﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ۝٥١ فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ ۝٥٢ وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ ۝٥٣﴾ [المائدة ٥١-٥٣]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


( 1 ) التلخيص:

( 1 ) التلخيص:

1 ـ الإيمان بالغيب حق مفروض لله على عباده، وبه يفرق بين الإنسان والحيوان.
2 ـ الإيمان أشد ضرورة للإنسان من الطعام والشراب والهواء؛ لأن غاية الحصول على هذه الأمور الحفاظ على الحياة الحيوانية، وغاية فقدها فقد الحياة الحيوانية.
أما حصول الإيمان فغايته نيل رضا الله في الدنيا والآخرة، والحياة الحرة العزيزة الطيبة الرضية في الدنيا والفوز بالنعيم المقيم في الآخرة، وغاية فقد الإيمان الشقاء والفساد والعبودية المذلة لغير الله في الدنيا، وحلول سخط الله، والإقامة الدائمة في نار جهنم في الآخرة.
3 ـ الإيمان في لغة العرب التصديق، ولكنه في اصطلاح الكتاب والسنة وعرف جمهور علماء الأمة، يراد به اعتقاد القلب وعمله، وقول اللسان وعمل الجوارح، على وفق ما بينه الله ورسوله، شأنه في ذلك شأن المصطلحات الشرعية الأخرى، كالصلاة والصيام والحج والجهاد وغيرها، فلا يَحكُم المدلول اللغوي المدلولَ الشرعي بل العكس هو الصحيح.
4 ـ إذا اجتمع الإيمان والإسلام أو الإيمان والعمل الصالح في سياق واحد كما في حديث جبريل، وسورة العصر وغيرهما، فسر الإيمان بتصديق القلب، وبقي ما ذكر معه دالاً على ما عداه من قول اللسان وعمل الجوارح.
5 ـ أصول الإيمان بالغيب، هي الأركان التي ذكرت في حديث جبريل، الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر. وكل ما ورد في الكتاب والسنة الصحيحة من أمور الغيب يعد تفصيلاً لتلك الأصول، يجب الإيمان به بحسب ما دلت عليه النصوص وفهمه سلف علماء الأمة.
6 ـ الإيمان بأن الله وحده هو خالق الكون ومدبر شؤونه، أمر دلت عليه كل المخلوقات الجليلة والدقيقة، بما فيها من إبداع وإتقان وانسجام، واتفقت الأمم على الإقرار به، ولهذا كان الرسل يستدلون به على من أنكر ألوهية الله، ولا عبرة بشذوذ من أنكره جحوداً وعناداً، لفساد فطرته واستكباره.
7 ـ يجب على علماء المسلمين ومفكريهم إقامة الحجة بالأدلة والبراهين التي لا تحصى على من أنكر وجود الخالق وتدبيره للكون، ولا يلتفت لقول من قال: إنه لا حاجة إلى ذلك، بحجة أن الرسل لم يدعوا قومهم إلى الإيمان به؛ لأنه قياس فاسد، إذ الأمم السابقة كانت تقر بذلك فلا حاجة إلى دعوتها إلى ما تقر به، وهل يقاس من أنكره، كما حصل في هذا العصر على من أقر به!؟ إضافة إلى ذلك فقد أقام نبي الله موسى الحجة على فرعون وجادله عندما أظهر إنكاره، وهو يعلم أن إنكاره إنما هو عناد واستكبار، والقرآن الكريم مليء بالحجج والبراهين على هذا المعنى.
8 ـ والذي يقر بوجود الخالق الواحد المدبر يلزمه أن يقر بأن هذا الخالق، هو وحده الإله المعبود بحق، وللإقرار بهذا المعنى والعمل بمقتضاه أنزل الله كتبه وبعث رسله إلى الخلق، وهو مضمون شهادة ((أن لا إله إلا الله)) التي هي قاعدة قواعد الإسلام، فالإقرار بذلك والعمل بمقتضاه هو أساس صلاح العالم، وإنكاره وعدم العمل بمقتضاه هو أساس فساد العالم؛ لأن من أقر به وعمل بمضمونه يستسلم لطاعة الله ويتبع هداه في كل شيء ومن ذلك تحكيم شريعته وتطبيقها في الحياة، والذي لا يقر به ولا يعمل بمضمونه يتبع هواه، واتباع الهوى هو أساس كل فساد.
