﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ۝٥١ فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ ۝٥٢ وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ ۝٥٣﴾ [المائدة ٥١-٥٣]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


( 1 ) شرك الربوبية وأنواعه:

( 1 ) شرك الربوبية وأنواعه:
تمهيد: تعريف الشرك:
الشرك في اللغة: قال في اللسان: (الشِّرْكَةُ والشَّرِكَةُ سواء: مخالطة الشريكين.. وقد اشترك الرجلان وتشاركا وشارك أحدهما الآخر.. والاسم: الشِّرْك، والجمع أشراك.... وأشرك بالله جعل له شريكاً في ملكه..) . [راجع المادة (ش ر ك) في اللسان وغيره].
أما الشرك في اصطلاح الشرع، فهو: أن يَجْعَلَ العبد لله نداً في ربوبيته، أو ألوهيته، أو مشابهاً له في أسمائه وصفاته. [2].
وقد شمل ذلك حديث ابن مسعود رضي الله عنه إذ قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: ((أن تجعل لله نداً وهو خلقك)). [اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان: رقم الحديث:(53، ص: 16)].
أنواع الشرك: يظهر مما سبق أن الشرك يكون في أنواع التوحيد الثلاثة: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات.
شرك الربوبية: وشرك الربوبية نوعان:
النوع الأول: إنكار وجود الخالق مطلقاً: كما هو حال فرعون الذي ادعى عدم علمه بوجود إله غير نفسه. [وغالب المنكرين لوجود الخالق مكابرون، ومنهم فرعون الذي قال الله تعالى عنه: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً}. [النمل: 14]، وقد سبق في المبحث الأول من الفصل الأول أن كل ما في الكون من المخلوقات دليل على وجود الله وتدبيره للعوالم كلها، وأن منكره يعد شاذاً في هذا الكون]. كما قال تعالى عنه: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلأ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ مِنْ الْكَاذِبِينَ}. [5].
وقال تعالى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِباً}. [6].
وكما هو شأن الشيوعيين الماركسيين في عصرنا الحاضر، ويسمي هذا النوع من الشرك بشرك التعطيل، وهو أقبح أنواع الشرك.
النوع الثاني: أن يعترف العبد بخالق للكون في الجملة، ولكنه يعتقد أن معه خالقاً آخر خلق بعض المخلوقات، كاعتقاد المجوس بوجود خالقين: وهما النور الذي خلق الخير، والظلمة التي خلقت الشر.
وحكم من صدر منه هذا الشرك (شرك الربوبية) بنوعيه ظاهر، فكفره أعظم أنواع الكفر المخلد في نار جهنم؛ لأن غالب الأمم كانت تقر بربوبية الله، ولا تعترف بخالق سواه، وإن أشركت معه غيره في العبادة، فالذي ينكر ربوبية الله أو يزعم أن للكون خالقين أو أكثر شاذ في هذا الوجود. [7].
شرك الألوهية: والشرك في الألوهية نوعان:
النوع الأول: أن يسوي الله بغيره في عبادته كما يقول النصارى: إن عيسى هو الله أو ابن الله أو ثالث ثلاثة، وكأن يسجد لصنم أو قبر أو يستغيث به أو يدعوه طالباً منه ما لا يقدر عليه إلا الله. [8].
وكذلك أن يحب غير الله ـ حب عبادة ـ كما يحب الله، أو ينحر دابة عبادةً وتقرباً إلى غير الله، ويدخل فيه التوكل والاعتماد على غير الله، بحيث يعتقد أن الْمُتَوَكَّلَ عليه يجلب له النفع أو يدفع عنه الضر، من دون الله، كجلب رزق أو جاه أو منصب، ودفع مرض أو فقر أو موت، أو غير ذلك مما يترتب عليه تعظيم المخلوق كتعظيم الخالق، أو الخوف من المخلوق كالخوف من الخالق، وهو خوف العبادة الذي يجعل صاحبه يلجأ إلى المخوف منه كما يلجأ إلى الله أو أشد. [9]. وهذا شرك أكبر.
ومعلوم أن الشرك الأكبر لا يغفره الله تعالى، كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}. [10].
