﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ۝٥١ فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ ۝٥٢ وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ ۝٥٣﴾ [المائدة ٥١-٥٣]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(0144)الجهاد في سبيل الله-الفرع الثالث: إلقاء العداوة والبغضاء بين المسلمين

(0144)الجهاد في سبيل الله-الفرع الثالث: إلقاء العداوة والبغضاء بين المسلمين


المسلمون إذا طبقوا دينهم وجاهدوا في سبيل الله يؤلف الله بين قلوبهم، ويعينهم على التآخي في ذاته عز وجل، ويحصل بينهم من الترابط والتكاتف والتعاون ما يجعلهم خير أمة أخرجت للناس كما مضى ذلك.



قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران:103-105].


أمر الله في هذه الآيات بالاعتصام بحبل الله، أي التمسك بدينه وكتابه وسنة رسوله صَلى الله عليه وسلم، والعمل بها والاجتماع عليها، وأمرهم بأن يذكروا نعمته عليهم بتأليف قلوبهم، بعد أن كانوا متفرقين مختلفين في أيام كفرهم ثم أصبحوا إخوانا بعد إسلامهم، وأمرهم بالقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الخير التي لا فلاح لهم بدونها، ولعل في هذا تنبيهاً على السبب الذي يستطيعون به أن يستديموا اعتصامهم وائتلاف قلوبهم وأخوتهم، وهو توجيه طاقاتهم إلى الجهاد في سبيل الله - ومنه تآمرهم بالمعروف وتناهيهم عن المنكر - ودعوة الناس إلى هذا الدين وقتالهم عليه..



ثم نهاهم سبحانه عن تقليد الكفار من الأمم السابقة الذين تفرقوا واختلفوا من بعد أن قامت عليهم حجة الله، بإنزال كتبه وإرسال رسله، وما كان ذلك التفرق والاختلاف إلا بسبب تركهم دينهم والقيام به. كما قال تعالى: {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [المائدة:14].


وهكذا كل أمة تتنكب صراط الله المستقيم، فإن الله يجعل بأسها بينها بدلاً من توجيه ذلك البأس إلى عدوها المتربص بها المذل لها، إذا هي استقامت وأمرت بالمعروف ونهت عن المنكر. وقد قال تعالى للمشركين الذين كانوا يصدون الناس عن دعوة الرسول صَلى الله عليه وسلم: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ}". [الأنعام:65، وراجع في ظلال القرآن (7/1124)].


وقد سبق أن كلمة أصحاب الرسول صَلى الله عليه وسلم كانت مجتمعة وقلوبهم مؤتلفة عندما كانوا جادين في الجهاد في سبيل الله، فلما فتحت الدنيا وبدأ يظهر شيء من التنافس في الدنيا وهدأت الفتوحات دب الخلاف بينهم، وفي مقتل عثمان رضي الله عنْه، ثم ما أعقب ذلك من وقعة الجمل وصفين دليل واضح على هذا المعنى.



وقد أشار إلى ذلك أبو برزة الأسلمي رضي الله عنْه، كما في حديث أبي المنهال قال: "لما كان ابن زياد ومروان بالشام، وثب ابن الزبير بمكة ووثب القراء بالبصرة، فانطلقت مع أبي إلى أبي برزة الأسلمي، حتى دخلنا عليه في داره وهو جالس في ظل علية له من قصب فجلسنا إليه، فأنشأ أبي يستطعمه الحديث فقال: يا أبا برزة ألا ترى ما وقع فيه الناس؟ فأول شيء سمعته تكلم فيه: إني احتسبت عند الله أني أصبحت ساخطاً على أحياء قريش. إنكم يا معشر العرب كنتم على الحال الذي علمتم من الذلة والقلة والضلالة، وإن الله أنقذكم بالإسلام وبمحمد صَلى الله عليه وسلم، حتى بلغ بكم ما ترون وهذه الدنيا التي أفسدت بينكم. إن ذاك الذي بالشام والله إن يقاتل إلا على دنيا، وإن هؤلاء الذين بين أظهركم والله إن يقاتلون إلا على دنيا، وإن ذاك الذي بمكة والله إن يقاتل إلا على الدنيا". [البخاري رقم 7112، فتح الباري (13/68)].



