﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ۝٥١ فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ ۝٥٢ وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ ۝٥٣﴾ [المائدة ٥١-٥٣]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


المبحث الثالث: فقد الإيمان أو ضعفه هما منبع الإجرام

المبحث الثالث: فقد الإيمان أو ضعفه هما منبع الإجرام
إذا كان الإيمان بأصوله وفروعه، هو الدافع إلى فعل الخيرات وترك المنكرات، وهو الأساس في الوقاية من الإجرام كما سبق؛ فإن الكفر هو منبع الجرائم وأصلها، وكل جريمة تحدث هي فرع من فروع الكفر.
ولهذا كان المؤمنون والكافرون في صراع دائم..
المؤمنون يدعون إلى الحق، ويقاتلون من أجل إرسائه في الأرض..
والكافرون يدعون إلى الباطل، ويقاتلون لتثبيته والصد عن الحق..
كما قال سبحانه وتعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً} . [النساء:76]. والذي يقاتل في سبيل الشيطان، إنما يريد أن يكره الناس على طاعة الشيطان، والشيطان إنما يأمر بالمعاصي والفساد في الأرض وإضلال الخلق، وبث العداوة والبغضاء بينهم باعتداء بعضهم على بعض..
كما قال تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} . [البقرة:268]. وقال تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} . [المائدة:91]. وقال تعالى ناهياً المؤمنين عن اتباع خطوات الشيطان، في سياق قصة جريمة الإفك، وهى من الجرائم العظيمة التي تنتهك بها الأعراض، ويرمى بها الأبرياء، وتفرق بها الأسر.. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ..} . [النور:21]. والكفر هو سبب محاربة الأنبياء، والوقوف ضد الإصلاح في الأرض، وهو سبب اختلال الموازين والقيم التي تجعل الحق باطلاً والباطل حقاً، وجَعْلَ دعاة الحق الهداة ضلالاً، وأهل الضلال والفساد مصلحين..
كما قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59) قَالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} . [الأعراف:59-60].
وقال تعالى: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (65) قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} . [الأعراف:65-66].
وقال تعالى عن كفار قريش ـ وقد تآمروا على تنفيذ جريمة القتل في رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} . [الأنفال:30]. وقال تعالى مبيناً أن أهل الكفر لا يمتنعون عن الإيمان بالرسل فحسب، وإنما يسعون لإعادة أنبياء الله ورسله إلى الارتداد عن دينهم.. {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ} . [إبراهيم:13]. ولقد حمل الكفر بني إسرائيل على ارتكاب جريمة قتل أنبيائهم الذين بعثهم الله لهدايتهم.. كما قال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ} . [البقرة:87].
والكفر هو الذي حمل قوم نبي الله صالح عليه السلام، على ارتكاب قتل آية الله التي أرسلها للدلالة على ضلالهم وهى الناقة.. كما قال تعالى: {قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (75) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (76) فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} . [الأعراف:75-77]. أي بسبب عدم إيمانهم.
وإجرام الكافر القوي أشد من إجرام الكافر الضعيف؛ لأن القوي قادر على تنفيذ ما يريد، فهو راغب في الإجرام بسبب كفره.. قادر على التنفيذ بسبب قوته..
كما فعل فرعون الكبير، وكما يفعل الفراعنة الذين جاؤوا بعد مقتفين أثره، في الاعتداء على الشعوب واستعباد المستضعفين وتفريق شمل الأمم، وإبادة أبنائها.. كما قال تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} . [القصص:4]. وأعظم الإجرام هو استبعاد الناس واسترقاقهم والحجر على عقولهم وقلوب من يصدونهم بالقوة عن الإيمان الحق الذي تقوم عليه الحجج والبراهين حتى يصبح يقيناً لا ينتابه شك..
فإذا آمن به ذوو العقول السليمة أنكروا عليهم وهددوهم بألوان النكال والتعذيب؛ ليكرهوهم على الكفر بعد أن هُدُوا للإيمان.. كما قال تعالى عن فرعون الذي كفر به سحرته ـ على رغم جبروته وقوته ـ وآمنوا بموسى لقوة حجته وصحة دعوته.. {فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70) قَالَ ءَامَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ ءَاذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى (71) قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} . [طه: 70-72].
