﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ۝٥١ فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ ۝٥٢ وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ ۝٥٣﴾ [المائدة ٥١-٥٣]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(021)التكفير ومذاهب العلماء فيه

(021)التكفير ومذاهب العلماء فيه



رد أهل السنة على المرجئة:



سبق أن المرجئة بنوا مذهبهم على ثلاثة أسس:



الأساس الأول: تعريف الإيمان، قالوا: "إن الإيمان بالله، هو المعرفة بالله وبرسله، وبجميع ما جاء من عند الله فقط" وقد يضيف بعضهم إلى المعرفة التصديق.



والأساس الثاني: التمسك بنصوص الوعْد.



والأساس الثالث: تأويل نصوص الوعيد.. وقد رد أهل السنة على نقض هذه الأسس، فعرَّفوا الإيمان تعريفاً يخالف تعريف المرجئة، وبينوا أن نصوص القرآن والسنة تدل على صحة تعريفهم، وأبوا تعريف المرجئة..



معنى الإيمان عند أهل السنة:



عرف جماهير أهل السنة الإيمان، بأنه :"اعتقاد بالجنان، وقول باللسان، وعمل بالأركان". ومعنى هذا أن الإيمان في عرف الشرع، شامل لاعتقاد القلب، بحيث لو نطق بالشهادة ولم يكن مصدقاً بها قلبه، لا يكون مؤمناً، ولو اعتقد بقلبه معنى الشهادة، ورفض النطق بها، لم يدخل في دائرة أهل الإيمان، وإذا نطق بالشهادة واعتقدها بقلبه، وترك ما أمره الله بفعله من الفرائض، وارتكب ما نهاه الله عنه من الكبائر، يكون ناقص الإيمان.. وهو معرض لعقاب الله على ترك الفرائض وفعل المحرمات، وإذا مات قبل التوبة، إن شاء الله غفر له، وإن شاء عذبه ثم أدخله الجنة.

قال ابن كثير رحمه الله: "والإيمان كلمة جامعة للإيمان بالله وكتبه ورسله وتصديق الإقرار بالفعل". قلت: أما الإيمان في اللغة فيطلق على التصديق المحض، وقد يستعمل في القرآن والمراد به ذلك، كما قال تعالى: { يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ } وكما قال إخوة يوسف لأبيهم: { وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ }، وكذلك إذا استعمل مقروناً مع الأعمال كقوله تعالى: { إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ }، فأما إذا استعمل مطلقاً فالإيمان الشرعي المطلوب، لا يكون إلا اعتقاداً وقولاً وعملاً، هكذا ذهب إليه أكثر الأئمة، بل قد حكاه الشافعي وأحمد بن حنبل وأبو عبيدة وغير واحد إجماعاً، أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، وقد ورد فيه آثار كثيرة وأحاديث أفردنا الكلام فيها في أول شرح البخاري ولله الحمد والمنة" [ انتهىمن تفسير ابن كثير تفسير ابن كثير (1/41-42).].



ويظهر من الآيات الآتية دلالة على صحة تعريف الإيمان عند أهل السنة، وعدم صحة تعريفه عند المرجئة: قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ(4)} [الأنفال]. فقد حصرت هاتان الآيتان المؤمنين في المتصفين بهذه الصفات التي هي من أجزاء الإيمان:



الصفة الأولى: وجل القلوب عند ذكر الله، أي خوفها منه تعالى.



الصفة الثانية: ازديادهم إيماناً عندما تتلى عليهم آيات الله.



الصفة الثالثة: التوكل على الله، أي الاعتماد عليه.



الصفة الرابعة: إقامة الصلاة.



الصفة الخامسة: الإنفاق مما رزقهم الله.



والصفات الثلاث الأولى من أعمال القلوب - إلا أن زيادة الإيمان شاملة لعمل القلب وغيره - وكذلك الرابعة والخامسة شاملتان لأعمال القلوب والجوارح.. ومما يدل على أن هذه الصفات أجزاء للإيمان أمران:



الأمر الأول: الحصر المذكور قبل هذه الصفات في قوله تعالى: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ}.



الأمر الثاني: التوكيد البالغ بعد ذكر تلك الصفات في قوله: { أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً } ولا يقال: إن الحصر منصب على المؤمنين لا على الإيمان؛ لأن المؤمنين إنما اتصفوا بتلك الصفات لكونها من الإيمان.



وقال تعالى: {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (15) تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (16)} [السجدة].



