[
الصفحة الرئيسية
] [
حول الموقع
] [
تعريف بصاحب الموقع
]
﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ٥١ فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ ٥٢ وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ ٥٣﴾ [المائدة ٥١-٥٣]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب
::
66- سافر معي في المشارق والمغارب
::
(34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف
::
(033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف.
::
(067) سافر معي في المشارق والمغارب
::
(066) سافر معي في المشارق والمغارب
::
(031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف
::
(065) سافر معي في المشارق والمغارب
::
(030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث
::
::
::
::
::
::
::
::
::
::
جملة البحث
جميع محتويات الموقع
المقالات العامة
مقالات الحدث
الجهاد في فلسطين
2 أثر التربية الإسلامية في أمن المجتمع المسلم
المقالات العامة
الإيمان هو الأساس
غيث الديمة الجزء الأول
غيث الديمة الجزء الثاني
حوارات مع أوربيين مسلمين
حوارات مع أوربيين غير مسلمين
الحدود و السلطان
حكم زواج المسلم بالكتابية
رحلة هونج كونج
جوهرة الإسلام
كتاب الجهاد
المسئولية في الإسلام
دور المسجد في التربية
كتاب سبب الجريمة
كتاب الشورى في الإسلام
كتاب السباق إلى العقول
الإيمان إصطلاحاً و أثره سلوكاً
كتاب طل الربوة
كتاب الوقاية من المسكرات
الكفاءة الإدارية
معارج الصعود إلى تفسير سورة هود
مقدمة سلسلة في المشارق و المغارب
المجلد الأول : رحلات الولايات المتحدة الأمريكية
المجلد الثاني : رحلات المملكة المتحدة (بريطانيا) و آيرلندا
المجلد الثالث : رحلات اليابان وكوريا وهونغ كونغ
المجلد الرابع:رحلات إندونيسيا الجزء الأول 1400هـ ـ 1980م
المجلد الخامس : الرحلة إلى إندونيسيا الجزء الثاني 1410هـ ـ 1990م
المجلد السادس : رحلات إندونيسيا الجزء الثالث 1419هـ ـ 1989م
المجلد السابع : رحلات أستراليا و نيوزيلاندا و سريلانكا
المجلد الثامن : رحلات كندا و إسبانيا
المجلد التاسع : رحلات سويسرا و ألمانيا و النمسا
المجلد العاشر : رحلات بلجيكا و هولندا و الدنمارك
المجلد الحادي عشر:رحلات السويد و فنلندا و النرويج
المجلد الثاني عشر : رحلات فرنسا و البرتغال و إيطاليا
المجلد الثالث عشر : رحلات سنغافورة و بروناي و تايوان
المجلد الرابع عشر : رحلات باكستان و الهند
المجلد الخامس عشر : رحلات تايلاند (بانكوك)
المجلد السادس عشر : الرحلة إلى ماليزيا
المجلد السابع عشر : رحلات الفلبين
المجلد الثامن عشر : رحلة كينيا
الفهرس
(05)
سافر معي في المشارق والمغارب معركة حوار مع البروفيسور رجاء جارودي:
(05)
سافر معي في المشارق والمغارب معركة حوار مع البروفيسور رجاء جارودي:
اتصل الأخ عبد الرحمن با فضل بالأستاذ رجاء جارودي يوم الاثنين ليحدد لي معه موعداً، فقال له: اتصل بي غدا الثلاثاء لأخبرك بالموعد. واتصل به يوم الثلاثاء فحدد له اللقاء اليوم الأربعاء، ما بين الساعة الخامسة والسادسة مساء، وعين لنا مقهى من المقاهي نلتقي فيه، فقلت للأخ عبد الرحمن: المقهى لا يصلح لهذا اللقاء، لأنه سيكون فيه ضوضاء فلا نتمكن من أخذ المعلومات والمناقشة كما ينبغي، وقد أضطر إلى أن أسجل المقابلة في شريط عندما لا أستطيع نقل الكلام بالنص، وإن كانت كتابتي والحمد لله تمكنني من ذلك في حينه تقريباً، فإذا أمكن أن يأتينا إلى الفندق ونقعد في غرفتي فهو أفضل، فاتصل به وأخبره بذلك فوافق على الحضور إلى الفندق. وفي الساعة الخامسة والربع وصل الأستاذ رجاء جارودي إلى الفندق.