والعالم يشهد اليوم من فاق فرعون في العدوان والإجرام؛ لأن عدوان فرعون كان قاصراً على رعايا دولته الذين يعيشون داخل حدودها، بدليل أن موسى عليه السلام عندما ائتمروا به ليقتلوه، لجأ إلى الرجل الصالح في مدين، فقال له عندما علم خبره: {لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} بخلاف فراعنة العصر، فإن عدوانهم يشمل العالم كله، بسبب ما مكنهم الله فيه من القوة المادية التي سيطروا بها على الشعوب براً وبحراً وجواً، فهم بذلك أشد إجراماً من فرعون.
وجريمة العدوان على الأمم والشعوب، أشد من جرائم الأفراد المذكورة، وإذا كان الله تعالى قد شرع عقوبات جرائم الأفراد في الحدود والتعازير، فقد شرع في جرائم عدوان الدول على الشعوب، الجهاد في سبيل الله..
ولا عقوبة مجدية في دفع عدوانهم والقضاء على جرائمهم غير الجهاد الذي يجب على الأمة الإسلامية أن تعد له العدة، كما أمرها الله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ} . [الأنفال (60)].
والبغي والعدوان صفتان طبيعيتان للكافر، ولا يخلو منهما ضعيف الإيمان، ولا ينجو منها إلا المؤمن إيماناً صادقاً..
كما قال تعالى: {قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ} . [ص:24].
قال القرطبي، رحمه الله: {لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} يتعدى ويظلم.. {إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} فإنهم لا يظلمون أحدا.. {وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} يعنى الصالحين. [الجامع لأحكام القرآن (15/179)].
فاستثناء المؤمنين العاملين الصالحات من الناس الذين يبغي بعضهم على بعض، ووصف هؤلاء المستثنين بالقلة يدل على ثلاثة أمور:
الأمر الأول: أن الكفر هو أساس البغي والعدوان.
الأمر الثاني: أن ضعف الإيمان من أسباب البغي والعدوان.
الأمر الثالث: أن المؤمن القوي الصادق الإيمان الذي تدل على وجود إيمانه الأعمال الصالحة، هو السبب في الطاعة والخير واجتناب الفساد والبغي والإجرام في الأرض.
ومما يدل أن الكفر هو منبع الإجرام وأساسه أمران:
الأمر الأول: غلبة إطلاق المجرمين على الكفار في القرآن الكريم والآيات في ذلك كثيرة جداً..
منها قوله تعالى: {لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} . [الأنفال:8].
وقوله تعالى: {وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} . [يونس:82]. هاتان الآيتان تدلان على المطلوب من وجهين:
الوجه الأول: تسمية الكفار مجرمين..
الوجه الثاني: كونهم يكرهون إحقاق الحق ويحبون انتصار الباطل، وتدخل في الباطل: الجرائم كلها كبيرها وصغيرها.
ومن إجرام الكفار؛ صدهم عن الإيمان ودعوتهم إلى الكفر، الذي هو منبع الإجرام،كما قال تعالى عنهم: {وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ (91) وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (92) مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ (93) فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ (94) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (95) قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ (96) تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (98) وَمَا أَضَلَّنَا إِلا الْمُجْرِمُونَ} . [الشعراء: 91-98].
ومن إجرامهم إتيان الفاحشة التي تقلب بها الموازين وتخالف بها الفطر بإتيان الرجال وترك النساء..
كما قال تعالى: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (54) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (55) فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا ءَالَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (56) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ (57) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ} . [النمل: 54-58].
{أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمْ الْمُنكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنتَ مِنْ الصَّادِقِينَ} . [العنكبوت]
وقوم لوط هؤلاء هم أول من أسسوا نادي العراة لرجال الفاحشة والإجرام، وبهم اقتدى مجرموا الكفر في هذا العصر بإنشاء نوادي العراة هواة الفواحش الشاذة من الرجال والنساء: "في الولايات المتحدة الآن أكثر من أربعين نادياً للعراة.. وتفيد الإحصاءات أن نسبة ارتياد الأمريكيين لهذه الأندية في تصاعد مستمر منذ نشأة هذه الظاهرة في أمريكا عام 1939". [http://www.aawsat.com/leader.asp?section=3&article=187691&issue=9028]
"العري والتعرية" هي مصطلحات شائعة في حضارة الغرب وثقافته، فهناك نوع من الأدب يطلق عليه "أدب العري" وإن كانت كلمة "الأدب" من ذلك براء.. هناك آلاف المجلات وملايين الكتب والأفلام والأغاني التي تمجد "العري" كثقافة واسعة الانتشار.. إضافة إلى ذلك فهناك "نوادي العراة" و"شواطئ العراة" التي تنتشر اليوم في أرجاء وزوايا وصلب حضارتهم". [http://www.arabmail.de/Mohammed_Ramadan06.08.04.html]
ولقد أصبح للجرائم اليوم منظمات عالمية، لم ينج منها بعض من ينتسبون إلى الإسلام، ومن ذلك الشذوذ الجنسي، وهو زواج الرجل بالرجل والمرأة بالمرأة، الذي عقدت له مؤتمرات، بعضها عقد في دول عربية!!
"فقبل ثلاث سنوات تقريباً لعب الإنترنت دوراً محورياً في تأسيس منظمة تطلق على نفسها اسم (الفاتحة) من خلال قائمة نقاش بريدية إلكترونية، وتمكنت هذه المنظمة الدولية التي تعرّف نفسها بأنها (منظمة الشواذ المسلمين) من تسجيل نفسها رسمياً في نيويورك (أميركا) وتورنتو (كندا) لكي (تدافع عن حق الشذوذ في الإسلام). وتمكنت المنظمة من عقد مؤتمرها الدولي الثاني في لندن قبل أسبوعين تقريباً، وبالتحديد في السادس والعشرين من شهر مايو الفائت رغم الاعتراضات الواسعة التي أثارتها منظمات وشخصيات إسلامية متعددة هناك بدعوى أن (الفاتحة) منظمة تخالف الشرع الإسلامي الذي يحرم الشذوذ الجنسي". [http://www.khayma.com/khotta/arabe/marji_ia.htm// http://www.almuoaly.8m.net/monadamat.html/http://www.annabaa.org/nba64/osrah.htm].
ومن باب الإنصاف لهؤلاء الغربيين الذين يطلقون على هذا النوع "أدب العري" لا يعتبرونه من الجرائم، ولو اعتبروه من الجرائم لسنوا القوانين لمنعه، ووضعوا له العقوبات المناسبة لبيئتهم، ولكن هذا "الأدب" عند الله وعند رسله وعند البشرية قبل عهد قوم لوط هو جريمة شنعاء، ولهذا نطلق عليه مصطلح "الجريمة"..
ولكنا ندين أولئك الغربيين بما يعترفون هم أنه "جريمة" في مصطلحاتهم وقوانينهم، وهو العدوان على ضرورات الحياة: "الدين والنفس والنسل والعقل والمال" التي باشروا العدوان عليها في البلدان الإسلامية، كالعراق وفلسطين وأفغانستان والصومال، ومعسكرات "غوانتنامو" و"أبي غريب" وغيرهما من المعتقلات السرية، المنتشرة في العالم.
ومن إطلاق لفظ المجرمين على الكفار قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} . [الأنعام:123].
وقوله تعالى: {.. فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} . [الروم: من الآية47].
وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ} . [المطففين:29].
وقوله تعالى: {يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ} . [المعارج:11]. الأمر الثاني: هو اعتداء الكافرين على دعاة الحق بالقتل والقتال والصد عن دعوتهم، وإيذائهم؛ لأن طبيعة دعوة الحق لا تتفق مع إجرامهم، ولذلك يحاربون الدعوة والدعاة حتى يتمكنوا من مزاولة إجرامهم بدون نكير..
