﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ۝٥١ فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ ۝٥٢ وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ ۝٥٣﴾ [المائدة ٥١-٥٣]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(038)علماء حاورتهم في موضوع البلاغ المبين

(038)علماء حاورتهم في موضوع البلاغ المبين


3-إجابات فضيلة الشيخ مناع بن خليل القطان

السائل: هل ترون فضيلة الشيخ مناهج التعليم في الجامعات الموجودة في الشعوب الإسلامية سواء ما سمي منها بالمدنية، أو الإسلامية يمكنها أن تخرج دعاة أكفاء للاضطلاع بمهمة البلاغ المبين في عصرنا الحاضر؟.

الجواب: لا أرى أنها كافية في الوقت الحاضر، وإن كان بعضها في مستوى أفضل، كالذي روعي-مثلا-في مناهج المملكة العربية السعودية، لا تعصبا لها، ولكن لاعتباري أسهمت في وضع السياسة التعليمية، وأنا عضو في اللجنة التحضيرية لسياسة التعليم منذ أنشئت هذه اللجنة، وقد مضى عليها أكثر من عشرين سنة، ولا زلت عضوا فيها، وكنت مقررا من قبل. ونحن بذلنا في الماضي الجهد الأكبر في وضع السياسة التعليمية أولا، ومناهج التعليم. وأعتقد أن المسار الذي تسير عليه مسار طيب. ولكن المؤسسات التعليمية في الدول الأخرى في تعددها لا أعتقد أنها تحقق هذا الهدف الذي نرجوه من تخريج الدعاة.

وإذا كنا قد تكلمنا في الدعوة من قبل على أنها تكون من وسائلها البلاغ بالقول، والبلاغ بالعمل، فإننا نعني أن كل مسلم في موقع من مواقع الحياة، سواء كان تعليمه دينيا بحتا، أو كان تعليمه مدنيا كما يقولون، فإن الإسلام لا يعرف هذه الازدواجية. والذي يهدف إليه التعليم الإسلامي هو إيجاد الفقيه المسلم والمفسر المسلم والمحدث المسلم، والطبيب المسلم والمهندس المسلم والتكنولوجي المسلم، والاقتصادي المسلم والسياسي المسلم. وكل هؤلاء شركاء في البلاغ في حدود اختصاصهم، إما بالكلمة والقول، وإما بالعمل والسلوك، فهم جميعا شركاء في بلاغ الدعوة.

وصياغة مناهج التعليم، وإعداد الدارسين، بخاصة في مجال الكليات الدعوية التي تنشأ للدعوة لا أرى أنها كافية لتخريج الدعاة. فكثير منها ينقصها تبصير هؤلاء بالأخطار المحدقة بالإسلام، وهي أخطار كثيرة في المذاهب الوافدة، وكثير منها يقوم على دراسة النظريات الغربية والفلسفة الغربية ومفاهيمها في العلوم الإنسانية على اختلافها أيضا.

ونحن كما في مناهج التعليم قلنا: ينبغي أن تكون شخصيتنا التعليمية متميزة، ولا سيما في جانب العلوم الإنسانية، وهذا يحتاج إلى عناية لإصلاح مناهج التعليم بعامة وتقويمها، وإصلاح مناهج المستويات التعليمية المتعددة، بخاصة فيما يتصل بالذين يتخرجون من الكليات المؤهلة لوسائل البلاغ في الدعوة بالبلاغ بالقول، أو في الإعلام في كليات الإعلام، أو في التعليم في كليات التربية، والكليات الجامعة الأخرى التي تخرج الذين يقومون على التعليم.

السائل: نختم هذا السؤال بما يتعلق بالإعجاز العلمي في القرآن الكريم، والسنة النبوية، والتشريع الإسلامي، مادور ذلك كله في البلاغ المبين؟.

الجواب: إن دور الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة في البلاغ المبين يحقق هدفين أساسيين:

الهدف الأول: يتعلق بغير المسلمين الذين يرون أن الدين الإسلامي، أو أن القرآن والسنة لا تتجاوز كونها وعظا دينيا يتصل بالحياة الآخرة، وليس في القرآن أو السنة ما يفجر طاقات العقل البشري ويوجه لاستثمار آيات الله الكونية المختلفة استثمارا علميا نافعا.

ونحن لا نبالغ في هذا فندعي أن القرآن أو الحديث أتيا بكل علم، وإنما الذي نقوله: إن القرآن بما أرشد إليه من وسائل المعرفة وطرقها، وما فجره من طاقة العقل البشري للاهتداء إلى معرفة أسرار هذا الكون، والاهتداء إلى ما وراءه من خالق مدبر يجب توحيده والعبودية الخالصة له وحده دون سواه، هذا هو الذي يوجه العقل البشري إلى العلم والمعرفة، وفيه كثير من الإشارات التي تدل على الإعجاز القرآني. كذلك بعض الأحاديث النبوية التي تناولت هذا الأمر.

