﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ۝٥١ فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ ۝٥٢ وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ ۝٥٣﴾ [المائدة ٥١-٥٣]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(83)السباق إلى العقول

(83)السباق إلى العقول


الوسيلة السابعة: اتخاذ التعليم منطلقا لنشر الباطل وترسيخه في العقول.


وهذه الوسيلة من أمضى الوسائل للسباق إلى العقول، بإبلاغ الحق أو الباطل إليها، وحجب الحق أو الباطل من الوصول إليها. وذلك للأسباب الآتية:



السبب الأول: أن التعليم يرافق الإنسان من طفولته إلى شيخوخته، فهو مستمر باستمرار حياة الإنسان.



والتعليم يصوغ الطفل في طفولته الصياغة التي يريدها صاحب قرار التعليم، سواء أكان صاحب القرار هي الأسرة أو المدرسة أو الدولة، لأن الطفل لا يملك في طفولته إلا التلقي والتقليد والمحاكاة، ومن كان أسبق إلى إبلاغ فكره إليه، حقا كان ذلك الفكر أو باطلا، كان أملك لعقله وأقدر على قيادته بفكره.



ولهذا كان التعليم من أهم عناصر الرسالة الإلهية، كما قال تعالى: {كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون}[البقرة 151].



وكان ذلك تحقيقا لدعوة أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام الضاربة في أعماقغابر التاريخ، كما قال تعالى: {ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم}[البقرة 129].



ولما كان الطفل قابلا للصياغة المطلوبة بالوسيلة التعليمية، اشتد سباق أهل الحق وأهل

الباطل بهذه الوسيلة إلى عقله [سبق الكلام على ما ينبغي على أهل الحق فعله حيال وسيلة التعليم].



وقد بين الرسول صلى الله عليْه وسلم، كيف يصرف أهل الباطل الأطفال عن فطرة الله التي فطر الناس عليها بتعليمهم، كما في حديث أبي هريرة رضِي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليْه وسلم: [ما من مولود إلا يولد على الفطرة] ثم يقول: اقرءوا: {فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم}. وفي رواية للبخاري: [فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تُنتَج البهيمةُ بهيمةً جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء] ثم يقول أبو هريرة: {فطرة الله التي فطر الناس عليها، لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم}.[البخاري ومسلم: وهو في جامع الأصول (1/268).]



والوسيلة الدائمة المستمرة، يدوم تأثيرها ويستمر ويُثَبِّت الفكرةَ التي يراد لها السبق إلى عقول الناس، ومعلوم دوام واستمرار وسيلة التعليم ومراحلها التي يمر بها الدارس، فقد تصل-في زماننا هذا-إلى ثلاثين عاما أو أكثر من المرحلة الابتدائية إلى المرحلة العليا: الماجستير والدكتوراه، إضافة إلى ما يتعلمه الطفل في محيطه الأسري والشعبي.



السبب الثاني: أن التعليم توضع له مناهج معينة مدروسة، يراد بها تحقيق أهداف محددة في كل المراحل التعليمية، فإذا كانت الأهداف والمقاصد التي وضعت المناهج التعليمية لتحقيقها، هي إيصال الباطل وتثبيته ونشره ونصره، ومحاربة الحق وخذلانه ومحاصرته، فإن الأجيال المتلاحقة من أبناء المسلمين تنشأ بعقول استولى عليها الباطل وحجب عنها الحق، ولذلك يحارب أهل الباطل الحق وأهله وغالبهم يجهل الحق، ويؤيدون الباطل وأهله وهم يجهلون أنه باطل، وذلك مبتغى طغاة الحكم الذين يحاربون الإسلام، ويعلمون أنهم لا بقاء لهم إلا ببقاء الباطل وتَوَارِي الحق، فإنهم يُسخرون كل إمكاناتهم لحرب الحق وأهله.