9 ـ الخالق المعبود له الأسماء الحسنى والصفات العلا، التي تَعَرَّف بها تعالى على خلقه، ليعبدوه بها، وفقه العبد أسماء الله وصفاته ومعرفة معانيها، مع البعد عن التشبيه والتعطيل والتحريف فيها، يحقق له العبودية الكاملة، ويملأ قلبه محبةً ووداً وشوقاً إلى لقائه، وطمعاً في رحمته وعفوه وغفرانه، والخلود في دار كرامته، ويجعله يجتهد في طاعة ربه لنيل رضاه، كما يملأ قلبه ـ كذلك ـ خشيةً وخوفاً من الله، ومهابةً وإجلالاً، ويدفعه إلى البعد عن معصيته، اتقاءً لسخطه وعقابه، لذلك يجب أن تدرس أسماء الله وصفاته أساساً لتحقيق هذا المعنى العظيم.
10 ـ أما دراسة مذاهب الفرق في هذا الباب، فهو أمر طارئ يقصد منه بيان الحق من الباطل، يجب أن يتوسع فيه للمتخصصين لرد الشبهات الضالة، ولكن بعد أن يدرسوا الأسماء والصفات ليعبدوا الله بها، امتثالاً لقوله عز وجل في كتابه: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}. [الأعراف:180]. وبهذا يعلم أن جعل الدراسة الفِرقِيّة للأسماء والصفات هي الأصل، منهج مخالف لأمر الله وللمنهج الذي سار عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومن تبعهم بإحسان.
11 ـ من لم يؤمن بالملائكة أو أحدهم فقد الإيمان بجميع الأركان، وإن ادعى الإيمان ببعضها، والنصوص الدالة على ذلك كثيرة.
12 ـ صلة الملائكة بالإنسان لا تنقطع، منذ خلق الله آدم إلى يوم القيامة بل إن صلتهم به تستمر حتى مع استقراره في دار النعيم، أو في دار العذاب الأليم، وصلتهم به تحقق الولاء بين المؤمنين، وإن تباعدت أوطانهم، واختلفت طباعهم والبراءة من الكافرين، كما أن هذه الصلة تساعد المؤمن على طاعة الله والبعد عن معصيته.
13 ـ من لم يؤمن بالكتب المنزلة على جميع رسله أو بعضها فقد كفر بجميع أصول الإيمان.
14 ـ كلف الله أهل الكتب السابقة حفظها، فلم يمتثلوا أمره، بل ضيعوها وحرفوها، وما بقي فيها من حق كتموه ولبسوا حقه بباطله.
15 ـ ومن فوائد الإيمان بالكتب السماوية السابقة، مع تحريفها، وعدم جواز العمل بها بعد نزول القرآن، تصديق إخبار الله بها، ومعرفة أن هدى الله لم ينقطع عن خلقه، وإقامة الحجة بما بقي فيها من الحق على أهلها.
16 ـ دل القرآن والسنة أنه توجد نسخ من التوراة والإنجيل فيها شيء من الحق، ولكن علماء أهل الكتاب كتموه.
17 ـ القرآن الكريم تكفل الله بحفظه بنفسه، ولم يوكل حفظه إلى أحد من خلقه، وإن كان سخر عباده المؤمنين باتخاذ كل الوسائل المتاحة لحفظه، وهو الكتاب السماوي الوحيد المحفوظ فيه كلام الله تعالى.
18 ـ القرآن الكريم هو آخر الكتب السماوية، وهو المهيمن عليها، فلا يصدق ما فيها ولا يكذب إلا ما صدقه القرآن أو كذبه، وهو وحده الذي يجب العمل به، ومن لم يؤمن به من أهل الكتاب فقد كفر بالكتاب الذي يزعم أنه يؤمن به.
19 ـ يجب على الأمة الإسلامية الاهتمام بالقرآن الكريم.
20 ـ مفكرو العالم بحثوا ولا زالوا يبحثون عن منهج يحقق لهذا العالم السعادة، ويخرجه مما هو فيه من فساد في كل مجالات حياته، وقد جربوا كل المناهج البشرية، فلم تزدهم إلا ضلالاً وفساداً، وإن ما ينشده هذا العالم لا يوجد إلا في المنهج الرباني الذي يخرجه من الظلمات إلى النور، و المنهج الرباني لم يعد له وجود إلا في القرآن الكريم وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك فقد اجتمع على حرب هذا المنهج أعداؤه من اليهود والنصارى والوثنيين والملحدين، ومن ذراري المسلمين الذين تتلمذوا على أولئك الأعداء وتسلموا مقاليد الأمور في الشعوب الإسلامية، ولو طبق المسلمون هذا المنهج في الأرض ورأى العالم ثمار تطبيقه المنشودة فيهم لاتخذوهم قدوة حسنة، ودخل الناس في هذا الدين أفواجاً، كما حصل ذلك في عصور الإسلام المفضلة.
