﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ۝٥١ فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ ۝٥٢ وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ ۝٥٣﴾ [المائدة ٥١-٥٣]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(013)حوارات دعوية عالمية

(013)حوارات دعوية عالمية



الموقع والشريطإجابات مختصرة عن الشبهات التي أوردها المستشرق "كارل"



كنت حاولت الرد على أسئلته وهو موجود، ولكنه اعتذر عن البقاء كما سبق، ومادام قد ألقى شبهاته حول الإسلام ومضى، فلا بد من الإجابة عنها باختصار:



الشبهة الأولى: الحرية الشخصية للإنسان، المسلم حر أن يذهب إلى الفاتيكان ويطلق النار على البابا، كما فعل التركي، والمسيحي ليس من حقه أن يذهب إلى مكة والمدينة..



الجواب عن هذه الشبهة من وجهين:



الوجه الأول: أن المسلم عندما يذهب إلى كنائس النصارى في أي بلد من البلدان، له الحق أن يدخلها بإذن من أهلها، لأنه يعترف برسول الله عيسى عليه السلام [بل بجميع الرسل] ويعترف بأن هذه الكنائس هي أماكن عبادة للنصارى، فهو يدخل ضيفا في الكنيسة.



وقد أمرنا الله تعالى أن نتركهم وشأنهم في عبادتهم، وإن كانت عبادتهم فاسدة، لأنها مبنية على كتاب محرف، ولأن الواجب عليهم بعد أن أرسل الله رسوله محمدا صلّى الله عليه وسلم، على جميع البشر، فالمسلم يدخل بيتا معترفا لصاحبه بملكه.



بخلاف النصراني [وكذلك اليهودي، ومن باب أولى الوثني] فإنه لا يعترف مطلقا برسالة الرسول صلّى الله عليه وسلم، فللمسلمين الحق في منعهم من دخول أعظم مسجد يؤدون فيه عبادتهم وهي العبادة الصحيحة لله تعالى، وهذا المسجد هو أول بيت وضع للناس في الأرض، وفيه بدأ نزول الوحي والدعوة إلى الله، وهل يغضب من رجل منعك من دخول منزله الذي لا تعترف له بأنه بيته؟!



هذا جواب عقلي، يُرد به على هذه الشبهة التي يوردها النصارى، وقد أوردها عليَّ يهودي في بريطانيا، وأجبته بذلك... وقلت له: اعترف برسالة محمد صلّى الله عليه وسلم، كما نعترف نحن برسالة موسى عليه السلام، ونحن نأذن لك بدخول مكة والمدينة، فانقطعت حجته. وإنما أجبته بذلك مع ورود نصوص في منع المشركين دخول المسجد الحرام، لأنهم لا يؤمنون بنصوص القرآن والسنة.



الوجه الثاني: لنا الحق أن نتمسك بأحكام ديننا الذي نؤمن به، فإذا ألزمنا أن نمنع غير المسلم من دخول بعض مساجدنا، وجب علينا امتثاله، وليس لأحد الحق في الاعتراض علينا، وهم يعترضون علينا في تنفيذ شريعتنا.



وهذه بعض دولهم تحارب أي حكومة من حكوماتنا تتنوي تحكيم شرع الله، وتقاطعها اقتصاديا ودبلوماسيا وسياسيا وعسكريا، وهذه أمريكا اليوم تريد أن تفرض على حكومات الشعوب الإسلامية، وبخاصة البلدان العربية، أن تغير مناهجها، وتطبق ما تحدده لها من دينها، وتهمل ما تشاء.



وقد نهى الله تعالى في كتابه دخول الكفار المسجد الحرام، كما قال تعالى: قال تعالى: {ياأيها الذين ءامنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء إن الله عليم حكيم} [التوبة (28)]



وأهل الكتاب هم من المشركين، وإن خصهم الله ببعض الأحكام التي لا تجوز مع غيرهم من الوثنيين، كأكل ذبائحهم والزواج من نسائهم المحصنات، وقد دل على شركهم القرآن والسنة.