كما قال تعالى عنهم: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ} . [إبراهيم:13]. وقال تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا..} . [الحج:72]. وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} . [آل عمران:21].
ويكفي أن يعلم العاقل أن المجرمين الشاذين جنسياً، تضيق صدورهم بالمتطهرين من شذوذهم، فيهددونهم بالإخراج من أرضهم، بسبب تطهرهم من رجسهم.. كما قال تعالى عن قوم لوط: {وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْعَالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (81) وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} . [الأعراف: 82].
يظهر من النصوص القرآنية السابقة، أن الكفر هو الجريمة الأولى، وأنه أساس بقية الجرائم، كما أن الإيمان هو الطاعة الأولى، وأساس بقية الطاعات، كما مضى.
دلالة السنة على ما دل عليه القرآن من أن الإيمان أساس الأمن والكفر منبع الإجرام:
وقد دلت سنة الرسول صلى الله عليه وسلم على ما دل عليه القرآن الكريم، وكلاهما وحي من الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم، من أن فقد الإيمان أو ضعفه هو السبب الرئيس في ارتكاب الجرائم..
كما في حديث أبى هريرة، رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه فيها أبصارهم وهو مؤمن)). [البخاري (8/13) ومسلم (1/86)].
دل هذا الحديث أن الذي يرتكب الجريمة، لا يكون عنده إيمان يحجزه عن ارتكابها في ذلك الوقت..
ومعنى هذا أنه لا يرتكبها إلا أحد شخصين:
إما فاقد الإيمان وهو الكافر.. وإما من ضعف إيمانه ضعفاً شديداً، لا يقوى على صد صاحبه عن ارتكاب الجريمة..
وقد سبق أن نفي الإيمان عن المؤمن المرتكب للمعصية، هو نفي لكمال الإيمان الواجب، وليس نفياً لأصل الإيمان..
وفى حديث أبى شريح، رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن)) قيل: ومن يا رسول الله؟ قال: ((الذي لا يأمن جاره بوائقه)). [البخاري (7/78) ومسلم (1/68) والبوائق الغوائل والأذى].
وإذا فقد الإيمان الذي يحجز صاحبه عن المعاصي وارتكاب الجرائم، لم يأمن الناس من فُقِد منه على أنفسهم وأعراضهم وأموالهم، لأنه يكون خائناً، كذاباً، غداراً، فاجراً..
كما ثبت عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق، حتى يدعها: إذا أؤتمن خان، وإذا حدث كذب وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر)). [البخاري (1/14) ومسلم (1/78)].
وإن الواقع ليؤيد ما دلت عليه هذه النصوص القرآنية والأحاديث النبوية، وهو أننا نرى أفراداً من الكفار يعيشون في بلاد الكفر يرتكبون كل الجرائم.. فإذا ما هدوا إلى دين الله فدخلوا فيه، انقلبت حياتهم من حياة الإجرام إلى حياة الطاعة والسعادة، وأصابت أهليهم وأصدقاءهم الدهشة من هذا التحول العجيب عندهم..!!
كما أننا نشاهد كثيراً من الفاسقين من أبناء المسلمين الذين ضعف إيمانهم، يأخذون في اقتحام أبواب الشهوات لارتكاب شتى المعاصي والاعتداء على حقوق الله وحقوق خلقه، وعجزت عن ردعهم السلطات المسؤولة في الدول، كما عجزت عن إصلاحهم المؤسسات الاجتماعية والمسماة بالإصلاحية، وضاقت من إجرامهم المجتمعات..
ولكن إذا نزلت هداية الله في قلوبهم، ورجعوا إلى الله تعالى فقوي إيمانهم، رأيت منهم سلوكاً آخر كأنه سلوك الملائكة، من الوقار والزهد وبذل الخير والبعد عن المعاصي، وأصبحوا من قادة المصلحين في الأرض، بعد أن كانوا من قادة المفسدين المخربين..!!
