المبحث السابع: طرق الاهتمام بالقرآن الكريم: |
المبحث السابع: طرق الاهتمام بالقرآن الكريم:
1 ـ تلاوة القرآن بتدبر.
2 ـ أنواع تلاوة القرآن.
4 ـ غرس احترام القرآن في النفوس.
5 ـ جفاء مقيت ونتيجة خاسرة.
1 ـ تلاوة القرآن بتدبر:
إن أول طريقة للاهتمام بالقرآن الكريم هي المداومة على تلاوته، بحيث لا يمر يوم من الأيام دون أن يتلو المسلم ما تيسر له من القرآن، والأولى أن يكون له منه ورد يومي لا يفرط فيه ما استطاع إلى ذلك سبيلاً؛ لأن تلاوة القرآن عبادة إذ بكل حرف من حروفه عشر حسنات؛ لأنه كلام الله، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يداوم على تلاوته، امتثالاً لأمر الله تعالى له إذ يقول: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ الْكِتَابِ وَأَقِمْ الصَّلاةَ}. [العنكبوت: 45].
وقال تعالى عنه: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ (91) وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ..} . [النمل: 91 ـ 92].
وأثنى سبحانه على أهل الكتاب الذين يتلونه حق تلاوته، فقال تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ}. [البقرة: 121].
وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقتدون بنبيهم، فيداومون على تلاوته، حتى كان بعضهم يختمه في ليلة واحدة، حتى أشفق عليهم، وأرشدهم إلى الرفق بأنفسهم، ومضى على دربهم التابعون، ذلك أن تلاوة القرآن ترقق القلوب وتصلها بالله، فتعبده حق عبادته، وهو مأمور بأن يطبق التالي له أوامر الله ونواهيه بنفس راضية مطمئنة.
ولكن تلاوة آي القرآن ـ مع ما فيها من الثواب العظيم ـ ليست كافية للمسلم، بل لا بد أن يصحبها مع ذلك تدبر معانيه لفهم مراد الله تعالى منه، وكلما كان التالي أكثر تدبراً له كان أكثر فقهاً فيه، ولهذا حضَّ الله تعالى على تدبره، فقال: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً}. [النساء 82]. وقال تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ}. [ص:29].
وقال تعالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}. [محمد: 24]
2 ـ أنواع تلاوة القرآن:
النوع الأول: تلاوة فردية، بحيث يتلو كل واحد بمفرده ما تيسر له منه، إما تلاوة تكرار وحفظ، وإما تلاوة تدبر وتفهم لمعانيه.
النوع الثاني: تلاوة جماعية، بحيث يجتمع عدد من المسلمين في مسجد أو في منزل أو مدرسة، ويتداولون القراءة كل واحد يتلو قسطاً منه، والآخرون يستمعون، وهذه التلاوة قد تكون أكثر فائدة إذا روعي فيها بركة الاجتماع، وتعليم العالم الجاهل، سواء في تصحيح التلاوة وأحكام التجويد، أو في بيان بعض المعاني الغامضة، أو شرح الألفاظ الغريبة من حيث اللغة، أو لفت الأنظار إلى بعض العبر التي تتضمنها الآيات، كقصص الأنبياء وأممهم، وربط ذلك بحاضر الأمة الإسلامية وغيرها من الأمم، وقد جاء الترغيب في هذا النوع من التلاوة على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم، وبخاصة في المساجد، كما في حديث أبي هريرة، رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((..وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده)). [جزء من حديث أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه، وهو في جامع الأصول (7/360). راجع: جامع العلوم والحكم لابن رجب، بتحقيق وهبة الزحيلي (2/179)].
فينبغي أن يحرص جماعة كل مسجد في كل حي على هذه التلاوة المباركة التي تعود عليهم بتلك الآثار العظيمة التي ذكرت في الحديث، إضافة إلى ما تنشئه فيهم من المحبة والأخوة والألفة والتعارف والتعاون على البر والتقوى المنبثق عن هذه التلاوة المباركة.
وأكمل من مجرد التلاوة في المصحف حفظ القرآن كله أو ما تيسر منه، ليتمكن حافظه من تكراره في الأوقات التي لا يستطيع فيها تلاوته في المصحف، ونحمد الله أن وفق كثيراً من أجيال المسلمين على مر الدهور لحفظه عن ظهر قلب، وبخاصة في هذا العصر الذي أقبل فيه كثير من الشباب المسلم على حفظ كتاب الله في كل أقطار الأرض، كما وفق كثيراً من الجمعيات الإسلامية للاهتمام بتحفيظه، وهذا من آثار حفظ الله الذي وعد به لهذا الكتاب: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}. [الحجر: 9]
3 ـ غرس احترام القرآن في النفوس:
ومما يجب الاهتمام به الاجتهاد في غرس احترام هذا الكتاب في نفوس الأمة احتراماً صادقاً، حتى يقدروه حق قدره، فهو كلام الله الذي شرف الله به هذه الأمة، فأنزله عليها، وجعلها أهلاً لحمله والقيام به، وخاطبها فيه وأمرها ونهاها، وحفظها به، ولولا حفظ الله لهذه الأمة بهذا القرآن لكانت قد اضمحلت وذابت في غيرها من الأمم واضمحلت لغتها، لما نزل بها من المحن والمصائب التي كان يكفي لاضمحلالها شيء يسير منها، لهذا يجب أن تقدر هذه الأمة كتاب الله حق قدره، وتحفظه، كما حفظها، قال تعالى مبينا تشريفه لهذه الأمة بهذا القرآن: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (43) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ}. [الزخرف: 43 ـ 44].
