﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ۝٥١ فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ ۝٥٢ وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ ۝٥٣﴾ [المائدة ٥١-٥٣]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(015) سافر معي في المشارق والمغارب

(015) سافر معي في المشارق والمغارب

الأربعاء: 22/1/1410ﻫ ـ 23/8/1989م.

وداع معالي وزير التعليم:

كان صباح هذا اليوم وقت راحة، لأني سأسافر مساء إلى الفلبين، لذلك لم يكن لنا اليوم برنامج زيارات، ما عدا زيارة معالي وزير التعليم في مكتبه لوداعه في الساعة الثالثة والنصف مساء. وبعد الغداء جاء الأخ أمينول وذهبنا إلى والده في مكتبه، وكان أول ما قاله لي: أعتذر إليك فقد كان الحق لك في أن أزورك أنا وأودعك، لكن مشاغل العمل في الوزارة والاتصالات الهاتفية التي يصعب الغياب عنها كانت السبب في بقائي في المكتب.


استقبال الوزير في مكتبه عند الوداع، وعلى اليمين في الصورتين الأخ أبو هريرة الفيليبيني المترجم. 22/1/1410ﻫ ـ 23/8/1989م.

قلت له: أنا أشكرك كثيراً على ما أوليتني به من كرم الضيافة، وما أتحته لي من فرصة الزيارة لهذا البلد المسلم، والاتصال بما أمكن من المؤسسات الإسلامية، وبمن أمكن من العلماء والمفكرين.

ثم قلت له: إذا كان وقتك يسمح لي بذكر بعض الأمور التي خطرت لي في هذه الزيارة مما يتعلق بالتعليم، فإني أرغب في ذلك، حرصاً مني على تحقيق بعض المصالح التي أعرف أنك حريص على تحقيقها فقال - وهو يجلس جلسة المتأدب، كأنه طالب أمام أستاذه -: إنني سأكون سعيداً بتوجيهاتك ونصحك، فأنت رجل علم وتربية وخبرة ودعوة، ومن واجبي أن أستمع إليك وأحاول تنفيذ توجيهاتك. فقلت له: أنا أقل من ذلك، ولكن بعض الخواطر قد تفيد.

ثم ذكرت له الأمور الآتية:

(1) العناية بقسم الدراسات الإسلامية: بمناهجه وأساتذته وكتبه، والوصول به إلى أن يكون كلية
للدراسات الإسلامية، لأن شباب بروناي في حاجة إلى هذا، وهو سيوفر الكفاءات التي تجعل بروناي تكتفي ذاتياً بمدرسي المواد الإسلامية والعربية، ولا بد في أول الأمر من الأخذ بأمرين مهمين لإنجاح هذا المشروع:

الأمر الأول: ابتعاث عدد من طلاب بروناي للجامعات الإسلامية للتزود بالعلوم الإسلامية والعربية في الدول العربية، ليحملوا مؤهلات عالية وعليا، ويعودوا لتأدية واجبهم في الجامعة والمدارس الأخرى الحكومية وغيرها.

الأمر الثاني: اختيار أساتذة أكفاء من الجامعات الإسلامية في الدول العربية لتدريس الطلبة في الجامعة، ليكونوا مؤهلين للدراسات العليا في الخارج وفي نفس الجامعة. وكنت قد كتبت بعض الملحوظات المتعلقة بالجامعة وباللغة العربية والدراسات الإسلامية وترجمها الأخ أبو هريرة إلى اللغة الإنجليزية وسلمتها له.

(2) الإكثار من الحلقات العلمية ودعوة الشباب لحضورها في منزلكم، وفي المساجد الأخرى، والعناية بمنهجها الذي تسير عليه وهذه اقتراحات تتعلق بذلك:

أولاً: لا بد من مشايخ متخصصين في العلوم الإسلامية مثل: التفسير والحديث والفقه المقارن في المذاهب الأربعة - والسيرة النبوية، وأصول الفقه، وأصول التفسير، واللغة العربية وغيرها، وتتاح لهم فرصة التعليم على نظام الحلقات العلمية القديمة التي تستوعب جميع الراغبين من الطلاب في التزود من العلم بمستوياتهم المختلفة، وبذلك ينتشر العلم ويتعمق الطلاب فيه أكثر لما في الحلقات العلمية من الحرية في الشرح المطول والموجز بحسب الحاجة، ولما فيها من المرونة التي يتمكن بها الأستاذ من تكييف حلقاته وتدريسه.

