﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ۝٥١ فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ ۝٥٢ وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ ۝٥٣﴾ [المائدة ٥١-٥٣]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


وأحب أن أبين لكم في هذه الأمور المسائل الآتية:

وأحب أن أبين لكم في هذه الأمور المسائل الآتية:
المسألة الأولى: ما دمنا قد اتفقنا على أن هذا لقرآن وحي من الله على عبده ورسوله محمد، صلى الله عليه وسلم، فيلزمنا أن نصدق كل ما جاء فيه، وقد نص القرآن الكريم أن اليهود حرفوا كتابهم، وأن النصارى حرفوا كتابهم كذلك.
بعض النصوص الدالة على ما ذكر.
وإليك بعض الآيات التي نصت على ذلك:
1-في الآية (46) من سورة النساء ذكر الله تعالى أن اليهود حرفوا وبدلوا، فقال تعالى: {مِنْ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمْ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً}. ويمكنكم مراجعة تفسيرها.
2-وفي سورة المائدة آيات (13، 14، 15) ذكر الله تعالى تحريف أهل الكتاب، وتركهم حظاً مما ذكروا به، وأنهم أخفوا عن الناس ما جاء الرسول صلى الله عليه وسلم ببيان كثير منه، وأنهم مستمرون في الخيانة، فقال تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (13) وَمِنْ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمْ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (14) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنْ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ}.
3-وفي سورة المائدة أيضا آية (41) ذكر تعالى أن من اليهود من يحرفون الكلم فقال تعالى: {وَمِنْ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا}.
وفي سورة البقرة آية (75) ذكر أن فريقاً من بني إسرائيل - وهم أحبارهم - كانوا يحرفون كلام الله بعد أن عقلوه وعلموه، فقال تعالى: {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}.
5-وقال تعالى في نفس السورة، آية (79): {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ}.
6-وذكر الله تعالى أن أهل الكتاب يكتمون الحق، ويلبسون الحق بالباطل، فقال في سورة آل عمران الآيات (70-71): { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (70) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}.
7-وذكر تعالى في سورة الأنعام آية (91) أن أهل الكتاب وبخاصة اليهود، كانوا يخفون الحق الذي جاء به موسى عليه السلام، وكانوا بدلاً من بيانه يكتبون تحريفهم وكذبهم في قراطيس - أي ورق - ويظهرون ذلك للناس ويقولون لهم: إنه من عند الله، قال تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ قُلْ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ}.
8-وقد ذكر الله تعالى في سورة المائدة آية (48) أن القرآن الكريم هو الذي يصدق الكتب التي قبله، وهو الذي يهيمن عليها، فما شهد له القرآن أنه حق فهو حق، وما شهد بكذبه أو بطلانه فهو كذب وباطل، فقال تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ}.
ولعل هذه الآيات كافية في إثبات أن أهل الكتاب حرفوا كتابهم، اليهود والنصارى جميعاً.
يضاف إلى ذلك أن الخلاف شديد بين الكتب الموجودة لدى اليهود والنصارى، ولا يوجد برهان على أن الكتب الموجودة بين أيديهم، هي من كلام الله الذي أنزله على موسى وعيسى عليهما السلام.
أما القرآن الكريم، فهو كلام الله، كما نص الله على ذلك في آيات منه، وذكر تعالى أنه حفظه من التحريف، وأمة محمد، صلى الله عليه وسلم، مجمعة أن هذا القرآن هو الذي نزل على الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا زال صغار المسلمين و كبارهم يحفظونه في صدورهم، بحيث لو حاول أحد في مشارق الأرض أو مغاربها تبديل آية أو كلمة منه، لصححوا ذلك في أسرع وقت وبينوه.
