[
الصفحة الرئيسية
] [
حول الموقع
] [
تعريف بصاحب الموقع
]
﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ٥١ فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ ٥٢ وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ ٥٣﴾ [المائدة ٥١-٥٣]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب
::
66- سافر معي في المشارق والمغارب
::
(34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف
::
(033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف.
::
(067) سافر معي في المشارق والمغارب
::
(066) سافر معي في المشارق والمغارب
::
(031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف
::
(065) سافر معي في المشارق والمغارب
::
(030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث
::
::
::
::
::
::
::
::
::
::
جملة البحث
جميع محتويات الموقع
المقالات العامة
مقالات الحدث
الجهاد في فلسطين
2 أثر التربية الإسلامية في أمن المجتمع المسلم
المقالات العامة
الإيمان هو الأساس
غيث الديمة الجزء الأول
غيث الديمة الجزء الثاني
حوارات مع أوربيين مسلمين
حوارات مع أوربيين غير مسلمين
الحدود و السلطان
حكم زواج المسلم بالكتابية
رحلة هونج كونج
جوهرة الإسلام
كتاب الجهاد
المسئولية في الإسلام
دور المسجد في التربية
كتاب سبب الجريمة
كتاب الشورى في الإسلام
كتاب السباق إلى العقول
الإيمان إصطلاحاً و أثره سلوكاً
كتاب طل الربوة
كتاب الوقاية من المسكرات
الكفاءة الإدارية
معارج الصعود إلى تفسير سورة هود
مقدمة سلسلة في المشارق و المغارب
المجلد الأول : رحلات الولايات المتحدة الأمريكية
المجلد الثاني : رحلات المملكة المتحدة (بريطانيا) و آيرلندا
المجلد الثالث : رحلات اليابان وكوريا وهونغ كونغ
المجلد الرابع:رحلات إندونيسيا الجزء الأول 1400هـ ـ 1980م
المجلد الخامس : الرحلة إلى إندونيسيا الجزء الثاني 1410هـ ـ 1990م
المجلد السادس : رحلات إندونيسيا الجزء الثالث 1419هـ ـ 1989م
المجلد السابع : رحلات أستراليا و نيوزيلاندا و سريلانكا
المجلد الثامن : رحلات كندا و إسبانيا
المجلد التاسع : رحلات سويسرا و ألمانيا و النمسا
المجلد العاشر : رحلات بلجيكا و هولندا و الدنمارك
المجلد الحادي عشر:رحلات السويد و فنلندا و النرويج
المجلد الثاني عشر : رحلات فرنسا و البرتغال و إيطاليا
المجلد الثالث عشر : رحلات سنغافورة و بروناي و تايوان
المجلد الرابع عشر : رحلات باكستان و الهند
المجلد الخامس عشر : رحلات تايلاند (بانكوك)
المجلد السادس عشر : الرحلة إلى ماليزيا
المجلد السابع عشر : رحلات الفلبين
المجلد الثامن عشر : رحلة كينيا
الفهرس
(014)
سافر معي في المشارق والمغارب
(014)
سافر معي في المشارق والمغارب
وضعوا لأنفسهم، غاية فحققوا كثيراً منها:
الثلاثاء: 18/10/1404ه.
إن الذي يتأمل أحوال أهل الغرب، وأستراليا دولة من دول الغرب ـ بل من أرقاها ـ من حيث الحضارة المادية والاتجاه السياسي والاجتماعي والأخلاقي، يرى أنهم وضعوا لأنفسهم أهدافا واتخذوا لأهدافهم وسائل، واقتنعوا بجدوى تلك الأهداف وهذه الوسائل، فجدوا في تحقيق تلك الأهداف بهذه الوسائل فبرعوا في أهدافهم ونجحوا في إعداد وسائلهم، والجامع لتلك الأهداف كلها هو التمتع بالحياة الدنيا: سكناً، ومركباً، وغذاءً، وشراباً، وجاهاً، ومنصباً، وتعرفاً على أسرار الكون وحسن إدارة وقيادة للبشرية ومساواةً أمام القانون.
