﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ۝٥١ فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ ۝٥٢ وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ ۝٥٣﴾ [المائدة ٥١-٥٣]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


التوبة التي تثمر الفلاح. المحاضرة الخامسة عشرة في: 16/10/1385هـ

التوبة التي تثمر الفلاح. المحاضرة الخامسة عشرة في: 16/10/1385هـ

قوله تعالى: ((وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)).
في ((أيها)) قراءتان:
الأولى - وهي المشهورة - بفتح الهاء.
والثانية: (أيه) بضم الهاء، فالقراءة الأولى هي قراءة الجمهور، وهي ظاهرة، لأن الهاء صلة لما بعدها، والثانية سبعية – أيضاً -، والأظهر أن الهاء للتنبيه، مثل الأولى، ضمت اتباعاً لما قبلها، كما قال العرب: هو منتن بضم تا منتن.
وفي قراعة سبعية ((أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ)) [النحل:36]. بضم نون أن، إتباعاً لما بعدها ومن أنكر ذلك فسبب إنكاره جهله بلغة العرب، فإنه قد ثبت في القرآن الكريم، وفي الشعر العربي الفصيح، كما قال الشاعر:
يا أيها القلب اللجوج النفس
وروي ((أيه)) بضم الهاء.
والأمر في قوله تعالى: ((وتوبوا)) للوجوب بإطباق المفسرين فكلما ألم الانسان بذنب وجب أن يتوب إلى الله منه..
قال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً)) [التحريم:8].
وحاصلها: الرجوع إلى الله تعالى، وتتحقق بثلاثة أمور:
الأمر الأول: الإقلاع عن الذنب إن كان الإنسان متلبساً به.
الأمر الثاني: الندم على ما فرط.
الأمر الثالث: العزم على أن لا يعود لما ارتكب.
أما العودة للذنب بعد التوبة فهو دنس بعد نظافة.
لما نهى الله تعالى عن الوقوع في الفاحشة وعن أسبابها ودواعيها، وأمر بالآداب السماوية التي يكون المجتمع نزيهاً إذا تمسك بها، وهو تعالى يعلم أن العبد لابد أن يقع منه تفريط ومعصية، أمره أن يعود إليه ويصلح الفساد والنقص، فقال تعالى: ((وتوبوا إلى الله جميعاً)).
قال بعض العلماء :"أن على الإنسان أن يتوب دائماً ويتهم نفسه بالتقصير، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوب كل يوم أكثر من سبعين مرة"..
والله تعالى يقول في حقه: ((فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً)). [سورة النصر، وراجع صحيح البخاري (6/93-94)].
وقوله تعالى: ((جميعاً)) يدل على أن التوبة واجبة على جميع المكلفين، وفي سورة التحريم ما يدل على أن التوبة سبب في تكفير الذنوب..
كما قال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَار)). [التحريم:8].
وقوله تعالى: ((لعلكم تفلحون)).
وهذا يدل على أن التوبة من أسباب الفلاح.
و"لعل"إما للتعليل، أي لأن تفلحوا، وإما للرجاء من قبل الناس بحسب ما يظهر لهم، وأما الله تعالى فهو عالم بكل شىء لا يخفى عليه خافية.
والإفلاح نيل الفوز بالمطلوب الأكبر.
قال الشاعر:
[sh]
فاعقلي إن كنت لما تعقلى=ولقد أفلح من كان عقل
[/sh]
ويأتي بمعنى البقاء السرمدي في النعمة، ومنه قول الشاعر:
[sh]
لكل هم من الهموم سعة=والمسى والصبح لا فلاح معه
[/sh]
وقول لبيد:
[sh]
لو أن حياً مدرك الفلاح=لناله ملاعب الرماح
[/sh]