فما سبب هذا الانقلاب العجيب غير أن الكافر الذي كان كفره يدفعه إلى الإجرام أصبح ـ بعد إيمانه ـ يدفعه هذا الإيمان إلى الإصلاح، والفاسق الذي كان ضعيف الإيمان يدعوه فسقه إلى المنكرات، أصبح إيمانه القوى يقوده إلى الخيرات؟!
إن الإيمان الحق لهو أصل الطاعة والخير والسعادة في الدنيا والآخرة..
وإن الكفر لهو أصل المعصية والشر والشقاء والإجرام، ولضعيف الإيمان نصيبه من الإجرام بمقدار ذلك الضعف..
وبهذا يعلم فساد اضطراب من يسمون بعلماء الإجرام في أسباب الجريمة، وردها إلى عوامل جغرافية، أو وراثية، أو بيئية، أو نفسية أو جسمانية، أو اجتماعية، أو غيرها، وتناسيهم لأهم عواملها وهو فقد الإيمان أو ضعفه في النفوس..
ونحن لا ننكر أنه يمكن أن توجد أسباب فرعية لارتكاب الجريمة مما ذكروا، ولكننا ننكر أن تكون أسباباً مستقلة كما زعموا..
ونرى أن السبب الأول هو الكفر الناشئ عن الهوى وهكذا ضعف الإيمان..
وصدق الله تعالى إذ يقول: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} . [سورة العصر].
إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن:
الأصل في فعل الطاعات وأعمال الخير، والوقاية من الجرائم والمنكرات، هو غرس الإيمان في النفوس، والتزكية الربانية بقراءة القرآن الكريم بتدبر وفقه وتطبيق عملي، وكذلك العناية بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، واتباعه بفعل ما أَمَر وترك ما نَهَى، والسمع والطاعة له في المنشط والمكره.. وفيما سبق من مباحث هذا الكتاب مع ما فيه من اختصار كفاية إن شاء الله.
ولكن كثيراً من الناس، وإن كانوا يؤمنون بالله ورسوله في الجملة، تغلبهم نفوسهم الأمارة بالسوء، وتستهويهم الشهوات، وتسيطر على تصرفاتهم أهواءهم، ويغويهم الشيطان، فإذا وُعِظوا صموا آذانهم عن سماع الموعظة، وإذا أُمِروا بالمعروف تمادوا في تركه، وإذا نُهُوا عن المنكر بالغوا في ارتكابه.
فيعتدون على الأعراض وينتهكون الحرمات، وينهبون أموال الناس بالسرقة أو إخافة السبيل، ويقتلون النفس التي حرم الله بغير حق، ويتعاطون شرب المسكرات..
إن أمثال هؤلاء الذين يصرون على العدوان وارتكاب الجرائم، ولا يستجيبون للنصح والتوجيه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا يحسم مادة شرهم إلا تطبيق شرع الله تعالى الرادع، وهو إقامة الحدود والتعازير، وتنفيذ القصاص.
ولا يجوز أن تأخذ المسلمين فيهم رأفة في دين الله تعالى، كما قال عز وجل في السارق: { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)} . [المائدة].
وقال في مرتكبي الزنا: { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ (2)} . [النور].
وعندما شفع أسامة بن زيد عند الرسول صلى الله عليه وسلم، في المرأة المخزومية التي أمر بقطع يدها، عندما سرقت، غضب صلى الله عليه وسلم غضباً شديداً، وقال: ((والذي نفسي بيده لو كانت فاطمة بنت محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ لقطعت يدها)). [صحيح البخاري، برقم (3288) وصحيح مسلم، برقم (1688)].
وفي هذا الحسم تبدو رحمة الله تعالى بعباده في الأرض، حيث شرع ما يحمي دينهم ونفوسهم وأموالهم وأعراضهم، ويمنحهم الأمن والاطمئنان في حياتهم.
والذين لا يزجرهم عن جرائمهم الإيمان وما يثمره من الخير، لا بد من زجرهم بما شرعه الله في القرآن وكلف الله تطبيقه من ولي أمور الأمة من الحكام، ولهذا قال عثمان بن عفان رضي الله عنه: "إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن".
