﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ۝٥١ فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ ۝٥٢ وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ ۝٥٣﴾ [المائدة ٥١-٥٣]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(028)سافر معي في المشارق والمغارب

(028)سافر معي في المشارق والمغارب

زيارة أول مسجد أسس في القارة الأسترالية:

مهاجر من سجناء الحرب العالمية الثانية.

ثم ذهبنا لزيارة أول مسجد بني في أستراليا، وهو المسجد الذي بناه المسلمون الأفغان سنة 1892م، ويسكن بجانب المسجد شيخ كبير السن من المسلمين، فبدأنا بزيارته، وقد سُرَّ بنا سروراً كثيراً عندما رآنا بباب داره نستأذن في الدخول، وزاد سروره عندما عرف أننا من مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال لنا: انه قد التقى فضيلة أخينا الكريم الدكتور عبد الله الزايد، نائب رئيس الجامعة الإسلامية السابق.
وأخبرناه أنا اشتقنا لزيارته عندما سمعنا بوجوده في هذه المدينة بجانب هذا المسجد.

واسم هذا الشيخ: أحمد سقاقا عزيز، ولد سنة 1915م في سراي بوسنة بيوغسلافيا، أتم دراسته بمدرسة الغازي خسرو بك، بسراي بوسنة في سنة 38 ـ 1939م. ولديه شهادة بإتمام دراسته باللغة العربية، واللغة اليوغسلافية، ذكرت فيها المواد التي درسها وهي القرآن والسيرة، والتفسير، والحديث، والعقائد والفقه، والتصوف، والأخلاق، وتاريخ الإسلام، واللغة العربية واللغة التركية، واللغة الألمانية، واللغة اللاتينية، والتاريخ القومي، والجغرافيا، والتاريخ الطبيعي، والحكمة الطبيعية (فيزياء)، والكيمياء والحساب، والهندسة، والميقات، ومقدمات الفلسفة، وعلم التربية والتدريس، والإمامة والخطابة والوعظ، والحقوق المدنية، وعلم الاقتصاد، وحفظ الصحة.

وكان قد التقى الجيش الإسلامي في بلدته، الذي أسسه المفتي أمين الحسيني، والغرض من تأسيسه حماية يوغسلافيا مع ألمانيا ضد روسيا في الحرب العالمية الثانية، وانهزمت ألمانيا في الحرب وقد دعت عدداً من المسلمين لمساعدتها في الحرب في روسيا فرفض كثير منهم، فسجنوهم.

وبعد أن دخل الجيش الأمريكي في ألمانيا أخرجوا هؤلاء المسجونين وأطلقوهم من السجون فذهبوا إلى النمسا، وعاصمتها " فيينا" ـ والرجل لم يعرف اسم النمسا (يسأل عن اسمها القديم؟)، وقد عرفناها عندما ذكر العاصمة ـ وبقوا هناك خمس سنوات، ثم طلب الشيخ أحمد سقاقا من الحكومة الأسترالية أن تأذن له بالهجرة فأذنت له، وهاجر سنة 1950م، وصل إلى مدينة "أدلايد" بعد عشرين يوماً من مدينة "نابولي" بإيطاليا على سفينة عسكرية أمريكية وكان معه مائتا وألف مهاجر من دول مختلفة، وهو المسلم الوحيد بينهم.

وصف الشيخ أحمد لحال المسلمين عند نزوله في أدلايد:

وقال الشيخ أحمد: عندما جئت إلى "أدلايد" لم أعرف أحداً من المسلمين لمدة تسعة شهور، ولم أعرف أن مسجداً يوجد بها، وقرأت يوماً من الأيام الإعلان عن تشييع جنازة في جريدة، فأتيت إلى المكان الذي فيه المسجد، وكان المسجد متهدماً جداً.

وكان المسجد في اليوم الأول مغلقاً، وفي اليوم الثاني كان فيه ثلاثة أو أربعة من الأفغان الذين يقودون الجمال، والحمد لله بقينا نقوم بتنظيف المسجد، وأخبرنا من عرفنا من المسلمين عن وجود المسجد ومكانه، ولم يكف الموجودين لصغره، فوسعناه، وبنينا ما نحتاج إليه فيه.

الشيخ أحمد يقوم بإمامة المسلمين في المسجد:

قال: وطلبوا مني أن أقوم بإمامة المسجد، فقبلت حتى جاء الإمام الشاطري من سنغافورة، وهو الآن في مدينة "بيرث" وكان لا يأخذ مقابل عمله في المسجد شيئاً، بل كان يعمل في المصانع، وقد أهديت له ساعة من المصانع، وحصل بينه وبين الجماعة في المسجد شيء فترك المسجد، وتركته أنا أيضاً، كما تركه عمر الشاطري ـ وسيأتي الكلام عن عمر الشاطري في موضعه إن شاء الله ـ.

