﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ۝٥١ فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ ۝٥٢ وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ ۝٥٣﴾ [المائدة ٥١-٥٣]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


القسم الأول: مفسدات معنوية:

القسم الأول: مفسدات معنوية:
وهى: أن يتلقى العقل تصوره عن الأمور الغيبية والأفكار المتعلقة بتوجيه نشاطه الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والأخلاقي، إضافة إلى الجانب العبادي، من غير منهج الله سبحانه وتعالى.
وهو عندئذ إما أن يتصور الغيب تصوراً غير إسلامي كما هو شأن النصارى بعد أن حرَّفوا دينهم، وجعلوا إلههم ثلاثة ـ تعالى الله عما يقولون علوا كبيراً ـ وشأن اليهود قبلهم الذين قالوا: {عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ} ـ وإن بدت بين الطائفتين فروق في الجملة ـ ويجتمعون على الكفر بدين الإسلام الذي جاء به محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند ربه، وإما أن يجحد الغيب جحداً صريحاً، فيكون ملحداً لا يؤمن بشيء من أصول الإيمان ولا فروعه.
وإما أن يؤمن بالغيب ويتلقى تصوره لإيمانه وفكره وسلوكه من غير منهج الله أو منه ومن غيره، في ألوهية الله وربوبيته وأسمائه وصفاته.
كما هو شأن من ينتسب إلى الإسلام من غُلاة الصوفية الذين يؤمنون بوحدة الوجود، ويزعمون أنهم حصلوا على العلم اللدني مباشرة من عند الله، وأنهم في غنىً عن شريعة الله التي جاء بها في الكتاب والسنة.
وقد لا يقول بعضهم بوحدة الوجود، ولا يدعى أنه مستغنٍ عن شريعة الله، ولكنهم يؤلهون البشر من دون الله، كعُباد القبور الذين يطوفون بها ويطلبون من أصحابها ما لا يُطلب إلا من الخالق، ويعادون دعوة التوحيد.
وقد يزعم بعضهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم، ليس بشراً ومن زعم أنه بشر فقد كفر.
ولا شك أن كل ما مضى كفرٌ مخرج لصاحبه عن ملة الإسلام إذا قامت عليه الحجة وأصرَّ عليه.
وقد يدخل الفساد إلى العقل في أسماء الله وصفاته، كما هو شأن غُلاة الجهمية الذين ينكرون أسماء الله وصفاته، وذلك آيلٌ إلى جحد الصانع نفسه، وهو كسابقه كفرٌ بالنسبة لمن قامت عليه الحجة وأصر على جحده.
وقد يدخل الفساد إلى العقل بسبب تأويل أسماء الله وصفاته وصرفها عما أراد الله بها، وهذا لا يدخل في الكفر، بسبب شبه قامت لدى المتأولين جعلتهم يتمسكون به، والله يغفر لمن علم حسن نيته وعدم عناده في هذا الباب.
وهناك أنواع كثيرة من المبتدعين والمخرفين منهم من يكاد يبلغ ضلاله إلى الكفر، ومنهم من هو دون ذلك.
ولا شك أن تلك البدع والخرافات مفسدة للعقول بمقدار بعدها عن منهج الله.
وهناك نظريات وأفكار أخرى سياسية واقتصادية واجتماعية كالعلمانية، والاشتراكية، والقومية، وغيرها مما أفسد عقول البشر عامة، وعقول كثير من أبناء المسلمين خاصة.
وليس ذكر هذه المذاهب والأفكار هنا لبيان أوجه فسادها والرد عليها، وإنما المراد التنبيه على أنه يجب حفظ العقل من كل ما يفسده بالحجج البينات من قبل علماء الإسلام، وبالزجر والعقاب من قبل ولاة الأمور الذين نجاهم الله من فساد العقول، فآمنوا بالإسلام وارتضوه ديناً.
وفساد العقول بالتصورات الخاطئة والبدع والخرافات والأفكار الفاسدة، أخطر من فسادها بالمسكرات كالخمر ونحوها.
وهذا ما يفسر لنا بعض أسباب مكث الرسالة الخاتمة ثلاثة عشر عاماً، تصفي فيها العقول من الشرك والوثنية والخرافات، وعدم تعرضها لكثير من الأحكام الفرعية التي منها شرب الخمر.