والمراد بملاعب الرماح ملاعب الأسنة.
وبالأمرين معاً جاء قول المؤذن: (حي على الفلاح) أي إلى الفوز الأكبر وهو الجنة أو البقاء السرمدى في النعيم.
(3) تزويج الأيامى والعبيد والإماء زمن المأمور به؟
قوله تعالى: ((وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)).
أي زوجوا الأيامى، يقال: نكح إذا تزوج، وأنكح إذا زوج، والخطاب للأولياء، لأنهم هم الذين يردون بعض الخطاب ويزوجون بعضهم.
واستدل بها بعض العلماء على أن الأولياء بيدهم عقدة النكاح.
و((الأيامى)) جمع الايم، والعرب تقول: آمت المرأة، فهي أيم، إذا كانت لا زوج لها، وهو يشمل الرجل والمرأة، وإن كان إطلاقه على المرأة أكثر.
وإطلاق الإيم على من لا زوج له في اللغة معروف، قال الشاعر:
[sh]
لقد إمت حتى لامني كل صاحب=رجاء لسلمى أن تئيم كما إمتُ
[/sh]
ومن أظهر ما يدل على ذلك قول الآخر:
[sh]
تقر بعيني أن أنبا أنها=وإن لم أنلها أيم لم تزوج
[/sh]