ومن تلك الوسائل الصناعة ـ بكل أنواعها ـ والتجارة، والعمارة، وسن القوانين، وتنظيم الإدارة، وفتح الجامعات والدراسات العليا والبحث العلمي، والإحصاء وتكافؤ الفرص، وتعبيد الطرقات، واستغلال خيرات الأرض، وإعداد القوة...
فحققوا بذلك أكبر قدر ممكن مما جعلوه هدفاً لأنفسهم ـ وإن كانوا بعيدين عن منهج الله لعدم إيمانهم به، ولو أنهم آمنوا بمنهج الله مع جدهم في تحقيقه، لكان لهم شأن آخر غير شأن المدعين للإسلام من ذراري المسلمين اليوم، الذين عميت عليهم أهدافهم في الحياة الدنيا وفي الآخرة، فضاعت الوسائل، فلا هدف دنيوي وضعوه، ولا غاية عليا تحقق رضى الله قصدوها، وإنما قلدوا أهل الغرب في توافه الأمور من الأخلاق الفاسدة الحيوانية من شهوة البطن والفرج، وجعلوا وسائل التسلية عند الغربيين أهدافاً لهم كالرقص والغناء والتمثيل والألعاب الرياضية وغيرها، وما أقل تقليدهم لهم في الأمور النافعة لهم في الدنيا.
كتبت هذه الخاطرة بعد أن قرأنا وردنا القرآني والحديث النبوي وأخذنا حظنا من البرنامج الثالث، ثم ذهبت من عند الشيخ إلى غرفتي في فندق شيراتون في الشرفة المطلة على تلك الحديقة الغناء في مالبورن.
في صباح يوم الثلاثاء الثامن عشر من شهر شوال، وهواء البرد القارس يلفحني، وأنا صابر أتأمل في تلك الشوارع المستقيمة النظيفة التي تشق المدينة في كل اتجاه، تسير فيها السيارات بانتظام، وتقف القطارات على هيئة الاستعداد لنقل الموظفين إلى مكاتبهم، وينزل المطر الغزير فلا قطرة ماء تبقى في الشارع النظيف، ولا تجد ورقة ترمى فيه ولا تَفْلةٌ تبصق، ولا جيوشاً جراره من العمال المنظفين يضايقون المارة وقادة السيارات المتحمسين لأعمالهم.
وأرى تلك الحدائق الغنّاء ذات الأشجار الكبيرة ذات الظل الوارف في كل حي من الأحياء وكل حارة من الحارات، قد عبدت في وسطها الشوارع للمارة بأشكال هندسية مختلفة والناس متجهون لأعمالهم، فلا ترى طفلاً يتسكع في الشارع ولا مراهقاً جمع حوله ثلة رفقاء التعطل والتسيّب، بل هيئت لهم الفرص إما للتعليم وإما للعمل والعاطل عن العمل بدون اختيار تؤمن له الدولة عيشة حياته، بل بالغت فأمّنت لكل عاطل عن العمل ـ ولو بالقصد رزقه ـ خشية من سطوه واعتدائه على حقوق الآخرين، حتى سمعنا كثيراً من المسلمين يقولون إننا نجد في هذا البلد كثيراً من أمور الإسلام في المعاملة تطبّق لا نجدها في بلداننا.
ومن الأمور الغريبة التي شاهدناها في هذا البلد، وكذلك في نيوزلندا خلو الشارع من المظاهر البوليسية، فالمطارات والبنوك والمؤسسات الحكومية والشوارع والأسواق وكل مكان، لا ترى فيها جنوداً لابسين الزي العسكري، ولا مسلحين ببنادق ولا بمسدسات ولا بقنابل ولا بعصي. أمر غريب!
