﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ۝٥١ فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ ۝٥٢ وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ ۝٥٣﴾ [المائدة ٥١-٥٣]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(013) التكفير واختلاف العلماء فيه؟

(013) التكفير واختلاف العلماء فيه؟

أسباب الإطالة في حكم التكفير والرمي بالنفاق:

لقد أطلت الكلام في معنى الكفر والتكفير والنفاق وبيان خطرهما.. وترجع هذه الإطالة إلى اٍلأسباب الآتية:

السبب الأول: بروز جماعات وأفراد من شباب المسلمين المتحمسين لهذا الدين، الذين هيَّجت عواطفَهم وألهبت مشاعرَهم، محاربةُ غالب حكومات الشعوب الإسلامية لتطبيق أسس شريعتهم في حياة أمتهم، متواطئين في ذلك مع أعداء الإسلام من غير المسلمين.

فرأوا تطبيق القوانين الوضعية التي يخالف غالبها كتاب الله وسنة رسوله، ورأوا انتشار الظلم وانزواء العدل، كما رأوا اختفاء كثير من الأخلاق الإسلامية، وسيطرة كثير من الأخلاق الفاسدة، ورأوا ارتكاب الكبائر واستباحة المحرمات، ورأوا إهانة دعاة الإسلام وعلماء الأمة والزج بهم في السجون والمعتقلات والمنافي.

بل رأوا قتل كثير منهم بغير جرم ارتكبوه إلا أن يدعوا الناس إلى تطبيق معنى (لا إله إلا الله) ورأوا الأعداء يحتلون أرضهم وينتهكون أعراضهم، ورأوا فريضة الجهاد معطلة في وقت اشتدت حاجة الأمة إليه.. ورأوا سكوت كثير من علماء الأمة عن مناصحة من بيدهم زمام أمور الشعوب الإسلامية ومقاليدها.

ورأوا الواقع العملي في الجهاد الأفغاني يؤيد ما جاء به وحي الله من الكتاب والسنة، من وجوب إعداد العدة لجهاد أعداء الله الكافرين المعتدين، وأنه لا مخرج من عدوان المعتدين إلا بذلك.. فلم تطق هذه الجماعات وهؤلاء الأفراد الصبر على بقاء هذه المآسي في هذه الأمة، فلجأوا إلى التسلح بسلاحين خطيرين:

السلاح الأول: سلاح العقيدة والفكر. السلاح الثاني: سلاح القوة والتنفيذ.

أما سلاح العقيدة والفكر، فقد تمثل في اعتقادهم كفر حكومات الشعوب الإسلامية إجمالاً وتفصيلاً كفراً مخرجاً من ملة الإسلام، وأعني بالإجمال أن حكومةَ دولةٍ مّا من تلك الحكومات كافرة عندهم، وأعني بالتفصيل أن كل فرد بعينه وباسمه كافر.
بل إن بعض تلك الجماعات حكمت بالكفر على كل موظفي الدولة، ومنهم العلماء الذين سموهم بـ(علماء السلطة) بحجة أنهم يوالون الحكام ويعينونهم على كفرهم، بل إن بعضهم كفَّروا الشعوب بحجة أنهم ساكتون عن كفر الحكومات راضون به.

ولهذا وجدت جماعات كثيرة تعتقد هذا الاعتقاد في غالب البلدان الإسلامية، مع الاختلاف في قلة تلك الجماعات وكثرتها في كل بلد منها، وقد بدأت بعض هذه الجماعات في مراجعة مواقفها والرجوع عن اعتقادها الذي ترتبت عليه آثار خطيرة مشروعة.

وأما سلاح القوة والتنفيذ، فهو حمل السلاح واستحلال قتل من اعتقدوا كفره، من الحكام والموظفين والشعوب. وترتب على ذلك ما ترتب من إزهاق لأرواح المسلمين في بلدانهم وهدم لمنشآتهم وإهدار لأموالهم، بل إن بعضهم اجترؤوا على سبي فتيات مسلمات في بعض البلدان.

السبب الثاني: أن هؤلاء الشباب وتلك الجماعات، رتبوا على تكفير من خالفهم في رأيهم، وعدم اعتبار رأيه ومواقفه، ورأوا خلو البلدان الإسلامية من جهة تطاع أو تستشار.. ورأوا أن الجهاد في سبيل الله الذي فرضه الله على عباده، قد عطل ونكست رايته، حتى احتل الكفار بعض بلدان المسلمين، أو سيطروا على حكامها الذين أصبحوا ينفذون في الشعوب الإسلامية ما يخالف كتاب الله وسنة رسوله.

فرتبوا على ذلك أنه يجب عليهم القيام بهذه الفريضة، فاتجهوا إلى التدريب القتالي، وحيازة السلاح، والقيام بغزو بلاد الكفار، وهو ما يسمى بـ(جهاد الطلب) الذي يباح فيه قتل الكفار وإفساد أموالهم وتخريب ديارهم إذا تعينت المصلحة في ذلك، وقتل غير المقاتلين إذا تترس بهم المقاتلون.

واعتبروا أن القدرة المشروعة هي تلك القدرة التي توفرت لهم، من مال وتدريب وحمل سلاح واستعماله، ولم يفكروا فيما يترتب على تدبيرهم من عواقب وخيمة على الأمة الإسلامية، في مشارق الأرض ومغاربها، حيث إنهم يفقدون القدرة على حماية تلك الأمة من عواقب تدبيرهم.. وقد سبق الكلام على وجوب الموازنة بين المصالح والمفاسد، وتقديم أعلى المصلحتين إن لم يمكن الجمع بينهما، وترك أعظم المفسدتين إن لم يمكن تركهما جميعاً.

