﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ۝٥١ فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ ۝٥٢ وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ ۝٥٣﴾ [المائدة ٥١-٥٣]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


المحاضرة الخامسة في 27/8/1385هـ.

المحاضرة الخامسة في 27/8/1385هـ.
أحكام الآية:
سبق أن الآية تدل على ثلاثة أحكام، وهي: الجلد، ورد الشهادة، وفسق القاذف.
والجملة الأولى: ((فاجلدوا)) لا يرجع إليها الاستثناء بالإجماع إلا ما يروى عن الشعبي في ذلك، فلا يجلد على هذا إذا تاب، وهو رأي شاذ.
والجملة الثالثة: ((وأولئك هئم الفايسقون)) يرجع إليها الاستئناء بالإجماع؛ لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له.
والجملة الوسطى: ((ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً)) فيها الخلاف: فالجمهور على أن الاستثناء يرجع إليها، فكما يرتفع الفسق ويثبت الصلاح يرتفع رد الشهادة ويثبت قبولها..
ويدل على هذا قوله تعالى: ((وأصلح)) وهو دالٌ أيضاً على أن مجرد التوبة لا يكفي، بل لا بد من النظر في أمره، فإن استمر على التوبة وأصلح عمله قبل وإلا فلا.
وأبو حنيفة رحمه الله لا يرى عود الاستثناء إليها، فلا تقبل شهادته ولو تاب وصار أعدل أهل زمانه..
وقد مضى الكلام على وجه استدلال كل فريق ومناقشة ذلك.
كيفية توبة القاذف..
اختلف العلماء في كيفية توبة القاذف:
فذهب جماعة إلى أن توبته أن يكذب نفسه، وعلى هذا فلو أصر على أنه صادق، فهو مصر على القذف و لم يتب؛ لأن التوبة لا تصح مع الإصرار على الذنب..
ويدل على هذا قول عمر لأبي بكرة: تب أقبل شهادتك.
وذهب جماعة إلى أنه لا يلزم أن يكذب نفسه، بل يكفي أن يصلح عمله.
والظاهر أن الشرع ينظر إلى الظواهر، فلا تصح التوبة إلا إذا أقلع في الظاهر عن ذلك.
أما فيما بينه وبين الله تعالى فقد يكون صادقاً فلا توبة عليه وقوله في الواقع حق، وإن حكم عليه بحد القذف.
وإن كان في الواقع كاذباً فلا تقبل توبته إلا إذا أكذب نفسه باطناً وظاهراً.
وعدم قبول شهادة القاذف لا يجري حكمه على الرواية، فتقبل روايته في حال أن شهادته لا تقبل، سواء كان قبل توبته أو بعدها، عند من يقول بعدم قبولها بعد التوبة.
ولهذا لم يتوقف البخارى ومسلم في رواية أبي بكرة.
وهنا قد يرد سؤال لطالب العلم، وهو كيف تقبل روايته دون شهادته مع أن كلاً منهما تترتب عليه أحكام، وهو إخبار؟
والجواب: أن الشرع فرق بين الشهادة والرواية: فشهادة المرأة لا تقبل في درهم - إلا إذا كانت مع غيرها من النساء وتكون شهادة اثنتين كشهادة رجل واحد - وروايتها تقبل ولو كانت في نص تزهق به النفوس.
وقوله تعالى: ((وأصلحوا)) أي أعمالهم بالتوبة إلى الله والانابة إليه..
وقوله تعالى: ((فإن الله غفور رحيم)) هذا مما يستدل به على قبول شهادة القاذف التائب؛ لأن الله تعالى قد غفر له.