اللهم سلم.. اللهم سلم!
وقد استقبلناه في قاعة الانتظار في فندق "إركاد"
(ARCADE)
.ذهب معنا إلى الغرفة فجلست أنا وهو في الغرفة، ونزل الأخ عبد الرحمن بافضل لإحضار القهوة والشاي، وكان جارودي قاعداً على الكرسي، والجو في هذا اليوم كان صحواً، وفيه شئ من الحرارة، والغرفة ليست واسعة ومكيفها بخيل، وأشعة الشمس تتخلل النافذة، فرأيت جارودي يفتح ربطة عنقه، ثم نزع معطفه
(الجاكت)
وعلقه، وكان ينفخ،
ثم استأذن ليستلقي على السرير، وسمعته وهو يقول: مشكلة باللغة الإنجليزية، ووضع يده على رأسه وهو ينفخ، فساورني الخوف، وخشيت أن يكون ملك الموت قد حضر لينقله من دار الدنيا إلى دار الآخرة - التي عرفت فيما بعد أن جارودي لا يؤمن بها - وإذا قدر الله ذلك ففارق الحياة في غرفتي وقد جاء في هذه اللحظات، فماذا ستقول سلطات الأمن في باريس عن هذا الحدث؟ وبخاصة أن المشكلات التي تسمى إرهابية على أشدها في فرنسا، فدعوت الله في نفسي ولجأت إليه مكرراً: اللهم سلم، اللهم سلم.
وقد كنت أسارقه النظر إلى وجهه وهو مغمض عينيه، وفي بعض الأوقات يفتح عينية ويبتسم، والرجل لا يفهم لغتي وأنا لا أفهم لغته، ولكني كنت أفهم أنه متعب، وهو يفهم أني قلق مما يجري، على حد قول الشاعر في الحمامة التي كانت تغرد عنده حزينة، وهو يبكي كذلك حزيناً بسبب غربته:
ولقد تشكو فما أفهمها
غير أني بالجوى أعرفها ولقد أشكو فما تفهمني
وهي أيضاً بالجوى تعرفني
واستبطأت صاحبي - عبد الرحمن - وفتحت باب الغرفة والنافذة ليدخل الهواء، والتفت جارودي إليَّ، وأشار إلى بيت الخلاء فدخل وأخذ غَرْفة من الماء ومسح بها وجهه وابتسم، ثم استلقى مرة أخرى على السرير.
وجاء صاحبي بالعصير والقهوة، فاستقبلته في الباب وقلت له – مخافتاً -: الرجل متعب وحالته مزعجة! فصب العصير في الكأس وناول جارودي. رجاء جارودي في فندق أركاد ـ باريس
جارودي عند محاورة الكاتب له
وتحرك جارودي على جنبه وتناول العصير وشرب.... ثم قال
- وهو مستلق -: هات ما عندك من أسئلة! فتنفست الصعداء وحمدت الله على سلامته.
ثم بدأت أسأله بعض الأسئلة، فلم يجب في حينه على كثير منها، وإنما أحالني إلى بعض مذكرات سلمها لي، وقال: إن أجوبتك على هذه الأسئلة موجودة في هذه الأوراق، وهي باللغة الفرنسية، وإذا وجدت من يترجمها لي بدقة فسأكتب منها فيما بعد ما أراه مناسباً لأسئلتي..
والآن أكتب أسئلتي له وما أجاب به بلسانه حرفياً:
السؤال الأول: قلت له: ما الأسلوب الذي يقترحه لعرض الإسلام في أوربا؟ ناولني المذكرة الأولى، وقال: هذا جواب سؤالك بالضبط عن الطريقة التي ينبغي عرض الإسلام بها في أوربا، كما أردت.
