﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ۝٥١ فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ ۝٥٢ وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ ۝٥٣﴾ [المائدة ٥١-٥٣]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


أمثلة من السنة للعناية بحفظ هذه الضرورات:

أمثلة من السنة للعناية بحفظ هذه الضرورات:
وأما الأحاديث النبوية التي عنيت بهذه الضرورات بأساليب متعددة، فإنها لا تحصى كثرةً، ويكفي ذكر بعضها ـ كذلك ـ ليقاس عليه ما سواه.
فقد بيَّن الرسول صلى الله عليه وسلم أن الاعتداء على هذه الضرورات أو بعضها سبب للهلاك والدمار.
كما في حديث أبى هريرة، رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((اجتنبوا السبع الموبقات)).
قيل: يا رسول الله وما هن؟
قال: ((الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات)). [البخاري (3/195) ومسلم (1/92)].
في هذا الحديث أن الاعتداء على الدين وعدم حفظه مهلكة، وذلك مأخوذ من قوله صلى الله عليه وسلم: ((الشرك بالله، والسحر))..
وكذلك قوله: ((والتولي يوم الزحف))؛ لأن في التولي عن قتال العدو ومصابرته تضييعاً للدين.
وكذلك الاعتداء على النفس من المهلكات.. كما هو واضح من قوله: ((وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق)).
والاعتداء على العرض مهلكة وقد بينه بقوله صلى الله عليه وسلم: ((وقذف المحصنات)).
ويدخل فيه من باب أولى الاعتداء على النسل والنسب.
والاعتداء على المال وقد ظهر من قوله صلى الله عليه وسلم: ((وأكل مال اليتيم، وأكل الربا)). وهما مثالان لظلم الأقوياء للضعفاء؛ لأن اليتيم ضعيف لصغر سنه وضعف عقله وعدم قدرته على حسن التصرف في ماله، ووصيه والقائم عليه قوي قادر على حسن التصرف في ماله أو الإساءة فيه.
ولأن آخذ الربا لا يكون إلا صاحبَ مال قادراً على قرض مبلغ معين زائد عن حاجته، للمحتاج الذي اضطر للاقتراض للإنفاق على نفسه وعياله.
وقد سمى صلى الله عليه وسلم الاعتداء على هذه الأمور موبقاً أي مهلكاً، ولا يكون مهلكاً إلا إذا كان حفظ الأمر المعتدى عليه ضرورة من ضرورات الحياة.
وقد جعل صلى الله عليه وسلم الاعتداء على هذه الأمور أعظم الذنوب.
كما في حديث عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أي الذنب أعظم عند الله؟"
قال: ((أن تجعل لله نداً وهو خلقك)).
قلت: إن ذلك لعظيم، ثم أي؟
قال: ((أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك)).
قلت: ثم أي؟
قال: ((أن تزاني حليلة جارك)). [البخاري (7/75) ومسلم (1/90)].
وهو دليل على أن حفظ هذه الأمور، من الضرورات التي لا تستقيم الحياة بدونها.
ومن شدة عناية الرسول صلى الله عليه وسلم بحفظ هذه الضرورات، مبايعته أصحابه على حفظها.
كما في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، في مجلسٍ فقال: ((تبايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً ولا تسرقوا، ولا تزنوا ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوني في معروف، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب شيئاً من ذلك فعوقب به فهو كفارة له، ومن أصاب شيئاً من ذلك في الدنيا، فستره الله عليه، فأمره إلى الله، إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه)). قال: فبايعناه على ذلك". [البخاري (1/10) ومسلم (3/1333)].
فقد بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه على حفظ هذه الضرورات، وهى:
حفظ الدين كما في قوله: ((أن لا تشركوا به شيئاً)).
وحفظ النفس في قوله: ((ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق)).
وحفظ النسل والنسب والعرض في قوله: ((ولا تزنوا)).. وقوله: ((ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم))..
وحفظ المال، في قوله: ((ولا تسرقوا)).
ومما يدل على عنايته صلى الله عليه وسلم بهذه الضرورات إهداره دم من اعتدى عليها.
كما في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يحل دم امرئ مسلم، يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة)). [البخاري (8/38) ومسلم (3/1302)].
وقد احتج عثمان بن عفان، رضي الله عنه على الثائرين عليه، بأنه لم يعتدِ على هذه الضرورات التي يستحق من اعتدى عليها إهدار دمه.
كما قال أبو أمامة سهل بن حنيف، رضي الله عنه: "إن عثمان بن عفان أشرف يوم الدار، فقال: أنشدكم بالله أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: زنا بعد إحصان، أو كفر بعد إسلام، أو قتل نفس بغير حق، فيقتل به)).. فوالله ما زنيت في جاهلية ولا إسلام، ولا ارتددت منذ بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا قتلت النفس التي حرم الله، فبم تقتلونني؟". [الترمذي (4/460-461) وقال: وفي الباب عن ابن مسعود وعائشة وابن عباس. وهذا حديث حسن، وقال المحشي على جامع الأصول (10/215) وإسناده صحيح].
وقد بيَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه حرمة هذه الضرورات ووجوب حفظها، في أعظم مشهد وأكبر مجمع اجتمع به فيه أصحابه قبل وفاته بزمن يسير، في حجة الوداع.
