﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ۝٥١ فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ ۝٥٢ وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ ۝٥٣﴾ [المائدة ٥١-٥٣]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


المبحث العاشر: العمل بالقرآن الكريم والتحاكم إليه:

المبحث العاشر: العمل بالقرآن الكريم والتحاكم إليه:
1 ـ منهج الله للإيمان والعمل الصالح.
2 ـ ما المراد بالعمل الصالح؟
3 ـ فهم سلف الأمة لمعنى الإيمان والعمل الصالح.
4 ـ ثمرة فهم العمل الصالح في اصطلاح القرآن والسنة.
5 ـ التحاكم إلى كتاب الله.

1 ـ منهج الله للإيمان والعمل الصالح:
إن هذا القرآن لم ينزل ليكتب بماء الذهب، ويوضع على الأدراج والأرفف، ولم ينزل ليتغنى به القراء بأصوات تطرب الأسماع في وسائل الإعلام فحسب، ولم ينزل ليتلى على المحتضر بعد أن عاين ملائكة الموت وهم يحيطون به لقبض روحه، ولا لتلاوته على الأموات في قبورهم وقد أفضوا إلى ما قدموا، ولا في مآتمهم بعد دفنهم لتسلية أقربائهم، وإنما نزل ليقيم حياة البشر على منهج الله الذي ارتضاه لهم في هذا الدين الذي حمله هذا الكتاب، نزل ليؤمن به الناس ويعملوا الصالحات، ولهذا كثر فيه اقتران العمل الصالح بالإيمان، وبهما يكون صلاح الأمة وعمارة الأرض.
قال تعالى {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً}. [الإسراء: 9]
وقال تعالى:{ وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ}. [آل عمران: 57]
وقال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ..} . [النساء 57]
وقال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ}. [المائدة: 9]
وقال تعالى: {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ}. [يونس:4]
وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ}. [يونس: 9]
وقال تعالى:{ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً}. [الكهف: 30]
وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَنُ وُدّاً}. [مريم: 96]
وقال تعالى: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمْ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ (226) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا}. [الشعراء: 224 ـ 227]
وقال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ}. [العنكبوت: 7]
وقال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ}. [العنكبوت: 9]
وقال تعالى: {وَإِنَّ كَثِيراً مِنْ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ}. [ص: 24]
وقال تعالى: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ}. [ص: 28]
وقال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ}. [غافر: 40]
وقال تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلا الْمُسِيءُ قَلِيلاً مَا تَتَذَكَّرُونَ}. [غافر: 58]
وقال تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ}. [الجاثية: 21]
وقال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ}. [محمد: 2]
وقال تعالى: {رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً}. [الطلاق: 11]
وقال تعالى: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}. [العصر]
لقد أطلت في ذكر الآيات الدالة على أن هذا القرآن إنما نزل ليهدي البشر إلى عمارة الأرض التي استخلفهم الله فيها بالإيمان والعمل الصالح، وسبب هذه الإطالة ابتعاد كثير من المسلمين عن تحقيق ما نزل القرآن من أجله، حتى أصبحوا لا يسألون أنفسهم عن تصرفاتهم أفراداً وأسراً وحكومات أهي موافقة لمنهج الله الذي أنزله في كتابه أم مخالفة له؟
2 ـ ما العمل الصالح؟
وهنا لا بد من الإشارة إلى معنى العمل الصالح، بعد أن فهمنا معنى الإيمان.
إن العمل الصالح في اصطلاح القرآن ـ والسنة ـ هو طاعة الله تعالى بامتثال أمره واجتناب نهيه، والبعد عن معاصيه، أي العمل بما جاء في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، على مستوى الفرد والأسرة والأمة مع الإخلاص في ذلك.
فالإيمان بالله والكفر بالطاغوت، وأداء الشعائر التعبدية التي يتحقق فيها الإخلاص واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، وأداء الحقوق إلى أهلها، من مال أو شهادة أو وظيفة، والالتزام بالحلال والحرام، وإقامة الجهاد في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا، والحكم بما أنزل الله، وغير ذلك مما ورد في القرآن والسنة كله من العمل الصالح في اصطلاح القرآن الكريم والسنة النبوية.
وليس العمل الصالح قاصراً على ما يفهمه كثير من المسلمين اليوم من أنه الشعائر التعبدية فقط، كالصلاة والصيام والحج والذكر المعروف بمعناه الضيق الذي لا يثمر التسليم المطلق لله تعالى، فذلك جزء من العمل الصالح.