والذي يتأمل القرآن الكريم في الفترة المكية يجد ذلك واضحاً كل الوضوح.
ولقد كان للجن صولاتٌ وجولاتٌ في إفساد العقولِ قبل الإسلام، بسبب ما كانوا يحصلون عليه من استراق السمع من السماء، وكانوا يضيفون إلى الكلمة الواحدة من الصدق تسعاً وتسعين كذبة، فيصدقهم الناس.
فلما جاء الإسلام حرس الله السماء بالشهب التي كانوا يُرمَون بها، ليحفظ العقول من فسادهم، إضافة إلى حفظ العقول بالوحي المنزل من السماء.
قال تعالى: ?وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (8) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رصَدًا (9) وَأَنَّا لا نَدْري أَشَرٌ أُريدَ بِمَنْ فِي الأَرضِ أَمْ أَرادَ بِهِمْ ربُّهُمْ رشَدًا?. [الجن: 8-10].
وفي حديث ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه، عامدين إلى سوق عكاظ، وقد حيل بين الشياطين، وبين خبر السماء، وأرسلت عليهم الشهب.
فرجعت الشياطين، فقالوا: مالكم؟ فقالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء وأرسلت علينا الشهب، قال: ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا أمر ما حدث، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها، فانظروا ما هذا الأمر الذي حدث؟
فانطلقوا فضربوا مشارق الأرض ومغاربها ينظرون ما هذا الأمر الذي حال بينهم وبين خبر السماء.
قال: فانطلق الذين توجهوا نحو تهامة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنخلة، وهو عامد إلى سوق عكاظ، وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر.
فلما سمعوا القرآن تسمعوا له، فقالوا: هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء، فهناك رجعوا إلى قومهم.
فقالوا: يا قومنا ? إِنَّا سَمِعْنَا قُرءَانًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْركَ بِربِّنَا أَحَدًا?. [الجن: 1-2].
وأنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم: ?قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَر مِنَ الْجِنِّ? وأوحى إليه قول الجن. [البخاري (6/73) ومسلم (1/331)].
وفي حديث عبد الله بن عباس أيضاً قال: كان الجن يصعدون إلى السماء يستمعون الوحي، فإذا سمعوا الكلمة زادوا عليها تسعاً وتسعين، فأما الكلمة فتكون حقاً، وأما ما زادوا فيكون باطلاً، فلما بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مُنعت الجن مقاعدها من السماء بالشهب، قال: ولم تكن النجوم يرمى بها قبل ذلك، فقال لهم إبليس: ما هذا إلا من أمر قد حدث في أرض، فبعث جنوده، فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً يصلى بين جبلين بمكة، فأتوه فأخبروه، فقال: هذا الذي حدث في الأرض". [الترمذي (5/427-428) وقال هذا حديث حسن صحيح. وذكره ابن منده في كتابه "الإيمان" (2/703) وقال: إسناده صحيح].
والشاهد من هذا أن الله سبحانه وتعالى عندما أنزل وحيه لهداية البشر، حفظ عقولهم من العقائد والخرافات التي تفسدها من قبل الجن.
وإذا كان تعالى قد حفظ العقول من خرافات الجن بالشهب، فانه قد أمر العلماء بأن يرموا من يخالف الإسلام من شياطين الإنس بشهب القرآن والسنة.
وأمر الحكام أن يرموا من خالف الإسلام كذلك بشهب الحديد.
كما قال تعالى: ?لَقَدْ أَرسَلْنَا رسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرهُ وَرسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ?. [الحديد: 25].
ويدخل في ذلك سؤال المنجمين والعرافين وتصديقهم في قولهم.