ثانياً: يجب أن يكون التدريس باللغة العربية في جميع مواد الحلقات العلمية، ويكون المدرسون عرباً – أصلاً - أو تعلموا العربية على العرب وأتقنوها نطقاً وقراءة وكتابة. لان فهم العلوم الإسلامية باللغة العربية
مباشرة، هو الوسيلة الصحيحة لفقه القرآن والسنة ومعرفة حقيقة معانيهما، وكذلك العلوم المتعلقة بهما.
وضربت له مثالاً بمن يتلقى التعليم الإسلامي باللغة العربية مباشرة ومن يتلقاه بالترجمة، وذلك المثال هو: مثل رجل أشتد عطشه وبحث عن ماء ليروي غليله، فوجد عيناً تنبع من جبل نبعاً صافياً ونزل هذا الماء الصافي، فمر في الأرض بأماكن نظيفة، وأماكن متسخة بالأتربة والغثاء والقاذورات، ففكر في ذلك وقال في نفسه: الوصول إلى الماء الصافي في منبعه صعب، ولكنه يحقق لي شرب الماء سليماً من القذر والكدر، والشرب من الماء القريب في أسفل الجبل سهل، ولكنه قد يسبب لي مرضاً، فشمر وصعد إلى منبعه وشرب ماءاً عذباً صافياً وتزود منه وواصل سيره، فهذا مثل الذي يتفقه في الدين عن طريق اللغة العربية مباشرة.

ورجل آخر استسهل وجود الماء عنده ولو كان كدراً فشرب منه، واستصعب الوصول إلى منبعه فلم يصعد إليه، وهذا مثل من يأخذ العلم بالإسلام عن طريق الترجمة. فقال: إن الذي قلته حق ونحن نشعر بذلك، وضرب هو مثلاً آخر، فقال: وأنا أشبه من يأخذ الإسلام عن طريق الترجمة برجل له مظهر ممتاز بلباس جميل، ولكنه في الحقيقة مخبره ليس كمظهره.

وهنا اغتنمت الفرصة وقلت له: ولهذا تجد من يتلقى التعليم عن طريق الترجمة قد يعطي ما يظن أنه من الإسلام، وهو ليس منه، ومن هنا كثرت البدع والخرافات بين المسلمين، ولو أن الإسلام أخذ صافياً من منبعه كما يريد الله، لما وجَدت تلك البدع أو الخرافات مكاناً لها في مساجد المسلمين ومدارسهم فضلاً عن عوامهم. والإسلام هو ما جاء به الكتاب والسنة وليس ما ادعاه أحد مما يخالفهما.

ثالثاً: ينبغي أن تُختار كتب من المراجع الأصيلة في العلوم الإسلامية، ليدرسها الطلبة في هذه الحلقات، بالتفصيل لعدم مقدرتهم على ذلك في فصول الدراسة الجامعية وغيرها من المدارس الرسمية، لأن أوقات الدراسة الرسمية محددة، والمناهج معدة إعداداً معيناً يصعب معه التوسع، والهدف من الحلقات العلمية إعطاء أكبر قدر ممكن من العلوم الإسلامية.

ثم إن المراجع الأصيلة هي التي تمكن الطالب من أخذ الإسلام صافياً، وضربت مثالاً لذلك بتفسير ابن كثير أو مختصراته، فتفسير ابن كثير أولى من المختصرات، وهكذا في الحديث والفقه والسيرة وغيرها.
وقال الوزير: إن لدينا الآن حلقات تحفيظ القرآن الكريم على غرار ما يجري في الحرمين. وإنه قد قام بزيارة البلدان الآسيوية في شرق آسيا وعمان للاطلاع على سير التعليم الإسلامي فيها. وإنه سيقوم مع مجموعة من الأساتذة والطلبة في بروناي بزيارة الجامعات السعودية، للاطلاع مباشرة على سير الدراسة فيها
والتربية العملية فيها، وسيكون ذلك في شهر ديسمبر. [يبدو أن الزيارة لم تتم، فقد أخبرت رئيس الجامعة الإسلامية بذلك ولكن لم تحصل هذه الزيارة]. وقال: إن الاهتمام باللغة العربية أمر ضروري لا بد منه.

