.
رحب بنا الرجل وأظهر سروره بقدومنا، وحيانا باللغة العربية، وهو يتحدث بها.

الكاتب مع الأب ميشيل لولونغ فرنسا ـ باريس 24/1/1408هـ ـ 17/9/1987م


وقبل أن أبدأ الكتابة عنه ذكرت له بأني أزور المبشرين والمستشرقين في هذه الجولة، وأحاورهم في بعض القضايا مع أخذ بعض المعلومات منهم، فقال: أنا لست مبشراً ولا أرى أن المسلمين في حاجة إلى التبشير، لأن عندهم ما يكفيهم، وهو الإسلام الذي جاء به القرآن والرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) .
قلت: وماذا أسميك مستشرقاً؟
قال: سمني مؤمناً أنا مؤمن. [1].
قلت: متى ولد الأب لولونج وما تخصصه وما وظائفه؟
قال: إنه ولد سنة 1925م في فرنسا في عائلة متدينة، وعنها أخذ دينه، وخاصة الإيمان بالله والمسيح والارتباط بالكنيسة الكاثوليكية.
ولم يكن يعرف الإسلام جيداً عندما كان شاباً ولا يعرف عن المسلمين شيئاً ذا أهمية، وعندما درس في جامعة السوربون وجد فرصة للالتقاء بالمسلمين وبخاصة طلبة المغرب العربي فتعرف على الإسلام عن طريقهم، وعرف أن الإسلام فيه ثروة للبشرية، وأن هناك علاقة قوية بين المسلمين والمسيحيين، وبخاصة أنه حصل اجتماع للكنيسة سنة 1934م دعت فيه إلى التعرف على الديانات الأخرى، واحترام الإسلام والتعاون مع المسلمين، وبخاصة في نشر القيم الأخلاقية وغير ذلك.
ودعا بولس السادس والبابا بولس الثاني إلى الصداقة بين المسيحيين والمسلمين واحترام بعضهم بعضاً، نعم هنالك اختلاف بين الديانتين، وبخاصة حول المسيح باعتباره عند المسيحيين بالإضافة إلى أنه رسول فهو كذلك إله، وكذلك حول بعثة الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم).
ومع هذا الاختلاف، فلا مانع من الاحترام والعمل المشترك لوجود ما يجمع المسلمين والمسيحيين، كالاعتقاد في الله وبأننا كلنا عائدون إلى الله ومحاسبون بين يدي الله، وكذلك القيم والأخلاق.
وسألته: متى تظن أول صلة حصلت بين فرنسا و المسلمين؟
وفهم الدكتور أني أريد الصلة في هذا العصر، فصحح له الأخ أحمد جاب الله وهو الذي كان يساعدنا في الترجمة أن المقصود في القديم والحديث، فأجاب:
إن السؤال عن التاريخ مهم باعتبار أن الحاضر متأثر بالماضي.
كان في القديم صراعات بين أوربا المسيحية والإسلام، وكان الإسلام يعتبر عدواً وخطراً في أوربا لعدة قرون، فقد ارتبط الإسلام في أذهان الأوربيين بمعركة: بواتيه التي وقف فيها القائد الفرنسي شارل مارتيل المد الإسلامي، وكانت الحروب الصليبية، وأرسلت الجيوش لمحاربة المسلمين في بلادهم، وجاء المسلمون إلى أوربا الوسطى، وكانت العلاقة بين المسلمين والمسيحيين علاقة خوف واستشعار الخطر من الجانبين.
كان المسلمون يظنون أن المسيحيين يكونون خطراً عليهم، وعلى دينهم، وكان المسيحيون يظنون أن المسلمين يكونون خطراً عليهم وعلى دينهم، بالإضافة إلى ذلك شاركت الكنيسة في استعمار أوربا لبلاد المسلمين ـ واستدرك الدكتور فقال ـ لا يقال الكنيسة ولكن بعض المسيحيين ـ. [2].