ويحتفظ الشيخ أحمد معه ببعض الوثائق والذكريات، ومنها قطعة حديد صغيرة كتب عليها رقمه عندما كان في السجن بألمانيا. وقال: التقيت الرجال الأربعة من الأفغان الذين جاءوا لأخذ بعض أموالهم، لأن الحكومة الأسترالية لم تسمح لهم باستقدام أهلهم لتجبرهم بذلك على الزواج من الأستراليات. وكانت توسعة المسجد في سنة 1977م، وقد بدأ هو في إمامة المصلين بالمسجد 1950م إلى أن جاء الشاطري في سنة 1979م.

ثم تحدث الشيخ أحمد عن سبب تركه المسجد، فقال:

إن الشاطري وضع نفسه فوق مستواه، إذ كان يرى أنه أفضل ممن سواه، ولم يضع نفسه موضع الإمام، وكان له صديق صاحب مطعم من ماليزيا، وكان يباع الخمر في هذا المطعم، وهو يذهب إليه ويجلس هناك، والأفضل للإمام أن لا يذهب إلى هذا المكان لغير حاجة، وذكر الشيخ أحمد أموراً أخرى أدت إلى نقل الشاطري إلى مدينة "بيرث" وانقسام الجماعة في المسجد قسمين: قسم يوالون الشاطري، وقسم ضدهم، فانتقل الجماعة الذين هم ضد الشاطري إلى المسجد الآخر، وبقيت جماعة الشاطري في هذا المسجد الذي لا يوجد له الآن إمام، أما المسجد الآخر فيؤم الناس فيه الشيخ سليم التركي.

وقد طلبت جماعة هذا المسجد ـ يعني جماعة الشاطري ـ من السفارة السعودية أن تساعدهم بإمام، ولكنهم إلى الآن لم يجدوا إماماً يجيد اللغة العربية والإنجليزية.

وقال الشيخ أحمد: إنه ترك إمامة المسجد للمشكلات التي أحدثها الشاطري، وأنه فضل الانتقال إلى الجمعية الأخرى، لأن جمعية المسجد القديم لم تقبل نظام الاتحاد.

وذكر الأستاذ أحمد أن أبناء الأفغان الذين بنوا هذا المسجد القديم، كانوا جهالاً بدين الله، وقد تزوجوا نساء أستراليات، وعندما مات آباؤهم الذين علموهم قليلاً من الإسلام ترك الأبناء الإسلام. وقال إنه يوجد مسجد على بعد أربعمائة كيلو من مدينة "أدلايد" إلى الشرق في موقع يسمى "بوكن هيل".

ثم ذهبنا إلى مسجد الأفغان القريب من منزل الأستاذ أحمد وصلينا فيه الظهر، وهو يتكون من قسمين: القسم الذي أنشئ أولاً في الجهة القبلية، والقسم الثاني ـ وهو الذي بنى مؤخراً للتوسعة على المصلين عندما كثروا ـ وهو يتكون من طابقين: الطابق الأرضي مصلى للرجال، والطابق العلوي للنساء، وله أربع منائر وتتبعه مراحيض وأماكن للوضوء.

معلومات عن المركز الإسلامي في جنوب أستراليا:

يوجد مسجد يصلي بالمسلمين فيه ويقوم بخطبة الجمعة فيهم الشيخ سليم بن محمد سازكين التركي، وهو من مدينة "ليدن" في غرب تركيا ولد سنة 1951م، وتعلم في مكتب الأئمة والخطباء، ثم في المعهد العالي الإسلامي في استنبول، وفي سنة 1969م توظف واعظاً في المحمودية في وسط تركيا، بعد أن تخرج من مكتب الأئمة والخطباء، وتزوج سنة 1973م، وانتقل إلى ولاية نازلي في غرب تركيا، وبعد سنتين أصبح مفتياً.

وفي سنة 1977م دخل دورة دراسة الفقه والتفسير والعربية لمدة سنتين، وقبل إكمال هذه الدورة بشهرين بعث إلى أستراليا ليقوم بإمامة الأتراك المسلمين في "ولنجتون"، جنوب مدينة سدني، وبقي فيها ثلاث سنوات ونصف السنة، ثم طلبت منه الحكومة التركية العودة إلى تركيا ـ لأنه أتى إلى أستراليا بإذن منها ـ ولكن الاتحاد طلب منه البقاء في أستراليا فقبل ذلك واستقال من وظيفته في تركيا.

وتسلمت جمعية ولنجتون رسالة من تركيا إلى الجمعية تعرض فيها بعث إمام تبعثه الحكومة التركية، إذا قبلت الجمعية، وقبلت ذلك الجمعية وراجع الأخ سليم المسؤولين في الاتحاد، فأخبره الاتحاد أن الجمعية الإسلامية في مدينة "أدلايد" تطلب إماماً، وعرض الاتحاد عليه ذلك فقبل وانتقل في أول هذه السنة إلى مدينة "أدلايد" وله فيها ستة شهور، وقال: إنه سيعود إلى تركيا بعد سنة ونصف حفاظاً على تربية أولاده في بلده، خوفاً من نار الكفر والعادات السيئة في بلاد الكفر.