سبل الاهتمام بالقرآن الكريم تتلخص في الأمور الآتية:
( أ ) تلاوة القرآن بتدبر.
(ب) غرس احترامه الصادق في النفوس.
ولقد قل هذان الأمران عند كثير من المسلمين، فهجروا كتاب الله تلاوةً وتدبراً، وأصبح احترام القرآن لدى كثير منهم لا يتعدى تقبيله وإحناء الرأس له إذا وقع في أيديهم في أي مناسبة، أما احترامه الصادق المؤدي إلى الاستسلام الكامل لأوامره ونواهيه، فلا تراه إلا في قلة من المسلمين، وهذا يدل على جفاء مقيت لهذا القرآن، ترتبت عليه نتيجة خاسرة.
(ج ) طلب تفسيره على يد من فقههم الله فيه من العلماء العاملين، الذين أحرزوا أدوات فقهه، وسلكوا في ذلك مسلك أصحاب الرسول الذين تلقوه عنه، وفقهوا من بعدهم به، كما فقههم هو صلى الله عليه وسلم، ففسروا القرآن بالقرآن، وبسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وبالفهم السليم المبني على قواعد أهل العلم.
أما العابثون الذين يسيئون الأدب مع كتاب الله، من صغار طلبة العلم المتعالمين الذين يطيرون فرحاً وغروراً ببعض ما فهموه من المسائل العارية عن التقعيد والتأصيل العلمي، كأصول الفقه وعلوم التفسير، واللغة العربية نحواً وصرفاً واشتقاقاً، وعلوم الحديث، وغيرها من أدوات الفقه في الدين، فيجب عليهم أن يكفوا عن الخوض في تفسير كلام الله على جهل به، وقد كان كبار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحرجون من تفسير كلام الله ما لم يكن عندهم علم راسخ به، ويجب على من يريد التفقه في كتاب الله أن ينأى بنفسه عن أخذه عن أمثال هؤلاء الذين قد يضلونه باسم الهدى ويجهلونه باسم العلم.
ومن باب أولى لا يجوز طلب تفسيره على أيدي المستشرقين والمنصرين، وتلاميذهم الذين تلقوا عنهم من أبناء المسلمين الذين يحرفون الكلم عن مواضعه.
ويجب الحذر الشديد من علماء السوء الذين يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً، مشابهةً لأهل الكتاب، فيحلون ما حرم الله أو يحرمون ما أحل الله، طلباً لرضا من يحارب شريعة الله، وهم أشد خطراً من غيرهم لاغترار الناس بعلمهم، وقدرتهم على لبس الحق بالباطل
( د ) وضع منهج ميسر لتفسيره، وتأليف كتاب تفسير، يراعى فيه تفسير الألفاظ الغريبة، والتفسير الإجمالي، وخلاصة أسباب النزول الموضحة للمعنى، والتفسير الموضوعي المختصر، وذكر الأحكام التي تشتمل عليها الآيات، والإشارة إلى الأخلاق والآداب التي تضمنتها الآيات، وربط واقع حياة الناس بالقرآن الكريم.
(هـ) التحاكم إلى ما أنزل الله، ونبذ كل القوانين المخالفة له.
( و ) التطبيق العملي لما جاء فيه، على مستوى الفرد والأسرة والأمة أي القيام بالعمل الصالح الذي هو الهدف من نزول القرآن، وبه تتحقق للأمة السعادة والعزة والنصر.
( ز ) الدعوة إلى الإيمان بهذا القرآن والعمل به، وبها يكثر أنصار هذا الدين وتقوى الأمة الإسلامية، وبترك الدعوة إلى ذلك يقل المسلمون وينضم بعضهم إلى صفوف عدوهم، فيكثر بذلك أعداؤهم، ويضيعون بذلك دينهم الذي أقام الله عليهم به الحجة، وحملهم أمانة العمل به والدعوة إليه، فحاربه كثير منهم حرباً ظالمة، فكانت النتيجة خسارة هذه الأمة وانحطاطها، وخسارة العالم كله.