ويدخل في ذلك من حرم ما أحل الله أو أحل ما حرم الله متعمداً، ومن أطاعه واتبعه في ذلك التحليل والتحريم مع علمه بمخالفته دين الله؛ لأن ذلك يعتبر عبادة له من دون الله، كما ورد ذلك في حديث عدي بن حاتم عندما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم، فسمعه يقرأ قوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}. [11]. فقال عدي ـ وكان نصرانياً ـ: لسنا نعبدهم! فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه، ويحلون ما حرم الله فتحلونه؟)) قال عدي: بلى، [12]. قال: ((فتلك عبادتهم)). [سنن الترمذي: 5/278، رقم الحديث: 3095، وهو في صحيح الترمذي للألباني (3/56)، وحسنه].
ويدخل في ذلك اعتقاده جواز الحكم بغير ما أنزل الله فيما يخالف حكم الله، سواء أَحَكَمَ هو ـ أي معتقد الجواز أو جوَّزَ ذلك لغيره بالفتوى أو بالرضا. ـ. [14].
أما إذا حكم الحاكم بغير ما أنزل الله في بعض القضايا، لغرض من الأغراض، كأخذه رشوة، أو لمصلحة قريب أو صديق.. مع اعتقاده أنه عاص في ذلك، وأن الحكم بما أنزل الله واجب، فلا يدخل في هذا النوع من الشرك، بل هو من كبائر الذنوب التي تجب التوبة منها، وإذا لم يتب فهو تحت المشيئة، إن شاء الله غفر له وإن شاء عذبه بقدر معصيته ثم أدخله الجنة. [15].
وبهذا يُعلم أن من حرم ما أحل الله أو أحل ما حرم الله، مجتهداً ـ وهو من أهل الاجتهاد ـ أو جاهلاً، لا يحكم عليه بالكفر، بل لا يؤثم ولا يفسق، وإنما ينال المجتهد من الله الأجر على اجتهاده، ويغفر الله له خطأه، ولا يؤاخذ الجاهل بجهله.
وكذلك من اتبع من أحل الحرام أو حرم الحلال مع عدم علمه بمخالفة ذلك لدين الله لا يكون كافراً ولا آثماً، لعدم قيام الحجة عليه. [راجع مجموع الفتاوى لابن تيمية: (7/70 ـ 71)].
وحكم مرتكب هذا النوع من الشرك أنه كافر كفراً أكبر مخلد في النار إذا قامت عليه الحجة ومات على ذلك.
النوع الثاني: أن يعبد الله تعالى وحده، ولكنه لا يخلص له الإخلاص الكامل في عبادته، بل يتصنع فيها للمخلوقين، كأن يحسن صلاته ويطيلها ليثني عليه الناس، أو يتصدق، أو يجاهد، أو يجتهد في طلب العلم الشرعي، ليرائي بذلك، أو يحلف بغير الله غير معتقد تعظيم المحلوف به كتعظيم الله أو أشد، [17]. فهذا وأمثاله شرك أصغر، لا يخرج صاحبه من الملة، ولكنه على خطر عظيم، فأول ما تسعر النار بمن قرأ القرآن ليقال: إنه قارئ، أو أنفق ماله ليقال: إنه جواد، أو قاتل الكفار ليقال: إنه شجاع كما ورد بذلك الحديث الصحيح. [18].
شرك الأسماء والصفات: والشرك في أسماء الله تعالى نوعان:
النوع الأول: إنكارها وجحدها مطلقاً، بحيث لا يُثْبِتُ ـ الجاحد ـ لله تعالى شيئاً من أسمائه وصفاته الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فهذا شرك أكبر مخرج من ملة الإسلام؛ لأن في ذلك تعطيلاً لما أخبر الله تعالى به عن نفسه من أسمائه وصفاته، وفيه تكذيب للقرآن والسنة الصحيحة، وهو شبيه بمن جحد وجود الله تعالى، وهذا هو مذهب غلاة المعتزلة، ومعطلة الجهمية. [مجموع الفتاوى: (10/55)، (6/35)].
النوع الثاني: تشبيه الله تعالى أو أسمائه وصفاته، أو تشبيه شيء منها بأسماء المخلوقين أو صفاتهم كما يصف اليهود الله تعالى بصفات النقص التي يتصف بها المخلوقون، كوصفهم له بالعجز والفقر والبخل ونحو ذلك، وكما يصف النصارى بعض المخلوقات ـ كعيسى عليه السلام ـ بالصفات الإلهية التي لا يتصف بها إلا الخالق جل جلاله، وكذلك بعض الجهمية الذين جعلوا صفات الخالق من جنس صفات المخلوقين، [مجموع الفتاوى: (6/35)]. وهذا أيضاً شرك أكبر مخرج من ملة الإسلام لما في ذلك من المخالفة الصريحة للنصوص القرآنية والأحاديث