[
الصفحة الرئيسية
] [
حول الموقع
] [
تعريف بصاحب الموقع
]
﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ٥١ فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ ٥٢ وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ ٥٣﴾ [المائدة ٥١-٥٣]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب
::
66- سافر معي في المشارق والمغارب
::
(34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف
::
(033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف.
::
(067) سافر معي في المشارق والمغارب
::
(066) سافر معي في المشارق والمغارب
::
(031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف
::
(065) سافر معي في المشارق والمغارب
::
(030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث
::
::
::
::
::
::
::
::
::
::
جملة البحث
جميع محتويات الموقع
المقالات العامة
مقالات الحدث
الجهاد في فلسطين
2 أثر التربية الإسلامية في أمن المجتمع المسلم
المقالات العامة
الإيمان هو الأساس
غيث الديمة الجزء الأول
غيث الديمة الجزء الثاني
حوارات مع أوربيين مسلمين
حوارات مع أوربيين غير مسلمين
الحدود و السلطان
حكم زواج المسلم بالكتابية
رحلة هونج كونج
جوهرة الإسلام
كتاب الجهاد
المسئولية في الإسلام
دور المسجد في التربية
كتاب سبب الجريمة
كتاب الشورى في الإسلام
كتاب السباق إلى العقول
الإيمان إصطلاحاً و أثره سلوكاً
كتاب طل الربوة
كتاب الوقاية من المسكرات
الكفاءة الإدارية
معارج الصعود إلى تفسير سورة هود
مقدمة سلسلة في المشارق و المغارب
المجلد الأول : رحلات الولايات المتحدة الأمريكية
المجلد الثاني : رحلات المملكة المتحدة (بريطانيا) و آيرلندا
المجلد الثالث : رحلات اليابان وكوريا وهونغ كونغ
المجلد الرابع:رحلات إندونيسيا الجزء الأول 1400هـ ـ 1980م
المجلد الخامس : الرحلة إلى إندونيسيا الجزء الثاني 1410هـ ـ 1990م
المجلد السادس : رحلات إندونيسيا الجزء الثالث 1419هـ ـ 1989م
المجلد السابع : رحلات أستراليا و نيوزيلاندا و سريلانكا
المجلد الثامن : رحلات كندا و إسبانيا
المجلد التاسع : رحلات سويسرا و ألمانيا و النمسا
المجلد العاشر : رحلات بلجيكا و هولندا و الدنمارك
المجلد الحادي عشر:رحلات السويد و فنلندا و النرويج
المجلد الثاني عشر : رحلات فرنسا و البرتغال و إيطاليا
المجلد الثالث عشر : رحلات سنغافورة و بروناي و تايوان
المجلد الرابع عشر : رحلات باكستان و الهند
المجلد الخامس عشر : رحلات تايلاند (بانكوك)
المجلد السادس عشر : الرحلة إلى ماليزيا
المجلد السابع عشر : رحلات الفلبين
المجلد الثامن عشر : رحلة كينيا
الفهرس
المبحث الخامس: العفو
المبحث الخامس: العفو
إن العفو من الصفات المحمودة المأمور بها في القرآن والسنة، وهو من صفات عباد الله المتقين، وثمرة من ثمار الحلم واللين وكظم الغيظ..
وقد أمر الله سبحانه وتعالى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو قدوة الأمة..
فقال سبحانه وتعالى:
{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}
. [آل عمران: 159].
وقال سبحانه وتعالى في سياق كيد بني إسرائيل وعصيانهم:
{فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلا قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}
. [المائدة: 13].
والذي يظهر أن هذا الأمر
{فَاعْفُ عَنْهُمْ}
غير منسوخ، بل هو محكم، ما لم يحصل منهم اعتداء وإباء عن أداء ما أوجب الله عليهم أداؤه في الإسلام..
قال ابن كثير رحمه الله: "وهذا هو عين النصر والظفر، كما قال بعض السلف: ما عاملتَ من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه، وبهذا يحصل لهم تأليف وجمع على الحق، ولعل الله أن يهديهم، ولهذا قال:
{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}
يعني به الصفح عمن أساء إليك".
ثم ذكر قول قتادة بأن ذلك منسوخ بالآيات الآمرة بالقتال".
[تفسير القرآن العظيم
(2/33)
]
.
وقال سبحانه وتعالى:
{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}
.