وقال: إن في المدارس الأسترالية من المنكر ما لا يطاق وعمر أكبر أولاده عشر سنوات وعمر الثاني خمس، والثالث عمره سنتان.

ثم ذهبنا إلى ساحل البحر، وكان معنا الأستاذ أحمد سقاقا، وقد وجهت له في السيارة السؤال التالي:
متى نظمت هذه المدينة هذا التنظيم، ومتى أنشأت هذه الشوارع التي نرى كأنها الآن فرغ من إنشائها؟
فأجاب: إن هذه الأمور التي ترونها كلها، جئت وهي هكذا، مع العلم أن له في هذا البلد أربعة وثلاثين عاماً، وقال: إن الأستراليين نظيفون في شوارعهم ومنازلهم وفي كل مرافقهم، وأن هذه المعاني أخذوها من ديننا، ولكن أخذنا منهم الأخلاق الفاسدة وتركنا محاسن ديننا.

أندر من الكبريت الأحمر:

وقفنا على ساحل البحر في غرب مدينة "أدلايد" أمواجه الهادرة تتلاحق، ثم تكر الأولى راجعة فترتطم باللاحقة، وقد وضع سد من الصخور الكبيرة على الشاطئ لوقاية البيوت المجاورة من هياج البحر الذي قال لنا الإخوة: إنه هاج قبل سنتين، حتى كاد يغمر أطراف المدينة في وقت مَدِّه.

وعندما رجعنا إلى السيارة لنواصل السير على شاطئ البحر متجهين إلى الجنوب، رأى الشيخ ثلاث قطع أو أربعاً من قشور البرتقال مرمية على الأرض، فقال: هذه هي المرة الأولى التي نرى هذا المنظر في أستراليا، فقال الشيخ أحمد سقاقا: يمكن أن بعض الأطفال رموها هنا، لبعدهم عن المنازل، وهذا منظر نادر، بل هو أندر من الكبريت الأحمر في هذا البلد، بخلاف بعض البلدان المسماة بالنامية، فإن الغرابة فيها أن تجد فيها شارعاً أو بقعة نظيفة سليمة من القمائم والنفايات. والبلد النظيف هو الذي يستجلب له جيوش من العمال يُتابَعون في تنظيف شوارعه وحاراته طوال اليوم. ثم تجولنا قليلاً بالسيارة على شاطئ البحر وتوجهنا إلى منزل الأخ سليم.

ممرض ماهر!

كان الشيخ قد أصابته شجة خفيفة في وسط رأسه من حافة باب السيارة عندما أراد الدخول في الصباح، وسألني عندما ذهبنا إلى البحر: هل يوجد عندي مطهر؟ قلت: ماذا تريد به؟ فقال: جرح خفيف في رأسي من ضربة السيارة، فقلت نشتري الآن عندما نعود مطهراً من الصيدلية، فقال: لا داعي لذلك فالجرح خفيف، ولكني ألححت على شراء المطهر، وعندما دخلنا إلى بيت الأخ سليم، أخذت طاقية الشيخ، وإذا الشجة يخرج منها قليل من الدم فأخذت القطن وطهرت به المكان من الدم، ثم وضعت عليه المطهر وغطيت رأس شيخنا، فقال: أنت اليوم ممرض ماهر، فقلت: الحمد لله على هذه الشهادة بالخبرة في مجال آخر من مجالات الحياة، وشفى الله الشيخ مما أصابه.

وقد قابلنا أولاد الأخ سليم الثلاثة: وهم بلال، وعمره عشر سنوات، وطلحة وعمره خمس سنوات، ومصطفى وعمره سنتان، وقد اسمعنا بلال آخر سورة البقرة بقراءة مجوّدة جيّدة. وقد طلب الإمام سليم بن محمد سازكين أن نبعث له بكتاب بدائع الصنائع إن كانت الجامعة الإسلامية توزعه.

المذهب الثالث:

كان شيخنا فلاتة يشرب الشاي والقهوة، وأنا أشرب شيئاً من العصير ثم اكتشفت أن الحليب الأسترالي كثير جداً، وهو حليب بقر طبيعي، يوجد في البيت والدكان والفندق والطائرة، فكنت إذا طلب الشيخ الشاي أو القهوة طلبت أنا الحليب، واستمر الشيخ على ذلك فترة، ثم رأى أن يجمع بين المذهبين، فكان يطلب الشاي والحليب أو القهوة والحليب، فقلت له: لماذا لم تبق على عادتك الأولى؟ فقال: عندي مذهب ثالث، لا أدعك تستأثر بالحليب وحدك.




السابق

الفهرس

التالي


16131108

عداد الصفحات العام

1834

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م