﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ۝٥١ فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ ۝٥٢ وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ ۝٥٣﴾ [المائدة ٥١-٥٣]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


المبحث الثالث: الحلم والصبر..

المبحث الثالث: الحلم والصبر..
عُرِّف الحلم بأنه: "ضبط النفس والطبع عن هيجان الغضب". [1].
وعُرِّف الصبر بأنه: "حبس النفس على ما يقتضيه العقل والشرع أو عما يقتضيان حبسها عنه". [2].
إن صفة الحلم من الصفات التي امتدح الله سبحانه وتعالى بها نفسه في القرآن الكريم فسمى نفسه "الحليم".. وصفات الباري سبحانه وتعالى لائقة به ليس بينها وبين صفات المخلوقين أي مشابهة، وإن أطلق اللفظ وصفاً لبعض المخلوقين فإنه لائق بالمخلوق..
والفرق بين صفة الخالق وصفة المخلوق كالفرق بين الخالق والمخلوق..
{فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ الأَنْعَامِ أَزْوَاجاً يَذْرَأُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}. [الشورى: 11].
ولكن الله الخالق هو الذي منح المخلوق الصفات المحمودة كما منحه الوجود في هذه الحياة. ومن الصفات المحمودة المطلوبة في الإنسان صفة الحلم الملازمة للصبر، وهما صفتان يكتسب بهما المرء قوة التحمل وسعة الصدر، وهما محمودان سواء وجدا في مؤن أو كافر.. ولكن المؤمن أولى بهما من غيره، بل لا يوجدان على التمام الذي يثنى به إلا في المؤمن.
وإن ولي أمر المسلمين أحوج إلى التحلي بصفة الحلم والصبر من غيره لأمور:
الأمر الأول: مسؤوليته عن الناس الذين ولاه الله أمرهم، وهم ليسوا سواء في الصلاح والتقوى والصبر والتحمل وحسن الخلق والاستجابة السريعة لطاعة الله ورسوله وأولي الأمر فيهم، بل منهم من هو كذلك، ومنهم من هو دون ذلك، وقيادتهم إلى الخير تحتاج إلى سعة صدر وحلم وصبر من ولي الأمر، ليتمكن من قيادتهم بالحكمة والصبر، وليس بكاف أن يستعمل قوته ويعسفهم على الحق عسفاً في كل الأحوال..
فقد تنفع الشدة أحياناً وقد ينفع الصبر والحلم أحياناً أخرى، ولو لم يكن ولي الأمر حليماً لأذاق الناس سوء العذاب في أغلب أوقاته.
الأمر الثاني: تمكن ولي الأمر من استعمال القوة في أغلب الأحيان، فلو لم يكن حليماً لأزهق أرواح الناس في أوقات غضبه في أمور قد يندم على تعاطيها إذا زال غضبه..
ويتكرر ذلك منه فيحصل بينه وبين رعيته الحقد والشقاق والكراهية، وتلك مؤدية إلى التنازع والفشل وعدم الاستقرار..
بخلاف الحليم الصبور فإنه قد يسيء إليه بعض رعيته فيكظم غيظه ويصبر ويحلم، فيكون ذلك سبباً لتأليف قلوبهم..
لأن الرعية إذا رأت ولي أمرها يحلم عليها وهو قادر أن ينتقم منها، بسبب وجود القوة بيده، فاءت إلى رشدها وعلمت أنها أساءت إلى من أحسن إليها فيكون ذلك سبباً في إقلاعها عن الإساءة إليه، وفي زيادة محبته وإزالة كراهته من قلوبها.
وسنذكر بعض النصوص الواردة في الحلم مدحاً له ولأهله أو اتصافاً به.
فقد مدح الله سبحانه وتعالى نبيه ورسوله وخليله إبراهيم عليه السلام بالحلم.. فقال سبحانه وتعالى : {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأبِيهِ إِلا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ}. [التوبة: 114].
وقال: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ}. [هود: 75].
ولما طلب إبراهيم من ربه أن يرزقه ولداً صالحاً، بشره الله باستجابته له ورَزَقه ولداً وصفه بالحلم، وفيه إشارة إلى أن من أهم صفات الصالحين الحلم..
وظهر ذلك الحلم في ذلك الولد الصالح عندما أخبره أبوه أنه أمر بذبحه، فقد سلم نفسه لمولاه وذكر لأبيه أنه سيكون من الصابرين، واتضح بذلك ملازمة الصبر للحلم..
قال سبحانه وتعالى: {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ * فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}. [الصافات: 100-102].
وقد أثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم على من اتصف بالحلم..
كما روى ابن عباس وأبو سعيد الخدري رضي الله عنهم: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لأشج عبد القيس: ((إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله: الحلم والأناة)) . [مسلم (1/48)].
وكان هو صلى الله عليه وسلم قدوة للأمة في هذه الصفة - كغيرها من الصفات الحميدة - وبخاصة ولاة أمور الأمة الذين هم أحوج إليها من غيرهم..
وإذا كان الله عز وجل لم يصف رسوله بالحلم في القرآن الكريم،كما وصف أباه إبراهيم وابنه الذبيح إسماعيل عليهما السلام، فقد وصفه الله سبحانه وتعالى بأوصاف كثيرة تؤدي معنى الحلم وغيره..
مثل قوله سبحانه وتعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ}. [التوبة: 128]. وغيرها من الآيات.
وأَمْرٌ آخر وهو أن كل صفة من صفات الخير اتصف بها الأنبياء والرسل قبله، فله منها النصيب الوافر، لأن الله سبحانه وتعالى قد أمره أن يقتدي بهدي من سبقه من الرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام..
كما قال سبحانه وتعالى بعد ذكره طائفة من رسله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ}. [الأنعام: 90].
وإذا كان صلى الله عليه وسلم قد أثنى على صفة الحلم التي اتصف بها غيره وبين أن الله يحبها وهو صلى الله عليه وسلم يحبها، فإنه صلى الله عليه وسلم أولى من يتصف بها. ويؤكد ذلك كله ويوضحه أنه صلى الله عليه وسلم كان خلقه القرآن.. كما ذكرت ذلك عائشة رضي الله عنهـا عندما سئلت عن خلقه. [مسلم (1/513)].
وإذا كان الحلم من الصفات التي مدحها الله وأثنى عليها.. والرسول صلى الله عليه وسلم كان خلقه القرآن فإن اتصافه بتلك الصفة أمر مقطوع به. وليس أدل على ذلك من سيرته صلى الله عليه وسلم مع أصحابه - أهل بيته وغيرهم - في مجالات مختلفة.
1 - المفردات للراغب صفحة 128 الطبعة الباكستانية
2 - نفس المرجع السابق صفحة 274
3 - مسلم (1/48)
4 - مسلم (1/513)



السابق

الفهرس

التالي


16124183

عداد الصفحات العام

2798

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م