فقوله: "من الذلة والقلة والضلالة،،، وأن الله أنقذكم بالإسلام وبمحمد صَلى الله عليه وسلم حتى بلغ بكم ما ترون.. يفسر معنى قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الأنفال:26].



وكانت هذه النعمة التي أنعم بها عليهم، فكثرهم بعد قلة وأعزهم بعد ذلة، وأغناهم بعد فقر، وأشبعهم بعد جوع، بما رزقهم من حمل الأمانة ورفع راية الجهاد في سبيل الله، استجابة لدعاء الرسول صَلى الله عليه وسلم في أول معركة فاصلة بين المسلمين والمشركين..



كما في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: "أن رسول الله صَلى الله عليه وسلم قال: (اللهم إنهم حفاة فاحملهم، اللهم إنهم عراة فاكسهم، اللهم إنهم جياع فأشبعهم)، ففتح الله له يوم بدر، فانقلبوا حين انقلبوا وما منهم رجل إلا وقد رجع بجمل أو جملين واكتسوا وشبعوا.. [سنن أبي داود، برقم (247) وهو في جامع الأصول (8/188)].



وإذا قعد المسلمون عن الجهاد واختلفوا فيما بينهم، اهتبل الطواغيت ذلك وأججوا نار الخلاف والفرقة بينهم، بالإغراء والتحريش، ليزداد انقسامهم على أنفسهم ويشتد نزاعهم وخصامهم، حتى يضرب بعضهم رقاب بعض.. وهو الذي حذر منه الرسول صَلى الله عليه وسلم أمته ونهاهم أشد النهي..



كما في حديث ابن عمر وأبي بكرة، وابن عباس، وجرير: (لا ترجعوا - وفي رواية لا ترتدوا - بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض) [البخاري رقم 7077ـ7080، فتح الباري (13/26)]. بدلاً من ضربهم رقاب أعدائهم الذين أمرهم الله بجهادهم في سبيله..كما قال تعالى: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ} [محمد:4].


ولقد حل بالمسلمين هذا البلاء وألقى الله بينهم العداوة والبغضاء، لأن كثيرا منهم نسوا حظاً [والنسيان هنا بمعنى الترك] مما ذكروا به، كأهل الكتاب، وسنة الله واحدة لا تتغير ولا تتبدل، والكفار من هذه الأمة، أو الفساق، أو الظلمة منها، لا ميزة لهم على كفار الأمم السابقة وفساقها وظلمتها، كما قال تعالى: {أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ} [القمر:43].



لقد انتثر عقد الأمة الإسلامية وانقسموا إلى دويلات وشعوبا وجماعات وأحزابا، اختلفوا في عقائدهم وفي سياساتهم وفي ولاءاتهم، حتى إنك لترى الولاءات لغير الله في أكثرهم، هذا شيوعي متطرف يتبع الصين – مثلاً - وهذا شيوعي معتدل، يتبع روسيا - مثلاً- وهذا اشتراكي، وهذا قومي، وهذا يميني وذاك يساري، وهذا رأسمالي. كل دولة تلعن الأخرى وتحاربها، وكل شعب يفتخر على الآخر ويحتقره، وكل جماعة تعادي الأخرى وتشهر بها وتذكر مساويها، وكل حزب يقاتل نده..



وأعداء الله من دول الكفر يشعلون نار الفتنة بين تلك الدول والشعوب والجماعات والأحزاب، ويضعون لهم المناهج والخطط التي توسع الخلاف بينهم يمدونهم بالأسلحة التي يدمر بها بعضهم بعضاً، حتى أصبحت الدول تنام برئاسة فلان وبقيادة الحزب الفلاني، فتصبح وقد تغير زعماؤها وزج بهم في السجون أو دفنوا تحت أنقاض قصورهم بالأسلحة المدمرة.