22 ـ الكفر برسول واحد كفر بكل الرسل، بل كفر بالإيمان بالغيب كله ـ ومنه الإيمان بالله ـ ولا يوجد طريق رباني لإثبات الإيمان بالرسل جملةً وتفصيلاً إلا ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فإيمان البشر كلهم به ـ وخاصة أهل الكتاب ـ ضرورة لا غنى عنها، وقد أخذ الله الميثاق على جميع الرسل أن يؤمنوا به لو أدركهم، وبشروا به قومهم. فقد بعث صلى الله عليه وسلم إلى الجن والإنس إلى يوم القيامة.
23 ـ ويترتب على عموم رسالته وجوب حمل الأمة الإسلامية هذا الدين لتكون قدوة للعالم، ووجوب قيامها بتبليغ هذا الدين إلى كل البشر في كل أنحاء الأرض ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً.
24 ـ رسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم خَتَمَت جميع الرسالات، وكل من ادعى النبوة بعده فهو كذاب دجال، ويترتب على ذلك عظم مسؤولية أمته عن هذا الدين، وأن كل ما يحتاجه العالم من هدى لجلب مصالحهم ودفع المفاسد عنهم لا بد أن يكون موجوداً في منهج الإسلام، وأن باب الاجتهاد مفتوح إلى يوم القيامة، لمن هو أهل له، ووجود المجتهدين الذين تحصل بهم الكفاية فرض كفاية على الأمة الإسلامية.
وأن على جميع الأمم الدخول في هذا الدين، الذي لا يقبل الله من أحد ديناً سواه.
وأن شريعة الرسول صلى الله عليه وسلم كاملة، لكمال علم واضعها المقتضي إحاطته بكل ما يحتاج إليه البشر، وكمال عدله المقتضي براءته من الهوى والمحاباة والظلم، وكمال قيوميته المقتضي تنزيهه عن الغفلة والنسيان والسنة والنوم، وكمال حكمته المقتضي وضع كل شيء في مكانه المناسب، بحيث لا يقال فيما شرعه: ليته كان كذا، أو ليته لم يكن كذا، وكمال رحمته المقتضي أن يشرع لعباده ما يحقق مصالحهم بدون إعنات ولا حرج، بخلاف قوانين البشر الذين لا يمكن أن يتصفوا بتلك الصفات الإلهية.
وقد دل على كمال هذه الشريعة نصوص الكتاب والسنة، وما تضمنته من تفاصيل شاملة للحياة كلها، والتجربة العملية التي لا ينكرها إلا مكابر.
25 ـ ولهذا تميزت الشريعة الإسلامية بالكمال، وبالسمو، والدوام.
26 ـ والأسباب التي دعت إلى سوء الظن بهذه الشريعة، تتلخص فيما يأتي:
( أ ) الجهل بحقائقها.
(ب) التشويه المتعمد لحقائق هذه الشريعة من أعدائها الكافرين، وبعض المنافقين الذين يدعون الإسلام.
(ج ) إقصاء الطغاة تحكيم هذه الشريعة في حياة المسلمين.
( د ) جمود غالب العلماء على التقليد الأعمى، تطبيقاً عملياً لدعوة غلق باب الاجتهاد.
27 ـ إن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ـ كما مضى ـ فرض على الناس كافة، وبخاصة المسلمين الذين يجب أن يكونوا قدوة حسنة لغيرهم، فكما أن وظيفته صلى الله عليه وسلم البلاغ المبين فإن وظيفة الأمة الطاعة، ويترتب على الإيمان به وعلى طاعته اجتماع كلمة المسلمين على الحق، وسلامتهم من التنازع المؤدي إلى الفشل؛ لأنهم يردون ما اختلفوا فيه إلى الله ورسوله، وفي ذلك عزتهم وقوتهم، ووضع الله هيبتهم في قلوب أعدائهم ونصرهم عليهم.
28 ـ الإيمان باليوم الآخر قرين الإيمان بالله سلباً وإيجاباً، فمن لم يؤمن باليوم الآخر لم يؤمن بالله، وهو يدفع إلى طاعة الله طمعاً في نيل رضاه والخلود في دار كرامته، والبعد عن معصيته، خوفاً منه وخشية من عقابه في نار جهنم، وبذلك يثبت الصلاح في الأرض ويضمحل أو يقل الفساد في الأرض، بخلاف الكفر باليوم الآخر، فإنه سبب في تثبيت الفساد ونشره، ومحاربة الصلاح وأهله.