ولكن كانت هناك علاقات بين الشرق الأوسط وأوربا إيجابية، على رغم هذا الجو الذي فيه نوع من الصراع والخلافات.
في الشرق الأوسط احترم المسلمون المسيحيين، ومكنوهم من تطبيق ديانتهم بحرية وكذلك في القدس، حيث كان المسلمون متسامحين مع اليهود ومع المسيحيين، وفي أوربا ـ في أسبانيا ـ كانت هناك فترات تعايش وتفاهم، والآن رغم المشكلات الدولية، نعتقد أن الذي يجمع بين المسلمين والمسيحيين هو أهم من الذي يفرقهم.
الذي يفرقهم هو المشكلات السياسية، فالمسلمون - مثلاً - قريبون من مشكلات العالم الثالث، بينما أوربا في محور الدول الصناعية، لأن في العالم قطبين: قطب الدول الضعيفة التي يطلق عليها الجنوب، والدول القوية التي يطلق عليها الشمال.
فالمشكلة في الحقيقة الآن بين المسلمين والمسيحيين هي سياسية وليست دينية. [3].
ولا بد أن يجتهد المؤمنون - يعني المسلمين والمسيحيين - في مقابلة الملحدين - في إقرار السلام في الشرق الأوسط، مثلاً فلسطين لا بد أن يتعاون المسلمون والمسيحيون في الدفاع عن حقوق الإنسان فيها، مهما كانت ديانتهم.
والبابا يدعو إلى تعاون المسلمين والمسيحيين وتجاوز الخلافات الماضية، ويقول: إن الذي يجمعنا أكثر من الذي يفرقنا، المشكلة الآن هي كيف يعمل المسلمون والمسيحيون في إحلال السلام.
(وأخرج كتابا من مكتبته، وقال): ترجمت في هذا الكتاب عدة خطابات لـ"بولس" السادس والبابا الحالي، وكلها تدعو إلى ضرورة الانفتاح والتعاون بين المسلمين والمسيحيين، وفي الزيارة الأخيرة للبابا لأمريكا، تكلم في لقائه مع الطائفة اليهودية عن ضرورة وجود وطن للفلسطينيين في فلسطين، (وقال الأب باللغة العربية ): حق تقرير المصير.
ولكن هذا الكلام وهذه التعليمات التي يكررها البابا دائماً ليست محترمة من قبل الكنائس المحلية. وقد يكون من المفيد أن توجد لقاءات دائمة بين المسؤولين عن المؤسسات الإسلامية وغيرها، وكذلك المؤسسات الكنسية مثل الفاتيكان والطوائف المسيحية الأخرى - وذكر مؤسسة مسيحية في جنيف - الظاهر أنه قصد مجمع الكنائس العالمي - ويمكن في مثل هذه أن يتدارس المسلمون والمسيحيون مشكلاتهم، مثل مشكلة الأقليات الإسلامية في بلاد المسيحيين والأقليات المسيحية في بلاد المسلمين، وكيف يمكن لهذه الأقليات أن تطبق دينها وتكون محترمة، لأن عدم تسوية هذه المشكلات ستستغل من قبل جهات أخرى لإشعال الخلاف بين المسلمين والمسيحيين، كما يحصل الآن عندنا من بعض المسيحيين في أوربا حول وجود المسلمين، يرون أنه نوع من الغزو لأوربا المسيحية.
فلو حصلت لقاءات بين المسؤولين من المسلمين والمسيحيين كان في ذلك نوع من التفاهم في نطاق العقيدة المشتركة.
(وسأله المترجم أحمد جاب الله: لماذا لا تأخذ الكنائس المحلية بالتعليمات التي تصدر من البابا؟ فأجاب ): الكنيسة تأخذ بتعليماته إلى حد ما، وأنه هو ـ أي الأب لولونغ ـ كان مسؤولاً عن لجنة السكرتارية المسؤولة عن العلاقة مع المسلمين، والكنيسة يجب أن تأخذ بتعليمات البابا، وتوجد مجموعة تعمل لهذا الهدف، ولكن يجب أن نعترف أنه يوجد في فرنسا وفي غيرها من لا يوافق على هذا التوجه.
