﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ۝٥١ فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ ۝٥٢ وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ ۝٥٣﴾ [المائدة ٥١-٥٣]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


الإيمان باليوم الآخر عند جارودي!

الإيمان باليوم الآخر عند جارودي!
قلت: سمعت أن لجارودي رأياً في الإيمان باليوم الآخر وما فيه من جنة ونار ونعيم وعذاب، وهو عند المسلمين ركن من أركان الإيمان الذي لا يصح الإسلام بدونه، أرجو أن أسمع من جارودي ما يعتقده في هذا الأمر؟
فقال: بالنسبة لله عز وجل، اللحظة التي خلقنا فيها أول ما خلق العالم، واللحظة التي نعيش فيها الآن، ولحظة الوقوف بين يديه يوم البعث والنشور هي بالنسبة لله لحظة واحدة.
وفهمه - أي جارودي - للحياة الآخرة أنه في هذه الحياة الدنيا، الناس قد ينجح واحد ويكون غنياً ويمسك دولة ويقيم نظاماً، لكن هذا لا يعني أنه نجح حقيقة في مقياس الله، فمقاييس الله في وزن الناس هي معنى اليوم الآخر، وعندما يقول الله: اخشوني ليس معناه أنا نخشى الله بالضرب، وإنما معناه أن نخشى أن نغضب الله، هذا هو الحب لله عز وجل، والإمام الغزالي شرح هذا المعنى بشكل رائع في الكتاب السادس والثلاثين من كتابه: إحياء علوم الدين، وهذا الكتاب يتعلق بحب الله، وهو من أروع ما قرأ في هذا المعنى.
قلت: حب الله صحيح، يحب لأنه يستحق ذلك، ولكن اليوم الآخر هو غير الدنيا، وفي الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، ونصوص القرآن تدل على أن اليوم الآخر هو غير الحياة الدنيا، وفي اليوم الآخر يجازى الناس بأعمالهم خيراً كانت أو شراً، وهذا هو الذي فهمه المسلمون من القرآن والسنة، وليس مجرد فهم مستنبط وإنما هو قطعي في دلالته وثبوته، ولا إيمان لمن لم يؤمن به.
قال: كل ما نحكيه نحن الآن عن الله عز وجل وعن الجنة والنار هي أمثلة ـ خيالية ـ وليست حقيقية، لأني مهما أقول في الله عز وجل بمفهومي أنا، فالله ليس كذلك، وحبي له غير حبي لزوجتي.
قلت: الأشياء التي في الدنيا تختلف عن الأشياء التي في الآخرة تماماً، وليست كما نرى أو نفهم، ولكن اليوم الآخر وما فيه من جنة ونار حقيقة.
قال: الجنة والنار هنا في الدنيا، الإمام الغزالي، قال: الجنة والنار في الحياة الدنيا، فالجنة تشعر بها عندما تسير في طريق الله، قلت - وكان هو مستعجلاً يريد أن يذهب لموعد في الإذاعة -: هذه المسألة سيطول البحث فيها، ولكن أرجو أن يراجع كلام الغزالي وغيره في هذه المسألة، لأني أعتقد أنه فهم خطأ من بعض عبارات الصوفية التي نقلها الغزالي، ومن ذلك كلام لرابعة العدوية سيأتي إن شاء الله ذكره.
قال: إنه قرأ في كتاب الغزالي أن رابعة العدوية قالت: أنا أعبد الله عز وجل لا طمعاً في جنته ولا خوفاً من ناره، وإنما حباً له.
قلت له: هذا كلام ناس يصيبون ويخطئون، والقرآن والسنة يدلان على خلاف هذا الفهم أو الاعتقاد، وهم لا يقصدون من هذا أنه لا توجد جنة ولا نار، ولكن يقصدون أنهم من شدة إخلاصهم لله فإنهم يعبدونه حباً له بصرف النظر عن الجنة والنار.
قال: بالنسبة لله لا يوجد قبل وبعد.
قلت: ولكن بالنسبة لنا يوجد قبل وبعد.
قال: إن الإنسان من روح الله، نفخ فيه من روحه، ونحن نحمل في أنفسنا الجنة والنار، فإذا شعرت أن الله عز وجل تخلى عني، معناه أنا في النار، أشعر بهذا فوراً، ولكن ليس بالتصور الذي يظنه المسلمون أنه بعد الموت توجد نار. يُضرب الإنسان إذا أذنب في الدنيا، وإذا عمل طيباً يدخل الجنة.
قلت له: هذا تصور شاذ عند علماء الإسلام، والنصوص كثيرة في الكتاب والسنة توضح فرض الإيمان باليوم الآخر، كيف يكون إيمانك بها على هذا التصور؟
قال: الله يحاسب الإنسان ويعاقبه ابتداء من هذه الحياة إذا ابتعد عن الله، وإذا مشى في طريق الله فهو في الجنة من الآن يبدأ هذا.
قلت: ما رأيك في الظلمة من الملوك والجبابرة الذين يظلمون الناس في الأرض ويموتون قبل أن يؤخذ منهم حق المظلومين، متى يعاقبون؟
قال: الله معنا في كل لحظة يراقبنا على كل صغيرة وكبيرة، وبعض الناس يصورون الجنة بأن فيها نساء جميلات لهن عيون كبيرة وخمر من نوع خاص. [1].
قلت: هذا هو الذي ذكره القرآن فماذا تقول فيه؟
قال: الله يقول: {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه}. فيعطيهم صوراً من مجتمعهم حتى يفهموا.
قلت: تعني ذلك خيال، وليس حقيقة؟
قال: إذا كنت لا أطيع الله إلا لأني أريد عيون النساء والخمر اللذيذة فأنا أصبحت عبداً لشهوتي.
قلت: بل أعبد الله وأطمع في ثوابه الذي وعدني به.
قال: أنا أتصور أني محب لله، ولست عبداً للنساء والخمر التي ألقاها في الآخرة.
فالإسلام والقرآن يرفضان قضية العبودية لغير الله.
قلت: أنا أطلب من جارودي وأكرر مرة أخرى أن يراجع نفسه في هذا الموضوع، لأنه يخالف نصوص القرآن والسنة (ثم احتدم النقاش بين جارودي والمترجم ثم قال لي جارودي) ـ: أريد منك أن تراجع القسم الذي كتبه الغزالي.