[الأعراف
( 199)
وراجع عفو عمر رضي الله عنه عن عيينة بن حصن عندما تليت هذه الآية عليه في مبحث الحلم كما مضى]
.
وقال سبحانه وتعالى:
{وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}
. [النور: 22].
وقد وصف الله سبحانه وتعالى بالعفو عباده المؤمنين فقال سبحانه وتعالى:
{الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}
. [آل عمران: 134].
تأمل تعقيب الله سبحانه وتعالى بقوله:
{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}
في آية المائدة..
وقوله:
{وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}
في آية آل عمران هذه..
وقوله:
{أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ}
في آية النور..
وما في ذلك من الترغيب الشديد في العفو عن الناس.
وإذا كان الله سبحانه وتعالى يحب العافين عن الناس بصفة عامة، فإنه سبحانه وتعالى يحب العافين من ولاة أمور المسلمين بصفة خاصة، لما في عفوهم من تطيب الخواطر وجبرها، واستجلاب مودة رعيتهم لهم وحبهم وطاعتهم، وذلك مما يجتمع به الشمل وتتوحد الكلمة..
ولأن العفو مع القدرة دليل على علو المنزلة وسمو الشرف، ولا شك أن ولي الأمر أكثر قدرة من غيره.
وقد يظن بعض من يلون أمور الناس أن البطش والانتقام يرفع قدرهم ويمكنهم في الأرض، وهو خلاف مفهوم الشرع الذي وردت نصوصه آمرة بالعفو مادحة له، واصفة المؤمنين به على سبيل الثناء.
وقد دلت السنة دلالة صريحة على أن الله يمنح من عفا عن الناس العز والسؤدد، كما في حديث أبى هريرة رضي الله عنه:
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(
(
ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً، وما تواضع أحد لله إلا رفعه
)
)
.
[مسلم
(4/2001)
والترمذي
(4/376)
والدارمي
(1/333)
]
.
إن المفهوم الجاهلي في هذه الثلاثة الأمور، يخالف مفهوم الشرع الحنيف..
فالبخيل بماله يظن أن بخله سبب في غناه..
والذي يبطش بالناس يظن أن ذلك سبب في تمكينه في الأرض..
والمتكبر يظن أن ذلك سبب رفعته..
أما المفهوم الشرعي فدل على أن المال لا ينقص بالصدقة بل يزيد وليس المقام هنا مقام تفصيل، في معنى الزيادة فقد تكلم على ذلك شراح الحديث.
[راجع شرح النووي على صحيح مسلم
(16/141-142)
]
.
والذي يعفو عن الناس وهو قادر على الانتقام يزيده الله عزاً، ومن ذلك العز التفاف رعية ولي الأمر حوله وحبهم له ومناصرته وطاعته، والمتواضع يقدره الناس وترتفع منزلته عندهم.
وللتأديب والعقاب موضعه:
وهنا لابد من الإشارة إلى أن الأصل هو العفو والسماح وعدم العقاب، ولكنه يفضل في بعض الحالات ولبعض الناس العقاب والتأديب، بدل العفو والصفح إذا كانت مصلحة العقاب والتأديب راجحة، كأن يكون الباغي مجاهراً بالمعصية مصراً على الاعتداء، غير مبال بمصالح الناس العامة أو الخاصة، وقد دل على ذلك القرآن الكريم وبعض مواقف الرسول صلى الله عليه وسلم.
أما القرآن الكريم، فإنه أثنى على المؤمنين بصفات، منها انتصارهم على من بغى عليهم بمثل ما فعل إذا كان مباحاً، وأثنى عليهم بصبرهم وصفحهم، ولكل من الصفتين موضعها.
قال سبحانه وتعالى:
{وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ * وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ}
. [الشورى: 38-43].
وقال سبحانه وتعالى:
{وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ}
. [الشعراء: 224-227].
وقد ذكر أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي رحمه الله خلاصة في هذا المعنى عن العلماء رحمهم الله فقال:
"قال ابن العربي: ذكر الله الانتصار في البغي في معرض المدح، وذكر العفو عن الجرم في موضع آخر في معرض المدح، فاحتمل أن يكون أحدهما رافعاً للآخر، واحتمل أن يكون ذلك راجعاً إلى حالتين:
إحداهما أن يكون الباغي معلناً بالفجور، وقحاً في الجمهور مؤذياً للصغير والكبير، فيكون الانتقام منه أفضل.. وفي مثله قال إبراهيم النخعي: كانوا يكرهون أن يذلوا أنفسهم فيجترئ عليهم الفساق.