قال تعالى: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون (29) وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون (30) اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون (31)} [التوبة]



وفي حديث عدي بن حاتم رضي الله عنْه، قال "دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفي عنق عدي صليب من فضة، وهو يقرأ هذه الآية {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله} قال فقلت: إنهم لم يعبدوهم فقال: (بلى إنهم حرموا عليهم الحلال وأحلوا لهم الحرام فاتبعوهم فذلك عبادتهم إياهم...) [رواه الترمذي، برقم (3095) وذكره ابن كثير في تفسير الآية السابقة، تفسير القرآن العظيم لابن كثير (2/349)]



وفي حديث أبي هريرة رضيَ الله عنه، قال: "بعثني أبو بكر في تلك الحجة، في مؤذنين بعثهم يوم النحر يؤذنون بمنى، "أن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان" [البخاري، برقم (4378) ومسلم، برقم (1347)]



فلا فرق بين أهل الكتاب وغيرهم من المشركين، في منع دخولهم المسجد الحرام... وقد بسط اللقرطبي رحمه الله أقوال العلماء في دخول أهل الكتاب وغيرهم المساجد في تفسره [(8/4-806)]



والذي يظهر أنه إذا اقتضت المصلحة دخولهم، وأُمِن ضررهم المسلمين منهم، كأن يراد إطلاعهم على ما يقوم به المسلمون من عبادة الله، وسماع ما يدعوهم إلى الإسلام، بإذن من ولاة أمر المسلمين، فلا مانع منه، في غير المسجد الحرام من المساجد، بما في ذلك مسجد الرسول صلّى الله عليه وسلم...كما في قصة ربط ثمامة بن أثال في إحدى سواري المسجد في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلم [البخاري رقم 4372، فتح الباري (8/87) ومسلم(3/1386)].



فقد استقبل الرسول صلّى الله عليه وسلم كثيرا من الوفود، من النصارى والمشركين في مسجده، لما في ذلك من المصلحة [راجع البداية والنهاية (5/41-95)]. بل ذكر ابن كثير أن وفد نصارى نجران: دخلوا على الرسول صلّى الله عليه وسلم، في مسجده حين صلى العصر وباهلهم.... وأنهم عندما حانت صلاتهم، صلوا في مسجده... فصلوا إلى المشرق" [تفسير القرآن العظيم (1/369) وراجع في قصتهم سيرة ابن هشام (3/112)]



الشبهة الثانية: شبه الجزيرة العربية لا توجد بها كنيسة إلا في الكويت، [يقصد بخلاف أوروبا فإن فيها مساجد للمسلمين] وقال له المترجم: وفي الإمارات. أقول: لأن الجزيرة العربية لها حرمتها الخاصة، بأمر من الرسول صلّى الله عليه وسلم، فلا يجوز بناء الكنائس فيها، كما أن لمدينة الفاتيكان حرمتها الخاصة عند المسيحيين، ولا أظن ان البابا يمنح المسلمين فيها حيا خاصا يبنون فيه مساجد، يعبدون الله في داخلها، ويعلمون أبناءهم الإسلام.



فإذا قال قائل: إن للمسلمين مراكز إسلامية تشتمل على مساجد لها مآذن تميزها في البلدان الغربية، ومدارس ومعاهد وكليات، ومن ضمن البلدان التي بنيت فيها تلك المساجد روما المجاورة لمدينة الفاتيكان. فنقول له: هذا شبيه - مع الفارق -بالكنائس التي بنيت، ولا زالت تبنى، في بلدان المسلمين، ما عدا الجزيرة العربية، وكذلك الجامعات والمعاهد والمدارس الغربية التي شيدت للمسيحيين في كثير من البلدان الإسلامية، ولا عبرة بصغر الفاتيكان، وسعة جزيرة العرب، وإنما العبرة بالحرمة الثابتة عند الفريقين.



الشبهة الثالثة: الإسلام لا يعترف إلا بالأديان التي سبقته، ولا يعترف بأي فكر ديني يظهر بعد، كالقاديانية، والبهائية، وشهود يهوى، فهؤلاء ما لهم في الإسلام إلا السيف، وهذا يخالف حرية الإنسان وحقوقه. والجواب أن الإسلام أقر أهل كل دين على دينهم، فبقي اليهودي على يهوديته، وبقي النصراني على نصرانيته، والصحيح أيضا أن الوثني بقي على وثنيته، ما عدا المشركين من العرب الذين نزل القرآن الكريم بلغتهم وفي بلادهم، وبعث الرسول صلّى الله عليه وسلم منهم، واصطفاهم الله تعالى لحمل الدعوة إلى هذا الدين، وتبليغه إلى سائر الأمم.