اللعان وأحكامه..
قوله تعالى: ((وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ)) الآية.
لما ذكر الله تعالى رمي المحصنات دخل في عمومه الزوج إذا رمى زوجته، ولما كان له أحكاما خاصة، والقرائن تدل على أنه لا يرمي زوجته إلا إذا كان صادقاً؛ لأن زناها مصيبة وعار عليه هو، والإنسان لا يذكر عيباً يعود عليه جعل الله تعالى له مخرجاً إذا قذف زوجته بتشريع حكم اللعان.
سبب نزول الآية
جاء في الصحيح أنها نزلت في عويمر [هو عويمر العجلاني]، كما جاء فيه أنها نزلت في هلال [هو هلال بن أمية]..
وليس في ذلك تعارض، فقد تكون الآية واحدة والأسباب متعددة.
وفي قصة هلال أنه جاء، وهو شائب، من أرضه فوجد شريكاً [هو شريك بن سحماء] على امرأته، فأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك وحلف له أنه صادق، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (البينة أوحدٌ في ظهرك) فتعجب الصحابة من ذلك وشق عليهم، وقالوا: كيف يجد الرجلُ الرجلَ على زوجته فإذا شكاه أقيم عليه الحد..؟
فنزلت الآية الكريمة [راجع قصة كل من عويمر وهلال في صحيح البخارى (6/3-4) وكتب التفسير عند تفسير الآية الكريمة، وقد أشار إليهما شيخنا المفسر بالمعنى، ولكنه أشار إلى مرجعها بقوله: جاء في الصحيح]..
والرمي القذف بالزنى أو نفي الحمل كما مر.
قوله تعالى: ((ولم يكن لهم شهداء)) جملة حالية، أي والحال أنهم لا شهود لهم.
ومفهومه أنه لو جاء بأربعة شهود ثبت الزنى، ولا حاجة إلى اللعان إلا إذا لم يأت بأربعة شهود.
وإذا قذف الرجل امرأته، وجاء بثلاثة شهود، قيل: إنه يلاعن، وعليه الأكثر، لأنه مدع. والبينة لم تكمل.
وقيل: بل يثبت الزنى، لأن الله سمى الزوج شاهداً، كما قال تعالى: ((و لم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم)).
وأجاب الأولون أن المراد بالشهادة هنا - أي شهادة الزوج - اليمين، وقد تطلق الشهادة على الأيمان، كما في القسامة، ووجه الاطلاق أن كلاً منهما خبر.
فإن لم يكن لهم شهداء أصلاً، أو جاؤوا بواحد أو اثنين حكم باللعان.
وقد ثبت في السنة أن ولي الأمر يقضي باللعان في المسجد كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في قصة سبب نزول الآية [البخاري6/179].
وصيغة شهادة الرجل أن يقول: أشهد بالله إني لصادق فيما رميتها به أربع مرات، ثم يقول في الخامسة: عليه لعنة الله إن كان من الكاذبين فيما رماها به.
قوله تعالى: ((وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ..)) الآية.
أى إذا شهد الزوج على زوجته كما مر ثبت عليها الزنى، إلا إذا دفعته عن نفسها، بأن تشهد هي أيضاً أربع شهادات على تكذيبه، والخامسة أن تدعو على نفسها بالغضب إن كان صادقاً.
وإن نكلت فالظاهر أنها تحد، لقوله تعالى: ((ويدرأ عنها العذاب أن تشهد.. فإن مفهومه أنها إذا لم تشهد ثبت عليها العذاب.
وخالف في ذلك أبو حنيفة رحمه الله، على أصله في عدم الأخذ بمفهوم المخالفة، يقول: نص الله على أنها إذا شهدت على ذلك فلا حد عليها، فإن لم تشهد فذلك مسكوت عنه..
فإذا لاعنها بمعين، فقد اختلف في ذلك، هل يحد لأجل ذلك المعين أو لا؟
فقال جماعة: يحد، لأنه قذفه.
وقال آخرون: لا يحد، لأن النبي صلى الله عليه وسلم عندما لاعن هلال زوجته قذفها بمعين، وهو شريك، ولم يجلده الرسول صلى الله عليه وسلم لأجله.
وأجاب الأول: إن شريكاً لم يطلب ذلك، وحد القذف إنما يثبت إذا طلبه صاحبه، ولو طلبه شريك لحده.
وصيغة شهادة المرأة: أن تقول: أشهد بالله إنه لكاذب فيما رماني به أربعاً، ثم تقول في الخامسة: ..... غضب الله عليها إن كان من الصادقين.