ويعود السبب إلى بعض المشكلات، فإن الفاتيكان له موقف من قضية فلسطين ويرى أن مدينة القدس يجب أن تكون محايدة وليست تحت نفوذ إسرائيل، وهذا هو موقف الأمم المتحدة، وهذا الموقف ليس مقبولاً في الظاهر عند الكنيسة الفرنسية بسبب الجو العام السائد هنا، لا يجرؤ مسؤولو الكنسية أن يصرحوا بمثل هذا الموقف ولكن هو - أي الأب لولونغ - يتمنى دائماً لو أن الكنائس المحلية تلتزم بالتعليمات العامة للبابا.
وقال: لو كان المسلمون مسلمين حقاً، والمسيحيون مسيحيين حقاً لحصل بينهم التفاهم، وعدم التفاهم من قبل المسلمين، هو أنهم لا يلتزمون تماماً بتعليمات دينهم، وكذلك المسيحيون.
والكنائس لها مشكلات خاصة، فالبابا - مثلاً - يدعو في أمريكا إلى احترام مبادئ المسيحية، ولكن الأساقفة لا يأخذون كلهم بكلام البابا، فدور البابا هو التذكير بهذه المبادئ.
وسألت الأب لولونغ: بعض المستشرقين الذين قابلتهم، وكذا وسائل الإعلام في الغرب ينسبون إلى الإسلام ما يفعله بعض المسلمين، مما يخالف الإسلام، فما رأيكم في هذا؟
قال: هذا ليس عدلاً، وأنا معك في هذا الأمر، ليس عدلاً أن نقوِّم الإسلام بسلوك سيئ لبعض المسلمين، لأنه يوجد مسلمون جيدون أوفياء لدينهم، وأعرف في فرنسا كثيراً من المسلمين الذين يلتزمون بإسلامهم، فلا بد أن نقوم الإسلام بعمل هؤلاء الملتزمين، وليس بعمل المنحرفين. [4].
وكذلك بالنسبة للمسيحية فلا ينبغي أن نقوم موقف الكنيسة من خلال مواقف بعض المسيحيين، فلا نقول - مثلاً -: إن الكنيسة وراء الاستعمار، لأن هذا موقف بعض المسيحيين وليس موقف الكنيسة ككل. [5].
قلت: ما القاعدة التي تنطلقون منها في بحوثكم وكتاباتكم عن الإسلام، ما الهدف، وما المصادر وما الوسائل؟
قال: الهدف من الدراسات التي أعددتها عن الإسلام أنا باعتباري أباً مسيحياً، جاءتني فرصة لمعرفة المسلمين، ومن صلتي بهم تعرفت على الإسلام، ورأيت من المهم الإسهام في التعريف الموضوعي للإسلام لإخواني المسيحيين.
درست العربية والقرآن والسنة، ثم درست وحضرت الليسانس في اللغة العربية، وقمت بإعداد أطروحة دكتوراه حول التراث الديني في التعليم التونسي، ثم كتبت عشرات من الكتب لتوضيح نقاط الالتقاء والاختلاف بين الإسلام والمسيحية، وكتبت عن الصعوبات السياسية التي تحول بين التقاء المسلمين والمسيحيين، وكتبت كتاباً عن القدس، وآخر ما كتبته كتاب تعرضت فيه لنقاط العلاقة بين المسلمين والمسيحيين ومشكلة الشرق الأوسط والصحوة الإسلامية.
وسألت الأب فقلت: ما دمت على اطلاع طيب على القرآن والسنة والسيرة النبوية، فهل وصلت في اطلاعك ذلك أن القرآن هو كلام الله حقاً، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم هو رسول الله صدقاً؟
فأجاب: هذا سؤال مهم وصعب، ولقد حاولت في كتاب مع مجموعة من المسيحيين و المسلمين أن أشرح كيف يكون موقف المسيحي من القرآن ومن محمد (صلى الله عليه وسلم).
