﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ۝٥١ فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ ۝٥٢ وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ ۝٥٣﴾ [المائدة ٥١-٥٣]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(030)السباق إلى العقول- قسوة أهل الباطل في سباقهم بباطلهم إلى العقول

(030)السباق إلى العقول- قسوة أهل الباطل في سباقهم بباطلهم إلى العقول



قسوة أهل الباطل في سباقهم إلى عقول الناس بباطلهم إن هذا الحوار بين الرجل المؤمن، وفرعون واضح في سباق كل منهما إلى عقول الناس، المؤمن يسابق إلى عقولهم بالحق، وفرعون يسابق بالباطل.



وما أصعب كلمة الحق أمام الطغاة الفراعنة،



وكثيرا ما يكون أناس يؤمنون بالحق الذي يكفر به الطغاة الفراعنة، ويودون أن يؤمن به أولئك الطغاة الفراعنة من أهل الباطل وأتباعهم، ولكنهم لا يجرءون على الجهر بذلك فيؤمنون بالحق في أنفسهم ويكتمون ذلك الإيمان، خوفا من جبروت الطغاة الفراعنة وليس عليهم شئ في ذلك الكتمان اضطرارا، ولكن الإيمان عندما يقوى والرحمة بالطغاة وأتباعهم عندما تشتد، وكذلك الرحمة بأهل الحق المهددين بالقتل والأذى، يأبى ذلك الإيمان أن يبقى في القلوب التي في الصدور، فيظهر في الأفعال والأقوال، وتتضاءل قوة الطغاة الفراعنة في نفوس المؤمنين الذين كانوا يكتمون إيمانهم، فيصدعون بالحق رحمة بالداعي المغلوب وبالمدعو المعاند، وهذا ما حصل من مؤمن آل فرعون رضي الله عنه وأرضاه وأكثر في قصور الطغاة الفراعنة من أمثاله، وهكذا يكون أهل الحق رحماء فيما بينهم ورحماء بغيرهم، بخلاف أهل الباطل فالغالب فيهم أن تكون الرحمة منزوعة من قلوبهم، وبخاصة فيما يعارض مصالحهم-ولو كانت تلك المصالح ظلما صريحا على غيرهم-وبخاصة مع أهل الحق فإن الغلظة والقسوة تكون ملازمة لهم في معاملتهم.



أهل الحق يدعون أهل الباطل إلى الحق وينصحونهم بترك الباطل رحمة بهم، وأهل الباطل يحاربون أهل الحق وينابذونهم العداء، ويخرجونهم من ديارهم، ويفتنونهم في دينهم بالضرب والرجم والحبس والقتل، والحرق تجبرا عليهم وقهرا وإذلالا لهم وقسوة عليهم. والتاريخ البشري والقرآن العظيم والسنة النبوية والواقع المعاصر كلها تدل على ذلك.

ولو أردنا تتبع ذلك الظلم والقسوة والقهر التي تباين الرحمة وتنافيها، من القرآن الكريم وكتب السنة، والتاريخ والواقع المعاصر، لاحتاج ذلك منا إلى كتاب مستقل، فلنذكر نماذج من القرآن الكريم ونشير إلى شئ من الواقع للربط بين أهل الباطل في القديم والحديث.



سبق أن أهل الحق تلازمهم صفة الرحمة في أغلب الأوقات-هذا إذا كانوا من غير الأنبياء، وغير الأنبياء ليسوا بمعصومين، أما الأنبياء فلا تفارقهم سجية الرحمة، وأما أهل الباطل فالأصل أنهم غير رحماء، فإذا ما وجدت عند بعضهم بعض معاني الرحمة، فالغالب أنها تتعلق بتحقيق مصالح لهم. ومن مستلزمات القسوة عند أهل الباطل اعتداء القوي على الضعيف.

مظاهر الاعتداء
المظهر الأول: إخراج القوي الضعيفَ من بلده وداره.


وقد يكون المعتدى عليه من أهل الحق الرحماء الذين يريدون الخير لذلك المعتدي، كالأنبياء والدعاة من أتباعهم. تأمل كيف يتلطف نبي الله شعيب عليه السلام مع قومه، ويطلب منهم الصبر والمهادنة-إذا لم يستجيبوا لدعوته-حتى يحكم الله بينه وبينهم، وكيف يردون عليه؟



قال تعالى عنه، وهو يخاطب قومه: {وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به، وطائفة لم يؤمنوا، فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين} فيردون عليه في قسوة وكبرياء: {قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين أمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا قال أولو كنا كارهين}.[الأعراف 87-88].



بل حكى الله تعالى عن الكفار عموما، تهديدهم لأهل الحق من الأنبياء الرحماء الذين جاءوهم بالرحمة والخير، بإخراجهم من أرضهم، ما لم يتركوا دين الرحمة الذي جاءوهم به ويعودوا إلى ملة الكفر والعذاب، كما قال تعالى: {وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا، فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين}. [إبراهيم 13].

وقال تعالى عن قوم لوط-وقد دعاهم لوط عليه السلام إلى الطهر والعفة والبعد عن فعل الفاحشة المنكرة-الذين سخروا من دعوته لهم إلى التطهر من الفاحشة: {وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون}. [الأعراف 82].



وقال تعالى-مسليا رسولَه صلى الله عليه وسلم وقد أخرجه قومه من أحب بلد إليه-المسجد الحرام-: {وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم فلا ناصر لهم}. [محمد 13].