رجاء جارودي في فندق أركاد ـ باريس 23/1/1408هـ ـ 16/9/1987م
السؤال الثاني: هل يمكن أن يستمر الغرب في منح الحرية الموجودة الآن للمسلمين في نشر دينهم، ولو رأى الإسلام ينتشر بكثرة في الغرب؟ فأجاب قائلا: هذا من الخيال أن تظن أن الغربيين سيدخلون في الإسلام بأعداد كبيرة، ولكن العقبة الرئيسية في طريقة انتشار الإسلام وفهم الناس له هو إعطاء صورة مشوهة للإسلام، والصورة المشوهة هذه تأتي من جانبين:
من جانب أعداء الإسلام، ومن جانب أصحابنا - يعني المسلمين - والغريب في القضية أن الذين يتكلمون عن الإسلام هنا، يأتون من الشرق وهم لا يفهمون مشكلاتنا ولا يستطيعون الإجابة عن الأسئلة التي تثار هنا، ويمكن أن أعطي مثالاً على هذا:
عندما جاء شيخ الأزهر - جاد الحق - إلى هنا، وتحدث في التلفزيون، أساء إلى الإسلام في عشر دقائق، أكثر مما فعل أعداء الإسلام في سنوات طويلة، ولو أراد أن يخدم الإسلام لبقي هناك وما جاء يتحدث عنه هنا [الرجل الآن يرى أن علماء المسلمين لا يفقهون مشكلات الغرب حتى يتمكنوا من معالجتها ـ هكذا يظهر وكلامه صحيح في من لا يفهم أحوال القوم ويجيد لغتهم ـ ولكنه مغرور بنفسه ويرى نفسه أكثر أهلية من الذين تفقهوا في الدين وتخصصوا فيه وبخاصة في أصول الإيمان كما سيأتي].
قلت له: ما صفات الداعية المسلم الذي يمكن أن يؤثر في الغرب؟ قال: أولاً قبل أن يتحدث عن الإسلام هنا، يجب أن يسمع ماذا يقول الناس. توجد مشكلات واضحة تنتظر حلولاً مثل القنبلة الذرية. وقنبلة هيروشيما التي قتلت سبعين ألفاً في لحظات، ليست شيئاً بجانب ما هو موجود الآن، فعندنا اليوم في العالم ما يعادل مليون قنبلة من قنابل هيروشيما، هذه أول مشكلة.
وفي مجال الأحياء والبيولوجيا، استطاعوا أن يلعبوا بالجينات حتى يحولوا الإنسان إلى عملاق وحش. ومن المشكلات الموجودة - هنا في الغرب - وجود مخزون من اللحوم ومن الزبدة، تصرف على حفظها مليارات، من أجل تخزينها في المستودعات والثلاجات، في وقت مات فيه من الجوع في سنة واحدة فقط - العام الماضي - أربعة وثمانون مليون شخص بسبب الجوع.
وماذا عن مشكلات ديون العالم الثالث؟
لو حددنا هذه الديون المطلوب دفعها للغرب، وما تبعها من فوائد وأرباح لم يبق للعالم الثالث شيء يقتات منه، وكان مصيرهم الموت، والعالم الغربي قائم على هذه الديون لا يقدر أن يعيش بدونها. هذه ثلاثة أمثلة من مشكلات نريد لها حلاً.
قلت: هل فرغت من الإجابة عن صفات الداعية، لأنه لم يذكر إلا صفة واحدة، وهي أن يعرف ما عند الناس من مشكلات ويذكر لها الحلول. فقال: هذه الأمثلة من المشكلات، الذي يأتي لها بحل هو الذي ينفع في أوروبا وليكن من يكون: عربي، صيني، أوروبي، فلا بد من معرفة المشكلات أولاً ثم إيجاد الحل.