29 ـ الزهد في السبب المشروع غير مشروع: إن من وسائل التربية الربانية التي شرعها الله في كتابه وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم الترغيب والترهيب، ترغيب الله عباده في نيل رضاه وفي رجاء ثوابه والخلود في جنته التي فيها مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وأن ذلك كله إنما يحصل بطاعته وترك معصيته، وترهيبهم من سخطه والخوف والخشية منه ومن عقابه، ومن دخول جهنم التي أعدها لمن ترك طاعته وارتكب معاصيه.
وَوَصف عباده المؤمنين من الأنبياء والشهداء والصالحين، وملائكته المقربين، أنهم يرجون رحمته ويخافون عذابه، ورغبهم في الجنة وخوفهم من النار، وأن الذين يخافونه ويرجونه ويؤمنون باليوم الآخر هم الفائزون الذين يصلحون في الأرض وأن الذين لا يرجونه ولا يخافونه ولا يرجون نعيمه ولا يخافون عذابه هم الخاسرون الذين يفسدون في الأرض، ووردت في ذلك آيات وأحاديث كثيرة.
ومع ذلك كله فقد وسوس الشيطان لبعض العباد المهتمين بإخلاص أعمالهم لله وتطهير قلوبهم وتخليصها من الرياء والسمعة، فأظهروا الزهد في الأسباب المشروعة التي تعبد الله بها أنبياءه ورسله وملائكته وعباده المؤمنين، وأطلقوا عبارات ظاهرة المخالفة لما دل عليه القرآن والسنة.
ومن تلك العبارات قول بعضهم: "ما عبدت الله خوفاً من ناره ولا حباً لجنته"، وقد أحدثوا بذلك أثرين خطيرين: الأول: جعل الناس المقلدين لهم يرددون هذه العبارات المخالفة لنصوص الكتاب والسنة ومسلكِ الأنبياء والصالحين والملائكة المقربين، ويعتقدون ذلك، والثاني: افتتان بعض المظهرين للإسلام بتلك العبارات والاستدلال بها على عدم وجود اليوم الآخر، وعدم وجود الجنة والنار... وقد يكون السبب الأصيل هو الهوى، وإيثار معتقدات إلحادية سابقة عند هؤلاء، لكن هذه العبارات شجعتهم على الإصرار على رأيهم مع إقامة الحجة عليهم.
ولقد شرع الله أسباباً تُعين على الإخلاص له، غير ذلك السبب المخالف لما شرع سبحانه:
السبب الأول: أنه تعالى بين في كتابه وفي سنة رسوله منزلة الإخلاص، وأنه لا يقبل من عبده أي قربة بدون الإخلاص ابتداء بقاعدة قواعد الإسلام شهادة ((أن الإله إلا الله))، وانتهاء بإزالة الأذى عن الطريق: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}. [البينة: 5].
فهل يليق بمؤمن يطلب رضا الله ويرجو ثوابه أن يلتفت في عمله إلى من يحبط الله عمله بسبب التفاته إليه؟
السبب الثاني: أنه تعالى بين لعبده أنه هو وحده الذي ينفعه ويضره وأن غير الله لا ينفعه إلا بشيء قد كتبه الله له، ولا يضره إلا بشيء قد كتبه الله عليه، والعاقل المؤمن يربأ بنفسه أن يقصد بعمله من لا يضره ولا ينفعه، ويعرض عمن بيده نفعه وضره، في الدنيا والآخرة.
السبب الثالث: أن الله تعالى قد أمر عبده بالإكثار من ذكره المطلق ـ وهو الذي لا يتقيد بزمان ولا مكان ولا عبادة معينة ـ ليكون دائماً مستحضراً أسماءه وصفاته التي تعبده بها، وفي ذلك ما يعينه على الإخلاص لله في كل حركاته وسكناته، ويعصمه عن الالتفات إلى سواه، كما شرع له أذكاراً مقيدة بعبادات معينة، كأذكار الصلاة التي تبدأ بالتكبير وتنتهي بالتسليم، وكأذكار الحج التي تبدأ بالتلبية وتنتهي بالتكبير، وهكذا كل عبادة تكون لها أذكار.