النقاش بين جارودي والمترجم


قلت: الغزالي لا يقصد هذا الذي فهمته، وهو يثبت الجنة والنار، ولكن ينقل عن بعض الصوفية كلاماً يحثون فيه على الإخلاص لله ويبالغون في عباراتهم، فيقولون: إنهم لشدة إخلاصهم له وحبهم له يعبدونه بصرف النظر إلى الجنة والنار.
قال: إن الغزالي قال أكثر من ذلك، قال: ينبغي أن يعبد الناس ربهم حباً له، لأنهم إذا عبدوه بالخوف من النار والطمع في الجنة يصبح المجتمع في حالة رعب...
والكاثوليك يعملون مع الناس هكذا، كل واحد مظلوم أخذت حقوقه يقولون له: ربنا يعوضك في الجنة، وهذا مفهوم خطير، ولا أريد المسلمين يقعون في هذا الفخ.
وهذا سلاح كل دولة تستعمل الدين سلاحاً سياسياً، تقول للناس مثل هذا الكلام. [2].
ويمكن أن نعطي مفهوم الجنة والنار بهذا المعنى للشعب الذي لا يمكن أن يسير في الطريق الصحيح إلا بالخوف، أما الذي يعبد الله بإخلاص فلا يحتاج إلى ذلك.
نابليون كان ملحداً وثنياً، ولكن كان يقول: إذا كان هناك شعب لا توجد فيه عدالة اجتماعية والناس يشكون ويتألمون من المشكلات، يجب أن يقال لهم: إنه يوجد عالم آخر ستكون فيه التعويضات والحقوق حتى يهدءوا.
قلت: كلام الناس شئ وكلام الله شئ آخر، الله سبحانه وتعالى كرر ذكر اليوم الآخر في القرآن ما لا يحصى كثرة مع ذكر الله، إذا ذكر الله ذكر معه اليوم الآخر، فكلام الله غير كلام الناس، كلامهم يكونون فيه متأثرين بأهوائهم، وثقافاتهم ومبادئهم، أما كلام الله فهو حقيقة يجب الإيمان به.
قال: كلام الله يجب أن لا نفهمه بالمعاني الأدبية الواضحة، وأضرب لك مثالاً برمضان، الله تعالى قال: {كلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} ولو قلت هذا الكلام لسكان الإسكيمو وفهموه على حقيقته، لمكثوا ستة أشهر صائمين حتى يموتوا من الجوع، فلا ينبغي أن نفهم القرآن بالمعنى الأدبي - يعني ما يظهر من النص المجرد - والقرآن يعطيك إشارة وحدثاً ويأمرك بالتفكير.
قلت: ولكن هذا الأمر - يعني الإيمان باليوم الآخر - كرره القرآن وأكده من أوله إلى آخره، وأكدته سنة الرسول صلى الله عليه وسلم تأكيداً شديداً، ولو كان ذكره مرة واحدة فقط كان يمكن هذا الكلام أن يجد محملاً - وإن خالف الظاهر بشرط أن تدل قرينة على إرادة غير الظاهر - ولكن القرآن كرر وأكد ووصف اليوم الآخر وصفاً دقيقاً وكذلك السنة، وهي تدل على أنه أراده الله حقيقة.
(واحتد النقاش بينه وبين المترجم، وقال: إن وقته انتهى).