والمراد هنا خصوص الأحرار والحرائر، بدليل قوله بعد ذلك في الأرقاء: ((والصالحين من عبادكم وإمائكم)).
وقد أخذ الشافعي وسعيد بن المسيب من هذه الآية أنها ناسخة لقوله تعالى: ((الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)). [الآية: 3 من هذه السورة].
ووجه ذلك أن الله لم يشترط الصلاح في الأحرار، بل اشترطه في الأرقاء، والله تعالى أعلم.
وإذا خطب الأيم الكفء ورضيت به المرأة، فالأمر للوجوب.
قوله تعالى: ((منكم)) أي من المسلمين، فلو كان مشركاً لم يزوج وهذا المفهوم مصرح به في آيات أخرى..
كقوله تعالى: ((وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)). [البقرة: 221].
وقال بعض العلماء:
إن الخطاب في الآية للأزواج، ولا شك في بطلان هذا القول، لأنه لو كان الخطاب للأزواج، لقال: وانكحوا بهمزة الوصل، كما هو معروف، أما الانكاح فهو التزويج.
وقوله تعالى: ((والصالحين من عبادكم وإمائكم)).
عطف على قوله: ((وأنكحوا الأيامى منكم))من عطف الخاص على العام أي وأنكحوا الأيامى الصالحين من عبادكم وإمائكم.
وقد أخذ بعض العلماء من هذه الآية أن العبد التقي الصالح في دينه كفؤ للحرة، ويدل لهذا قوله تعالى: ((ولعبد مؤمن خير من مشرك)).
وقال آخرون: ليس في الآية دليل، ومعنى الآية عند هؤلاء: وأنكحوا الصالحين من عبادكم الصالحات من إمائكم.
والصلاح هو الدين والتقوى، فلا يكون صالحاً إلا إذا كان صالح العقيدة والأعمال.
والإماء: جمع أمة، وهي المملوكة.
وأخذ من الآية بعض العلماء أن العبد إذا طلب التزويج ليعف نفسه أنه ليس للسيد أن يمنعه، بل يجب عليه أن يأذن له بذلك.
وقال بعضهم: بل له أن يمنعه، وهذا القول مخالف للأمر في قوله تعالى: ((وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم...))
والله تعالى يقول: ((فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِه)). [الآية: 63 من هذه السورة].
وقوله تعالى: ((إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله، والله واسع عليم)).
أي لا يمنعكم فقر الخاطب إليكم إذا كان كفوءاً عن تزويجه فإن الله تعالى سيغنيهم.
وفي هذا الربط دليل على أن النكاح سبب في الغنى، قال بعض السلف: التمسوا الغنى في النكاح.
ومثل النكاح في ذلك الطلاق [الطلاق الذى يكون حلاً للمشكلات التي تحصل بين الزوجين ولا يتمكنا من حلها بدون طلاق كما يدل على ذلك سباق الآية وسياقها، وكذلك الآيتان 34، 35 من سورة النساء تدلان على هذا، وكذا الآيات من 229، 232 من سورة البقرة كلها تدل على أنه يشرع محاولة الإصلاح قبل الطلاق، فإذا علم الزوجان أو أحدهما عدم القيام بحدود الله فالطلاق هو الحل ويغني الله كلا منهما من سعته].
كما قال تعالى: ((وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلّاً مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعاً حَكِيماً)). [النساء:30].
ولكن في هذا الربط إشكال، وهو أننا نجد كثيراً من الناس يتزوجون ويبقون فقراء.
والجواب: أن غناهم مقيد بالمشيئة فمن شاء تعالى أغناه ومن لم يشأ بقي على فقره، كما قال تعالى: ((اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ)). [الرعد:26].
وهناك جواب آخر، وهو أن الربط على بابه ولكن قد يحصل مانع لبعض الناس من الغنى، كعدم الطاعة أو وجود المعصية أو أن المتزوج لم يرد بزواجه العفة، والله تعالى إنما وعد عباده الطائعين.
[وكذلك المطلقون، كما سبق].
والضمير في قوله: ((إن يكونوا فقراء)) يعود إلى الأيامى، وبعضهم يخصه بالأحرار، لأنهم هم الذين يملكون، وأما العبيد فلا مال لهم.
وذهب داود ومن تبعه إلى أن الضمير يعود إلى العبيد والإماء، لأن الفقر غالب عليهم، ومن هنا جعل العبيد من مصارف الزكاة، كما قال تعالى: ((إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ...)) (الآية). [التوبة:60].
وقوله: ((واسع عليم)) أي عظيم وهو تعالى أعظم من كل شيء، محيط بكل شيء علماً، ولايغيب عنه شيء.
الاستعفاف والمكاتبة والكف عن الإكراه على الزنا
قوله تعالى: ((وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ)).
(4) استعفاف من عجز عن النكاح.
قوله: ((وليستعفف)).
هذه إحدى صيغ الأمر المعروفة، أي ليطلبوا العفاف، وهو صون النفس وإكرامها عن الوقوع فيما لا ينبغى، والمراد صونها عن الوقوع في الرذيلة مع النساء.
وقوله: ((لا يجدون نكاحاً)).
فيه أقوال متقاربة، مؤداها أن المراد من لا يتيسر لهم طريق إلى النكاح، لقلة الطول، أو قلة النساء أو عدم وجود امرأة ترضى الخاطب.
قوله: ((حتى يغنيهم الله من فضله)).
أي يلزم طلب العفاف إلى هذه الغاية"التي بها يحصل إعفافهم بالزواج".
قال بعض العلماء: إن المراد بالغنى هنا المال، لأنه مقابل لقوله: ((لا يجدون نكاحاً)).
وقال بعضهم: بل المراد يغنيهم بالنكاح بوجود امرأة أو مال.
وطلب العفة فرض في كل وقت، وقد يستشكل بعضهم كون الله تعالى جعل غاية طلب العفة بحصول الغنى.
والجواب: أن هذه الغاية لا مفهوم لها، فليس المراد أن الله إذا أغناهم من فضله فلا حاجة إلى طلبهم العفة، وهو كقوله تعالى: ((وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ...)) [الإسراء: 34].
فليس المراد أنه إذا بلغ أشده فاقربوه بغير التي هي أحسن.
وإنما سكت عما بعد الغاية، لأن الذى لم يجد ما يتزوج به هو الذى يحتاج إلى أن يتكلف طلب العفة، لشدة حرارة الشهوة والغريزة الجنسية ما دام غير متزوج، فإذا أغناه الله تعالى بالزواج، فلا يحتاج إلى تكلف العفة الذي كان واجباً عليه من قبل، لأن الغالب على المؤمن أن يستغني بالحلال عن الحرام، والله تعالى أعلم.




السابق

الفهرس

التالي


15331855

عداد الصفحات العام

3988

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م