3 ـ فهم سلف الأمة لمعنى الإيمان والعمل الصالح:
لقد كان الإيمان والعمل الصالح بمعناهما الشامل الذي عناه الله تعالى مفهوماً لدى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومما يدل علي ذلك قول عائشة رضي الله عنها ـ وقد سئلت عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ: "ألم تقرأ القرآن؟"، وتلت قول الله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} "كان خلقه القرآن". [1].
وكانوا رضي الله عنهم على ضوء هذا الفهم يجتهدون في العمل بمقتضاه، بحيث يتلون الآيات، ويتدبرون معانيها، ويفقهونها حق فقهها، ويعملون بما فيها، ولا يتجاوزونها بدون عمل، وقد سجل ذلك ابن مسعود، رضي الله عنه، فقال: "كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات، لم يجاوزهن، حتى يعرف معانيهن والعمل بهن". وقال أبو عبد الرحمن السلمي: "حدثنا الذين كانوا يقرئوننا أنهم كانوا يستقرئون من النبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يخلفوها حتى يعملوا بما فيها من العمل، فتعلمنا القرآن والعمل جميعاً". [تفسير القرآن العظيم (1/4)].
هذا هو منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنهج أصحابه والتابعين لهم بإحسان في معرفة معنى الإيمان والعمل الصالح الواردين في القرآن، وهذا هو منهجهم في العمل بهذا الكتاب، وهذا المنهج هو الذي يتحقق به للأمة الصلاح والفلاح، فإذا أراد المسلمون اليوم ـ ويجب أن يريدوا ـ أن يحققوا في أنفسهم ما أراد الله منهم أن يحققوه فعليهم أن يقرؤوا القرآن ويتدبروه، ويفتش كل واحد منهم عن نفسه في آيات هذا القرآن، وما فيها من أوامر الله ونواهيه، ومن الصفات التي يحبها الله ويثني على أهلها ويعد عليها بالثواب، والصفات التي يبغضها الله ويذم أهلها ويعد عليها بالعقاب، ليحاسب القارئ نفسه ويعمل بما يرضي ربه ويترك ما يسخطه.
وإن الأمة التي تهمل العمل بهذا الكتاب وقد شرفها الله بحمل أمانته والقيام به، لأمة خاسرة تستحق أن يستبدل الله بها غيرها فهل تعي هذه الأمة واجبها وتقوم بوظيفتها، فتحقق بذلك الخلافة في الأرض بعمارتها، وقيادة الأمم إلى عبادة الله في الأرض ونشر العدل ومحاربة الظلم والطغيان: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ}. [النور: 55]
{وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ}. [الأنبياء: 40-41].
أو تتمادى في غيها والبعد عن ربها بتركها العمل بهذا القرآن فتنال عقاب الله لها في الدنيا والآخرة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ (38) إِلاَّ تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}. [التوبة: 38 ـ 39].
{ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ}. [محمد: 38].
ومثل العمل بالقرآن العمل بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: {وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}. [الحشر:7].
وقال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً}. [الأحزاب: 21]
والذي لا يؤمن بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ويزعم أن القرآن يكفيه في إقامة الإسلام، فقد كفر بالقرآن فلا إسلام بدون سنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
4 ـ ثمرة فهم العمل الصالح في اصطلاح القرآن والسنة:
على ضوء هذا الفهم وتطبيقه يترتب وعد الله عباده المؤمنين بنصرهم والتمكين لهم في الدنيا وإثابتهم بدخولهم الجنة والرضا عنهم في الآخرة، فهو تعالى إنما وعد بالنصر عباده المؤمنين الذين يتحقق فيهم الإيمان المعروف في كتابه وفي سنة رسوله عليه السلام، وليس مجرد إيمان يدعيه مدع غير الإيمان الذي أراده الله، فليس الإيمان بالتمني وإنما هو ما وقر في القلب وصدقه العمل، وإلا:
[sh]
وكل يدعي وصلاً لليلى=وليلى لا تقر لهم بذاكا
[/sh]
فلا ينبغي اليوم أن يتجرأ المسلمون على ربهم ويسألوا ذلك السؤال السيئ الأدب الدال علي جهلهم بالإيمان الذي نزل به القرآن الكريم ودعا إليه الرسول صلى الله عليه وسلم، ووعد الله أهله بالنصر على عدوهم والتمكين لهم في الأرض، ذلك السؤال الذي يتكرر على ألسنة جهال المسلمين تعجباً، وعلى ألسنة أعداء الإسلام، حتى من المنتسبين إليه مكراً وتشكيكاً، فيقول الجميع: كيف ينصر الله غير المسلمين من اليهود والنصارى والشيوعيين والهندوس وغيرهم على المسلمين وقد وعدهم بالنصر على هؤلاء الأعداء، في القرآن الكريم، قي قوله: {وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}. [الروم: 47]
وقوله: {وَإِنَّ جُندَنَا لَهُم الْغَالِبُونَ}. [الصافات: 173]
من هم المؤمنون الموعودون بنصر الله ومن هم جنده الموعودون بالغلب؟!
