﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ۝٥١ فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ ۝٥٢ وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ ۝٥٣﴾ [المائدة ٥١-٥٣]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(06) التكفير ومذاهب أهل العلم فيه

(06) التكفير ومذاهب أهل العلم فيه

ضلال من لم يأخذ العلم والتزكية على أهلهما:

وإن من أهم أسباب ضلال من ضل، من الفرق والجماعات والأفراد، المنتسبين إلى العلم، عدم أخذهم العلم والتزكية الربانية عن أهلهما، بالطريقة التي سلكها سلفنا الصالح، من الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان.

إذ يسلك بعض الجهلة المغرورين، الذين ينصبون أنفسهم للتعليم والفتوى، وقد يدَّعون أنهم من المجتهدين، وهم على جهل بقواعد العلوم الشرعية وعلومها، وآلات تلك العلوم، بسبب قراءتهم لبعض الأبواب في بعض الكتب، وسوء فهمهم لكثير مما قرؤوه، وعدم اقتدائهم بالصحابة والتابعين، وتقليدهم لمن هو أقرب إلى جهلهم، ووجغاء سلوك عامة السلف الصالح، في أخذ العلم عن أهله المتحققين به.

وهذا من أهم أسباب الزيغ، وهو منطلق المُفرِطين والمُفَرِّطين.. ولهذا حثَّ فقهاء الإسلام طلاب العلم، على سلوك نهج السلف، في طلب العلم على أيدي أهله، الذين يجمعون بين العلم والعمل والتربية، وحذروهم من سلوك نهج فرق الضلال.

ومن ذلك قول الشاطبي رحمه الله: "من أنفع طرق العلم الموصلة إلى غاية التحقق به، أخذه عن أهله المتحققين به على الكمال والتمام.. وللعالم المتحقق بالعلم أمارات وعلامات: إحداها: العمل بما علم، حتى يكون قوله مطابقاً لفعله، فإن كان مخالفاً له، فليس بأهل لأن يؤخذ عنه، ولا أن يُقتدَى به في علم.. والثانية: أن يكون ممن رباه الشيوخ في ذلك العلم لأخذه عنهم، وملازمته لهم، فهو الجدير بأن يتصف بما اتصفوا به من ذلك، وهكذا شأن السلف الصالح.

فأول ذلك؛ ملازمة الصحابة رضي الله عنهم، لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذهم بأقواله وأفعاله واعتمادهم على ما يرد منه، كائناً ما كان، وعلى أي وجه صدر.. وصار مثلُ ذلك أصلاً لمن بعدهم، فالتزم التابعون في الصحابة سيرتهم مع النبي صلى الله عليه وسلم، حتى فقهوا، ونالوا ذروة الكمال في العلوم الشرعية. وحسبك من صحة هذه القاعدة أنك لا تجد عالماً اشتهر في الناس الأخذ عنه، إلا وله قدوة اشتهر في قرنه بمثل ذلك. وقلما وجدت فرقة زائغة ولا أحداً مخالفاً للسنة، إلا وهو مفارق لهذا الوصف" [كتاب الموافقات في أصول الشريعة (1/91-95) بتحقيق الأستاذ محمد عبد الله دراز، باختصار].

وذكر الشاطبي في موضع آخر: أن فرق الضلال، يعمدون إلى ظواهر الأدلة التي لا يعجزون عن الاستدلال بها على مذاهبهم، أي وهم يتركون ظواهر أدلة تخالف مذهبهم دون تمحيص، ولا جمع بين تلك الأدلة، والعمل بكل منها في موضعه.

قال: "ولذلك لا تجد فرقة من الفرق الضالة، ولا أحداً من المختلفين في الأحكام لا الفروعية ولا الأصولية، يعجز عن الاستدلال على مذهبه بظواهر من الأدلة، وقد مرَّ من ذلك أمثلة، بل قد شاهدنا ورأينا من الفساق من يستدل على مسائل الفسق بأدلة ينسبها إلى الشريعة المنزهة" [الموافقات (3/76)].

وقال ابن تيمية رحمه الله في رده على بعض المخالفين: "والعلم شيئان: إما نقل مصدَّق، وإما بحث محقَّق، وما سوى ذلك فهذيان مسروق، وكثير من كلام هؤلاء هو من هذا القسم من الهذيان، وما يوجد فيه من نقل، فمنه ما لا يميز صحيحه عن فاسده، ومنه ما لا ينقله على وجهه، ومنه ما يضعه في غير موضعه.. وقد قيل: إنما يفسد الناس نصف متكلم، ونصف فقيه، ونصف نحوي، ونصف طبيب، هذا يفسد الأديان، وهذا يفسد البلدان، وهذا يفسد اللسان، وهذا يفسد الأبدان" [مجموع الفتاوى (2/729- 730 ).].