قلت: هل وجدت من خلال دارستك للإسلام حلاً فيه لهذه المشكلات؟ قال: ليس هناك معجزات في يدي لحل هذه المشكلات، وليست مشكلة الحل آتية من قبل الإسلام، الإسلام موجود، ولكن المشكلة تأتي من قبل المسلمين الذين لا يفكرون في حل المشكلات.
وضرب لذلك مثالاً فقال: أبو حنيفة أوجد جواباً لسؤال، وهو كيف يعيش المسلم في مجتمع يختلف تماماً عن مجتمع الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة؟ كانت الدولة الفارسية قوية جداً قبل الإسلام، وكانت هناك تجارة وتبادل عملات، وهناك ثقافة قديمة عتيقة في الرومان واليونان، كل ذلك ما كان موجوداً في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، في البلاد العربية [قصده من هذا أن المسلمين لم يكونوا في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، يعرفون حضارة الفرس والروم ولكنهم عندما فتحوا الدولتين لم يقفوا عاجزين عن حل المشكلات واستوعبوا تلك الحضارة على ضوء الإسلام بخلاف المسلمين اليوم فإنهم عاجزون عن ذلك، وهذا صحيح ولكن هل ترك أعداء الإسلام من الغربيين والمنافقين الذين والوهم من أبناء المسلمين لدعاة الإسلام ومفكريه مجالاً لمحاولة إيجاد حل للمشكلات؟ وهل يستطيع حل المشكلات من يستعمل معه كل أنواع الأذى من قتل وسجن وتعذيب وتشريد؟!].
والإجابة في عصرنا هذا لم نجدها عند أبي حنيفة، ولكنا نستفيد من الطريقة التي استعملها لحل مشكلات المسلمين عندما يعيشون في أجواء غير أجواء المدينة، كحالتنا في أوروبا مثلاً، لا يوجد جواب جاهز أعطيك إياه.
قلت له: ألا ترى أن هذه المشكلات كلها، لا يمكن حلها عن طريق الإسلام إلا بعد الإيمان به مبدئياً، حتى يأتمر الناس بعد ذلك عن اقتناع بأوامره، ويجتنبوا نواهيه، والإسلام لا يوجد خير إلا دل عليه ولا شر
إلا حذر منه؟
قال: أنا معك أن الإيمان هو البداية، لكن هذا لا يمنع أنك تدرس الواقع وتوجد الحلول، والقرآن عندما أقرأه أجد فيه كلمة التفكر وما يتبعها أكثر من
( 830 مرة)
. وعندما انتشر الإسلام بسرعة في القرن الأول كان عندهم إيمان وعندهم تفكر، يفكرون جيداً ولا يقولون - مثل المسلمين اليوم - نحن نعرف كل شيء وعندنا الحل لكل شيء، وليس عندهم شيء.
وضرب مثالاً، فقال: بعد ثلاثة قرون من الصدر الأول أتى ابن حزم، ووضع كتاباً لمقارنة تاريخ الأديان من أجل أن يظهر للناس أن الإسلام هو أحسن الأديان الموجودة، ودرس الأديان الأخرى، وقرأ الإنجيل بعمق وتفصيل لكل دقائقه وهضمها ثم رد عليها. واليوم مع الأسف الشديد لم أجد عالماً نهج هذا النهج، فلا بد من التفكير والبحث.
قلت: هل ترى موضوعات معينة درستها في الإسلام ينبغي أن تُطرق قبل غيرها وتنشر في العالم؟ قال: من الغباء أن نقول: إن العلوم كلها في القرآن وإننا بقراءة القرآن تتقدم العلوم، لأن القرآن جاء ليحدد طريق الإنسان ومنهجه، ولم يأت بالعلوم التي يبحث الناس عنها الآن، جاء ليرينا الهدف، وعين الله الإنسان خليفة في الأرض، وبعد أن عرف الإنسان هدفه عليه أن يعمل حتى يثبت مقدرته على أن يكون خليفة، وقد قال: عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لو عثرت بغلة في العراق لكنت مسؤولاً عنها أمام الله لِمَ لم أمهد لها الطريق؟ والآن عندنا مشكلات أكثر من البغال، ولم نوجد لها حلولاً.