فقلت له: على كل حال نشكره على حضوره، ومعذرة لأخذنا شيئاً من وقته، وهذا الموضوع يحتاج إلى زيادة بحث منه ونظر في موقفه هذا.
فقال: يجب أن تقرأ للغزالي وابن الرومي وابن عربي وابن عطاء الله، قلت لا حجة في قول أحد مع كلام الله ورسوله، ولا أظن أن هؤلاء كلهم يرون رأيك هذا، وإن وجد في عباراتهم مثل العبارة المنقولة عن رابعة العدوية، وقلت لك: إن الغزالي رحمه الله أثبت في كتابه "الإحياء" الذي زعمت أنه ينفي الجنة والنار في اليوم الآخر، وأقول لك: عليك أن تقرأ في مقابل من ذكرت لابن تيمية وابن القيم أيضاً ولجميع أهل الحديث وأئمة الفقه.
قال: ابن تيمية يفضل أن يعيش ستين سنة وهو مظلوم، على أن يعيش سنة واحدة وهو يقوم بمعارضة.
قلت: لقد قام بمعارضات وجادل وناقش كل الطوائف، ونصح الحكام وجاهد الغزاة المعتدين.
قال: إنه كان في الملتقى الفكري في الجزائر، وثار جدل عنيف بينه وبين بعض العلماء في الجنة والنار، وكانوا معه عنيفين.
قلت: أما أنا فأرجو أن يؤمن بالجنة ونلتقي أنا وهو في الجنة.
قال: إذا كان أهل الجنة مثل الغزالي وجاد الحق فإنه يفضل أن يذهب إلى النار! [3].
قلت: وهكذا يكون اتباع الهوى.
1 - الذي جاء به القرآن يقول عنه جارودي: بعض الناس يصورونه!
2 - قلت للمترجم: قل له إن هذا الفكر هو فكر إلحادي ينبع من قول الشيوعيين الماركسيين: إن الدين أفيون الشعوب واستغلال الدين شئ والحقائق التي جاء بها القرآن شئ آخر. ولكن المترجم قال: إن الوقت ضيق والأفضل أن يبعث له صورة من كلام الغزالي عن اليوم الآخر ومفهومه لهذا الأمر
3 - وعندما سمع خلاصة ما نقلته عن جارودي في العلماء الدكتور طه بن مصطفى أبو كريشة: سبب حنقه على الشيخ جاد الحق أنه كشف ما عنده من زيغ في الاعتقاد، في لقاء معه وسط جمهور كبير في قاعة الشيخ محمد عبده بجامعة الأزهر، وكنت حاضراً هذا اللقاء، وظننا أن الشيخ جاد الحق لم يحسن لقاء الرجل، ثم تبين لنا فيما بعد صدق ما أعلنه عنه، بينما كان جارودي قادماً وفي حسبانه أنه سيلقى كل تكريم من أعلى مستوى ديني في مصر، والدكتور طه بن مصطفى أبو كريشة من أساتذة كلية اللغة العربية في الأزهر، وكان أستاذاً في كلية اللغة العربية في الجامعة الإسلامية، عندما كنت عميدا لها وبعد ذلك، ثم أصبح نائبا لرئيس جامعة الأزهر



السابق

الفهرس

التالي


16485468

عداد الصفحات العام

857

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م