بل إنك تمر ببيت حاكم الولاية العام، فلا ترى على بابه جندياً، والناس يدخلون ويخرجون، ويذهبون ويجيئون آمنين، وكل فئة من أهل البلد والمهاجرين يزاولون نشاطهم السياسي والاجتماعي والديني، بكامل الحرية بلا مضايقة ولا استجواب ولا محاكمة، إلا من خرج على القانون فإنه ينال جزاءه، لا فرق بين صغير وكبير وآمر ومأمور وخادم ووزير، فإنه يوقف عند حده بلا هوادة ولا ضجيج، بل بالنظام والقانون، لا بالبطش والتنكيل الصادرين عن مجرد الحقد والهوى، وستأتي بعض الأمثلة لهذا الأمر: أمر صرامة القانون وسريانه على الجميع.
لقد هاجر سكان البلاد المسماة بالنامية، التي تعمها الفوضى السياسية، والبطش العسكري، والقهر البوليسي، والظلم الاقتصادي، إلى أستراليا، فوجدوا فرص العمل متاحة، والحرية الدينية مكفولة، والنظام العادل - حسب تصور واضعيه - نافذاً، والتعليم المجاني لأبنائهم الذين ولدوا في البلد مبذولاً، وإعانة العاطل عن العمل متيسرة، وعاشوا آمنين من المراقبة الخانقة والملاحقات الشرطية، والاقتحامات المفاجئة للمنازل، والتفتيش المفاجئ الظالم، وتناقل ذلك الأقارب فتتابعوا في هجر الأوطان إلى هذه الديار.
وأكثرهم جاءوا لتحقيق لقمة العيش، غير متحصنين بعقيدة، ولا ملتزمين بمبادئ دين، فضاع منهم ما كان عندهم من بقايا إسلامهم، إلا من شاء ربك، والذي يحافظ على دينه في نفسه قد لا يقدر على محافظته على دين ذريته، ولو وجد هؤلاء المسلمون الذين هجروا أوطانهم شيئاً مما وجدوه في بلدان الكفر من المساواة والعدالة، لما تركوا أوطانهم وقد سمعنا ذلك من كثير منهم.
حقاً إنها بلاد ذات مظاهر جذابة، ولكنها أيضاً فتنة يضيع فيها الثمين بسبب الطمع في التافه الحقير، فلا حول ولا قوة إلا بالله!.
بعد هذا التأمل وهذه الكتابة جاءنا الدكتور عبد الخالق قاضي، الذي يشرف على تدريس مواد الدراسات الإسلامية واللغة العربية في جامعة مالبورن، والأخ عبد الله نعمان مساعده في الجامعة، إذ كنا على موعد معهما للقيام بجولة في بعض الأماكن في المدينة للتعرف عليها، لأن أغلب أوقاتنا قضيناها في زيارة الجمعيات والمساجد والمدارس، ولم نتمكن من التجوال الذي تحبه النفس، ولا شك أن ما كنا فيه كان أجدى، وهو مهمتنا الأولى.
في حديقة
(
(FITZ ROY GARDENS:
وذهبنا للتجول في حديقة تسمى: FITZ ROY GARDENS
)
) حديقة
(فيتزروي)
وهي بجوار الفندق الذي نزلنا فيه: "شيراتون" وقريبة من مبنى البرلمان.
بدأنا بزيارة معرض للزهور في حظيرة مسقوفة بخشب وزجاج أعدت للحفاظ على درجة حرارة معينة، تناسب الزهور وتبقي عليها صالحة لفترة من الزمن، وبها نوافذ تفتح ليتخللها الهواء، وإذا كانت في أيام الصيف استعملت بها مكيفات مناسبة، وهذا المعرض الذي أعدّ في هذه الحديقة أعدّ تكريماً للكابتن
(كوك)
البريطاني الذي اكتشف المنطقة ـ وكان مغرماً بالزهور ـ وقد نقل منزله ـ بعد موته ـ من بريطانيا بكامله، تخليداً لذكراه، وبني في هذه الحديقة مع سرره وكراسيه ومواعينه، تكريماً له وقد دخلنا المنزل ورأينا ما يحتوي عليه، وسيأتي ذكر شيء من وصفه.