قلت: نرى الإسلام ينتشر، ويدخل الناس فيه كثيراً في أماكن كثيرة من العالم، ما عدا أوربا وأمريكا واليابان فإن الداخلين في الإسلام في هذه البلدان قليلون - ما عدا الملونين في أمريكا مثلاً - فما السبب الذي تراه؟
فقال: لأنه لا توجد أجوبة لحل المشكلات الموجودة، ولا أعتقد أن الإسلام ينتشر في البلدان الأخرى بمعنى الكلمة، يقول الإنسان: إنه مسلم بنطق الشهادة ويحمل ورقة تثبت له أنه أسلم، ويذهب إلى المسجد، ولكنه لا يفهم شيئاً ولا يغير إيمانه وإسلامه من حياته شيئاً. ففي إفريقيا دخل كثير من الناس في الإسلام، ولكن لم يتغير شيء من حياتهم وواقعهم.
قال: وأضرب لك مثالاً: الجالية الإسلامية بالهند [يبدو أنه أراد الأقلية، لأن المسلمين الهنود ليسوا بجاليات وإنما هم هنود أصلاً]. دعوني ووجدت أنهم يجهلون تماماً حضارة الهندوس، وعقيدتهم، وكنا معهم كأننا في وسط ناس متوحشين، رغم أن الهند قلعة الروحانيات القديمة، وهذا ما فهمه إقبال، ولكن المسلمين اليوم قطعوا أنفسهم عما حولهم.
قلت: ماذا تتوقع مستقبلاً للإسلام في بلاد المسلمين وفي العالم كله؟ قال: الإسلام هو القرآن بالدرجة الأولى، حدد لنا الهدف وعلينا أن نعمل ونوجد الوسائل التي تحقق الهدف. وضرب مثالاً من الهند مرة أخرى، قال: بعد وفاة غاندي الذي حكم الهند جاء بعده نهرو، وأحب أن يقلد الغرب في منهجه، فأنشأ برلماناً على الطريقة الإنجليزية، وقرر أن يخطط في تنفيذ سياسته على الطريقة السوفيتية، ولم يكن هذا حلاً لمشكلات الهند، فما الذي اقترحه المسلمون لحل مشكلات الهند؟ لا شيء. صراع مع الهندوس دائماً بلا نتيجة، في كلكتا الصراع مستمر ودائم بين المسلمين والهندوس [المسلمون في الهند ـ وفي غير الهند ـ لا يدعهم الكفار يطبقون دينهم في شؤونهم الاجتماعية الخاصة بهم، فكيف يتوقع أن يقبلوا منهم اقتراحات حلول سياسية واقتصادية، والإسلام هو عدوهم اللدود؟! بل كافح رجال الدعوة المفكرون لتطبيق الإسلام وإيجاد الحلول في بلاد المسلمين فحوربوا، ومن أقطابهم الأستاذ حسن البنا في مصر والأستاذ المودودي في باكستان وغيرهم في بلدان عربية وغير عربية].
قلت: هل يمكن أن يستفيد المسلمون من الإمكانات القانونية والحرية الموجودة في الغرب حسب دعوى الغربيين، لنشر المسلمين دينهم؟ قال: ليس في الغرب حرية، هنا حرية الفلوس، حرية الثعلب الموضوع في صحن للشواء، يقفز منه، وللأسف الشديد أن الدول الإسلامية لا تعطي مثلاً طيباً ولا توجد في بلادهم حرية!