وموقفي الخاص كمسيحي لا أستطيع أن أشاطر المسلمين - يعني أوافقهم - تماماً في عقيدتهم، ولا أستطيع الاعتقاد بأن القرآن والرسول (صلى الله عليه وسلم) جاءا عوضاً عن الديانة المسيحية، كما هو موقف المسلمين من المسيح، يعني كما أن المسلمين لا يعتقدون أن المسيح إله، بل يعتقدون أنه رسول فقط، مخالفين في ذلك عقيدة النصارى الذين يعتقدون أنه رسول وإله، فموقفنا نحن المسيحيين من القرآن ومن الرسول كموقف المسلمين من عقيدتنا، أي لا نوافق أن الإسلام جاء بديلاً للمسيحية، ولكن لا بد من احترام القرآن واحترام الرسول (صلى الله عليه وسلم)، لا بد أن أفهم ماذا يقول الله لي في القرآن وما يقول الرسول (صلى الله عليه وسلم). وأنا أعتقد أن القرآن من الله وأن محمداً مرسل من الله، ولكن الوحي الإلهي الذي نزل على المسيح كان كاملاً.
وقد استوضحت من المترجم بعد أن كتبت ما مضى: أرجو أن تلخص لي ماذا فهمت من كلام الأب السابق، فقال الأخ أحمد جاب الله: الحقيقة أراد أنه كما يعتقد المسلمون في المسيح أنه رسول فقط، والنصارى يعتقدون أنه رسول وإله، فالنصارى يسمحون للمسلمين أن يعتقدوا في المسيح خلاف ما يعتقده النصارى، فليسمح لنا المسلمون أن نعتقد في القرآن وفي محمد (صلى الله عليه وسلم) ما لا يعتقدونه. ويقول: إن هذا الموضوع موضوع شائك وصعب، وقد عبر عن رأيه في الكتاب الذي ذكره.
فقلت للأخ: ولكن فهمت من عبارة الأب أنه يعتقد أن القرآن جاء من عند الله؟ قال: نعم في الأخير يقول: موقفه الشخصي اعتقاده أن القرآن من الله وأن محمداً مبعوث من الله، ولكن لا يعتقد أن القرآن جاء ليلغي الديانة المسيحية، ولكن يقول: إنه وهو مسيحي يجب عليه أن يفهم مراد الله عز وجل من القرآن وما جاء به محمد (صلى الله عليه وسلم).
قلت: ما الأسلوب المناسب الذي يراه الأب لعرض الإسلام على أهل الغرب؟
قال: الجواب باختصار: لا بد أن يكون المسلمون مسلمين حقاً.
قلت: ما الذي ينصح به الأب المسلمين حتى يحافظوا على أبنائهم في أوربا في جو يخالف جو بلادهم؟
فأجاب: لا بد من الاستفادة من المسجد، ولا بد من دراسة القرآن، ولا بد من التربية الدينية، وهذا واجب المسلمين في هذه البلاد، ثم لا بد أن يتجاوز المسلمون خلافاتهم في فرنسا، وأن لا يتصارعوا فيما بينهم، وأن يعيشوا في سلام بينهم وبين غير المسلمين.
وسألته: ما سبب قلة دخول الأوربيين في الإسلام، بخلاف غيرهم كالأفارقة مثلاً؟
قال: في إفريقيا كثير من الناس ليس لهم دين كبير، قصده دين سماوي، عندهم ديانات تقليدية [6] ليست كالإسلام والمسيحية، وكما يوجد ناس يدخلون في الإسلام في إفريقيا فكذلك يدخل آخرون في المسيحية، لأنهم يجدون في الإسلام والمسيحية حقائق لا يجدونها في دياناتهم التقليدية.
