﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ۝٥١ فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ ۝٥٢ وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ ۝٥٣﴾ [المائدة ٥١-٥٣]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


عظمته تعالى في تسخيره:

عظمته تعالى في تسخيره:
وفي تأمل الإنسان ما سخره الله تعالى له في نفسه وفي الكون من حوله، الأرض التي تقله وما ذرأه فيها وهيأه له من مصالحه الشاملة التي لا حياة له بدونها، منه ما يسهل عليه استعماله، ولا قدرة له على صنعه، كالهواء الذي لو وقفه الله فترة قصيرة من الزمن لما بقي حي على الأرض يتحرك، ومنه ما أتاح الله له الحصول عليه بتعاطي الأسباب منه، كالطعام والغذاء الذي لا بد له فيه من حرثه وصرمه وخزنه والدواء الذي لا بد له فيه من تعلمه وصنعه... وكذلك استنباط الماء من أعماق الأرض التي خزنه الله تعالى فيها، وتصفيته من الشوائب من الأنهار والآبار والركي، ليشرب صافياً نقياً سليماً مما يفسد الأجسام ويجلب الأسقام، والطاقات والمعادن التي أودعها الله في الأرض، كالذهب والفضة والحديد والبترول وغيرها، مما تتقدم بها الأمم الحية الحكيمة في كل مجالات حياتها، وتضمحل وتذوى أي أمة تكسل وتفرط في الاستفادة منه، كما نشاهد ذلك في عصرنا الحاضر.
ويكفي الإنسان رؤية لعظمة الله تعالى في التسخير أن يفكر فيما سخره الله تعالى له من أعضاء وأجهزة في جسمه، ليحيى بها حياة سهلة سعيدة، وصان له منها ما لا قدرة له على صيانته بنفسه، وأمره بوقاية ما يستطيع وقايته، بوسائل هو قادر على استعمالها في مأكله ومشربه وملبسه ومسكنه وغير ذلك.
قال سيد قطب رحمه الله وهو يتفيأ قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ ...(20)} [1]: "وهذا هو التسخير المشار إليه في الآية، في معرض نعم الله الظاهرة والباطنة، وهي أعم من تسخير ما في السماوات وما في الأرض. فوجود الإنسان ابتداءً نعمة من الله وفضل؛ وتزويده بطاقاته واستعداداته ومواهبه هذه نعمة من الله وفضل، وإرسال رسله وتنزيل كتبه فضل أكبر ونعمة أجل؛ ووصله بروح الله من قبل هذا كله نعمة من الله وفضل؛ وكل نفس يتنفسه، وكل خفقة يخفقها قلبه، وكل منظر تلتقطه عينه، وكل صوت تلتقطه أذنه، وكل خاطر يهجس في ضميره، وكل فكرة يتدبرها عقله... إن هي إلا نعمة ما كان لينالها لولا فضل الله.
وقد سخَّر الله لهذا المخلوق الإنساني ما في السماوات، فجعل في مقدوره الانتفاع بشعاع الشمس ونور القمر وهدي النجوم، وبالمطر والهواء والطير السابح فيه. وسخر له ما في الأرض. وهذا أظهر وأيسر ملاحظةً وتدبراً. فقد أقامه خليفة في هذا 3 الطويل العريض، ومكَّنه من كل ما تذخر به الأرض من كنوز. ومنه ما هو ظاهر ومنه ما هو مستتر. ومنه ما يعرفه الإنسان ومنه ما لا يدرك إلا آثاره؛ ومنه ما لم يعرفه أصلاً من أسرار القوى التي ينتفع بها دون أن يدري. وإنه لمغمور في كل لحظة من لحظات الليل والنهار بنعمة الله السابغة الوافرة التي لا يدرك مداها، ولا يحصي أنماطها. ومع هذا كله فإن فريقاً من الناس لا يشكرون ولا يذكرون ولا يتدبرون ما حولهم، ولا يوقنون بالمنعم المتفضل الكريم". انتهى.
فهذا التسخير الرباني وحده كاف للعقلاء وبخاصة المسلمين منهم لتعظيم الله تعالى وقدْرهم له حق قدْره، والرهبة والخشية من حرمانهم منه، ومحبته وشكره على تمكينهم منه والإخبات والخشوع له جل وعلا.
اقرأ هذه الآيات التي أجمل الله فيها شيئاً مما سخره تعالى لخلقه: {وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (19) وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ (20) وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21) وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22)} [2] وفي تدبرْها والتفكر في عظمة من سخرها، وهل لغيره تعالى من قدرة على هذا التسخير، أو حمايته من خالقه لو أراد سلبه: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ (30)} [3] وفي قصة صاحب الجنتين في سورة الكهف [من الآية: (32) إلى الآية (43)].وقصة قارون [من الآية: (76) إلى الآية: (82) من سورة القصص]وقصة أصحاب الجنة في سورة القلم [من الآية: (17) إلى الآية: (33).] عبرةٌ لمن أراد الاعتبار والإخبات إلى الله.
ولا فرق عند الله في قدرته على حرمان صاحب الجنتين المذكورتين في الكهف، وما عاقب به قارون، وحرمان أصحاب الجنة المذكورة في القلم، وفي حرمان الإنسان مما سخره الله من أعضاء وأجهزة.. قال تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ(78)} [7]
وقال: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ (46)} [8]
فنحن نشاهد كثيراً من البشر يحرمهم الله من أبصارهم وأسماعهم، وأيديهم وأرجلهم، بل وعقولهم، بعد أن يتمتعوا بها برهة من أعمارهم، ولهذا شرع الله على لسان رسوله ‘ لهذه الأمة اللجوء إليه بهذا الدعاء الذي ما كان صلى الله عليه وسلم، يقومُ من مجلسٍ حتى يَدْعُوَ به لأصحابه: (اللَّهمَّ أَمتِعنا بأسماعنا، وأبصارنا، وقُوَّتنا ما أَحيَيتنا، واجعَلُه الوارثَ منا) [رواه النسائي في سننه الكبرى (6/106) دار الفكر، الترمذي (9/379) دار الكتب العلمية، وقال: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيْبٌ" واقتدى به من رواه عنه من أصحابه في ذلك.]
ودل القرآن الكريم أن الله تعالى يغير حال من غير ما بنفسه، فيبدل نعمته نقمة إذا كفر تلك النعمة، والعكس صحيح، فهي سنة من سنن الله تعالى في خلقه.. قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (53) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ (54)} [10]
وقال تعالى: { إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ (11)} [11]
فهل ترى من يؤمن بمن هذ صنعه في مخلوقاته من التسخير والإعطاء والحرمان، يبقى قلبه أقسى من الصخور والجبال، ولا يخشع لعظمته تعالى؟

1 - لقمان
2 - إبراهيم
3 - الملك
4 - من الآية: (32) إلى الآية (43)
5 - من الآية: (76) إلى الآية: (82) من سورة القصص
6 - من الآية: (17) إلى الآية: (33).
7 - النحل
8 - الأنعام
9 - رواه النسائي في سننه الكبرى (6/106) دار الفكر، الترمذي (9/379) دار الكتب العلمية، وقال: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيْبٌ" واقتدى به من رواه عنه من أصحابه في ذلك.
10 - آل عمران
11 - الرعد



السابق

الفهرس

التالي


16124476

عداد الصفحات العام

3091

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م