الثانية أن تكون الفلتة أو يقع ذلك ممن يعترف بالزلة ويسأل المغفرة، فالعفو ههنا أفضل، وفي مثله نزلت:
{وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}
. [البقرة: 237].
وقوله:
{وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}
. [المائدة: 45].
وقوله:
{وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}
. [النور: 22].
قلت - القائل هو القرطبي -: هذا حسن، وهكذا ذكر الطبري في أحكامه، قال: قوله سبحانه وتعالى:
{وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ}
. [الشورى: 39].
يدل ظاهره على أن الانتصار في هذا الموضع أفضل، ألا ترى أنه قرنه إلى ذكر الاستجابة لله سبحانه وتعالى وإقام الصلاة..
وهو محمول على ما ذكره إبراهيم النخعي، أنهم كانوا يكرهون للمؤمنين أن يذلوا أنفسهم فيجترئ عليهم الفساق، فهذا فيمن تعدى وأصر على ذلك..
والموضع المأمور فيه بالعفو، إذا كان الجاني نادماً مقلعاً، وقد قال عقيب هذه الآية:
{وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ}
. [الشورى: 41].
ويقتضي ذلك إباحة الانتصار لا الأمر به وقد عقبه بقوله:
{وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ}
. [الشورى:43].
وهو محمول على الغفران عن غير المصر، فأما المصر على البغي والظلم فالأفضل الانتصار منه بدلالة الآية التي قبلها.
[الجامع لأحكام القرآن
(16/39)
]
.
ولقد كان العفو هو الغالب في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم كلها، وقد مر ذكر بعض الأمثلة في مبحث الحلم، ولكنه كان يغضب لله وينتقم له، إذا انتهكت محارمه..
كما قالت عائشة رضي الله عنهـا: "والله ما انتقم لنفسه في شيء يؤتى إليه حتى تنتهك حرمات الله، فينتقم لله".
[
6
]
.
فقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقتل ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة، ولم يشفع له وجوده في المسجد الحرام الذي يأمن من دخله؛ لأن الحرم لا يعيذ عاصياً حارب الله ورسوله وأصر على ذلك.
روى أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عام الفتح وعلى رأسه المغفر، فلما نزعه جاء رجل فقال: إن ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال:
(
(
اقتلوه
)
)
.
[البخاري
(2/216)
ومسلم
(2/990)
وراجع السيرة النبوية لابن هشام
(2/410-411)
وفتح الباري
(4/62)
]
.
وقضاؤه صلى الله عليه وسلم في العرنيين الذين أكرمهم عندما أظهروا الإسلام، ثم غدروا واستاقوا إبل الصدقة وقتلوا الراعي وارتدوا عن الإسلام، فأنزل بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عقاب الله الصارم الذي شرعه للمفسدين في الأرض.
كما روى أنس بن مالك رضي الله عنه: أن ناساً من عرينة قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فاجتووها.
[
8
]
.
فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(
(
إن شئتم أن تخرجوا إلى إبل الصدقة، فتشربوا من ألبانها وأبوالها
)
)
ففعلوا فصحوا، ثم مالوا على الرعاة فقتلوهم، وارتدوا عن الإسلام، وساقوا ذود رسول الله صلى الله عليه وسلم..
فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فبعث في إثرهم فأتي بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم
[
9
]
. وتركهم في الحرة حتى ماتوا، وفي رواية: "وألقوا في الحرة يستسقون فلا يسقون".
[البخاري
(8/19)
ومسلم
(3/1296)
]
.
هذا القضاء فيه حسم لمادة الشر بإنزال العقاب الصارم على من يعبث في الأرض فساداً، والعفو عن أمثال هؤلاء فيه مفاسد عظيمة لا يقرها شرع الله الحنيف.
فمن حكمة الشارع الحكيم أن يشرع العفو عندما تكون فيه مصلحة، ويشرع العقاب كذلك عندما تكون فيه مصلحة، والمصلحة في كلا الحالين راجحة على المفسدة إن وجدت.