والدليل على بقاء أهل تلك الأديان على أديانهم، الواقع الذي لا زال ماثلا إلى الآن، في كل بلدان المسلمين، حتى الوثنيين بقوا على دينهم، ولا زالت معابدهم باقية إلى يومنا هذا، في فارس والهند وجنوب شرق آسيا، ولم يهدمها المسلمون الفاتحون أو الدعاة، كما هدموا الأصنام عند الكعبة، وكما هدموا الأوثان في الجزيرة العربية، وقد يهدمها أهلها الذين دخلوا في الإسلام باختيارهم، لا عن طريق الإكراه.



أما أن يدعي المسلم الإسلام ويغير حقيقة الإسلام، كما فعل القاديانية، فهذا أمر لا يجوز الاعتراف به، ولا إقراره عليه، لما في ذلك من الفتنة التي يحدثها بين المسلمين، ولما فيه من هدم الإسلام نفسه... ولهذا أجمع المسلمون أن الفرقة القاديانية ليست من المسلمين. وقد اشتد النزاع بين طوائف المسيحيين، ولازال يشتد إلى يومنا هذا، بسبب مخالفة بعضهم بعضا فيما يعتقدون، كما هو الحال بين الكاثوليك والبروتستانت، وكذلك بين اليهود والنصارى، إذ يدعي اليهود أن عيسى عليه السلام ابن زنا، ويدعي النصارى أنه إله [ونحن ننزهه من ذلك كله، ونقول: كما قال الله: {عبد الله ورسوله}]



والفرق بين الإسلام والمسيحية، من ثلاثة أوجه:



الوجه الأول: أن المسيحية لم تعد لها نصوص ثابتة كما كان الإنجيل ثابتا في عهد عيسى عليه السلام، بل حرف تحريفا يعترف به المسيحيون أنفسهم، والموجود منه إنما هو من كتابات بعض أتباع عيسى كتبوه بعده بفترة طويلة، وبين الأناجيل من الاختلاف ما أحدث شكوك كثير من المسيحيين في دينهم وحملهم على تركه واللجوء إلى الإلحاد، أو إلى الدخول في أديان أخرى من بينها الإسلام.



وهذا يخالف ما جاء به الرسول صلّى الله عليه وسلم، من القرآن والسنة، فالقرآن محفوظ بنصه، كما أنزله الله تعالى على رسوله صلّى الله عليه وسلم، نقلته أمم عن أمم من يوم نزوله إلى يومنا هذا وسيبقى كذلك محفوظا بحفظ الله تعالى إلى يوم القيامة.



وكذلك سنة الرسول صلّى الله عليه وسلم، ثابتة بالأسانيد الصحية، وكل راوٍ من رواة الحديث، له ملف كامل عند أهل الحديث، يعرفون مولده ووفاته ويعرفون صدقه من كذبه، والحافظ من غيره، ولذلك قسموا الحديث إلى الصحيح والضعيف والموضوع، ولا يقبلون إلا ما اجتمعت فيه الشروط التي يقبل بها، وهذه الميزة لحديث رسول الله صلّى الله عليه وسلم، لا توجد للإنجيل الذي يعتمده المسيحيون اليوم، ولا للتوراة كذلك لتحريفهما جميعا.



فالمسلم يعود إلى نصوص القرآن والسنة، فيجد فيهما ما يبين له الحكم في تصرفاته، وهو يعلم أن هذه النصوص ثابتة عن الله وعن رسوله صلّى الله عليه وسلم، فيعمل بها وهو موقن مطمئن لا يخالجه شك في ثبوتها.



الوجه الثاني: أن المسيحيين المقرين بالديانة المسيحية، لا يلتزمون بما في إنجيلهم المحرف، ولذلك تجد المسيحي الذي يتردد على الكنيسة، يمارس العلاقات غير المشروعة علنا، فيصرح كل من الرجل والمرأة بأن بعضهم يعيش مع بعض وينجبون أطفالا بدون زواج شرعي، كما صرح بذلك المستشرق "كارل سْوانجِر" هذا نفسه الذي أورد هذه الشبه، وكما صرحت المحامية "بربرا ( GELGER BARBARA)، التي سبق الحديث عنها، وغيرهما كثير في جميع بلدان العالم. وهذا يخالف الإسلام الذي يلزم المسلم، بفعل الواجب وترك المحرم، وإذا ترك المسلم الواجب أو فعل المحرم، اعتبر عاصيا يستحق عقوبة في الدنيا أو في الآخرة، ولا يقره المسلمون على ذلك.