فقد حصرت الآيتان الكريمتان الإيمان في المتصفين بهذه الصفات المذكورة فيهما، وهي: السجود لله عند التذكير بآياته، والتسبيح بحمده، والخضوع له بعبادته وعدم الاستكبار عنها، ومفارقتهم للمضاجع في الأوقات التي تشتد حاجتهم إلى الالتصاق بها، من أجل إقبالهم على الله تعالى، ودعائه، وخوف عقابه، والطمع في وأجره وثوابه، والإنفاق من رزقه في طاعته.



فالسجود، والتسبيح، والدعاء، والإنفاق، ومفارقة المضاجع، من أعمال الجوارح. والخضوع لله الذي تضمنه ترك الاستكبار، والخوف من عقاب الله والطمع في ثوابه من أعمال القلوب.. وهذا يدل على أن تلك الصفات كلها من أجزاء الإيمان..



وقال تعالى: {وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (81) } [المائدة]. فالآية تدل على أن موالاة أعداء الله، وميل القلب إليهم، ونصرهم، ينافي الإيمان الواجب.



وقال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ (15)} [الحجرات]. وهذه الآية تدل على أن استمرار اليقين في القلب الذي هو ضد الشك والريب، وكذلك الجهاد في سبيل الله بالمال والنفس من الإيمان، وانتفاء ذلك يدل على انتفاء الإيمان الواجب.. والتصديق الذي لا يخالطه شك من الإيمان، وهو من أعمال القلب، والجهاد بمعنى القتال من الإيمان وهو من أعمال الجوارح.



وقال تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (143)} [البقرة]. وقد ورد في سبب نزول هذه الآية ما يدل على أن المراد بالإيمان هنا الصلاة؛ لأنها نزلت في قوم ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس - قبل الأمر بالتوجه إلى الكعبة - فتساءل ناس عنهم، أي عن حكم صلاتهم التي لم يتوجهوا بها إلى بيت الله الحرام؟ فنزلت الآية تطمئن المتسائلين على أنهم مثابون على صلواتهم، كما يثاب غيرهم ممن أدرك القبلة الجديدة. وهذا يدل على أن الصلاة ـ بكل ما فيها من قراءة وذكر وقيام وقعود وخشوع، من الإيمان.



ومن الآيات السابقة - وغيرها كثير - يظهر أن الشارع يطلق لفظ الإيمان على التصديق الجازم بالقلب، كما في قوله تعالى: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا } وعلى أعمال القلب غير التصديق كما في قوله تعالى: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } ويطلق على أعمال الجوارح، كقوله تعالى: { إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (15) تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ }.



وذكر ابن تيمية رحمه الله، الأصول التي أخطأ فيها الجهمية، فقال: "وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُمْ غَلِطُوا فِي ثَلاثَةِ أَوْجُهٍ:



أَحَدُهَا: ظَنُّهُمْ أَنَّ الإِيمَانَ الَّذِي فِي الْقَلْبِ يَكُونُ تَامًّا بِدُونِ الْعَمَلِ الَّذِي فِي الْقَلْبِ تَصْدِيقٌ بِلا عَمَلٍ لِلْقَلْبِ، كَمَحَبَّةِ اللَّهِ وَخَشْيَتِهِ وَخَوْفِهِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ وَالشَّوْقِ إلَى لِقَائِهِ.



والثَّانِي: ظَنُّهُمْ أَنَّ الإيمَانَ الَّذِي فِي الْقَلْبِ يَكُونُ تَامًّا بِدُونِ الْعَمَلِ الظَّاهِرِ، وَهَذَا يَقُولُ بِهِ جَمِيعُ الْمُرْجِئَةِ.



والثَّالِثُ: قَوْلُهُمْ كُلُّ مَنْ كَفَّرَهُ الشَّارِعُ، فَإِنَّمَا كَفَّرَهُ لانْتِفَاءِ تَصْدِيقِ الْقَلْبِ بِالرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى" [مجموع الفتاوى (7/363-7364).].



وقد ردَّ أهل السنة على ما استدل بظاهره المرجئة من نصوص الوعد، بنصوص كثيرة ورد فيها من الوعيد ما يدحض مذهبهم، مثل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا ءَاخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلا مَنْ تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70)} [الفرقان]. وقوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93)} [النساء].



ويدخل في ذلك كل النصوص التي استدل بها الخوارج والمعتزلة، من القرآن والسنة من نصوص الوعيد، فإنها ترد على مذهب المرجئة، وقد سبق ذكرها ومناقشة الاستدلال بها على التكفير أو الخلود في النار.





السابق

الفهرس

التالي


16111528

عداد الصفحات العام

3326

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م