قال ابن الأزرق: يصير الانتقام مطلوباً في موضعين:
الموضع الأول: حيث يكون تركه عجزاً ومهانة، وذلك هو الذل الذي تأنف منه ذووا الهمم العالية، وقد قالوا في قوله سبحانه وتعالى:
{وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ}
.
[
11
]
.
كانوا يكرهون أن يذلوا، وإذا قدروا عفوا، فمدحوا على عفو بعد قدرة، لا على عفو بعد ذل ومهانة.
الموضع الثاني: حيث يترتب على العفو مفسدة تُرْبي على مصلحة شرعاً أو سياسة معتبرة، ومن أمثلته عقاب من استخف بالسلطان..
كما يروى أن رجلاً جاء إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه فقال: احملني، والله لأنا أفرس منك ومن أبيك، وعنده المغيرة بن شعبة، فحسر عن ذراعه وصك به أنف الرجل فسال الدم.
فجاء قومه إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه ولاموه فقالوا: أقدنا من المغيرة، فقال: أنا أقيدكم من وزعة الله أنا لا أقيدكم منه..
وقد علق ابن القيم رحمه الله على القصة بعد أن ساقها فقال:
"فرأى أبو بكر أن ذلك انتصار من المغيرة وحمية لله وللعز الذي أعز به خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ليتمكن بذلك العز من حسن خلافته وإقامة دينه. فترك قوده لاجترائه على عز الله وسلطانه الذي أعز به رسوله ودينه وخليفته".
[
12
]
.
قلت: لكن هذه القصة شبيهة بقصة ذي الخويصرة في اتهامه لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعدم العدل وعفا عنه ولم يعاقبه، وقد استأذنه عمر رضي الله عنه في قتله، بل إن في هذا تطاولاً أكثر على جانب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكذلك قصة عيينه بن حصن مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث قال له: والله ما تعطينا الجزل ولا تحكم فينا بالعدل، وعفا عنه بعد أن هم بعقابه عندما تلا عليه الحر قوله سبحانه وتعالى:
{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}
.
[
13
]
.
والذي يظهر أن البغي هنا متجه لأبي بكر رضي الله عنه، كما أنه في تينك القصتين متجه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر رضي الله عنه، ونفذه المغيرة وأقره عليه أبو بكر..
ويجوز أن يكون هذا الرجل قد كرر البغي، فأصبح مستخفاً بخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان عقابه أولى من العفو عنه.
ومن أشد المواقف على المتمردين والخارجين عن الجادة، موقف علي رضي الله عنه من الذين غلوا فيه فألهوه من دون الله، فخدَّ لهم الأخاديد وأضرم عليهم النار وأحرقهم بها، ولما بلغ ذلك ابن عباس رضي الله عنهـما أنكر على علي إحراقهم لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من النهي عن التعذيب بالنار والأمر بقتل المرتدين.
[البخاري
(4/21)
ومجموع الفتاوى لابن تيمية
(35/184-185)
]
.
1
- تفسير القرآن العظيم (2/33)
2
- الأعراف ( 199) وراجع عفو عمر رضي الله عنه عن عيينة بن حصن عندما تليت هذه الآية عليه في مبحث الحلم كما مضى
3
- مسلم (4/2001) والترمذي (4/376) والدارمي (1/333)
4
- راجع شرح النووي على صحيح مسلم (16/141-142)
5
- الجامع لأحكام القرآن (16/39)
6
- مضى في المبحث الثالث من الفصل الأول
7
- البخاري (2/216) ومسلم (2/990) وراجع السيرة النبوية لابن هشام (2/410-411) وفتح الباري (4/62)
8
- أي استوخموها وكرهوها لما أصابهم من المرض
9
- أي فقأها وأذهب ما فيها، وفي رواية "سمر" أي كحلها بمسامير محمية
10
- البخاري (8/19) ومسلم (3/1296)
11
- سبقت قريباً
12
- الروح صفحة 363-374 وقد نقل ابن الأزرق بعض هذه الجمل ولكن فيها تحريفاً، فآثرت نقلها من كتاب الروح مباشرة
13
- سبق ذلك في المبحث الثالث من الفصل الثاني، والآية من سورة الأعراف:199
14
- البخاري (4/21) ومجموع الفتاوى لابن تيمية (35/184-185)
الفهرس
16124193
عداد الصفحات العام
2808
عداد الصفحات اليومي
جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م