أما في الغرب فأكثر الناس لهم ديانة، وإن كانوا لا يطبقونها، ولكن ينتسبون إلى ديانة، فأنا مثلاً مسيحي ولست مسلماً، ولا أريد أن أكون مسلماً وأنا مسرور بذلك، فلست في حاجة إلى دين آخر أقبل عليه، وينبغي أن نشتغل كلنا مسلمين ومسيحيين بالملحدين، وكل من ليس له دين نساعدهم حتى يجدوا الطريق إلى الله من أي باب.
انتهت المقابلة التي أجريت مع الأب لولونج.
وكانت عندي أسئلة أخرى واستفسارات ومناقشات فيما ذكر، ولكن وقته كما ذكر لم يكن يسمح له بالاستمرار، ووعدني بوقت آخر إذا شئت ولكن وقتي لم يكن يسمح لي بالعودة إليه.
ولا بد هنا من ذكر بعض الأمور تعليقاً على هذه المقابلة:
1- إن الأب متحمس كثيراً للتقريب بين المسلمين والمسيحيين، إلى حد أنه يرى أن نقاط الوفاق بينهم أكثر من نقاط الخلاف.
2- إنه يؤكد على إخلاصه لدينه، فلا يذكر شيئاً إيجابياً للإسلام إلا وذكر مثله للمسيحية، ولا ينفي شيئاً سلبياً عن الإسلام إلا فعل ذلك للمسيحية.
3- إن النقطة الأساسية وهي العقيدة في المسيح يقر الأب أن الخلاف فيها جوهري، لأن المسلمين يعتقدون أنه رسول وبشر والمسيحيين يعتقدون أنه رسول وإله، ومع ذلك فإنه لشدة تحمسه للتقريب بين المسلمين والمسيحيين يجعل هذه النقطة شبه منسية، ويقول: إن سبب الخلاف بين المسلمين والمسيحيين سياسي وليس دينياً.
4- يؤكد الأب أن القرآن جاء من عند الله، وأن محمداً رسول الله ومع ذلك يقول: إنه لا يوافق المسلمين أن الإسلام جاء ملغياً للديانة المسيحية - المحرفة عند المسلمين - والقرآن قد نص على أن الإسلام هو الدين الحق الذي لم يبق غيره من الأديان ديناً حقاً، ونص الرسول صلى الله عليه وسلم أنه لا يسمع به يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن به إلا دخل النار.
فلا أدري كيف يوفق بين إيمانه بالقرآن أنه من عند الله وأن محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله، وبين اعتقاده أن دين المسيحية غير الصحيح في القرآن دين حق، ويقول: إن الوحي الإلهي كان كاملاً عند المسيح، فإن كان يعني عند نزوله قبل تحريفه، فلا شك أنه كامل بالنسبة لوقته، وإن كان يقصد الآن - وهو الصحيح - فالكلام متناقض.
5- إن الدكتور الأب قام بجهود كبيرة جداً لخدمة هدفه، وهو محاولة التقريب بين المسلمين والمسيحيين بالأسلوب الذي يراه، وهذا يدل على أن أهل الأديان الأخرى، وإن كانت باطلة عندنا، فإنهم هم يعتقدون أنها دين يبذلون كل طاقتهم لإقناع الناس بها.
فهل درس المسلمون تلك الكتب ومغزاها وأساليب دعوة التقريب فيها وبينوا لقومهم ذلك؟
وهل درسوا ما أراد الأب بقوله: إنه كتب لقومه المسيحيين ليفهمهم كيف يكون موقفهم من القرآن ومن الرسول صلى الله عليه وسلم؟
6- إن كثيراً من الأسئلة أو فقراتها كان يحاول الأب التهرب من الإجابة الصريحة عنها.
7- يبدو لي والله أعلم أن الرجل يميل إلى الإسلام في قرارة نفسه، وأنه لا يريد أن يظهر ذلك للمسيحيين صراحة، وهذا طبيعة من لم يصل إيمانهم ويقينهم إلى التوكل على الله وتقديم رضاه على إرضاء الناس أو الجاه أو المال أو المنصب.