كما روى ذلك ابن عمر، رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، في حجة الوداع: ((ألا أي شهر تعلمونه أعظم حرمة؟)) قالوا: ألا شهرنا هذا.
قال: ((ألا أي بلد تعلمونه أعظم حرمة؟)) قالوا: ألا بلدنا هذا.
قال: ((ألا أي يوم تعلمونه أعظم حرمة؟)) قالوا: ألا يومنا هذا.
قال: ((فإن الله تبارك وتعالى قد حرم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم إلا بحقها كحرمة يومكم هذا.. في بلدكم هذا.. في شهركم هذا.. ألا هل بلغت؟)) ـ ثلاثاً ـ كل ذلك يجيبونه: ألا نعم.
قال: ((ويحكم ـ أو ويلكم ـ لا ترجعن بعدى كفاراً، يضرب بعضكم رقاب بعض)). [البخاري (8/15) ومسلم (3/1305) وما بعدها من حديث أبي بكرة وكذا (1/81-82) من حديث جرير وابن عمر مختصراً].
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كل المسلم على المسلم حرام: دمه وعرضه وماله)).. [مسلم (4/1986)].
ولقد حض الرسول صلى الله عليه وسلم المؤمنين على حفظ هذه الضرورات ولو قتلهم الْمُهدِرون لها؛ لأن فقد المسلم نفسه دفاعاً عن هذه الضرورات، أخف ضرراً من إهدارها الذي يجعل الأمة كلها تفقد أمنها وضرورات حياتها، وبَشَّر من قُتل دونها بالشهادة.
كما في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من قتل دون ماله فهو شهيد)).. [البخاري (3/108)].
وفي حديث سعيد بن زيد رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد)).. [الترمذي (4/30) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وأبو داود (5/128)].
ولقد نفى رسول الله صلى الله عليه وسلم إيمان من اعتدى على هذه الضرورات وقت اعتدائه عليها، وهو نفي لكمال الإيمان الواجب بالنسبة للمسلم، وليس نفياً لأصل الإيمان إلا إذا كان المعتدي عليها مستحلاً لذلك.
كما روى أبو هريرة رضي الله عنه: أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يزنى الزاني حين يزنى وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه فيها أبصارهم وهو مؤمن)).. [البخاري (8/13) ومسلم (1/76)].
ومما يدل على خطر هذه الضرورات والعناية بها في الإسلام أن لبعضها الصدارة يوم القيامة في المحاسبة.
فقد روى عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة الدماء)).. [البخاري (7/197) ومسلم (3/1304)].
وفي رواية للنسائي: ((أول ما يحاسب عليه العبد الصلاة وأول ما يقضى بين الناس: في الدماء)).. [النسائي (7/77)].
نبه بالصلاة على ضرورة حفظ الملة، ونبه بالدماء على الضرورات المتعلقة بحقوق المخلوقين.
لو قال قائل: إن كتب الفقه الإسلامي كلها وضعت من أجل حفظ هذه الضرورات، وحفظ ما يكملها، والوقاية من أسباب زوالها أو زوال ما يكملها لما كان مبالغاً في ذلك.
وباستعراض الكتب والأبواب في كتب الفقه الإسلامي وغيره من علوم الإسلام، يتبين ذلك بجلاء، فإنه ما من باب من تلك الأبواب إلا وجدته يخدم إحدى تلك الضرورات أو كلها من قريب أو من بعيد.
فالعبادات ـ مثلاً ـ كالطهارة والصلاة ـ فرضها ونفلها ـ والصيام، والحج والزكاة والاعتكاف وما يتعلق بكل باب منها.. قصد بها حفظ الدين.
والبيوع والقروض والشركات والإجارات والتركات والمواريث والغصب والشفعة وما إليها.. قصد بها حفظ الأموال.
والنكاح والطلاق والخلع والعدة وبعض الحدود، كحد الزنا وحد القذف.. قصد بها حفظ النسل والنسب والعرض.
وتحريم المسكرات وما شابهها وحد الخمر.. قصد بها حفظ العقل.
والقصاص وبقية الحدود والتعازير.. قصد بها حفظ النفوس والأنساب والأعراض والأموال والعقول.
لهذا يصعب على الباحث أن يتوسع في تعلق كثير من كلام العلماء في الأصول والفقه والأخلاق وغيرها بالضرورات الست، فلا بد من الاكتفاء ببعض أقوال العلماء للإشارة بها إلى ما عداها.
وقد لخص الإمام الشاطبي رحمه الله، وهو من العلماء الذين اهتموا بالتوسع في مقاصد الشريعة الإسلامية، كيفية رجوع الشريعة كلها إلى حفظ هذه الضرورات أو ما يكملها، فقال: "تكاليف الشريعة ترجع إلى حفظ مقاصدها في الخلق، وهذه المقاصد لا تعدو ثلاثة أقسام:
أحدها: أن تكون ضرورية.
الثاني: أن تكون حاجية.
الثالث: أن تكون تحسينية.
فأما الضرورية، فمعناها أنها لا بد منها في قيام مصالح الدين والدنيا، بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة، بل على فساد وتهارج وفوت حياة، وفي الأخرى فوت النجاة والنعيم والرجوع بالخسران المبين.

1 - البخاري (3/195) ومسلم (1/92)
2 - البخاري (7/75) ومسلم (1/90)
3 - البخاري (1/10) ومسلم (3/1333)
4 - البخاري (8/38) ومسلم (3/1302)
5 - الترمذي (4/460-461) وقال: وفي الباب عن ابن مسعود وعائشة وابن عباس. وهذا حديث حسن، وقال المحشي على جامع الأصول (10/215) وإسناده صحيح
6 - البخاري (8/15) ومسلم (3/1305) وما بعدها من حديث أبي بكرة وكذا (1/81-82) من حديث جرير وابن عمر مختصراً
7 - مسلم (4/1986)
8 - البخاري (3/108)
9 - الترمذي (4/30) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وأبو داود (5/128)
10 - البخاري (8/13) ومسلم (1/76)
11 - البخاري (7/197) ومسلم (3/1304)
12 - النسائي (7/77)



السابق

الفهرس

التالي


16123399

عداد الصفحات العام

2014

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م