قلت له: ما رأيكم في مناهج المؤسسات الإسلامية للدعوة الإسلامية هل يمكن أن يتحقق بها انتشار الإسلام؟ قال: أرى أنها طرق سيئة جداً. قلت: كيف؟ قال: أعطيك مثالاً: في العالم مساجد جميلة أقامها المسلمون، وأصبح التفكير عند المسلمين هو بناء المساجد قبل أن يوجدوا مسلمين ويربوهم، وأراهم دائماً ينشئون مساجد، ولكن لم أر مساجد خرَّجت مسلمين، والأصل أن توجد المسلمين ثم تبني المساجد. وجنيف بها مسجد ضخم مزين بالرخام ولكن لم أر مسلماً واحداً أصلحه هذا المسجد، ونفس الشيء في روما، فلوس تصرف إسرافاً ولا توجد جدوى من صرفها [صحيح أن حالة المسلمين اليوم غير مؤهلة لحل المشاكل، بوضعهم الحالي، وغالبهم لا يبدؤون بالأولويات في سياساتهم، ولكن الرجل يبالغ كثيراً في ذلك، ويرى أن الاهتمام بالعبادات ووسائلها كبناء المساجد ... لا يحقق للمسلمين أهدافهم، وأن الواجب عليهم قبل التفكير في الغيب وصور العبادة – كما يأتي - أن يفكروا في الشؤون الاقتصادية والطبية وغيرها، مما يظهر للناس نفعه المادي. والحقيقة أن المسلمين لو حققوا في نفوسهم الإيمان القوي الصادق، والفقه في الدين، لما تأخروا عن عمارة الأرض معنوياً ومادياً، لأن ذلك كله عبادة في الإسلام].
وقبل أن تعطي الناس دروساً تعطيهم مثالاً لما تريد أن تقول. مثال ذلك: قرطبة فيها أحسن المساجد وعلى مسافة
(150 كيلو متراً)
توجد مغبية - مدينة إسبانية - يوجد بها كثير من المسلمين الذين عندهم مليارات من الأموال، وهم يعطون مثالاً سيئاً، وأنا أتحدث عن الإسلام في قرطبة، والناس يقولون لي: انظر إلى المسلمين في مغبية كيف يتصرفون وفي أي شيء ينفقون الملايين؟ وهذا من العوائق الكبرى في طريق الدعوة إلى الإسلام.
قلت: ما الذي تقترحه لتربية المسلم الصادق؟ قال: علينا أن نعمل مع الذين حولنا. يعني أن كل قوم أو كل فرد يدعو إلى الإسلام في موقعه؟ مسلمو الهند يعملون مع الهندوس، ومسلمو أمريكا يعملون مع الأمريكان، ومسلمو فرنسا يعملون مع الفرنسيين؟ كل ناس في بلدهم يعملون مع من حولهم. ويجب أولاً أن نهضم ما عند الآخرين، ونعرف فكرهم وعقيدتهم وسلوكهم وطريقتهم في الحياة، ونفهم كتبهم، ومنهجهم، وبعد أن نفهم ذلك جيداً يكون كلامنا معهم مبنياً على مسائل عرفناها.
ثم تحدث جارودي عن الحوار الإبراهيمي الذي يقوم به في قرطبة وجنيف وباريس، ولم أتمكن من أخذ معلومات عن هذا الحوار وما يجري فيه وما الهدف منه ومن أعضاؤه لضيق الوقت، لأنه أظهر أنه لا يستطيع البقاء كثيراً، ولهذا سلمني بعض الأوراق بلغته من أول لقائنا.
ومما قاله في ذلك: أن أحد الآباء حضر هذا الحوار، وهو من أمريكا اللاتينية، ومن الذين أعطوا مثالاً في الدفاع عن الحريات، ولا أحد من المسلمين يعرف هذا الأب، ودوره في الحريات في أمريكا اللاتينية على الرغم من أنه سيحول أمريكا اللاتينية، إذ سيتبعه الكثير من الناس و المسلمون لا يعرفون ماذا يفعل.
وسألته: هل الغالب في أهل الغرب التماسك الأسري والاجتماعي أو التفكك؟ قال: انحلال كامل وتفكك كامل، ولا هدف ولا غاية وراء تلك المؤسسات الموجهة، حتى الثقافية منها، والمفكر والكبير: كامون يقول: إن العالم ما عنده معنى ولا هدف [وقال المترجم: إن البروفيسور المشهور بوديه، وهو طبيب رئيس قسم سألناه: ما رأيك في الحياة، قال: الحياة بالنسبة لي فوضى، مثل امرأة مومس، فالغربيون ليس عندهم غاية ولا هدف].
