﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ۝٥١ فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ ۝٥٢ وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ ۝٥٣﴾ [المائدة ٥١-٥٣]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


ماذا يكسب الخائن من خيانته؟

ماذا يكسب الخائن من خيانته؟
هذا، وإن الخائن عندما يخون غيره فرداً أو أسرة أو أمة، إنما يخونهم ظناً منه أنه ينال بخيانته مكاسب قد لا ينالها بدون الخيانة، وهو في الواقع لا ينال إلا الخسران في الدنيا والآخرة، وإذا ما أمهله الله في الدنيا، فإنه لا يهمله في الآخرة، والغالب أن يعاقبه الله في الدنيا بنقيض قصده..
وهذا بخلاف الذي يعصي هواه وشهوته، ويؤدي أمانته، فإن الله سبحانه وتعالى يثيبه على ذلك عاجلاً وآجلاً في الدنيا والآخرة ويتولى من يعول من بعده.
وكم رأينا من خائن شتت الله شملَه وشملَ أهله في هذه الحياة، وهو ينتظر ما يسوؤه يوم لقاء ربه؟!
قال ابن تيمية رحمه الله: "ثم إن المؤدي للأمانة مع مخالفة هواه يثبته الله فيحفظه في أهله وماله بعده، والمطيع لهواه يعاقبه الله بنقيض قصده، فيذل أهله، ويذهب ماله..
ومن ذلك الحكاية المشهورة: أن بعض خلفاء بني العباس سأل بعض العلماء أن يحدثه عما أدرك، فقال: أدركت عمر بن عبد العزيز، قيل له: يا أمير المؤمنين أفقرت أفواه بنيك من هذا المال، وتركتهم فقراء لا شيء لهم، وكان في مرض موته.
فقال: أدخلوهم عليَّ، فأدخلوهم وهم بضعة عشر ذكراً، ليس فيهم بالغ، فلما رآهم ذرفت عيناه، ثم قال لهم: يا بني والله ما منعتكم حقاً هو لكم، ولم أكن بالذي آخذ أموال الناس فأدفعها إليكم، وإنما أنتم أحد رجلين: إما صالح، فالله يتولى الصالحين، وإما غير صالح، فلا أخلف له ما يستعين به على معصية الله، قوموا عني.
قال: فلقد رأيت بعض بنيه حمل على مائة فرس في سبيل الله، يعنى أعطاها لمن يغزو عليها.
قلت: هذا وقد كان خليفة المسلمين، من أقصى الشرق وبلاد الترك إلى أقصى الغرب في بلاد الأندلس، ومن جزائر قبرص وثغور الشام والعواصم كطرسوس ونحوها إلى أقصى اليمن، إنما أخذ كل واحد من أولاده من تركته شيئاً يسيراً، يقال: أقل من عشرين درهماً.. قال: وحضرت بعض الخلفاء وقد اقتسم تركته بنوه، فأخذ كل واحد منهم ستمائة ألف دينار، ولقد رأيت بعضهم يتكفف الناس". [مجموع الفتاوى (28/249-250)].
ولقد فقد كثير من المسلمين الأمانة، أو ضعفت عندهم حتى أصبحت كالمفقودة، فترتب على ذلك ما ترتب من الآثار التي دمرت أفرادا وأسرا وشعوبا، بل حطمت كثيرا من ضرورات حياة الأفراد والأسر والشعوب.
ولقد رأينا في عمرنا القصير عجائب القدرة الإلهية في بعض من تولوا أمور الشعوب الإسلامية فخانوها، إذ كانت عاقبتهم من أسوأ العواقب الوخيمة في أنفسهم وفي أسرهم، وليت أهل الخيانات يأخذ ون العبرة من أمثالهم قبل فوات الأوان.
وإذا كانت الأمانة شاملة ذلك الشمول الذي سبق ذكره عن القرطبي:
"والأمانة تعم جميع وظائف الدين على الصحيح من الأقوال".