الوجه الثالث: أن المسيحيين يعترفون بأن دينهم ليس فيه شريعة تطبق في حياتهم، بل إنهم يفخرون بأنهم علمانيون، لا يتدخل دينهم في حياتهم، وهم صادقون في ذلك، فليس في إنجيلهم ما يصلح لأن يكون شريعة، فيها أحكام تضبط شئونهم الأسرية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية وغيرها. بخلاف الإسلام، فإنه منهج لحياة المسلمين، فصل الله فيه الأحكام التي لا تدع شاردة ولا واردة، إلا وجدوا لله فيها حكما، بالوجوب أو التحريم، أو الندب أو الإباحة، مع عدم وجود حرج عليهم في ذلك كله....



الشبهة الرابعة: لا توجد حرية للإنسان، فهو إما أن يكون ذمياً أو مسلماً، وإذا كان ذمياً، وهو الكتابي، فعليه أن يدفع الجزية مقابل أن يعيش في الدولة الإسلامية، أما عندنا فليعتقد الإنسان ما يشاء بدون أن يدفع شيئاً. وهذه دعوى باطلة، فأهل الكتاب كلهم أحرار في البقاء على دينهم، كما سبق، وأما أخذ الجزية، فهو أمر مفروض عليهم للإسهام في المصالح العامة للدولة التي يعيشون فيها، وبخاصة نفقات الحرب ضد الحروب التي يشنها أعداء البلد من خارجها.



فالمسلمون يدفعون الأموال لإعداد العدة التي يدافعون بها عن البلد، ويبذلون نفوسهم في المعارك، ولا يجبرون غير المسلمين على القتال في صفوفهم، والمسلمون يدفعون زكاة أصناف أموالهم عبادة لله. وغير المسلمين لا يقرون بالإسلام حتى تؤخذ منهم الزكاة، وما يدفعه غير المسلمين من الجزية، لا يعد شيئا بجانب ما يدفعه المسلمون.



ودول الغرب تأخذ اليوم من رعاياها [ومنهم المسلمون سواء كانوا متجنسين بجنسية البلد، أو مقيمين مجرد إقامة] ضرائب باهظة، لا تصل الجزية إلى مقدارها.



الشبهة الخامسة: حرية المعتقد حسب ما نفهم في القانون الأوروبي، يجوز أن يكون الإنسان ملحداً، والإسلام لا يعترف بذلك.



أولا: سبق أن الإسلام لا يكره غير المسلمين على الدخول في الإسلام {لا إكراه في الدين} وأن الأصل هو دعوة غير المسلم وإقامة الحجة والبرهان على الإيمان بالله وبرسوله صلّى الله عليه وسلم، وبالوحي الذي أنزله الله تعالى هداية لكل البشر، فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه، ومن ضل فإنما يضل عليها. وسبق أن الإسلام يترك الناس على ما يعتقدون، دون تفريق بين كتابي وغيره.



ولكن الإسلام لا يجيز لمن دخل فيه مختارا، أن يخرج منه، لأنه رأى نور الإسلام واستظل بظله الوافر، وخروجه من الإسلام بعد الدخول فيه، ذريعة لهدم نظام الإسلام، وهذا ليس غريبا حتى في الأنظمة البشرية التي تحكم بالخيانة العظمى على من خرج على دساتيرها وأراد تغيير تلك الأنظمة.



ثانيا: معلوم أن قوانين البلدان تختلف، وكل بلد يطبق قوانينه، ولا يتيح أي بلد لتدخل بلد آخر في قوانينه. هذا في القوانين البشرية، فكيف بشريعة مفصلة يعتقد أهلها أن ربهم تعبدهم بها، ويعتقدون أن عدم الطاعة لصاحبها جريمة لا يجوز لهم ارتكابها...



الشبهة السادسة: المشكلة الأساسية عند المسلمين حرمة القرآن عندهم، فالقرآن لا يمكن مناقشته. وهذه الشبهة التي يوردها المستشرقون وتلامذتهم من أبناء المسلمين، شبهة ماكرة قصدهم منها جعل كتاب الله وسنة رسوله صلّى الله عليه وسلم، وأصول هذا الدين ميدانا مشاعا، يحق لكل من هب ودب الدخول إليه والسباق في حلبته، باسم الاجتهاد وحرية الرأي، ليعبثوا فيه كما يريدون، بتحريف معانيه وطمس حقائقه، وتشويه مقاصده، ليَحرِفوا بذلك أهل هذا الدين عن صراطهم المستقيم، فيكونوا مسلمين اسما دون مسمى، كحال غيرهم من أهل الأديان المحرفة، ولينفروا غير المسلمين من الإقبال عليه والدخول فيه.