وقد ذكرته للأخ الدكتور عبد الله بن عمر نصيف أمين عام رابطة العالم الإسلامي، فقال: "أنا أظن أن هذا الرجل من الذين يكتمون إيمانهم".
وعلى كل حال فإن الهداية بيد الله. وقد وجدت مستشرقاً كبير السن في بعض بلدان أوربا في هذه الرحلة يكتم إيمانه فعلاً وصرح لي بأنه مسلم ولكنه طلب مني عدم التصريح بذلك، وعلل ذلك بأنه أراد أن يخدم الإسلام و المسلمين دون أن يشعر أعداء الإسلام بأنه مسلم، وقد أثنى عليه المسلمون هناك فعلاً.
زيارة الدكتور محمد حميد الله:
وبعد أن فرغنا من الاجتماع بالدكتور لولونج، ذهبنا لزيارة الدكتور محمد حميد الله، ولم نكن قد حددنا موعداً معه، لأن الرجل لا يوجد عنده هاتف، وهو في منزله لا يغادره في أغلب الأوقات، وقد كنا في منزله في الساعة الثانية عشرة والنصف ظهراً.
طرقنا الباب، ففتح لنا مرحباً وجلسناً معه قليلاً.
ولد الدكتور محمد حميد الله في مدينة حيدر أباد بالدكن، قال: وهي الآن تحت الاحتلال الهندوكي، وكانت دولة إسلامية.
وكان مولده سنة 1326هـ في شهر محرم أي أن عمره الآن اثنتان وثمانون سنة هجرية.
وبسبب الاحتلال الهندوسي لبلاده لجأ إلى فرنسا، وهو فيها منذ أربعين عاماً.
تخصص في الحقوق في بلاده، ودرس في جامعة السوربون في باريس، وقدم أطروحته في سنة 1934م: الوثائق السياسية في عهد النبوة والخلافة الراشدة، ونشر نص الوثائق باللغة العربية، وأما أصل الأطروحة فهي بالفرنسية وقد طبعت قبل 50 سنة.
وقد حاولت أن آخذ بعض المعلومات من الدكتور محمد حميد الله عن الإسلام والمسلمين في فرنسا وعن صفات الداعية، والموضوعات المؤثرة في الأوربيين، ولكن الرجل فوجئ بالزيارة والأسئلة، ولم يعرف الزائر، فكان فيما بدا لي متحفظاً، ولهذا أكتب شيئاً مما سمعته منه.
سألته عن الوقت الذي حصلت فيه صلة بين المسلمين وفرنسا؟
فقال: من عهد عثمان رضي الله عنه، وقال: إن الطبري ذكر ذلك وأشار إلى مجموعة الوثائق السياسية ص 533 [7] وقال: يمكن أن يكون قد أسلم في ذلك الوقت بعض الفرنسيين.
وسألته: عن عدد المسلمين في أوربا؟
فقال: لا أدري، ولكن عددهم في فرنسا ثلاثة ملايين، ومن بينهم مائتا ألف ممن اعتنق الإسلام من أصل أوربي في فرنسا، ويوجد منهم تسعون ألف مسلم - أي من الذين دخلوا في الإسلام - في باريس.
ومنهم من أسلم مخلصاً، ومنهم من أسلم بسبب مادي، ولكن نحن لم نبلغ الإسلام للناس، ومع ذلك لا يمر يوم إلا ويوجد فيه من يدخل في الإسلام.
ونحن في حاجة إلى مزيد من الكتب والمراكز والجرائد الإسلامية في كل مدينة وكل قرية في أوربا، وفي حاجة إلى دعاة مخلصين فقهاء يجيدون اللغات الأوربية حتى يبينوا للناس الإسلام.
ويوجد في فرنسا ألف مسجد، وفي باريس وحدها ثمانون مسجداً.
قلت له: ما الذي تحتاج إليه الصحوة الإسلامية في نظرك؟
فقال: أين هي الصحوة الإسلامية؟ لو كانت توجد صحوة إسلامية ما كانت شعوب المسلمين تحكم بغير ما أنزل الله، وما كانت بعض شعوبهم تحت أقدام الكفار.