السبب الثالث: مرور صاحب هذا البحث بتجربة خطيرة، يرى شباب المسلمين اليوم يمرون بها، ورأى أن الواجب عليه نقل تجربته إليهم ليتعظوا بها.. نعم لقد بدأتْ هذه التجربة سنة (1374ﻫ ـ 1954م) ولم يتضح له خطرها اتضاحاً كاملاً، إلا سنة (1383ﻫ ـ 1964م) يعني أن التجربة استمرت عشرة أعوام تقريباً. فما هي تلك التجربة وكيف تبين لصاحبها خطرها والخطأ فيها؟

أولاً: تجربة صاحب البحث:

معلوم ما كان عليه غالب أهل اليمن في تلك الفترة من جهل عام شامل: عام في أصول الدين وفروعه، وشامل لغالب الشعب.. ولست بصدد التفصيل في ذينكم الأمرين، وإنما أذكر ما يتعلق بالتجربة. كان الناس يتبركون بالقبور، وبخاصة قبور آبائي وأجدادي، وكانوا يستغيثون بالموتى، ويدعونهم من دون الله، ويطلبون منهم ما لا يطلب إلا من الله، كطلب المرأة العاقر من الميت أن يرزقها الولد، وكانوا يذبحون للموتى الذبائح يطلبون منهم نزول الغيث عند الجدب.

وعندما بدأت طلب العلم في قرية "صامطة" بمنطقة جيزان في جنوب غرب المملكة العربية السعودية، عرفت أن كثيراً من تلك الأمور من الشرك الأكبر المخرج من الملة، ولم أعلم أنه لا يجوز تكفير المعين إلا بعد إقامة الحجة عليه.. فاعتقدت كفر المسلمين الذين يفعلون ذلك هناك، وأول من شمله تكفيري أسرتي، اعتقدت كفر أبي الذي مات وأنا حَمْل، واعتقدت كفر أمي التي توفيت وأنا صغير، واعتقدت كفر إخواني الذين كاد أحدهم يقتلني بسبب إعلاني تكفيرهم، وحرَّمتُ أكل ذبائح كل الناس الذين لم يعلنوا إسلامهم من جديد ويكفروا بما كانوا يعتقدون.

ثم ألَّفت منظومة، وكتبت عليها تعليقات من بعض كتب التوحيد، وسميتها "بهجة القلوب في توحيد علام الغيوب" ذكرت فيها تلك الأعمال الشركية، وكفَّرت أشخاصاً بأعيانهم، ذكرتهم في المنظومة بأسمائهم، وقد طبعت ووزعت في غالب قرى اليمن، وبخاصة بلدان تهامة..

ثانياً: كيف تبين لي خطر التجربة وخطؤها؟

كنت قبل مجيئي إلى الجامعة الإسلامية في المدينة النبوية، قد تمكنت من قراءة ما نشر من كتب علامة القصيم الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله، ومنها كتابه "تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان"، وكان كثيراً ما يذكر في كتبه شيخ الإسلام ابن تيمية في كتبه وينقل كلامه، وتأثرت بأسلوب الرجل لسهولته واعتداله.. ولكني لا أذكر شيئاً علق بذهني من تلك القراءة في موضوع التكفير.


وعندما جئت إلى الجامعة الإسلامية وجدت في شرح كتاب الطحاوية ما يخالف ما كنت أراه، فسألت أستاذنا الشيخ المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله، فقال: إن الكافر المعين الذي لم يدخل في الإسلام ويعلن إسلامه، نطبق عليه أحكام الكفر كلها في الدنيا، ولكنا لا نحكم عليه بجنة ولا نار في الآخرة وندع أمره إلى ربه، لأنا لسنا مكلفين بالحكم على الناس في الآخرة.

وطال الحوار بيني وبينه رحمه الله، وكان يمتاز عن كثير من الأساتذة باللطف والصبر والحوار، قوي الحجة في الإقناع.. فأقنعني بأنه لا يجوز تكفير المعين قبل إقامة الحجة عليه، ولو أتى ما هو كفر، ولا يجوز الحكم على معين بأنه مخلد في النار، كما لا يحكم لأحد بأنه من أهل الجنة، إلا إذا قام الدليل على ذلك.

ونصحني بالإكثار من قراءة كتب ابن تيمية رحمه الله، فنفذت نصيحته.. وقرأت بعد أن انتهيت من دراسة الجامعة سنة 1385ﻫ عشرين مجلداً من مجموع الفتاوى، فوجدت فيها بغيتي، ومنها تبين لي خطأي في تلك التجربة، وسبق ذكر بعض النصوص التي أثبتُّها هنا في هذا الكتاب من كلامه رحمه الله.. كما أثبتُّها في كتابي: "الإيمان هو الأساس"، وحمدت الله تعالى أن تبين لي الحق الذي كنت أجهله، وبسبب ذلك الجهل كفرت أقرب المقربين إليَّ وهما الأبوان، ولم أكن أستغفر لهما.

هذه تجربتي أنقلها لأبنائنا الشباب المتحمسين، الذين يجب أن يراجعوا أنفسهم، ولا ينساقوا وراء المكفرين ممن لم يصقل عقولَهم فقهاءُ الإسلام، ولم تتوفر لهم معرفة دراسة قواعد العلوم وأصولها على أيدي مشايخ العلم المتمكنين منه، كما قال الإمام الشاطبي فيما سبق: "من أنفع طرق العلم الموصلة إلى غاية التحقق به، أخذُه عن أهله المتحققين به على الكمال والتمام.. وقلما وُجِدتْ فرقة زائغة ولا أحد مخالف للسنة، إلا وهو مفارق لهذا الوصف".





السابق

الفهرس

التالي


15320195

عداد الصفحات العام

139

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م