وهكذا الحزب الواحد ينقسم أعضاؤه حتى يصبح عدداً من الأحزاب، لا بل إن الأسرة الواحدة في البيت الواحد، تجد كل واحد منهم تابعاً لحزب وهو يتجسس على أخيه أو أبيه أو أي قريب له آخر، ينتمي إلى غير حزبه ويتربص به ويهدده بيوم النصر المنتظر لحزبه.



ولو أراد الباحث أن يضرب أمثلة لتلك العداوات والبغضاء التي ألقاها الله بين الدول الحاكمة لبلاد المسلمين، وتلك الشعوب الإسلامية، والجماعات والأحزاب لملأ كراريس عديدة، ولكن المسلم - أو غير المسلم - المعاصر إذا استعرض بلاد المسلمين كلها يظهر له ما نزل بها بعضها مع بعض أو في داخل كل بلاد من بلاء.



وما بقي إلا أن ينتظر المسلمون وعد الله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة:54-56].



بعد أن أذاقهم الله ما هددهم به وحذرهم منه في قوله: {إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التوبة:39، [ويمكن للقارئ مراجعة الكتب التالية لمعرفة خطط أعداء الله في تفريق المسلمين وتأجيج العداوة بينهم واستجابة المسلمين لذلك، موسكو وإسرائيل لعمر حليق، والصراع السوفياتي - الأمريكي في الشرق الأوسط لج. بر. هورتيز، ولعبه الأمم لمايلزكوبلاند، الدبلوماسية والميكافيلية في العلاقات العربية الأمريكية خلال عشرين عاماً للدكتور صادق أمين. وافتح اليوم شاشاة الفضائيات ووسائل الاتواصل الاجتماعي، وموقع الشبكة العالمية، ويوتيوبها، لترى آثار ترك هذه الأمة دينها، حتى الجماعات والأحزاب التي تنتسب إلى الإسلام، كيف يسفك بعضهم دم بعض...].


الفرع الرابع: فقد المسلمين الحرية التي منحهم الله


عندما تكون الهيمنة للإسلام ويكون المجتمع مجتمعاً إسلامياً يتساوى فيه الناس في حقوقهم، فلا يهضم أحد ولا تظلم طائفة، ولا يكون لأحد فضل على أحد إلا بتقوى الله سبحانه، فمن كان أكثر تقوى كان أكرم عند الله تعالى..{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات:13].



فالمسلم في ظل المجتمع الإسلامي الذي تحرسه قوة الحق الجهادية، يكون كامل الحرية في نشاطه وتصرفه في الشؤون الدينية والدنيوية، في نطاق ما أذن الله به شرعاً.. بل إن المواطن غير المسلم من أهل الذمة ينال حرية، لا يجدها في ظل المجتمع الكافر الذي يدين بدينه.



ولكن هذه الحرية التي يتمتع بها المسلم في ظل مجتمعه الإسلامي المجاهد في معتقده وفي رأيه، وفي تفكيره وفي شؤونه الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتعليمية يفقدها عندما يترك قومه دينهم، ويفقدون تفقد راية الجهاد في سبيل الله، وتنتقل قيادة البشر من أيدي المجاهدين إلى أيدي الكفرة والظلمة والفاسقين. لأنه عندئذ يفتن في دينه وعقيدته، كما فعل فرعون مع السحرة الذين آمنوا بموسى: {قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى} [طـه:71].



وكذلك قوم شعيب قالوا له: {قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ} [الأعراف:88].


وهكذا فعل المشركون من أهل مكة مع الذين لم يهاجروا بدينهم، سواء منهم المعذور أو غيره كما مضى، بل أجبروهم على الخروج معهم في معركة بدر لقتال أهل دينهم من المسلمين: الرسول صَلى الله عليه وسلم وأصحابه..