ثم قال جارودي: المشكلة أن أهل الغرب عندهم الوسائل المادية والتكنيك والأشياء التي تخدم الإنسان مادياً، ولكن ليس عندهم غاية. وفي الشق الثاني ناس عندهم غاية صحيحة ولكن لا يفكرون ولا يعملون - يقصد المسلمين - وقال: بعض المسلمين الذين عندهم غنى يصلون في المسجد، لكن حياتهم مثل حياة الغربيين أنفسهم، يقلدونهم في كل شيء، ويقولون نحن مسلمون، وأنا أسميهم غربيين يصلون في المساجد.
قلت له: ما الأمور الجوهرية التي رأيت الإسلام يتميز بها عن سائر الأديان في الأرض؟ قال: أنا لا أقول بهذا المنطق، وإنما أقول: إن الله تعالى ذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم، ليس بدعاً من الرسل، وإنما بعثه الله لثلاثة أشياء: لتأكيد هذه الرسالة الربانية، ولتصحيحها وتصحيح مسارها، ولإكمالها، هذه الأمور الثلاثة التي بعثه الله من أجلها، وواضح من نصوص القرآن أن الإسلام لم يبدأ بمحمد صلى الله عليه وسلم وإنما بدأ بآدم عليه السلام
قلت: يبدو أنه فهم مني أني لم أعتقد أن الرسالة بدأت من عهد آدم عليه السلام، وذلك بالهدى الذي علمه آدم وآدم علم ذريته، أنا لم أقصد ذلك، بل الأنبياء والرسل كلهم كانوا على الدين الذي أراده الله منهم، والقرآن مليء بقصص الأنبياء والرسل السابقين لمحمد صلى الله عليه وسلم، من لدن آدم إلى عيسى عليه السلام، ولكن الكتب التي نزلت قبل القرآن حرفت وبدلت ولم يبق إلا القرآن وحياً يتلى من عند الله، فما الأمر الجوهري الذي رآه بين القرآن وبين تلك الكتب المحرفة وما اشتملت عليه؟ قال: إن الشؤون الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها مبنية على الإيمان في الإسلام، بخلاف الأديان فقد انفصلت حياة الناس ونظمهم عن هذا الإيمان.
قلت: تعني أن الإسلام شامل لحياة البشر كلها، بخلاف الأديان الأخرى؟ قال: نعم، وينبغي أن نهتم في مخاطبة أهل الأديان الأخرى بالأشياء المشتركة بيننا وبينهم ونذكرهم بها، ولا نهتم بنقاط الخلاف فمن التسمية نفسها نقول: إن إبراهيم كان مسلماً، وعيسى كان مسلماً، وموسى كان مسلماً، الإسلام ليس لنا وحدنا، الإسلام هو الخضوع والذل لله، فالمعنى يشملنا ويشمل من قبلنا، ولهذا يجب أن نهتم بهذه المعاني التي جاء بها القرآن.