شرح الإسلام للمهندس الزراعي جيمس تاتشر:
وعندما دخلنا في هذه الحظيرة وجدنا المهندس الزراعي المشرف على هذا المعرض وسألناه بعض الأسئلة، من ضمنها مظاهر غرام كابتن كوك بالزهور، فقال: إنه كان يجمعها من البلدان المختلفة إلى إنجلترا، ولأجل الاحتفاء به وضعت هذه الأنواع من الزهور في هذا المعرض، وهذا الرجل
(أي المهندس الزراعي)
هو: جيمس تاتشر وهو معني بالزهور وأخصائي فيها وقال: إن هذه الزهور الموجودة هي من فلسطين ولبنان، وبعضها من جبال اليونان، وتنظم في كل سنة خمسة معارض في مالبورن، يبقى المعرض من الزهور لمدة شهرين أو ثلاثة، ثم يُبدأ بمعرض آخر من الزهور من بلدان أخرى، وهذا المعرض للأزهار التي لها ألوان ساطعة.
وهناك معارض للألوان الغامقة، وتؤخذ أزهارها من أمريكا الجنوبية، ومعرض آخر تكون أزهاره من أمريكا وأوربا، ومعرض للأزهار التي تؤخذ من مناطق ساخنة ولها جو يناسبها.
وسألت جيمس: أتحب البقاء بين هذه الأزهار؟ فقال: لو لم أكن أحبها وأحب البقاء بينها، ما صبرت على نصف مليون زائر في السنة، وهي هوايتي التي لا أستغني عنها. قلت له: أتشعر بأنها جميلة متناسقة؟ قال هذا سؤال غريب هي أمامك ألا تراها كذلك؟!.
قلت: بلى، ولكن من أكسبها هذا الجمال وهذا التناسق؟ فسكت الرجل يفكر قليلاً، ثم التفت إلى مبتسماً قائلا: الآن فهمت سبب سؤالك الأول، ثم قال: إنني أشعر بأن هناك إلهاً أعطى كل شيء خلقه، قلت: أتظن هذا الإله واحداً أم متعدداً؟ ـ وكنت أرمز بذلك إلى التثليث الكنسي ـ فقال: لا بد أن يكون إلهاً واحداً، قلت: ولكن الكنيسة تدعي أن الإله مركب من ثلاثة، فقال: إنا لا أؤمن بذلك، لأنه غير معقول.
قلت: له أتعرف ما ديننا نحن؟ قال: من أين أنتم؟ قلت: من السعودية، قال: دينكم الإسلام، وأنا اتفق مع المسلمين في أن الإله واحد، قلت: أقرأت عن الإسلام شيئاً؟ قال: قرأت قليلاً جداً، قلت: أين قرأت؟ قال: زرت مصر وسريلانكا، وشاهدت المسلمين في المساجد، ولكن إلى الآن لم أعرف ما هو الإسلام؟ وأنا أعرف أخلاقاً دينية يؤمن بها اليونان، وهي أوضح عندي من الغموض الذي جاءت به المسيحية الرسمية.
زقلت له: أتحب أن تقرأ عن الإسلام شيئاً؟ فقال في لهفة: نعم، أنا في غاية الشوق إلى ذلك، ثم شرحنا له باختصار أركان الإسلام وقلت له: إنه لا سبيل إلى النجاة من النار والدخول في الجنة إلا هذا الدين ونحن قد بينا لك شيئاً منه، وستأتيك بعض الكتب المترجمة إن شاء الله تبين لك مبادئ الإسلام، واتفقت مع الدكتور عبد الخالق القاضي أن يحضر له بعض الكتب، منها ترجمة معاني القرآن الكريم.
وقلت لجيمس في آخر الحديث: ما الذي اكتسبته من مجاورتك الزهور وبقائك معها؟ قال: أشعر بحب الناس كلهم وعاطفتي طيبة لكل إنسان.
من آثار كابتن كوك..
ثم تركنا جيمس ليستقبل زوار معرضه، كما جرت عادته ليجيب على أسئلتهم التي لا تتجاوز: من أين هذه الزهور؟ فيقول من البلد الفلاني، وتجولنا في الحديقة.