السبب الثالث: أن مناهج التعليم توضع لها كتب تتضمن موادُّها ما يناسب عقول المتعلمين في جميع مراحل التعليم، ويترتب على دراستها والنجاح في امتحانها حمل مؤهلات، لها شأنها في تقلد المناصب والبروز في الشعب، ولهذا يجتهد الدارسون في القراءة وتكرارها حتى تترسخ معانيها في عقولهم التي تصبح وعاء لتلك المعاني.



وأهل الباطل لا يفسحون المجال لغير الباطل أن يحتل صفحات تلك الكتب، ولهذا تنشأ الأجيال من أبناء المسلمين بعقول ملئت بالباطل وحجب عنها الحق.



السبب الرابع: أن التعليم يُعَدُّ له رجال متخصصون في كل علم من العلوم الإنسانية والتجريبية، يدأبون على غرس تلك العلوم في عقول الطلاب، فيحققون بذلك إيصال المعاني التي وضعت لها مناهج وأعدت لها كتب إلى عقول طلابهم، وأهل الباطل يُعِدُّون المدرسين من أنصارهم، ليحققوا بهم السبق بباطلهم إلى عقول الناس، ولا يأذنون لأهل الحق بالتدريس والتعليم، خشية من أن يستولوا على عقول المتعلمين بالحق الذي يدمغ الباطل فإذا هو زاهق.



السبب الخامس: أن التعليم يُختار لإدارته والإشراف على مسيرته رجال مؤهلون في مجاله لديهم-مع التأهيل-الرغبة والحماس في نجاحه وبلوغه أهدافه، وأهل الباطل يختارون لإدارة التعليم والإشراف على مؤسساته المتنوعة من يؤيد باطلهم ويحارب الحق وأهله.



ولهذا نشاهد على قمة المؤسسات التعليمية في البلدان التي يحارب طغاة الحكم فيها الإسلام رجالا لا دين لهم-وإن تسموا بأسماء مسلمين-ولا خلق يجعلهم قدوة حسنة، بل يضايقون ذوي المؤهلات-سواء أكانت مؤهلاتهم إدارية أو تربوية، أو علمية في أي علم من علوم الإسلام أو العلوم الكونية والتطبيقية-كل ذلك من أجل أن يستبدوا بالتوجيه في هذا المجال الذي يصوغ العقول، ويسبقوا بباطلهم إليها ويحجبوا عنها الحق الذي يحمله أهله.



وقد يوضع على قمة التوجيه في مجال التعليم من هو فاشل في إدارته، تضيع بإداربها المصالح أو تقل، وتكثر المفاسد، ولكن مؤهله لدى طغاة الحكم وأنصار الباطل، هو محاربته للحق وتأييده للباطل، ويعلم هذا كل من عنده وعي وبصيرة واهتمام بمصالح الإسلام والمسلمين.



السبب السادس: أن أعداء الحق ومحاربيه وأنصار الباطل ومؤيديه يستغلون وسيلة التعليم في كل حقبة بما يتناسب معها، فإذا تغيرت أهدافهم بتغير أهوائهم أو ما يظنونه مصالح لهم، أو بتوجيه سادا تهم المستعمرين، غيروا المناهج والمواد والكتب بحسب ذلك، ويصبح ما كان عندهم محمودا أمسِ مذموما عندهم اليومَ، ويغيرون حقائق التاريخ والمولاة والمعاداة، كل ذلك بحسب أهواء نفوسهم التي لا يهدأ لها بال إلا إذا ملأت عقول الناس بباطلها، وحجرت عليها من أن يصل إليها الحق الذي يَفقِد أهل الباطل المؤهلَ بوجوده فلا يكونون مؤهلين -عند رجحان الحق في عقول الناس- لقيادة الناس بباطلهم.



وهذا ما يفسر اتجاه بعض الحكومات في الشعوب الإسلامية –ومنها العربية-إلى مراجعة مناهج التعليم وكتبه ومواده، لحذف كثير من النصوص الإسلامية من القرآن والسنة، وبعض الموضوعات في السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي، وبخاصة ما يتعلق بالجهاد في سبيل الله، والعلاقات مع اليهود والنصارى، لحاجات في نفوسهم يريدون قضاءها، ولا يتم قضاؤها إلا بصياغةٍ جديدة لعقول أبناء الأمة.