وإذا كان "أَنصاف" هؤلاء الأصناف يفسدون المعاني - وبخاصة الأديان - وغيرها من المحسوسات والماديات، فإنا نجد اليوم من لا يبلغ "أرباع" ولا "أثمان" ما بلغه أولئك الأنصاف، ولهذا تضاعف فسادهم، وبخاصة في هذا العصر، الذي يستطيع فيه كل مفسد أن ينشر فساده، ويعممه، عن طريق وسائل الاتصال التي لم يتمكن منها المفسدون في القرون الأولى، وبخاصة "الإنترنت" الذي أصبح في متناول كل أحد!

إطلاق الكفر على غير معين:

ويجب التنبيه على أن ما عُلم شرعاً بأنه كفر، يطلق عليه ذلك، فيقال: من فعل كذا فقد كفر، ومن قال كذا فقد كفر، مع استحضار أمرين:

الأمر الأول: أن الكفر يُطلق على الكفر الأكبر المخرج من الملة، وعلى الكفر الأصغر، وهو الرياء،
وغيره من كبائر الذنوب، التي لا يخرج مرتكبها من الملة كما سبق، والفقهاء في الدين هم الذين يميزون

بين الكفرين.

الأمر الثاني: أن الكفر يُطلق إطلاقاً عاماً، ولا يُطلق على كل معين فعل أو قال ما هو كفر؛ لأن المعين قد يفعل الكفر أو يقوله، مع جهله بذلك، أو تأوله، أو نسيانه، فيكون معذوراً، لعدم توفر شروط تكفيره ووجود موانعه..

ولهذا قال ابن تيمية رحمه الله: "وأصل ذلك؛ أن المقالة التي هي كفر، بالكتاب والسنة والإجماع، يقال: هي كفر قولاً يطلق، كما دل على ذلك الدلائل الشرعية، فإن الإيمان من الأحكام المتلقاة عن الله ورسوله، ليس ذلك مما يحكم فيه الناس بظنونهم وأهوائهم.. ولا يجوز أن يُحكَم في كل شخص قال ذلك بأنه كافر، حتى تثبت في حقه شروط التكفير وتنتفي موانعه.

مثل من قال: إن الخمر أو الربا حلال، لقرب عهده بالإسلام، أو لنشوئه في بادية بعيدة، أو سمع كلاماً أنكره ولم يعتقد أنه من القرآن، ولا أنه من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما كان بعض السلف ينكر أشياء حتى يثبت عنده أن النبي صلى الله عليه وسلم قالها، وما كان الصحابة يشكون في أشياء، مثل رؤية الله وغير ذلك، حتى يسألوا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومثل الذي قال: (إذا أنا مت فاسحقوني، وذروني في اليم، لعلي أضل عن الله..) ونحو ذلك، فإن هؤلاء لا يكفرون حتى تقام عليهم الحجة بالرسالة، كما قال الله تعالى: { لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسلِ.. (165)} وقد عفا الله لهذه الأمة عن الخطأ والنسيان، وقد أشبعنا الكلام في القواعد التي في هذا الجواب في أماكنها.." [مجموع الفتاوى: (35/165)، والآية من سورة النساء].

وقصة الرجل الذي قال: (إذا أنا مت فاسحقوني...) رواها أبو هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (أسرف رجل على نفسه، فلما حضره الموت أوصى بنيه، فقال: إذا أنا مت فاحرقوني ثم اسحقوني ثم أذروني في الريح في البحر، فوالله لئن قدر عليَّ ربي ليعذبني عذاباً ما عذب به أحداً..).. قال: (ففعلوا ذلك به، فقال للأرض: أدى ما أخذت، فإذا هو قائم فقال له: ما حملك على ما صنعت؟ فقال: خشيتك يا رب، أو قال: مخافتك فغفر له بذلك) [صحيح البخاري (3/1283) رقم (3294) و صحيح مسلم (4/2110) ورقم (2756)].
وقال ابن تيمية في موضع آخر: "والأصل الثاني: أن التكفير العام - كالوعيد العام _ يجب القول بإطلاقه وعمومه. وأما الحكم على المعين بأنه كافر، و مشهود له بالنار: فهذا يقف على الدليل المعين، فإن الحكم يقف على ثبوت شروطه وانتفاء موانعه... وإذا عرف هذا، فتكفير المعين من هؤلاء الجهال وأمثالهم - بحيث يحكم عليه بأنه من الكفار - لا يجوز الإقدام عليه، إلا بعد أن تقوم الحجة الرسالية، التي يتبين بها بأنهم مخالفون للرسل، وإن كانت هذه المقالة لا ريب أنها كفر.. وهذا الكلام في تكفير جميع المعينين.. فليس لأحد أن يكفر أحداً من المسلمين، وإن أخطأ وغلط، حتى تقام عليه الحجة وتبين له المحجة.." [مجموع الفتاوى (12/497-501- 523)].





السابق

الفهرس

التالي


15454223

عداد الصفحات العام

3508

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م