وذهبنا لنرى بيت كابتن كوك، هذا البيت الذي جاءوا به من بريطانيا بعد وفاته، وكان يسكن فيه هناك، وإنما جاءوا به إلى أستراليا - وبخاصة في مالبورن - من أجل أن يعلم الناس رواد بلد كوك الذين خدموها بشتى أنواع الخدمات، ومنها اكتشاف الأراضي الجديدة لاستغلال خيراتها وخاماتها وجعلها سوقاً رائجة للبلاد المكتشِفة، وإذا كانوا قد جاءوا بمنزل كابتن كوك إلى هذا البلد الذي كان من رواده الأوائل الذين مهدوا لاحتلال إخوانهم البريطانيين، فإن له آثاراً أخرى عند بني قومه في بلده وستكون معروضة في مكانها المناسب هناك.
إن الأمم تعترف بذوي النبوغ فيها، وتثني عليهم، وتحاول تخليد ذكراهم، ولو كانت تلك الأمة ظالمة سفاكة دماء لأهل البلدان التي اكتشفوها واستولوا عليها.
والأمة التي لا تعترف بذوي النبوغ فيها والخبراء والمكتشفين والفاتحين، أمة ضائعة ذائبة تتمدح بأمجاد الأمم الأخرى، وتشيد بالعباقرة من غيرها، وعباقرتها أكبر من غيرهم، ولكنها تنساهم، لأنها أمة تافهة ليست على مستوى عباقرتها وروادها وفاتحي العالم من أجدادها، هذه نفثة صدر أودعتها في هذه الأسطر، أسفا على نسيان كثير من أمتنا أمجادها وصانعي تلك الأمجاد من قادتها الميامين الذين أصبح كثير من شبابنا، لا يعرف عنهم شيئاً من أمثال الخلفاء الأربعة وغيرهم من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغيرهم من التابعين وأتباعهم من علماء ومفكرين وخلفاء وقادة جيوش وغيرهم.
ولكن أولئك الشباب يعرفون أمثال كابتن كوك وداروين ودوركايم، ويعرفون التافهين من أبناء المسلمين الذين لم يقدموا لأمتهم إلا الضياع والميوعة، كالممثلين والمغنين وغيرهم، فأين هي أمة الإسلام من الأمم التي تحاول أن ترن أسماء زعمائها في آذان أبنائها وفي آذان البشر في كل صقع من أصقاع الدنيا؟ وبخاصة في الأماكن التي كان لهم فيها جهود عادت إلى بلادهم بالخير.
بل أين احترام بعض فرق المنتسبة إلى الإسلام التي تهين بسبابها وشتائمها أئمة الهدى من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم، الذين فتحوا الأرض بالدعوة والقدوة والعدل، وبإزالة طواغيت الأرض المستبدين الظلمة الذين وقفوا سدودا في إصلاح ما أفسدوا في شعوبهم؟!
إننا لا نريد ذكريات موالد ولا تقديس أشخاص مهما كانوا، ولكن نريد أن نبث في نفوس شبابنا أمجادهم، ليعرفوا فضلهم ويقتدوا بهم ولا يكونوا عندهم نسياً منسيا.
ولنعد إلى بيت كبتن كوك:
إن البيت مكون من طابقين: في الطابق الأسفل يوجد كرسيان من الخشب ثابتان ومائدة – طاولة ـ طعام، وعليها ثلاثة كراسي، ودولاب ومطبخ، وفرش من الخوص ـ أي سعف يشبه سعف النخل ـ وصحنان معدنيان، وميزان وبعض المواعين الأخرى، وسرير نوم صغير، والسلم الموصل إلى الطابق الأعلى إحدى عشرة درجة، وفي الطابق الأعلى سرير نوم كبير وطاولة عليها شمعة وثلاثة كراسي، وطاولة صغيرة خشبية، وفي مدخل هذا الطابق كرسي خشب مثبت يتسع لاثنين يجلسان عليه متوسطي الحجم، وقد وجدنا بعض المعلومات عن كابتن كوك في غرفة خلف الطابق الأرضي، ومنها أنه في سن الثامنة عشرة في 27 أكتوبر سنة 1728م كان تلميذ ملاحة، مع مالك سفينة وفي سنة 1755م بدأت حرب إنجلترا دامت سبع سنوات وفي أولها دخل كوك البحرية الملكية سنة 1758م، وساعد في تخطيط نهر شيلورنز وساعد في البحث عن الطرق السليمة للسفن البريطانية في سفرها إلى كويبك، في كندا، وفي سنة 1764م صار مسؤولاً عن بحث اكتشافي لمياه نيوفاوند لين، وعمل مشاهدات عن كسوف الشمس سنة 1766م.