وطلبت من معاليه أن يشرفني بزيارته لي في منزلي عندما يأتي إلى المدينة المنورة في زياراته الخاصة التي تتكرر في شهر رمضان - في الغالب - والرجل عندما يأتي إلى المدينة في رمضان يحاول أن ينفرد بنفسه، ليقضي أوقاته في العبادة في المسجد النبوي، ولكنه وعدني بتحقيق رغبتي إذا تيسر له ذلك. [جاء إلى المدينة في أيام الحج، وحاول الاتصال بي فلم يجدني، إذ كنت غائبا عن المدينة، وكان يحمل لي كتابا ألفه أحد الأساتذة الإندونيسيين الذين يقومون بالتدريس في جامعة بروناي، وترك لي الكتاب لدى أحد الأصدقاء].

من أي الريحانتين أنت؟

هذا، وقد كان سألني: من أي ريحانتي الرسول صلى الله عليه وسلم أنت؟ فقلت له: من نسل الحسين بن علي رضي الله عنهما. فقال: سلطان بروناي من ذرية الحسن بن علي رضي الله عنهما. وعقب على ذلك بقوله: العلماء من ذرية الحسين، والأمراء من ذرية الحسن، وكتب لي الوزير عنوانه وأرقام هواتفه بيده في مذكراتي.

قلت له: إن الحسن جاءته الخلافة بدون طلب منه لها، وعندما رأى المصلحة العامة تقتضي التنازل عنها تنازل لمعاوية، فأعقب ذريته بالإمارة، والحسين بن علي رضي الله عنهـما قاتل عليها - وهو قاصد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلم يجعل الأمارة في نسله.

وداع عاطفي مؤثر وطلب دعاء:

وبعد هذه المذاكرة جاء وقت الفراق، فقال لي: لي طلب أرجو أن تهتم به، وهو أن تكثر من الدعاء لسلطان بروناي بأن يرزقه الله التقوى لأن أتباع السلاطين يقتدون بهم. ثم التزمني بقوة وأخذ يقبل كتفي ويلصق صدره بصدري، وأجهش بالبكاء وانهمر الدمع من عينيه. وقابلت ذلك بمثله.ولم يستطع التحرك من مكانه في المكتب لوداعي إلى خارجه، فقد كان ينتحب ويمسح دموعه بمنديله. ثم خرجت من مكتب الوزير يرافقني ابنه الصالح أمينول وسكرتيره أغلو حاج زيني فغيران آري، والأخ أبو هريرة الفلبيني الذي آنسني في هذا الأسبوع في إقامتي وتجوالي. وقام الأخوان أمينول وزيني بإنهاء الإجراءات في المطار وودعني الإخوة، فدخلت الطائرة في الساعة السادسة والدقيقة الخامسة والأربعين، وهو موعد الإقلاع.

رسالة من الروضة الشريفة!

فأقلعت الطائرة في الساعة السابعة، وكنت متأثراً بمشهد الوداع العاطفي في مكتب الوزير، فتخيلت أنني وصلت إلى المدينة وصليت في روضة الرسول صلى الله عليه وسلم. وكتبت له رسالة شكر من هناك، فأنشأت وأنا في الجو هذه الأبيات:

يا زائراً دار السلام وأهلها،،،،،،،،،،،،،بلغ فِهِن ْعبدَ العزيز سلامي
وانقل إليه شذاً بطيبة فائحاً،،،،،،،،،من روضة الهادي إلى الإسلام
واشكر له صُنْعَ الكرام فإنه،،،،،،،،،،،،،،لا خير في الدنيا بغير كرام
ليس الكريم هو السخيَّ بماله،،،،،،،،،،،،،ما لم يفز بتُقىً وخُلْقٍ سام
ولقد أصبتَ من الثلاثة وافراً،،،،،،،،،،،،،فازدد يُنِلْك الله خيرَ مرام
دار السلام لِدي رجالاً مثلَه،،،،،،،،،،،،،،،،يَمنُنْ عليك الله بالإنعام




السابق

الفهرس

التالي


16130913

عداد الصفحات العام

1639

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م