وقد روى بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عنه أنه قال: ((من أتى عرافاً فسأله عن شيء فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوماً)). [مسلم (4/1751)].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قَال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه فيما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم)). [الحاكم في المستدرك، (1/ 49) وقال: "هذا حديث صحيح على شرطهما جميعاً من حديث بن سيرين ولم يخرجاه"].
ومن أجل صيانة العقول وحفظها من التصورات الفاسدة، رأى العلماء من فقهاء الإسلام إحراق الكتب المضلة وعدم ضمانها.
قال ابن القيم، رحمه الله: "وكذلك لا ضمان في تحريق الكتب المضلة وإتلافها، قال المروذي: قلت لأحمد: استعرت كتاباً فيه أشياء رديئة، ترى أن أخرقه أو أحرقه؟ قال: نعم.
وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم بيد عمر كتاباً اكتتبه من التوراة، وأعجبه موافقته للقرآن، فتمعَّر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى ذهب به عمر إلى التنور فألقاه فيه.
فكيف لو رأي النبي صلى الله عليه وسلم ما صنف بعده من الكتب التي يعارض بها ما في القرآن والسنة، والله المستعان.
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم من كتب عنه شيئاً، غير القرآن، أن يمحوه، ثم أذن في كتابة سنته، ولم يأذن في غير ذلك.
وكل هذه الكتب المتضمنة لمخالفة السنة غير مأذون فيها، بل مأذون في محقها وإتلافها، وما على الأمة أضر منها.
وقد حرق الصحابة جميع المصاحف المخالفة لمصحف عثمان لما خافوا على الأمة من الاختلاف، فكيف لو رأوا هذه الكتب التي أوقعت الخلاف والتفرق بين الأمة؟
وقال الخلال: أخبرني محمد بن هارون أن أبا الحارث حدثهم، قال: قال أبو عبد الله: أهلكهم وضع الكتب، تركوا آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبلوا على الكلام". [5].
وهكذا يجب أن تحفظ عقول الناس، وبخاصة المسلمين من جميع المذاهب الهدامة، والأفكار الفاسدة التي تفسد العقول سواء كان ذلك عن طريق الكتب، أو الصحف والمجلات، أو الإذاعة أو التلفاز أو الفيديو أو الشريط.
وإذا كان حرق الكتب وإتلاف الآلات فيهما صعوبة اليوم بسبب كثرة المطابع المتقدمة ذات السرعة الهائلة، ومثلها صناعة الآلات، وهى غير متمحضة للشر. كما كانت آلات اللهو في الأزمنة الماضية.
فإن الواجب أن تغمر الكتب والمجلات والصحف والأشرطة الإسلامية، التي توضح منهج الإسلام ومحاسنه وتبين زيف المناهج المخالفة، بلدان المسلمين وأسواق العالم كله بلغاته السائدة.
وأن تخصص فضائيات ومواقع كبيرة قوية في الشبكة العالمية "الإنترنت" يشرف عليها متخصصون، ويتعاون معهم العلماء الأكفياء الذين يجمعون بين الفقه في الدين والخبرة بواقع العصر ومشكلاته، مع القدرة على إقامة الحجج المقنعة بالحق وتزييف الباطل بالأساليب المعاصرة المؤثرة.
وأن تهتم مناهج تعليم أبناء المسلمين، وتتضمن كتبهم الدراسة في جميع مراحلها ما يوضح الحق ويدفع الباطل.

1 - البخاري (6/73) ومسلم (1/331)
2 - الترمذي (5/427-428) وقال هذا حديث حسن صحيح. وذكره ابن منده في كتابه "الإيمان" (2/703) وقال: إسناده صحيح
3 - مسلم (4/1751)
4 - الحاكم في المستدرك، (1/ 49) وقال: "هذا حديث صحيح على شرطهما جميعاً من حديث بن سيرين ولم يخرجاه"
5 - الطرق الحكمية ص275



السابق

الفهرس

التالي


16103218

عداد الصفحات العام

4090

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م