فإن من قصر في وظيفته المستحقة عليه لغيره تقصيرا يخل بحق ذلك الغير، وهو قادر على عدم التقصير فيه، يكون خائنا لأمانته...
ومعلوم أن وظائف الدين عند المسلمين يدخل فيها كل ما فيه نفع للأفراد والأسر والشعوب، وهذا المفهوم يوسع دائرة الأمانة والخيانة.
فقيام المسلم بحقوق ربه التي فرضها عليه، وتركه لما حرمه عليه، أمانة، ومخالفته لذلك خيانة.. وقيام كل من الزوجين بحقوق الآخر الواجبة عليه أمانة، وعدم قيامه بذلك خيانة.
وأداء الوالدِين حقوق أولادهم الواجبة عليهم أمانة، وعدم قيامهم بتلك الحقوق مع قدرتهم عليها خيانة...
وأداء الأولاد حقوق والديهم التي أوجبها الله عليهم أمانة، وعدم قيامهم بها مع قدرتهم عليها خيانة. وقيام أولياء الأمور بحقوق رعيتهم التي أوجبها الله سبحانه وتعالى عليهم أمانة، وعدم قيامهم بذلك مع القدرة عليه خيانة... وقيام الرعية بما أوجب الله عليهم من حقوق ولاة الأمر أمانة، وعدم قيامهم بذلك مع قدرتهم عليه خيانة. وقيام الأجراء بحقوق مستأجريهم الواجبة عليهم أمانة، وعدم قيامهم بذلك مع قدرتهم على القيام به خيانة..
وهكذا الشركاء مع شركائهم، والجيران مع جيرانهم، وكل صاحب وظيفة مع من له حق عليه في وظيفته.... من قام منهم بالواجب عليه لغيره، فقد أدى الأمانة، ومن لم يقم به مع قدرته عليه فقد خان الأمانة. ويجب أن يعلم أن أداء الأمانة ليس خاصا بالأفراد، وكذلك الخيانة، فكما أن الأمانة مطلوبة من الأفراد عينا أو كفاية، وتترتب على أدائها آثارها النافعة ومصالحها المفيدة، لمؤدي الأمانة ولمن استحقها منه، فهي أيضا مطلوبة من مجموع الأمة، ويترتب على أدائها من المصالح ما هو أعظم من المصالح المترتبة على أدائها من الأفراد، وإن كان أداء الأمة لا يتأتى إلا بتعاون الأفراد عليه.
وأداء الأمانة من الأمة يكون في الغالب فرض كفاية، عندما ينوب عنها في أدائها من يقوم به قياما كافيا، فإذا لم يقم به من يكفي من الأمة أصبح فرض عين على كل قادر منها، حتى تُقيم من ينوب عنها في القيام ذلك.
قال إمام الحرمين عبد الملك الجويني رحمه الله: "ثم الذي أراه أن القيام بما هو من فروض الكفايات، أحرى بإحراز الدرجات، وأعلى من فنون القربات، من فرائض الأعيان، فان ما تعين على المتعبد المكلف لو تركه ولم يقابل أمر الشارع فيه بارتسام، اختص المأثم به، ولو أقامه فهو المثاب. ولو فرض تعطيل فرض من فروض الكفايات، لعم المأثم على الكافة على اختلاف الرتب والدرجات، والقائم به كافٍ نفسَه وكافةَ المخاطبين الحرجَ والعقابَ، وآمِلٌ أفضلَ الثواب، ولا يهون قدرُ من يَحُلُّ محلَّ المسلمين أجمعين في القيام بمهم من مهمات الدين". [الغياثي، فقرة رقم (509) الطبعة الثانية 1401هـ، تحقيق الدكتور عبد العظيم الديب].

1 - مجموع الفتاوى (28/249-250)
2 - الغياثي، فقرة رقم (509) الطبعة الثانية 1401هـ، تحقيق الدكتور عبد العظيم الديب



السابق

الفهرس

التالي


16124459

عداد الصفحات العام

3074

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م