المسألة الثانية: فيما يتعلق بولادة عيسى عليه السلام، فقد دل القرآن الكريم، أن ولادته ليست كولادة كل الناس، أي إنه لم يكن له أب، وإنما خلقه الله تعالى في رحم أمه بقدرته، وقوله له: كن فكان.
ودلالة القرآن على ذلك من وجوه:
الوجه الأول: أن مريم عليها السلام، عندما جاءها الملك وتمثل لها في صورة بشر، وأخبرها بأنه سكون لها ولد، تعجبت من وجود ولد لها، وهي لم يمسسها بشر - أي لم يجامعها زوج كما هو معروف في إنجاب الذرية، وهي الطهور العفيفة البعيدة عن ريبة الوقوع في الفاحشة - فأخبرها الملك أن الله تعالى قال ذلك، وأنه يسير هين عليه، لأنه على كل شيء قدير، قال تعالى في سورة مريم (20،21): {قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُنْ بَغِيّاً (20) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْراً مَقْضِيّاً}.
الوجه الثاني: أن قوم مريم عندما جاءت تحمل عيسى عليه السلام تعجبوا من ذلك، وأنكروا عليها، كيف تأتي بولد بدون أب وهي من أسرة طاهرة، فلا أبوها كان رجل سوء، ولا أمها كانت زانية، وليس لها زوج - وكانوا يعرضون بزناها -، فأحالتهم على عيسى، فأنطقه الله وكلمهم، وهو صغير، ليبرئها الله بذلك مما دار بخلد القوم، كما قال تعالى في سورة مريم نفسها (27-34): { فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً (28) فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً (29) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِي الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ ‎وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً (31) وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً (32) وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً (33) ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ }.
الوجه الثالث: أن الله تعالى سمى عيسى عليه السلام كلمته - وهي تعني أنه قال له: {كن} فكان. وتسميته بذلك تدل على ما دلت عليه الآيات المذكورة في سورة مريم السابقة، قال تعالى في سورة النساء (171): { إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ}.
المسألة الثالثة: ما يتعلق بقتل عيسى عليه السلام أو صلبه. نص القرآن الكريم على أنه لم يقتل ولم يصلب، وأن الذي قتل وصلب رجل آخر ألقى الله عليه الشبه بعيسى عليه السلام، فقتله اليهود وصلبوه، ظناً منهم أنه عيسى، ولم يكن كذلك، والرواية الأخرى التي ذكرتموها توافق ذلك، ففي سورة النساء آيات (156-158) كذب الله أهل الكتاب في افترائهم على مريم بأنها زنت، وفي قولهم إنهم قتلوا عيسى عليه السلام وصلبوه، وبين تعالى أنهم إنما قتلوا وصلبوا رجلاً آخر شبه لهم بعيسى عليه السلام، وذكر تعالى عدم علمهم بأن القتيل الصليب هو عيسى عليه السلام، وأن زعمهم أنه هو، إنما هو اتباع للظن - أي الشك - وأكد تعالى نفي قتله وصلبه بوصف ذلك النفي باليقين، فقال تعالى: {وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً (156) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً}.
فالآيات صريحة أن عيسى عليه السلام، لم يقتل ولم يصلب، وأن الذين ادعوا قتله وصلبه، لا علم لهم، بل قالوا ذلك عن شك، وأن عدم قتله يقين لا ريب فيه.
المسألة الرابعة: وهي أن عندكم تردداً في معنى كون الرسول صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، هل المراد كما يختم المزارعون زجاجات صادرات مبيعاتهم، بحيث تكون مجموعة من تلك المبيعات متميزة عما يأتي بعدها، أو أنه فعلاً خاتم الأنبياء، ولا ينتظر أن يأتي بعده نبي؟
وأقول لكم: إن المعنى الثاني هو المقصود، وقد أكد الرسول صلى الله عليه وسلم أن المراد به آخر الأنبياء في أحاديث صحيحة.
والآية التي ذكر فيها أنه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين هي آية الأحزاب (40)، وهي قوله تعالى: { مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً }.