قال البخاري رحمه الله: "باب من كره أن يكثر سواد الفتن والظلم… وساق بسنده عن ابن عباس، أن ناساً من المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سواد المشركين على رسول الله صَلى الله عليه وسلم، فيأتي السهم فيرمى به فيصيب أحدهم فيقتله أو يضربه فيقتله، فأنزل الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً} [النساء:97].





بل إن المشركين أكرهوا بعض الصحابة على النطق بالكفر، وإن اطمأن قلبه بالإيمان قبل الهجرة، كما فعلوا مع عمار بن ياسر.. كما قال تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النحل:106].



وكما فعل طغاة الأخدود في إكراه المؤمنين على التخلي عن إيمانهم، فلما صمدوا أحرقوهم بالنار".. [راجع تفسير سورة الأخدود في تفسير ابن جرير الطبري أو غيره..]. وكما فعل النصارى في الأندلس بالمسلمين الذين قتلوهم وأخرجوهم من ديارهم مهانين ولم يبق إلا من تنصر. [راجع التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية للدكتور أحمد شلبي (4/126) وكتاب مأساة انهيار الوجود العربي بالأندلس ـ لعبد الكريم التواتي ص589]. وكما فعل الشيوعيون في روسيا والصين وألبانيا وكمبوديا في هذا العصر وغيرها من دول الكفر. لا بل ما فعله بعض حكام الشعوب الإسلامية بدعاة الإسلام.. الذين جعلوا المسلم يفقد حريته في أداء شعائر دينه، بل وفي حمله كتاب ربه والقراءة فيه، وفي الصلاة في مسجده مع الجماعة أو وحده وفي رفع المؤذن الأذان داعياً إلى الصلاة، كما هو الحال في كثير من الشعوب الإسلامية التي تسلط عليها الشيوعيون، من أتباع روسيا، و الصين. [ويقال إن الصين بدأت تتسامح قليلاً بعد موت زعيمهم السابق ماو تسي تونج، ولكنها لا زالت تسوم المسلمين في تركستان الشرقية سوء العذاب].



ويفقد المسلم حريته في قول كلمة الحق، في ظل الكفر الذي خلا له الميدان لأن الباطل لا يأذن له بذلك، ويفقد المسلم حريته السياسية، حيث يحظر عليه العمل السياسي ما دام أساسه الإسلام، وليس في دول الكفر الصريحة فقط، بل في الشعوب الإسلامية التي يحكمها أعداء الإسلام من المنتسبين إليه. ويفقد المسلم حريته الاقتصادية الإسلامية، لأن الحياة الاقتصادية إما شيوعية تصادر الأموال ولا تسمح إلا بالقليل منها، وإما رأسمالية تطلق أيدي الناس لكسب المال بكل وجه حلالاً أو حراماً، وتنفقه في كل وجه حلالاً أو حراماً.. وقلما ينجو من يعيش في ظل هذا النظام من الوقوع في محرم.



ويفقد المسلم حريته الاجتماعية في ظل الكفر، إذ تسري عليه الأنظمة الاجتماعية الكافرة، فقد يجبر بحكم القانون على مخالفة دينه في ذلك كتزويج ابنته أو قريبته المسلمة بالرجل الكافر، وقد يجبر بحكم الأوضاع والعادات الضاغطة على أسرته وأهله بارتكاب محرمات كالاختلاط بالأجانب والسفور وغير ذلك، ويفقد المسلم حريته في التعليم، فلا يجد إلا التعليم الذي يضع مناهجه أهل الكفر الذين وضعوها لتحقيق أهداف كفرهم، وبنوها على أساس معتقدهم إلحادياً أو نصرانياً أو يهودياً أو وثنياً..