وفي سنة 1768م كان يلقب ليفتنانت
(ملازم ضابط)
، وأُعطي أمراً لسفر اكتشافي إلى بحر الجنوب، ليشاهد مرور نجم: "فينس" أمام الشمس وتوجد صورته في هذه الغرفة، وكان وصوله إلى سدني في منطقة بوكني بي، في عشرين أكتوبر 1770م، وكان خط سيره في البحر حتى وصل أستراليا هكذا: أسبانيا – إفريقيا – مدغشقر – سومطرة ـ نيوجني... هذه المعلومات وغيرها موجودة في تلك الغرفة ـ مكتوبة باللغة الإنجليزية. وقد ترجم لي ذلك الدكتور عبد الخالق قاضي بسرعة أرجو ألا أكون أخطأت في بعضها، ولكنها معلومات رحلة لها هدف آخر، وهو الدعوة إلى الله إلا أنني أحب أن أحتفظ ببعض المعلومات لأتذكر بها رحلاتي ولا بأس أن يطلع القارئ على ما تيسر منها.
وبجوار هذه الحديقة يقع مجلس الشيوخ في مالبورن، وكذلك مجلس النوّاب، وفندق شيراتون الذي نزلنا به، وفنادق أخرى منها فندق هلتون، ورأينا في غرفة المعلومات عن كابتن كوك صورة حيوان يسمى
(كنجارو)
، قالوا: وهو من الحيوانات التي لا توجد إلا في أستراليا، وأستراليا مليئة بالحيوانات الأليفة ـ وخاصة الأبقار والأغنام ـ والحيوانات المتوحشة.
وعندما ذهبنا إلى السوق لشراء أحذية "وهي تسمى بالكنادر أو الجزم" وجدنا من الأحذية ما هو من جلد ذلك الحيوان الأسترالي، فهش له الشيخ وبش، واشترى حذاء من جلد الكنجارو، أما أنا ففضلت جلد البقرة التي شربت من حليبها كثيراً في أستراليا، أما الكنجارو فلم استفد منه شيئاً بل لم أره وإنما رأيت صورته، ولكن للناس فيما يعشقون مذاهب.
نسيان الإنسان رأسه!
رجعنا إلى الفندق والتقينا الدكتور جعفر شيخ إدريس، الأستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، والذي كان مبعوثاً في مهمة مشابهة لمهمتنا، وكنا على موعد مع الدكتور عبد الخالق قاضي لتناول طعام الغداء في مطعم أحد المسلمين بدعوة من جماعة غالب أعضائه من الباكستانيين والهنود، وفي السيارة شكا الشيخ جعفر من النسيان، وقال إنني أنسى بعض ملابسي وبعض حاجاتي في الفنادق عندما أغادرها، فقال له الشيخ عمر: تزوج أربعاً مثل الأهدل، حتى إذا نسيت شيئاً عند واحدة لا تنساه عند الأخرى. فقال الدكتور جعفر: هل هو متزوج أربعاً؟! إذًا لو فعلت مثله لنسيت رأسي! فالتفت الشيخ نحوي مبتسماً ابتسامة المعلق! قلت: الحمد لله لقد سافرت كثيراً إلى كثير من البلدان، ونزلت بعشرات الفنادق، ويندر أن نسيت شيئاً، ومع ذلك أسأل الله السلامة من نسيان الإنسان رأسه!.
الفهرس
16130939
عداد الصفحات العام
1665
عداد الصفحات اليومي
جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م