قلت له: الصحوة موجودة، والإقبال على الإسلام شديد من الشباب في كل العالم، وبخاصة شباب الجامعات من ذوي التخصصات العلمية، كالأطباء والمهندسين وغيرهم. غير الجامعات والمعاهد الإسلامية التي يظن الناس أن طلابها هم الذين يقبلون إلى الإسلام، بسبب أنه مجال دراستهم.
وهؤلاء الشباب مستعدون لبذل أنفسهم وأموالهم في سبيل الله، ولكن توجد بعض العقبات التي تعترض نتائج عملهم، منها: قلة الموجهين لهم التوجيه الصحيح، ممن فقههم الله في الدين فقهاً يحقق مرضاة الله، ولهذا قد تحصل من هذا الشباب بعض التصرفات التي ليست في مصلحتهم ولا في مصلحة الدعوة، مع حسن النية.
ومن ذلك الضغوط الشديدة التي يوجهها لهم أعداء الإسلام من داخل الشعوب الإسلامية وخارجها، ولو وجدوا من يرشدهم إلى الحقائق الإسلامية المبنية على الدليل والسيرة النبوية، وسلموا من أعداء الله الذين يقفون لهم المرصاد، لما حُكِمت الشعوب الإسلامية بغير ما أنزل الله، ولا استقر لأعداء الإسلام من اليهود والنصارى والشيوعيين قراراً في بلدان المسلمين التي احتلوها.
وقد بدا عليه الارتياح عندما سمع مني هذا الكلام وهو لا يدري - فيما ظهر لي -عن كثير مما يدور في العالم الإسلامي من الإقبال الشديد على الإسلام لذلك أظهر تشاؤمه.
والدكتور محمد حميد الله منزوٍ في غرفة ضيقة مليئة بالكتب والمجلات والوثائق المحيطة به، بل إن سريره عليه كيس من النايلون وعليه كتب، فإذا أراد أن ينام أزال الكتب والكيس ونام عليه.
وهو رجل نحيف متوسط القامة، له لحية طويلة، وليست عريضة، وعندما فتحت آلة التصوير لآخذ صورة لغرفته المليئة بالكتب، استأذن وخرج من الغرفة حتى لا تلتقط له صورة.
وبغرفته طاولة صغيرة ومقعد يجلس عليه ليقرأ ويكتب، ومقعدان كذلك للزائر، وهو يعيش وحده ويخدم نفسه، ولم يتزوج طول حياته، وهو يسكن في حي جامعة السوربون في الدور الرابع من العمارة، وهي قديمة ولا يوجد بها مصعد.
1 - قصده أنه مؤمن بدينه، ومؤمن بأن الإسلام حق ولكنه غير ناسخ لغيره من الأديان فالدين المسيحي الموجود حالياً كالإسلام كما سيأتي لذلك صريحاً من كلامه
2 - كان استدراكه على المترجم، لأن المترجم عبر بالكنيسة، وهو أراد كما قال بعض المسيحيين تبرئة للكنيسة من أن تكون فعلت ذلك بإجماع
3 - لم نتمكن من مناقشة هذا الرأي لأن الأب كان مستعجلاً، وكان الهاتف يرن بين آونة وأخرى يذكرونه باقتراب وقت الصلاة، وهو الذي يتولى الصلوات في أوقاتها، كالإمام عند المسلمين
4 - الإسلام يعرف بمنهجه ونصوصه، و لو خالف بعض المسلمين الملتزمين في بعض الجزئيات
5 - يحاول الأب بشتى الوسائل أن يقنع المسلمين بسلامة موقف الكنيسة المركزية من الإسلام و المسلمين في الجملة
6 - يعني وثنية
7 - لا أدري أي طبعة



السابق

الفهرس

التالي


15991926

عداد الصفحات العام

1078

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م