وكلها تخالف مبادئ الدين الإسلامي ويجبر ابن المسلم وبنته على تعلم هذه العلوم، ولا يجدون غيرها من العلوم الإسلامية التي تصحح لهم مفهوماتهم، بل إن مناهج الكفر تطعن في دينهم وتلقي عليهم شبهات كاذبة تملأ بها أدمغتهم وتشككهم في دينهم.



ويفقد المسلم الحرية في تطبيق مبادئ دينه على نفسه، لصعوبة تطبيقها في مجتمع كافر أو تحت ظل حكم كافر، فالعامل المسلم في مصنع أو متجر لكافر قد يستمر عمله اثنتي عشرة ساعة أو أكثر، وتمر به أوقات الصلاة فلا يؤذن له بترك عمله وأداء صلواته، فيضطر إذا كان حريصاً على أدائها أن يصليها كلها في وقت واحد بعد انصرافه من العمل، ويمر وقت صلاة الجمعة فلا يقدر على حضورها، وإذا تمرد وحضر الصلاة لوقتها عوقب وقد يكون عقابه حرمانه من العمل الذي يجلب له لقمة العيش". [وهذا ما شكا منه العمال المسلمون في أمريكا، وفي بعض البلدان الغربية، بلاد الحريات.. وسمعته بأذني منهم في مدينة ديترويت المدينة الصناعية الشهيرة، وكذلك في بعض بلدان أوربا].



ويصعب على المسلم تربية أولاده على تطبيق الإسلام، لأن ما يبنيه هو يهدمه أعداء الله في المدرسة والشارع ودور اللهو، أو بأجهزة الإعلام المختلفة من إذاعة وتلفاز وصحف ومجلات ومسجلات وغيرها.



ويفقد المسلم حريته في التنقل في الأرض التي سخرها الله لعباده كلهم، فإذا أراد أعداء الله أن يسجنوه في بلد ما حظروا عليه جواز السفر، أو الإذن بسفره.. وإذا أرادوا منعه من البقاء في بلد أخرجوه منه بالقوة.



ومن عجائب الأمور أن بعض علماء المسلمين في بعض الشعوب الاسلامية يسكن في منزله باسم بعض أسرته، لأنه محروم من جنسية بلده الذي ولد فيه، فلا يستطيع أن يتصرف في شيء بسبب ذلك..ومنهم أمير الجماعة الإسلامية في "دكا" عاصمة بنغلادش وهو البروفيسور "غلام اعظم" وإن حكام بعض الدول الكافرة على الرغم من أنهم أساتذة حكام بعض الشعوب الإسلامية، لأخف وطأة من تلامذتهم المنتسبين إلى الإسلام].



ويفقد المسلم حريته في حق الدفاع عن نفسه في المحاكم الظالمة، إذا اتهم بشيء وحكم عليه بسجن أو قتل أو غيرهما، ولا يفقد ذلك المجرمون من الجواسيس والقتلة والمخربين.



والخلاصة: أن المسلم يفقد حريته في كل شيء إلا ما يأذن له به أعداء الله سواء في بلدان الكفر الأصلية أو في الشعوب الإسلامية التى يحكمها من لا يؤمنون بهدي الله ولا يحكمون بكتابه.



إلا أن حرية المسلم في بعض بلاد الكفر، أفضل من حريته في بعض بلدان المسلمين، وهذه الأمور كلها واضحة يعلمها القاصي والداني.



وهذه الحرية لم يفقدها الأفراد فقط بل حكومات الشعوب الإسلامية قد فقدتها فهي لم ترسم سياساتها - في كل شيء - بحرية، وإنما ترسمها تحت إشراف دول الكفر الأصلية، إما في الظاهر أو في الخفاء بسبب التهديد الذي تتلقاه باستمرار بإسقاطها إن هي لم تفعل ذلك.وذلك كله بسبب نسيان غالب المسلمين العمل بإسلامهم و قعود هم عن الجهاد في سبيل الله الذي لا توجد الحرية الصحيحة إلا في ظل رايته.





السابق

الفهرس

التالي


15327571

عداد الصفحات العام

3865

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م