النبوية ودلالتها القطعية على نفي المشابهة ـ ووجود الاشتراك في مجرد اللفظ بين أسماء الخالق وصفاته وبين أسماء المخلوق وصفاته لا يلزم منه الاشتراك في حقيقة المعاني ـ. [مثال ذلك: أن من أسماء الله تعالى (العزيز)، وسمى بعض المخلوقين (العزيز) كما في قوله تعالى: {قَالَتْ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ}، ومن صفاته (الرحمة) ووصف بعض المخلوقين بـ(الرحمة) فليس العزيز كالعزيز، ولا الرحيم كالرحيم، الاشتراك في اللفظ لا يلزم منه الاشتراك في حقيقة المعنى وكيفيته، ومن أوضح الأدلة على ذلك أن الله تعالى يوصف بأنه موجود، ويوصف المخلوق أيضاً بأنه موجود، وهل ذات الله الموجود كذات المخلوق الموجود؟ كلا!].
1 - راجع المادة (ش ر ك) في اللسان وغيره
2 - وهي المباحث الثلاثة التي سبق الكلام فيها
3 - اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان: رقم الحديث:(53، ص: 16)
4 - وغالب المنكرين لوجود الخالق مكابرون، ومنهم فرعون الذي قال الله تعالى عنه: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً}. [النمل: 14]، وقد سبق في المبحث الأول من الفصل الأول أن كل ما في الكون من المخلوقات دليل على وجود الله وتدبيره للعوالم كلها، وأن منكره يعد شاذاً في هذا الكون
5 - القصص: 38
6 - غافر:36-37
7 - راجع شرح الطحاوية: 82 ـ 87
8 - ويجب أن يفرق بين الاستغاثة والدعاء وبين التوسل بالذات أو الجاه، فدعاء غير الله أو الاستغاثة بغيره فيما لا يقدر عليه إلا الله عبادة يكفر صاحبها إذا أقيمت عليه الحجة. أما التوسل بالذات أو الجاه ففيه خلاف بين العلماء قديماً وحديثاً، وغاية ما قال فيه منكروه أنه بدعة، ولم يقل أحد منهم: إنه شرك، كما قد يظنه بعض الجهلة المتسرعين في إصدار الأحكام بدون علم
9 - ولا يدخل في ذلك الخوف الطبيعي، كخوف الإنسان من سبع، أومن عدو صوب إليه السلاح ليقتله أو يأخذ ماله؛ لأن هذا الخوف ـ الطبيعي ـ ليس خوف عبادة وتعظيم
10 - النساء: 48، 116
11 - التوبة: 31
12 - جواب عدي هذا يدل على أنهم كانوا يتبعون أحبارهم ورهبانهم في التحليل والتحريم، مع علمهم بمخالفة ذلك لدين الله، ولو كانوا يتبعونهم في ذلك مع الجهل به، لقال للرسول صلى الله عليه وسلم: نحن لا نعلم أن ما حرموا أو أحلوا يخالف دين الله
13 - سنن الترمذي: 5/278، رقم الحديث: 3095، وهو في صحيح الترمذي للألباني (3/56)، وحسنه
14 - راجع: مقدمة المؤلف: الفقرة الخامسة تحت عنوان: أهمية الموضوع، والمبحث الخامس من: الفصل الثالث من هذا الكتاب
15 - راجع شرح الطحاوية، ص: 363
16 - راجع مجموع الفتاوى لابن تيمية: (7/70 ـ 71)
17 - أما إذا حلف بغير الله معتقداً تعظيم المحلوف به مثل تعظيم الله أو أشد فإن اعتقاده ذلك ـ لا مجرد الحلف ـ شرك أكبر؛ لأنه جعل لله نداً بذلك الاعتقاد
18 - متفق عليه وهو في رياض الصالحين، رقم: 1617، ص: 620)
19 - مجموع الفتاوى: (10/55)، (6/35)
20 - مجموع الفتاوى: (6/35)
21 - مثال ذلك: أن من أسماء الله تعالى (العزيز)، وسمى بعض المخلوقين (العزيز) كما في قوله تعالى: {قَالَتْ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ}، ومن صفاته (الرحمة) ووصف بعض المخلوقين بـ(الرحمة) فليس العزيز كالعزيز، ولا الرحيم كالرحيم، الاشتراك في اللفظ لا يلزم منه الاشتراك في حقيقة المعنى وكيفيته، ومن أوضح الأدلة على ذلك أن الله تعالى يوصف بأنه موجود، ويوصف المخلوق أيضاً بأنه موجود، وهل ذات الله الموجود كذات المخلوق الموجود؟ كلا!



السابق

الفهرس

التالي


16123351

عداد الصفحات العام

1966

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م