بهذا نكون قد حققنا فائدة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة إلى غير المسلمين الذين لا يفهمون القرآن.

وأما الهدف الثاني، فالذي يحققه الإعجاز العلمي في القرآن والسنة فهو يتعلق بالمسلمين الذين يرون أن الدين الإسلامي صلة بين العبد وربه، وليس له علاقة بالتوجيه في الحياة. فالهدف الثاني الذي يحققه الإعجاز العلمي في القرآن والسنة يتحقق في المسلمين أنفسهم، لأن الغزو الثقافي طوال السنين الماضية جعل مفاهيم كثير من المسلمين قاصرة على فهم الإسلام في نطاق ضيق، وهو أن الإسلام دين يصل الناس بالحياة الآخرة والعدة لها، وأن مصادره لا علاقة لها بالحياة العلمية ولا بالثقافة، ولا ما وصل إليه العلم الحديث. فهؤلاء وقعوا تحت تأثير هذه الثقافة أو هذا الفكر خلال سنين طويلة مضت.

فالاهتمام بالإعجاز العلمي في القرآن والسنة يزيل عنهم هذه الغشاوة، ويبصرهم بحقيقة الدين الذين يؤمنون به، وبمصدريه الأصليين: كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ويبين ما في كليهما من حوافز تحفز المسلم إلى أن ينطلق بفكره في ضوء الإسلام وهديه، ليتعرف على أسرار كل كائن من الكائنات، وليستفيد منه بما فيه عمارة الأرض، وفيه إعزاز أمة الإسلام.

الجلسة الثانية في الحوار مع فضيلة الشيخ مناع رحمه الله

-السائل: ما معوقات البلاغ المبين الداخلية والخارجية؟.


الجواب: بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.

هناك معوقات تعوق البلاغ المبين في داخل البلاد الإسلامية، ومعوقات أخرى من خارج البلاد الإسلامية. أما المعوقات في الداخل فيمكن حصرها في العوائق الآتية:

المعوق الأول: فشو الجهل خلال فترات ضعف المسلمين الأخيرة. فإن كثيرا من الناس لا يكاد يفهم حقيقة الإسلام بمفهومه الشمولي، وذلك شائع حتى في الطبقات المثقفة، إذ يفهمون الدين على أنه صلة بين العبد وربه، ولا علاقة له بشؤون الحياة الأخرى: الاقتصادية، الاجتماعية، الإدارية، القضائية … وهذا المفهوم الضيق النطاق المحصور، جاء نتيجة لابتعاد كثير من الدول الإسلامية عن تطبيق أحكام الشريعة وعن الالتزام بسلوكها، وما تقتضيه في كل شعبة من شعب الحياة: في العقيدة، والعبادة، والمعاملة في نظام الأسرة، وفي نظام المجتمع، وفي نظام الحكم، وفي شؤون السياسة، في علاقات المسلمين بغيرهم في السلم وفي الحرب، وفي شؤون القضاء والجنايات والحدود، وسائر الجوانب التي تناولها الإسلام.

ومع غيبة تطبيق الشريعة الإسلامية في بعض البلاد يتراءى للناس أن الدين لا يحدد علاقة العبد بإخوانه، وعلاقة المسلمين بغيرهم، بل إنه علاقة بين العبد وربه فيما يسمى بالعبادات. وهذا يجعل أولئك الذين لا يفهمون الإسلام فهما عاما شاملا يقفون حجر عثرة في وجه البلاغ المبين، إذا تناول المبلغ في الدعوة علاج جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، أو تناول الحديث عن شأن من شؤون السياسة العامة وقضايا المسلمين المتعددة، و هي قضايا كثيرة في أطراف العالم الإسلامي.
فهذا معوئق من المعوقات، وهو الجهل بمفهوم الإسلام الشمولي، أو ما يمكن أن نسميه بالعامية الإسلامية التي توجد في كثير من المسلمين حتى عند المثقفين.

لمعوق الثاني: الفهم الخاطئ للدين نفسه، أو لما يدرك من الدين نفسه. فإن حملات التشويه للدين الإسلامي-من بعد أن بسط نفوذه على ثلاثة أرباع الدنيا-تناولت الكثير من القضايا من أعداء الإسلام وخصومه.