فهل يليق بالمؤمن الذي يبدأ بتكبير الله في صلاته ـ مثلاً ـ ثم يستمر ذاكراً له بقراءة، وتسبيح وتحميد في كل رفع وخفض وقيام وقعود، أن يرائي غير الله الأكبر!؟ والذي يتأمل ما ورد من الأذكار التي شرعها الله للمسلم يوقن بأن الله أراد من عبده أن يجعل حياته كلها له ـ وكذلك مماته ـ:
فأذكار دبر الصلوات، وأذكار في الصباح، وأذكار في المساء، وأذكار عند النوم، وأذكار مند القيام من النوم ـ وأذكار عند الطعام، بدءً وانتهاءً ـ وأذكار عند دخول المسجد وعند الخروج منه، وهكذا عند السفر وعند الرجوع منه، وعند اعتلاء مركوب، وعند دخول المرحاض وعند الخروج منه، لا بل أمر بذكره تعالى عند التقاء الزوجين.
فذِكْر الله تعالى واستحضار أسمائه وصفاته، هو الذي يعين على الإخلاص له، ويعين كذلك على طاعته وعدم معصيته.
هذه هي الأسباب المشروعة للاستعانة بها على الإخلاص، أما الزهد في السبب المشروع للتوصل به إلى الأمر المشروع، فهو غير مشروع.
30 ـ دلت نصوص الكتاب والسنة على كمال قدرة الله التامة على كل شيء، وأن الله تعالى علم كل ما هو كائن، وكتبه في اللوح المحفوظ، وأنه يوجد كل شيء على ما هو عليه حسب مقتضى علمه، وعلى هذا مضى أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ومن تبعهم بإحسان، ولا عبرة بخلاف أهل البدع..
ويجب أن يعلم أن القدر سر الله في خلقه، فلا علم لأحد غير الله بما يقدره الله إلا بعد وجوده، وظهوره، فالسعادة والشقاوة، والغنى والفقر، وطول العمر وقصره، وغير ذلك من الغيب الذي لا يعلمه أحد، إلا ما أطلع الله عليه من ارتضى من رسله وملائكته.
31 ـ منح الله الإنسان العقل الذي يفرق به بين الخير والشر، ويزن به ما فيه مصلحة وما فيه مفسدة، مما اتفق عليه بنو البشر، كالصدق والكذب والعدل والظلم، في الجملة، ومنحه حرية الاختيار بين الأشياء، والقدرة على فعل ما يختاره، وجعله مسؤولاً عن تصرفاته، وزاده من فضله أن بعث إليه رسله وأنزل كتبه فبين له ما ينفعه وما يضره، وأمره ونهاه، ووعده بالإعانة إذا استعان به، وأمره بفعل الأسباب التي رتب الله عليها مسبباتها، فلا يجوز ترك الأسباب، اتكالاً على القدر الذي هو غيب عن الإنسان.
32 ـ وقد دلت نصوص القرآن والسنة وواقع المسلمين عندما تمسكوا بدينهم أن إيمانهم بالقدر يدفعهم إلى الجد والعمل، وليس إلى العجز والكسل، وأن الاحتجاج بالقدر على فعل الشر أو ترك الخير من سنن المشركين، وليس من صفات المؤمنين.
33 ـ أوجب الله سبحانه وتعالى على المؤمن الصير على ما قدره عليه من المصائب، وشرع له الرضى بذلك، أما ترك الطاعات وفعل المعاصي فلا يجوز أن يرضى بهما، بل يجب أن يبذل جهده في فعل الطاعة وترك المعصية، فإذا ترك طاعة واجبة، أو فعَل معصية، وجب أن يتوب إلى الله، ومن شروط التوبة الندم على ما فعل، وليس الرضا بذلك.
34 ـ من آثار الإيمان بالقدر: الجد في العمل الذي يرضي الله، والتواضع والبعد عن التكبر، وزعمِ استقلال الأسباب في إيجاد المسببات، والرضا والاطمئنان والصبر والثبات، وعدم التسخط والقلق في الحياة، بخلاف من لم يؤمن بالقدر، فإنه يصاب بالكبرياء، ويزعم أن ما أتاه الله من ملك وجاه وغيره، إنما أوتيه بعمله المستقل عن الله وبعلمه وخبرته، فإذا أصيب في شيء من ذلك قلق واضطربت حياته، وقد يصل به الأمر إلى إزهاق روحه لعدم صبره وشدة تسخطه، كما هو حاصل كثيراً اليوم، وبخاصة في العالم الذي بلغ مبلغاً عظيماً من الرقي المادي.





السابق

الفهرس

التالي


16123655

عداد الصفحات العام

2270

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م