فأما الأحاديث فهي صحيحة وصريحة في أنه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، لا نبي بعده.
فقد شبه نفسه مع الأنبياء عليه وعليهم الصلاة والسلام، ببيت جميل اكتمل بناؤه، ما عدا موضع لبنة فيه، وأنه صلى الله عليه وسلم هو تلك اللبنة التي أصبح البناء بها كاملا لا نقص فيه بوجه من الوجوه، وفسر ذلك بقوله: إنه خاتم النبيين.
كما في حديث أبي هريرة، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن مثلي ومثل الأنبياء قبلي، كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله، إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون به ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة؟ قال: فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين)). [صحيح البخاري (4/162)، و2 (4/1790)].
وفي رواية: ((فأنا موضع اللبنة، جئت فختمت الأنبياء)). [2].
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه - أيضاً - وهو من أحاديث الشفاعة يوم الحشر، عندما يطلب الناس من الأنبياء أن يشفعوا لهم، فيذهبون إلى آدم عليه السلام وهو أول نبي، فيأمرهم بالذهاب إلى نوح عليه السلام، ويأمرهم نوح أن يذهبوا إلى إبراهيم عليه السلام، ويأمرهم إبراهيم أن يذهبوا إلى موسى عليه السلام، ويأمرهم موسى أن يذهبوا إلى عيسى عليه السلام، فيأمرهم عيسى أن يذهبوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم أجمعين، فيأتون محمداً، ويقولون: يا محمد أنت رسول الله وخاتم الأنبياء.. [ولو كان يوجد نبي بعده كان خاتم جميع الأنبياء لما صح هذا الإطلاق، وإذا كان هذا يقال في يوم القيامة الذي انتهت به الرسالات والتكاليف، فكيف يصح أن يقال إن ختم الرسول ( هو ختم نسبي لمجموعة من الأنبياء، وذلك لا يمنع من وجود رسل بعده يختمهم نبي آخر؟‍ والحديث في 2 (1/184)].
وفي حديث آخر: ((وختم بي النبيون)). [2: (1/371)].
وإذا كان النبيون قد ختموا به فإنه لا يأتي بعده نبي.
ومن الأحاديث الصريحة في أن المراد بخاتم النبيين آخرهم نفيه صلى الله عليه وسلم الثابت في حديث أبي هريرة، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وأنه لا نبي بعدي، وسيكون خلفاء فيكثرون....)) فلا يأتي بعده أنبياء وإنما خلفاء. [الترمذي: 4/499)
، وقال: حديث حسن صحيح، وأبو داود (4/450-452)].
وأورد الإمام أحمد أحاديث في كونه صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء، [المسند (2/ 398، 412)، (3/ 248)، (4/81، 84)، (5/ 278)]. ويظهر من العبارة الواردة فيها أن الأنبياء كلهم مثل الوعاء وأن ذلك الوعاء ختم به صلى الله عليه وسلم.
وراجع تفسير ابن كثير لآية (40) من سورة الأحزاب، فقد ساق أحاديث كثيرة في هذا الباب.
هذا، ومن المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم بُعث إلى العالمين، فما من جيل يوجد على ظهر الأرض إلى يوم القيامة، إلا كان مأموراً بالإيمان به صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى في سورة الفرقان آية (1): { تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً }.
وقال تعالى في سورة الأعراف (158) : { قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً }.
ثم إن هذا القرآن فيه ما يغني الأمم كلها إلى يوم القيامة، وقد وصفه الله تعالى في آيات كثيرة أنه هدى للناس، كما قال تعالى في أول سورة البقرة: { الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ }.
وقال تعالى في سورة الإسراء (9): {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}.
وقد فصل الله سبحانه وتعالى في دين الإسلام كل ما يحتاج إليه البشر في حياتهم، ولهذا قال تعالى في سورة المائدة (3): {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً } .
وقال تعالى في سورة آل عمران، آية: (19): { إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ }.
وقال في السورة نفسها، آية (85): {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ }.
أرجو أن تكون هذه الأدلة كافية لبيان أن الرسول صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء أي آخرهم جميعاً، ولا مانع من أن نفهم بأنه شبيه بختم الإناء، ويكون الأنبياء كلهم كإناء واحد ختم هذا الإناء بمحمد صلى الله عليه وسلم، كما شبههم بالبيت الجميل الذي بقي في موضع منه لبنة، فكان هو صلى الله عليه وسلم تلك اللبنة التي اكتمل بها ذلك البناء الجميل.
المسألة الخامسة: أما الكتاب الذي ذكرتموه، وهو ترجمة: (مارمادوك بيكثال) فلا أعرف عنه شيئاً، وسأسأل عنه فإذا وجدت عنه معلومات أخبرتكم به إن شاء الله.
المسألة السادسة: أما آية سورة الممتحنة (11) وهي قوله تعالى: { وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ }.
فخلاصة الكلام فيها أنه عندما حصلت هدنة - أي وقف الحرب بين المسلمين والمشركين مؤقتاً - كان من حكم الله تعالى أنه إذا جاء بعض نساء المشركين مهاجرات إلى المسلمين، وجب على المسلمين إبقاءهن عندهم، وتعويض أزواجهن من المشركين مهورهن، وإذا ذهبت نساء المسلمين مرتدات إلى المشركين، وجب على المشركين دفع مهورهن لأزواجهن المسلمين.
هذا المعنى سبق في الآية العاشرة من السورة، فقبل المسلمون حكم الله، ولكن المشركين لم يقبلوا ذلك، وأبوا أن يدفعوا للمسلمين مهور زوجاتهم إذا ذهبن إلى مكة، فأمر الله المسلمين في الآية الحادية عشرة من السورة، أنهم إذا عاقبوا المشركين بقتالهم وغنموا من الكفار عامة في المعارك أموالاً فيئاً أو غنيمة أن يدفعوا إلى المسلمين الذين ذهبت أزواجهم ولم يعطهم الكفار عوضاً من مهر أو نفقة مما أنفقوه على الزوجة المرتدة، ما أنفقوا من الأموال التي منحها الله للمسلمين، بدلاً من المال الذي كان يستحقونه من المشركين.
وأرجو أن يكون هذا المعنى مفهوماً.
ويمكن مراجعة خلاصة ذلك في كتاب (جامع البيان عن تأويل آي القرآن) لابن جرير الطبري. [(28/74-77). مطبعة مصطفى الحلبي، مصر الطبعة الثانية]. ونفس الآية في تفسير القرطبي.
وأخيراً فإني قد اضطررت إلى أن أطيل في هذا الخطاب لأن فيه أمورا مهمة جداً، تتعلق بأصول الإسلام، وأرى من واجبي أن أبين لكم ما هو الحق، بحسب ما يفتح الله به علي، وما ييسره الله لي من الاطلاع على الأدلة، وما بينه العلماء في ذلك، وأرجو إشعاري برأيكم بعد قراءة هذا الخطاب فيما ذكر فيه.
وأنا أطمع أن يوفقك الله للتفقه في الدين والدخول في الإسلام، والأخذ بأصوله وفروعه الواضحة، حتى تلقى ربك تعالى وهو راض عنك، وأنا ليس من عادتي أن أكاتب الناس، ولكني وجدت نفسي في غاية الشوق والرغبة في مكاتبتك، لأني أشعر بأنك تريد معرفة الحق.
وأسأل الله لي ولك وللمسلمين كلهم، وبخاصة النرويجيين الهدى والتوفيق.
وأرجو إذا كان عندكم عنوان الأخ أبي يوسف ورقم هاتفه أن تخبروني بهما، وبلغوه سلامي هو وكل المسلمين من طلابكم في الجامعة.

د.عبد الله بن أحمد قادري الأهدل
1 - صحيح البخاري (4/162)، وصحيح مسلم (4/1790)
2 - صحيح مسلم
3 - ولو كان يوجد نبي بعده كان خاتم جميع الأنبياء لما صح هذا الإطلاق، وإذا كان هذا يقال في يوم القيامة الذي انتهت به الرسالات والتكاليف، فكيف يصح أن يقال إن ختم الرسول ( هو ختم نسبي لمجموعة من الأنبياء، وذلك لا يمنع من وجود رسل بعده يختمهم نبي آخر؟‍ والحديث في صحيح مسلم (1/184)
4 - صحيح مسلم: (1/371)
5 - الترمذي: 4/499)، وقال: حديث حسن صحيح، وأبو داود (4/450-452)
6 - المسند (2/ 398، 412)، (3/ 248)، (4/81، 84)، (5/ 278)
7 - (28/74-77). مطبعة مصطفى الحلبي، مصر الطبعة الثانية



السابق

الفهرس

التالي


11543269

عداد الصفحات العام

727

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م