وذكر الغضب في المرأة، لأنه أشد من اللعن، إذ اللعن أثر من آثار الغضب، لأن الرجل كما تقدم، تدل القرائن في الغالب أنه لا يرمي زوجته وهو كاذب، فجعل في جانبه اللعن لأنه أخف، بخلاف المرأة، ولهذا غلظ عليها..
هكذا يقول بعض المفسرين.
أحكام المتلاعنين
إذا حلفا جميعاً حرمت الزوجة على زوجها أبداً، كما هو مذهب الجمهور.
وينتفي عنه الولد، وينقطع عنه نسبه.
ولا يقال: إنه ابن زنى، لأنه لم يثبت الزنى على أمه.
وإذا كانت المرأة صغيرة لا يوطأ مثلها، فلا تلاعن.
واختلفوا في البينونة.
فقال جماعة: بانت بالفسخ.
واختلفوا متى يقع الفسخ؟
فقال بعضهم: يقع عندما ينتهى الرجل من الأيمان.
وقال آخرون - وهم أكثر- لا يقع إلا بعد أن يفرغا جميعاً من أيمانهما.
وفائدة هذا الخلاف أنه إذا مات بعد أن تمت أيمانه وقبل أن تشهد هي أنها لا ترثه على القول الأول، لأنها ليست زوجته، وترثه على القول الثاني، لأنها لم تبن عنه.
وقال جماعة: بانت بالطلاق.
واختلفوا فيمن يوقعه؟
فقال بعضهم: يأمر الحاكم الزوج ليوقعه.
وقال آخرون: يوقعه الحاكم نفسه.
ويؤخذ من هذه الآية قاعدة عظيمة من قواعد الشرع ودلالتها عليها في غاية الصراحة.
والقاعدة هي: أن أحكام الشرع تكون على حسب الظاهر ولو كان الواقع يخالفه، لأن المتلاعنين متكاذبان، فالزوج يثبت أن زوجته زانية، وهي تدعي أنه قاذف كاذب، ونحن نقطح أن أحدهما كاذب، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم. [في قصة ملاعنة هلال بن أمية زوجته، وفيها:"فجاء هلال فشهد، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله يعلم أن أحدكما كاذب، فهل منكما تائب؟"البخاري (6/4)].
ولو أقر الرجل لوجب عليه حد القذف، ولو أقرت المرأة لوجب عليها الرجم، ومع ذلك فالشرع صدقهما في الظاهر مع الجزم بأن أحدهما كاذب، فهو نص قطعي مبني على ظاهر باطل.
وقد أشار الله تعالى في آخر هذه الآيات أن الأخذ يكون بالظاهر وأن ذلك رحمة منه تعالى..
كما قال تعالى: ((وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ)) [الآية:10].
أي لولا ذلك لما قبل منكم هذه الظواهر، والبواطن غير صحيحة.
وإذا كذب الرجل نفسه أقيم عليه الحد وزال التحريم عند جماعة.
والأزواج جمع الزوج، والزوج امرأة الرجل، واللغة الفصحى أن يؤتى بها بدون هاء، كما قال تعالى: ((اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ)) [البقرة:35، والأعراف:19].
واختلف في الإتيان بالهاء:
فقال جماعة: إنه من لحن الفقهاء.
وقال آخرون: هي لغة، والتحقيق أنها لغة، لا لحن، وأن الفصحى ترك الهاء.
ومما يدل على أنها لغة قول الفرزدق:
[sh]
وإن الذي يسعى لئفسد زوجتي=كساع إلى أسد الشرى يستبيلها
[/sh]
[راجع ترتيب لسان العرب"زوج"].
وقال الشاعر:
[sh]
فبكى بناتي شجوهن وزوجتي=والظاعنون إلي ثم تصدعوا
[/sh]
وثبت في صحيح مسلم: (إنها زوجتى) [صحيح مسلم (4/1712) بلفظ"هذه زوجتي"].
قوله تعالى: ((إلا أنفسهم)).
الظاهر أنه مرفوع على البدل، لأن الاستثناء جاء بعد نفي، والمستثنى متصل..
كما قال ابن مالك:
[sh]
وبعد نفى أو كنفي انتخب=اتباع ما اتصل….
[/sh]
وقوله: ((أربع شهادات)) بالنصب في الأول، على أنه نائب مناب المفعول المطلق، وبالرفع خبر المبتدأ الذى هو شهادة.
وعلى قراءة النصب فشهادة خبر مبتدأ محذوف، أي فالواجب شهادة، أو مبتدأ لخبر محذوف، أي فشهادة أحدهم ذلك لازمة.
وقوله تعالى: ((أن لعنت)) بتخفيف"أن"على أن أنها ضمير الشأن، والجملة بعدها خير، وبالتشديد، وهو ظاهر، والمعنى واحد.
واللعنة الطرد والإبعاد عن الرحمة.
والدرء الدفع.




السابق

الفهرس

التالي


15331645

عداد الصفحات العام

3778

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م