أهم الذين يوالون أعداءه من اليهود والنصارى ويعادون أولياءه من علماء المسلمين الدعاة إليه، وإلى الجهاد في سبيله وتحكيم شريعته؟! كيف يطلب النصر من يدعي الإسلام على من يزعم أنه عدوه وهو يواليه ويطيعه في معصية الله ومحاربة أوليائه؟!
كيف ينصر الله من يُمكِّن لمعاصيه في الأرض ويهيئ كل الأسباب لترك طاعته؟!
كيف ينصر الله من يحاربونه بإباحة المحرمات من الزنى والخمر والربا وإباحة كل الوسائل المؤدية إلى المنكر؟!
أينصر الله من يفرض على الأمة الإسلامية الحكم بالطاغوت ويحرمها من الحكم بكتاب ربها وسنة نبيها؟ من أحق بنصر الله أصحاب رسول الله الذين حصلت من بعضهم مخالفة لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد، لا تعد شيئاً يذكر بالإضافة إلى ما يجاهر به من يدعي الإسلام اليوم، أم هؤلاء الذين لم يتركوا شيئاً مما يغضب الله إلا ارتكبوه؟
إن الإيمان الذي وعد الله أهله بالنصر في القرآن هو الإيمان الذي بينه القرآن فليرجع إلى القرآن مَن يطمع في نصر الله، ليفهم منه الإيمان الذي أراده الله ويحققه في نفسه، وعندئذ سيكون من جند الله الغالبين. ومَن لم ينصره الله على عدوه ممن يدعي الإيمان فليفتش عن إيمانه فسيجد فيه خللاً لأن الله قد وعد ـ ووعده صدق ـ بنصر المؤمنين الذين ينصرون دينه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}. [محمد:7]
5 ـ التحاكم إلى كتاب الله:
إن من صميم الإيمان بكتاب الله، اعتقاد وجوب التحاكم إليه، وعدم جواز تحكيم غيره من قوانين البشر المخالفة له. [3]. والإيمان بوجوب التحاكم إلى كتاب الله يدخل في معنى كلمة التوحيد ((لا إله إلا الله))، فالإله المعبود بحق هو الحاكم، ومن أجاز التحاكم إلى غير كتاب الله، فقد أخل بمعنى ((لا إله إلا الله))، وذلك من الشرك الأكبر المخرج من ملة الإسلام، وينطبق هذا على جميع الكتب السماوية السابقة التي أنزلها الله على رسله قبل نزول القرآن الكريم، فقد عَجِب الله تعالى ممن يزعم الإيمان بما أنزل على الرسول وما أنزل من قبله، وهو يريد التحاكم إلى الطاغوت بدلاً من التحاكم إلى ما أنزل الله، كما قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً}. [النساء: 60، 61].
ونفى سبحانه الإيمان عمَّن لم يُحكِّم الرسول صلى الله عليه وسلم في القضايا التي يخاصم فيها، فقال تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً}. [النساء: 65.] وقد نص الله تعالى على أن من لم يحكم بما أنزل الله فهو كافر، ظالم، فاسق..
كما قال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ ـ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ ـ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ}. [المائدة:44، 45، 47].
وقد أمر الله سبحانه وتعالى رسوله بأن يحكم بين الناس بما أنزل الله وحذره من اتباع أهوائهم، لما في ذلك من فتنته عن بعض ما أنزل الله عليه، وجعل الحكم بغير ما أنزل من حكم الجاهلية، فقال تعالى: {وَأَنْ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنْ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}. [المائدة 49 ـ 50].
فاعتقاد وجوب التحاكم إلى ما أنزل الله ووجوب الحكم به من صميم الإيمان، وتجويز التحاكم إلى غير ما أنزل الله مما يخالف شرع الله من صميم الكفر.
ووجوب الحكم بما أنزل الله فرض، والحكم بغير ما أنزل الله في بعض الجزئيات مع اعتقاد عدم جواز ذلك من الكبائر لأنه كفر عملي، ويجب حمل كلام بعض السلف الذين قالوا: إن الحكم بغير ما أنزل الله كفر دون كفر وظلم دون ظلم وفسق دون فسق، على هذا المعنى، وهو أن يحكم الحاكم الذي يؤمن بوجوب الحكم بما أنزل الله، في بعض القضايا بغير شرع الله، بسبب قرابة أو أخذ رشوة، أو ما أشبه ذلك أما من حكم بغير ما أنزل الله، ولو في قضية واحدة، معتقداً أن ذلك جائز فهو كافر كفراً أكبر مخلد في نار جهنم. [راجع الجامع لأحكام القرآن: (6/190) للقرطبي].
قال ابن القيم، رحمه الله: "والصحيح أن الحكم بغير ما أنزل الله يتناول الكفرين، الأصغر والأكبر بحسب حال الحاكم، فإنه إن اعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله في هذه الواقعة، وعدل عنه عصياناً، مع اعترافه بأنه مستحق للعقوبة، فهذا كفر أصغر، وإن اعتقد أنه غير واجب وأنه مخير فيه، مع تيقنه أنه حكم الله، [5]. فهذا كفر أكبر، وإن جهله وأخطأه، فهذا مخطئ له حكم المخطئين". [مدارج السالكين: (1/336)].



1 - القلم: 4، وراجع تفسير الآية في تفسير القرآن العظيم لابن كثير
2 - تفسير القرآن العظيم (1/4)
3 - أما ما لم يخالف حكم الله، فالأصل فيه الإباحة
4 - راجع الجامع لأحكام القرآن: (6/190) للقرطبي
5 - كما يفعله من يسمون بالمشرعين في هذا العصر
6 - مدارج السالكين: (1/336)



السابق

الفهرس

التالي


16123773

عداد الصفحات العام

2388

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م