فإذا قيل لهؤلاء: إن هذا القرآن وهذه السنة، لهما قواعد وعلوم بها يتأهل بها من يريد الخوض في فهمهما والاجتهاد فيهما، قالوا: هذا عين الكهنوت الذي جعل الأوربيين يثورون على رجال الكنيسة الذين حالوا بينهم وبين التقدم وإحراز العلوم الكونية، للحجر على عقول المفكرين والمبدعين والمبتكرين.



وقد حاول المشركون العرب على سذاجتهم أن يغير الرسول صلّى الله عليه وسلم، القرآن أو يبدله، فأنزل الله تعالى الرد الحاسم أن ذلك لا يكون أبدا، وأنه ليس من حق الرسول تغييره ولا تبديله، ليبقى الإسلام صافيا بدوامه و ثباته سليما إلى يوم القيامة، كيوم نزوله: قال تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15)} [يونس]



ووعد الرحمن تعالى بحفظ هذا القرآن من التحريف والتبديل إلى يوم الدين، ولم يَعِدْ أي كتاب، من الكتب السابقة بحفظه له، لأن القرآن هو آخر الكتب التي لا يمكن أن ينزل للبشرية كتاب من عند الله بعد نزوله، ولأن الواجب على جميع البشر أن يؤمنوا به وبمن أنزله وبمن نزل عليه "الرسول صلّى الله عليه وسلم" الذي هو خاتم الرسل، كما أن دينه هو خاتم الأديان.



ونسي هؤلاء أو تناسوا، الفرق العظيم بين الإسلام الذي حفظت نصوصه، وفصلت مضامينه، في كل مجال من مجالات حياة البشر، وحفظ من التغيير والتبديل في تلك النصوص، والمسيحية التي سبق أن نصوصها الإلهية قد ضاعت وحرفت معانيها في أعظم شأنها، وهو الاعتقاد في الله وفي رسله.



كما نسوا أن الدين المسيحي مبني على الإنجيل المحرف الذي لا يوجد فيه تشريع يمكنه تسيير حياة البشر، وأن رجال الكهنوت المسيحيين، الذين ادعوا الاختصاص بالحق الإلهي وتفسيره، قد أعطوا أنفسهم هذا الحق، بدون دليل ولا علم وإنما بمجرد الدعوى، ولهذا تبين زيف دعواهم، بمباينة آرائهم وأفكارهم للفطرة والعقل، وحالوا بين قومهم وبين التقدم في الحياة.



ولهذا تيقن الأوربيون أن العلم لا يجتمع مع الدين [الكنسي] فكانوا بين خيارين: خيار البقاء تحت نير من يزعمون أنهم ينوبون عن الله في السيطرة على الناس، وخيار الخروج على الدين الذي حرمهم من تسيير حياتهم، على أسس عقلية فطرية، فآثروا هذا الخيار على الخيار الأول، وحاربوا رجال الدين حربا طويلة، سفكت فيها الدماء، وحرروا عقولهم من سجن رجال الكنيسة، وتمكنوا من الاستقلال عن قيودهم التي كبلتهم.



ثم ظن كثير من الأوربيين أن دين الإسلام كالدين المسيحي، الذي يحجر على العقول من ان تنطلق في الابتكار والإبداع، ويدعي رجاله ما يدعيه رجال الكهنوت المسيحي، وغرس هذا المعنى في عقولهم غالب المستشرقين الذين تعمدوا تشويه الإسلام ومحاربته، مع أن كثيرا منهم يعلمون أنهم معتدون ظالمون، كما فضح قصدهم بعض من زملائهم، ومنهم العالم الفرنسي "غوستاف لوبون" في كتابه "حضارة العرب" والمستشرقة الألمانية "زغرد هونكه" في كتابها "شمس الله تسطع على الغرب".