قلت: لكن عندما نهتم بهذه المعاني هم لا يتركوننا، فإذا قلنا: إن الله واحد - وهذا هو أساس الإيمان - لا يسلمون بذلك، فلابد من الخلاف في أمر جوهري في أول نقطة ننطلق منها نحن وهم، فماذا نصنع في هذه الحالة؟ قال: هذه مشكلة غير حقيقية وليست صحيحة، لأنهم جاءوا بها من الفلسفة اليونانية، فقالوا: إن الله ثالث ثلاثة، فأدخلوها في الدين وهي ليست منه، فلماذا نتناقش في قضية ليس لها معنى؟ [هون جارودي هذا الأمر، وهو الأساس الأول بيننا وبين النصارى، ونحن لا نشك أنه عقيدة يونانية، ولكن القوم يعتقدون أن ذلك هو دين عيسى u، ولهذا أبرز القرآن هذا المعنى وأقام الحجج على النصارى في رده ونقضه، ومن المستحيل أن يترك المسلم هذا المبدأ بدون نقضه كما أن النصارى لا يمكن أن يتركوه إلا من أسلم منهم أو كان على مذهب يخالفه]. وعندما نذكر المسيحيين، ونقول لهم: إن القرآن الكريم ذكر سيدنا عيسى عليه السلام، وأنه نبي خلقه الله في بطن مريم العذراء، وأنه جاء منها بمعجزة إلهية من غير أب، فسيسرون بذلك، فلماذا نحن نهتم بالأمور الخلافية؟ [وحدانية الله عند المسلمين، وعدمها عند المسيحيين، من الأمور الخلافية التي لا ينبغي الاهتمام بها عند جارودي! ونحن لا نخالفه في أنه ينبغي إخبارهم بأننا نؤمن بكل الأنبياء، ونذكر له قصة عيسى وأمه كما ذكرها القرآن، لكن لا يجوز لنا السكوت عما يعتقدون من التثليث، وتأليه نبي الله عيسى عليه الصلاة والسلام].
لماذا انتشر الإسلام في إسبانيا ـ مثلاً؟ أسبانيا قبل أن يأتي الإسلام إليها، كان فيها من يقول بالعقيدة الصحيحة التي جاء بها الإسلام، وهي أن عيسى عليه السلام، كان نبياً ورسولاً، ولم يكن ابن الله وكان غيرهم يقول غير ذلك، فلما جاء المسلمون وأكدوا هذا المعنى دخل أهل أسبانيا في الإسلام، وقالوا نحن نعتقد هذا الدين أصلاً، وهو أن المسيح رسول الله وليس ابن الله. وهذه المشكلة عند عدد محدود من النصارى يمكن أن يكونوا خمسين شخصاً من المفكرين الدينيين يقولون بأن الله ثالث ثلاثة، هؤلاء نتركهم، ونبحث مع الآخرين [هذه مبالغة غير صحيحة، لأن غالب المسيحيين الذين يؤمنون بالمسيحية، سواء كانوا من المفكرين الدينيين، كما يقول، أو من غيرهم يؤمنون بأن الله ثالث ثلاثة، تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا].
عندما وصل المغول إلى الدولة البيزنطية قتلوا أهل مدينة بيزنطة كلها ورجال الدين يناقشون قضية الملائكة: هل هم ذكور أو إناث. [أسفت أنني نسيت أن أسأل جارودي هل يؤمن بالملائكة أو لا؟ فقد بلغني أنه لا يؤمن بالملائكة ولا باليوم الآخر، وقد ناقشته في الإيمان باليوم الآخر واتضح أنه لا يؤمن به كما سيأتي في هذه المقابلة.؟]. والآن وضْعُنا أسوأ من وضع أولئك، عندنا مشكلات في العالم لا نهتم بحلها، ونناقش في أمور غيرها ليست ذات بال [ومنها عقيدة التثليث في نظره!] توجد نار مشتعلة ينبغي أن نقول للمسيحي: تعالوا نتعاون على إطفاء النار وبعد ذلك تناقش الأمور الأخرى.
قلت له: سمعت من بعض الناس أن جارودي يرى أن الأديان كلها سواء: القرآن والتوراة والإنجيل - الموجودَين الآن بعد التحريف - فهل هذا صحيح؟! قال: لم أقل أبداً يوماً من الأيام: إنها سواء، وإنما أقول فقط ما هو في القرآن، من أن كل الأنبياء السابقين لمحمد r أرسلوا من الله الذي أرسل محمداً عليه الصلاة والسلام، والناس يحرفون كلامي ويقولون عني غير ما أريد، وهؤلاء الناس لم يقرؤوا لي سطراً واحداً مما كتبته، وهذا كلام خيال ليس له أساس من الصحة.
الفهرس
16130641
عداد الصفحات العام
1367
عداد الصفحات اليومي
جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م