وهذه الحملات التشويهية من النصارى الذين يسمون أنفسهم مبشرين، ومن المستشرقين الذين لم يصدقوا في إسلامهم، أثارت الشبه في كثير من الأمور المتصلة بحقيقة الدين، سواء كان هذا في الرسالة وعمومها، أو كان في الوحي وحقيقته، أو في القرآن نفسه، أهو كلام الله المنزل على الرسول صَلى الله عليه وسلم، أم كلام محمد نفسه؟. ومثل هذه الشبهات تترك آثارا في نفوس عامة المسلمين … فتجعل نسبتهم إلى الإسلام نسبة نسبية أكثر منها واقعية. وتسربت هذه الشكوك والأوهام عبر كثير من المثقفين ورواد الفكر الذين درسوا بديار الغرب بخاصة، أو تلقوا ثقافتهم على يد تلاميذ أساتذة الغرب، ولو كان هذا في ديار الإسلام. فهذا معوق يعوق البلاغ المبين …

المعوق الثالث: المخاوف التي بثها أعداء الإسلام في نفوس المسلمين أنفسهم على مستوى السلطة، وعلى مستوى عامة الناس. فهم يتصورون أن البلاغ المبين في الدعوة إلى الإسلام وتطبيق أحكامه تعني ما يبدو في أذهانهم من إقامة الحدود وتطبيقها في رجم الزاني، وفي القصاص، وفي قطع يد السارق، وسائر الحدود الإسلامية. وأن هذه الأحكام في العصر الحاضر-عصر التنوير كما يسمونه، أو عصر المدنية والحضارة-لا تتلاءم مع كرامة الإنسان. وهذا وهم خاطئ يقف حجر عثرة أيضا في طريق الانطلاق والدعوة.

المعوق الرابع: الثقافة العلمانية التي وفدت إلى كثير من البلاد الإسلامية، وانبثت أفكارها في مناهج التعليم، وفي دور الثقافة ومنابر الإعلام. وهي تعني فهم الدين بالمفهوم الكنسي، وأن الدين يعادي العلم، وتعيد إلى الأذهان ما كان من صراع بين الدين والعلم في القرون الوسطى للمسيحية في نهايتها عندما قام الصراع بين العلماء والكنيسة في نظريات العلم. فهذا العائق أيضا يعوق طريق البلاغ المبين بذلك المفهوم الكنسي للدين، وكأن نجاح الدعوة الإسلامية يحول دون التقدم الحضاري، ويحول دون تقبل العلم الحديث.

هذا مع أن الجميع يدرك أن الإسلام هو الذي يحث على العلم ويفجر طاقة الفكر، ويجعل الله سبحانه وتعالى تقرير ألوهيته وتوحيده-وهو أصل العقيدة-قائما على النظر العقلي، والتفكير في خلقه وتدبر آياته: {وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمان الرحيم. إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون}.

ويزيل الإسلام كل ما يحول بين الإنسان والمعرفة الصحيحة: {ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا}. وينعى على اتباع الظن واتباع الهوى، ويدعو إلى إقامة البرهان والحجة. واستوعبت الحضارة الإسلامية في صدر الإسلام ثقافات الدنيا. استوعبت الحضارة

الهندية، والصينية، والفارسية، واليونانية، والرومانية … وانتقت منها ما هو صالح مفيد وأحسنت وجهته، وبنت عليه وابتكرت وأبدعت. فهذا المفهوم الخاطئ-أي المفهوم العلماني الكنسي- أحد المعوقات، و يحتاج إلى تصحيح.

المعوق الخامس: استبداد السلطة. فإنه في غمرة هذه المعوقات كلها تراكم بعضها مع بعض، واستولى على السلطة في كثير من البلاد التي تدين بالإسلام، على مستوى شعبي وعلى مستوى رسمي، من تأثر بتلك المفاهيم الخاطئة كلها وأصبح يرى أن أي نشاط للدعوة الإسلامية، وأي قيام بواجب البلاغ في الأطر العامة للإسلام يتناول أوضاع الفساد الداخلي والاجتماعي، ويتناول المخالفات الظاهرة لحقيقة الدين وشريعته، إنما هو عداء موجه للسلطة نفسها، وأنه يزلزل كراسي الحكم ومواطئ أقامه.

وهذا فهم خاطئ أيضا، فإن الإسلام هو الذي يصون المسلم عن أن يرتكب ما لا تبيحه شريعة الله سبحانه وتعالى في عداء السلطة، أو في العدوان على الحاكم، ويفرض الإسلام طاعة ولي المر في غير معصية: (إنما الطاعة في المعروف)، ويجعل النصيحة (لله ولكتابه لرسوله ولأئمة المسلمين و عامتهم). ولا يستبيح الخروج من البيعة إلا حيث يكون هناك كفر بواح ، كما في الأحاديث الواردة في ذلك …

وخير ما يؤمن السلطة ويؤمن الناس، هو أن يتربى الشعب على الإسلام، وأن يستقر أمر الدين في النفوس ليأخذ كلٌّ نفسه بمقتضاه. هذا هو الأمن، بدءا من الأمن الدنيوي، ونهاية بالأمن الأخروي: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون}.
هذه جملة المعوقات الداخلية التي أراها في طريق البلاغ المبين.





السابق

الفهرس

التالي


16130960

عداد الصفحات العام

1686

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م