ومن عجيب أمر المستشرقين الذين يشوهون الإسلام، ويوردون عليه مثل هذه الشبهة، وهي حرمة القرآن عند المسلمين، فالقرآن لا يمكن مناقشته. وقصدهم من ذلك إخضاع القرآن لنقدهم ومعارضته بآرائهم، كما يفعلون مع أي كتاب آخر، بحجة الاجتهاد وحرية الرأي!



ونسوا ان لكل علم رجاله المتخصصين فيه، فالنجار الماهر في مهنته، لا يجرؤ على الزعم بأنه يستطيع مزاولة مهنة الطب البشري لخبرته في النجارة، وهكذا. فكيف يمنع متخصص في علم من مزاولة نشاطه في علم آخر لم يتخصص فيه، ويباح لكل متطفل الهجوم على كتاب الله ليقول فيه بما يشاء؟!



هذا مع العلم أن العلماء الذين يحرزون مؤهلات فقه القرآن والسنة، لا يحجر على عقولهم في أن تغوص في معاني القرآن بالتفسير والتوضيح، ولا يمنعون من إبداء فهمهم ولو خالف فهم علماء آخرين، ولهذا نجد كثيرا من العلماء يختلفون في تفسير كثير من الآيات، ويدلي كلهم منهم بأدلته على رأيه...



ونجدهم يختلفون كذلك في الأحاديث تصحيحا وتضعيفا، وفهما، ولهذا وجدت المذاهب الفقهية التي أغنت الأمة الإسلامية بحلول أي مشكلة اعترضتها في أي جيل من الأجيال.



وكأنَّ الإمام الشافعي رحمه الله قد تصور ما سيحدث من بعض الطوائف من الإساءة إلى هذا الدين، من صغار طلبة العلم الذين يدعون الاجتهاد، وهم من أطفال طلب العلم، والمستشرقين وتلامذتهم الذي يحاربون هذا الدين باسم حرية الرأي.



فقال رحمه الله: -مبينا الشروط التي يجب أن تتوافر في المجتهد الذين تطمئن الأمة إلى اجتهادهم-: "ولا يقيس [أي لا يجتهد] إلا من جمع الآلة التي له القياس بها، وهي العلم بأحكام كتاب الله: فرضه وأدبه، وناسخه ومنسوخه، وعامه وخاصة، وإرشاده. ويستدل على ما احتمل التأويل بسنن رسول الله، فإذا لم يجد سنة فبإجماع المسلمين، فإن لم يكن إجماع فبالقياس.



ولا يكون لأحد أن يقيس حتى يكون عالما بما مضى قبله من السنن وأقاويل السلف، وإجماع الناس، واختلافهم، ولسان العرب.



ولا يكون له أن يقيس حتى يكون صحيح العقل، وحتى يفرق بين المشتبه، ولا يعجل بالقول به دون التثبت.



ولا يمتنع من الاستماع ممن خالفه، لأنه قد يتنبه بالاستماع لترك الغفلة، ويزداد به تثبيتا، فيما اعتقد من الصواب. وعليه في ذلك بلوغ غاية جهده، والإنصاف من نفسه، حتى يعرف من أين قال ما يقول، وترك ما يترك. ولا يكون بما قال أعْنىَ منه بما خالفه، حتى يعرف فضل ما يصير إليه على ما يترك، إن شاء الله.



فأما من تم عقله، ولم يكن عالما بما وصفنا، فلا يحل له أن يقيس، وذلك أنه لا يعرف ما يقيس عليه، كما لا يحل لفقيه عاقل أن يقول في ثمن درهم ولا خبرة له بسوقه.



ومن كان عالما بما وصفنا بالحفظ لا بحقيقة المعرفة، فليس له أن يقول أيضا بقياس، لأنه قد يذهب عليه عقل المعاني.



وكذلك لو كان حافظا مقصر العقل، أو مقصرا في علم لسان العرب، لم يكن له أن يقيس، من قِبل نقص عقله عن الآلة التي يجوز بها القياس). [الرسالة، من فقرة: 1469-1478 ص : 5-9-511) بتحقيق شاكر]



لقد أطلت في الرد على هذه الشبهات التي أوردها هذا المستشرق، ولم يطق البقاء لسماعها، لئلا يغتر بها من لا علم عنده، أو تحدث اضطرابا في فكره، وكنت أود أن يسمعها مني المستشرق المذكور مباشرة، ولكنه رماها وغادر مع إلحاحي عليه في البقاء.





السابق

الفهرس

التالي


16111742

عداد الصفحات العام

3540

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م