وقال تعالى: {بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ}. [المؤمنون: 71].
وقال تعالى: {لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ}. [2].
5 ـ جفاء مقيت ونتيجة خاسرة:
وإنه لمن المؤسف حقاً، أن ترى أجيالاً من أبناء المسلمين الذين ينتظمون في المدارس الحكومية في أغلب البلدان الإسلامية لا يغرس احترام القرآن في نفوسهم، بل قد لا توجد حصة لدراسة القرآن في مناهج بعض تلك المدارس وخططها، ويتخرج كثير من أبناء المسلمين في المدارس والمعاهد والجامعات والدراسات العليا، وهم لا يستطيعون قراءة بعض آيات القرآن وهم يقرؤون الصحف والمجلات وغيرها، ولا يحفظون بعض قصار السور، اللهم إلا إذا اهتم بهم آباؤهم أو بعض الصالحين في تلك المؤسسات أو من خارجها.
والسبب في ذلك أنهم لم يجدوا اهتماماً بالقرآن من أسرهم ولا من المسؤولين عن مدارسهم، بل قد يجدون من بعض أسرهم أو من بعض مدرسيهم تنفيراً من هذا الكتاب، إما بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، ويجدون تشجيعاً على أمور أخرى، كالرقص والموسيقى، وبعض أنواع الرياضة .
ولقد كانت النتيجة المترتبة على إهمال الاهتمام بهذا القرآن أن جعل الله هذه الأمة الغافلة عن هديه أمة مهينة ذليلة لا احترام لها عند خلقه، جزاءً وفاقاً.
والسبب في هذا الجفاء المقيت لذلك الكتاب المجيد من غالب أبناء هذه الأمة، يعود إلى بعض قادتها الذين مجدوا قوانين الكفر، وهونوا من شأن هذا الكتاب، واهتموا باللهو والخنا واللعب أكثر من اهتمامهم بالإسلام، ولو أنهم قدروا القرآن حق قدره واهتموا به واحترموه، وسعوا ـ وفي أيديهم كل الإمكانات والوسائل المحققة لسعيهم ـ إلى غرس احترامه في نفوس رعاياهم لكان للأمة مع هذا القرآن شان آخر، ولكان للقرآن مع الأمة شأن آخر كذلك، ولكأني أسمع صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم الحزين وأشاهد وجهه الذي يظهر عليه أثر العجب والغضب، وهو ينظر إلى السماء شاكياً الطغاة الصادين عن سبيل الله: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً}. [الفرقان: 30].
فقد قلد كثير من أبناء المسلمين اليوم مَن شكا رسول الله صلى الله عليه وسلم هجرهم لكتاب الله من المشركين، بدليل أن غالب حكومات الشعوب الإسلامية تحكم بغير كتاب الله حياة تلك الشعوب.
وإن المسلم ليحزن غاية الحزن، وهو يقارن بين قراء الأمس الذين كانوا يقرؤون القرآن على الناس في ميادين الجهاد، وقد تراصت صفوفهم أمام أعدائهم، لرفع راية الإسلام، وبين قراء اليوم الذين يتبارون في قراءته وتلحينه في المآتم وفي المقابر، أولئك كانوا يقرؤونه على الأحياء ليعملوا به، وهؤلاء يقرؤونه على الأموات الذين قد يكون الكثير منهم فارق الدنيا وهو ممن اتخذ هذا القرآن مهجوراً لقد كان من أسباب قيام الخلفاء الراشدين بجمع القرآن استشهاد كثير من حملة القرآن في ساح الجهاد فأين قراؤنا اليوم من هذه المنقبة العظيمة؟!
لقد عظم جفاء الأمة الإسلامية كتاب ربها وطال، ولقد عظمت خسارة هذه الأمة بسبب ذلك واشتدت، فهل من عودة إلى الله وإلى احترام هذا القرآن بالعمل به وتحكيم شريعته، ليعيد لنا المجد الذي فقدناه، ونحيا حياة الأحرار السعداء، لا حياة العبيد الأشقياء {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}. [الأنفال: 24] {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}. [سورة العصر].
|
|
1 - جزء من حديث أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه، وهو في جامع الأصول (7/360). راجع: جامع العلوم والحكم لابن رجب، بتحقيق وهبة الزحيلي (2/179) 2 - الأنبياء: 10، لا أقصد بغرس احترام القرآن في النفوس مجرد إحداث التفاعل العاطفي، فهذا الاحترام موجود لدى غالب المسلمين, والدليل على ذلك أن الفسقة الذين قد لا يفتحون المصحف للقراءة فيه، إذا وقع المصحف في يد أحدهم انحنى له وقبله، ويفعل ذلك بعض من يحارب الحكم بهذا القرآن، وإذا أردت أن ترى بأم عينك تلك العاطفة نحو القرآن فضع المصحف أمامك على بساط المسجد في الأرض، لترى كيف يغضب غالب من يراك تفعل ذلك, مبالغة في احترام القرآن، ولكن هؤلاء الغاضبون ـ لجهلهم ـ لا يغضبون من محاربة الطغاة تحكيم القرآن، وأيهما أولى بالغضب وضعه على بساط نظيف في الأرض أم إبعاده عن توجيه الأمة في حياتها كما أراد لها ربها؟!
|
|