وقال تعالى-مبينا مكر قومه به وتآمرهم عليه بالسجن أو القتل أو الإخراج من بلده: {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين}.[الأنفال 30]



وقال تعالى عن رأس المنافقين، وهو يهدد الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين به، وبخاصة المهاجرين: {يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون} [المنافقون 8]. ومثله رؤوس حزبه المنافقين المنتسبين إلى الإسلام المحاربين له اليوم، في بلدان المسلمين، وينسبون أنفسهم إلى مصطلحات يخدعون جهلة المسلمين، كالعلمانيين واللبرالين، وهم نفس المنافقين الذين أبدى فيهم القرآن وأعاد وحذر منهم غاية التحذير.



وقال تعالى عن نبيه صلى الله عليه وسلم وأصحابه المهاجرين الذين أخرجتهم قريش من ديارهم وأموالهم وأهليهم:{أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير، الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله}. [الحج 40]



وما أشق خروج الإنسان-أي إنسان من منزله وبلاده بالقوة والإكراه-وبخاصة عندما يكون إخراجه بسبب دعوته إلى الحق، قوما ضلالا متمسكين بالباطل صادين عن الحق فيخرجونه مقهورا مظلوما، وهو يجاهد في تنظيف عقولهم من عفن الباطل الذي ملأها به أساتذتهم من رؤوس الكفر والنفاق، جادين في وصول الخير إليهم مشفقين عليهم محبين لهم ما يحبونه لأنفسهم في دنياهم وآخرتهم، وهم يصرون على إخراجه من دياره، قاسية قلوبهم لا تعرف الرحمة والرأفة بمن يستحقها.


المظهر الثاني: سجن المعتدَى عليه بدون حق.

وهذه العقوبة القاسية تعتبر عند الطغاة الفراعنة أهل الباطل تفضلا منهم على أعدائهم من أهل الحق، لأن أهل الحق لا يستحقون الحياة، والسجن قد يكون محطة يعبر منها السجين إلى مشنقة الموت، أو ينسى في السجن نسيان القساة الذين نزعت الرحمة من قلوبهم.



ففرعون يهدد موسى عليه السلام الرسول الموحد الذي يدعو إلى توحيد الله وعبادته وحده، ويحذره من أن يعبد إلها غيره، ويتوعده بالسجن مع المجرمين من قطاع الطرق وسارقي الأموال وقاتلي النفوس بدون حق، كما قال تعالى عنه: {لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين}.[الشعراء 29].



هذا التهديد بالسجن قصد منه إكراه الرسول الموحد الداعي إلى التوحيد الذي هو أصل كل حق، على الإشراك بالله وعبادة الطاغوت الذي هو أصل كل باطل.



وأبناء فرعون وتلامذته اليوم أعظم جرما منه، لأن فرعون كان يحاور موسى ويحشد لغلبته السحرة، وكان يحاور الرجل المؤمن الذي انتدب للدفاع عن موسى، كما في سورة غافر، أما فراعنة اليوم، فإنهم لم يكتفوا بمجرد التهديد، ولم يعطوا فرصة للحوار بينهم وبين دعاة الحق، بل يباشرونهم بالتعذيب والإهانة والسجن والقتل والتحريق اليوم.



ويوسف عليه السلام تعرض للسجن، بسبب تنزهه عن الفاحشة التي طلبتها منه امرأة العزيز في قصر السلطة، وقصور طغاة الملوك والزعماء تضيق من وجود الطاهرين الذين ينزهون أنفسهم من الفواحش، ولا يلقي الترحيبَ فيها والتمكينَ إلا الفسقه والمجرمون الذين يحبون الفاحشة، لذلك حاولت عزيزة القصر إكراهه على المنكر واتخذت لذلك الإكراه كل وسيلة، فلما رفض صاحبُ الحق طلبَها واعتصم بالله طلبت سجنه، فاستجاب لطلبهازوجُها الديوثُ وسَجَنَه، وكان السجن أحب إلى صاحب الحق من أن يستجيب للباطل، وهذه الحالات التي يحاول أهل الباطل إكراه أهل الحق عليها، هي وسائل للسباق إلى عقول عامة الناس الذين يرون سادتهم من الزعماء يفعلونها، لأن الناس كما يقول المثل: "الناس على دين ملوكهم!".



قال تعالى: {ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه، كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين، واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر وألفيا سيدها لدى الباب، قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوء إلا أن يسجن أو عذاب أليم}.[يوسف 25].



وبعد إقرارها بأنها هي العاصية وإقرارها بأنها راودته على الفاحشة صدر منها التهديد الظالم الذي هو عادة أهل الباطل، للمظلوم البريء صاحب الحق، كما قال تعالى عنها: {ولقد راودتُه عن نفسه فاستعصم، ولئن لم يفعل ما أمره ليسجنن وليكونن من الصاغرين}.[يوسف 32].



ووقف صاحب الحق عالي الرأس، مفضلا السجن على الاستجابة للمنكر، كما قال تعالى عنه: {قال رب السجن أحب إليّ مما يدعونني إليه وإلاّ تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين}. [يوسف 32]



ويصدر الحكم الظالم من أهل الباطل على البريء المظلوم صاحب الحق، دون رحمة لضعفه، ولا تقدير لبراءته كما قال تعالى: {ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات [الأدلة والبراهين والقرائن الدالة على براءته واثم العاصية.] ليسجننه حتى حين}.[يوسف 35]



وموقف صاحب الحق على الثبات عليه، مع ما يناله من الفتنة والابتلاء، هو من السباق إلى عقول أهل الفطر السليمة الذين يستفيدون من عقولهم التي تتأمل وتفكر وتفرق بين الحق والباطل.





السابق

الفهرس

التالي


16130717

عداد الصفحات العام

1443

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م