وهذا يبين حكمة أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم ـ وهو في مكة ـ أن يدعوه بأن يمنحه الله تعالى قوة ينفذ بها شرعه على من عصى وتمرد، كما قال تعالى: { وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَاناً نَصِيراً (80)} . [الإسراء].
قد ساق ابن كثير رحمه الله ما قاله العلماء في تفسير هذه الآية فقال: "قال الحسن البصري في تفسيرها: وعده ربه لينزعن ملك فارس وعز فارس وليجعلنه له، وملك الروم وعز الروم وليجعلنه له.
وقال قتادة فيها: إن نبي الله صلى الله عليه وسلم، علم أن لا طاقة له بهذا الأمر إلا بسلطان، فسأل سلطاناً نصيراً لكتاب الله، ولحدود الله، ولفرائض الله، ولإقامة دين الله.
فإن السلطان رحمة من الله جعله بين أظهر عباده، ولولا ذلك لأغار بعضهم على بعض، فأكل شديدهم ضعيفهم، قال مجاهد سلطاناً نصيراً حجة بينة. واختار ابن جرير قول الحسن وقتادة وهو الأرجح؛ لأنه لا بد مع الحق من قهر لمن عاداه وناوأه.
ولهذا يقول تعالى: { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25)} . [الحديد].
وفي الحديث ((إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن)) أي ليمنع بالسلطان عن ارتكاب الفواحش والآثام، ما لا يمتنع (عنه) كثير من الناس بالقرآن، وما فيه من الوعيد الأكيد والتهديد الشديد وهذا هو الواقع". [تفسير القرآن العظيم، بتحقيق سامي بن محمد السلامة، نشر دار طيبة للنشر والتوزيع (5/111)، سبق أن هذا أثرٌ رُويَ عن عثمان بن عفان رضي الله وليس مرفوعاً إلى النبي ‘].
وقال ابن تيمية رحمه الله: "الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر لا يتم إلا بالعقوبات الشرعية، فإن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، وإقامة الحدود واجبة على ولاة الأمور، وذلك يحصل بالعقوبة على ترك الواجبات وفعل المحرمات.
فمنها عقوبات مقدرة مثل جلد المفتري ثمانين وقطع السارق، ومنها عقوبات غير مقدرة قد تسمى التعزير، وتختلف مقاديرها وصفاتها بحسب كبر الذنوب وصغرها، وبحسب حال المذنب وبحسب حال الذنب في قلته وكثرته..". [مجموع الفتاوى (28/107].
والمعروف أن هذا النص "إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن" مروي عن عثمان رضي الله عنه، وليس مرفوعاً إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن معناه مؤيد بنصوص أخرى في القرآن والسنة، والواقع يدل على ذلك.
وأمر الله تعالى المسلمين بتطبيق غالب الأحكام العامة، إنما تقوم به الأمة عن طريق أولياء أمورها، مثل إقامة الحدود وتنفيذ القصاص.
وقد بينت ذلك في كتاب (الحدود والسلطان).
كان تبييض هذا الكتاب، بتاريخ 4/1/1405هـ في المدينة النبوية في حي قباء
ثم يسر الله تعالى لي مراجعة الكتاب، وتصحيح بعض الأخطاء فيه، مع إضافات موضوعات أخرى في بعض المباحث.
وكان الفراغ من هذه المراجعة، في يوم الأحد الخامس عشر من شهر ربيع الثاني، من عام 1424هـ ـ الخامس عشر من شهر يونيو، من عام 2003م في منزلي بالمدينة.
ثم أكملت مراجعته ليلة السبت 25/ربيع الآخر/1428هـ ـ 12/مايو/ 2007م وأضفت إليه بعض الموضوعات، وحذفت ما لم أرَ لبقائه حاجة ماسة.
وصلى الله وسلم على سيدنا ونبينا وحبيبنا محمد.. وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين..
وسبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.




السابق

الفهرس

التالي


15322068

عداد الصفحات العام

2012

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م