ومن هنا يجب على الأمة الإسلامية أن يراقب أهل الحل والعقد فيها –إن بقي من أهل الحل والعقد من يحذر على أجيال المسلمين من المسخ والفساد- مسيرةَ تعليم أبنائها، حتى لا يعبث أعداء الإسلام بعقول أجيالها عن طريق هذه الوسيلة الفعالة في صياغة العقول، لأن آثار التعليم تشمل حياة الأمة كلها، فلا يجوز أن يستبد بمناهجه ومواده وكتبه والمشرفين عليه ومعلميه ومتعلميه، من يحارب الحق ويؤيد الباطل ويفسد عقول الناس بأفكاره، لتحقيق أهدافه المضادة لمصالح الأمة.



وقد يحتال أعداء الإسلام من أنصار الباطل على الأمة الإسلامية التي يسوؤها صياغة عقول أبنائها بوسيلة التعليم صياغة تجعلهم عبيدا مطيعين للطغاة، قد يحتالون عليها بإيجاد مدارس يسمونها دينية يضعون لها مناهج يحصرون فيها الدين في مواد لا تتجاوز الشعائر التعبدية وبعض أحكام الأسرة، وسرد بعض الأحداث التاريخية التي لا تثير في الطلاب حمية الغيرة على دينهم إذا كان الموضوع التاريخي فيه قدوة حسنة، ويفتحون في تلك المدارس الباب لمن يرغب في دراسة الإسلام، ويُخْلون مناهج تلك المدارس من المواد التي يُسَيِّرون بها هم حياةَ الناس، كالإدارة والاقتصاد والشؤون السياسية والعسكرية والإعلامية والتربوية.



ثم يعمدون إلى إنشاء مدارس ومعاهد وجامعات يسمونها بالمدنية، ويضعون لها مناهج مقطوعة الصلة بالإسلام، ويضعون لها مناهج تجمع بين العلوم الإنسانية التي وضعها البشر بمعزل عن منهج الله-وقد توافق بعض جزئياتها الإسلام وغالبها يخالفه-سواء منها ما يتعلق بعلم النفس أو علم الاجتماع، أو الشؤون السياسية، أو الاقتصادية، أو العسكرية، وكذلك العلوم التجريبية الكونية والطبية، وغيرها مما لا تستغني عنه الأمم، وينهل المتعلمون من تلك العلوم، وينالون بها المؤهلات التي تمكنهم من قيادة الشعوب الإسلامية بمناهج علمانية، لا تهمل الدين الإسلامي وتطبيقه فحسب، بل تحاربه وتحارب كل من يدعو إليه، وقد تحارب من يلتزم به، ولو لم يدع إليه خشية من أن يكون التزامه به يدعو الناس إلى الاقتداء به، لأن الإسلام هو الحق، وما هم عليه هو الباطل.



وأهل الباطل يخشون من أن يسابقهم أهل الحق إلى عقول الناس، وإذا فتح المجال لأهل الحق ليسابقوا بحقهم إلى العقول، فإنهم يغلبون أهل الباطل ويسبقونهم بالحق إلى عقول الناس، وإن كانت إمكاناتهم أقل بكثير من إمكانات أهل الباطل، لما يحمله الحق من قوة الحجة والبرهان والمحاسن المؤثرة إذا طبق في واقع الحياة، وما يحمله الباطل من خرافات وأوهام.



أما الدارسون في المدارس الدينية المذكورة آنفا، فإنهم يُحرَمون من الوظائف والمناصب، لعدم وجود مؤهلات توازي المؤهلات التي يحملها طلاب المدارس المسماة بالمدنية، ولو وجد من يحمل تلك المؤهلات من الملتزمين بالإسلام، فإنه لا يفسح له مجال اعتلاء مناصب مثل مناصب العلمانيين، كل ذلك لإبعاد الملتزمين بالإسلام الذي هو الحق من أن يؤثروا به على عقول الناس.





السابق

الفهرس

التالي


15251354

عداد الصفحات العام

148

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م