﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ۝٥١ فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ ۝٥٢ وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ ۝٥٣﴾ [المائدة ٥١-٥٣]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


لا أدري كيف أدعو الناس؟!

لا أدري كيف أدعو الناس؟!
الطريق إلى شانج ماي طويل استغرق الليل كله وجزءً من النهار كما سيأتي.
وقعد عبدالرحمن بن حسين، واسمه التايلندي: (أدول فونج ماني) بجانبي على سريري وأخذنا نتحدث، ورغبت كعادتي أن أعرف حياة هذا الشاب الحديث السن، فحكى لي قصة حياته:
قال: إنه نشأ يتيماً بوفاة أبيه، وأن أمه تزوجت بهندي مسلم جاء إلى بلاده قبل تقسيم الهند، ودرس عبد الرحمن في المدرسة الابتدائية الحكومية،وكان في المساء يدرس عند بعض أئمة المساجد بعض مبادئ الإسلام، ورغب في أن يلتحق بمدرسة دينية في بانكوك، فلم يتمكن من ذلك لعدم وجود من ينفق عليه وهو لا يجد شيئاً لذلك، ففاتت عليه سنة كان يعمل خلالها فلاحاً رغم صغر سنه ثم يسر الله له بعض قريباته فأنفقت عليه والتحق بالمعهد العلمي الديني.
وبعد أن تخرج من هذا المعهد هيأ الله له الالتحاق بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، ونجح بامتياز من شعبة اللغة العربية، وسجل بالمعهد الثانوي التابع للجامعة.
وقال: إنه في غاية السرور بذلك، وأنه يصل ليله ونهاره للاجتهاد في طلب العلم، ويحفظ ما يستطيع من القرآن والحديث والنصوص الأدبية، وقال: إن بلاده مليئة بالشرك والوثنية والبوذية، ولا توجد جماعة تحاول نشر الإسلام إلا جماعة التبليغ حسب فهمها للإسلام، وكثير من أعضائها ليس عندهم علم شرعي، وكثير من المسلمين متعصبون للمذاهب، وتوجد قباب على بعض قبور المسلمين، والناس يقرؤون عليها القرآن ويتبركون بها. وسكت عبد الرحمن قليلاً ثم تنهد وقال: لا أدري كيف أدعو الناس؟!

عبد الرحمن في غرفة القطار من بانكوك إلى شانجماي يقول: (أفكر كيف أدعو الناس؟) 24/11/1409هـ


قالها بحرقة وحسرة وألم وكاد يبكي عندئذ!
ما أشبه حالتينا في بداية طلبي العلم!
فنظرت إلى وجهه وتذكرت أيام صغري عندما بدأت طلب العلم وكنت احترق غيظاً من الجهل الذي كان منتشراً في بلدي ـ اليمن ـ وما يوجد بسببه من الخرافات والبدع من قبل الجهال وأرباع العلماء، وكنت في أيام الصيف أذهب من سامطة التي كنت أدرس فيها في المعهد العلمي وهي قريبة من الحدود اليمنية، إلى بلدي فأدعو إلى الإسلام بحسب ما أفهم وما أملك من أسلوب فأواجه صعاباً ومشقات، وكان أسلوبي بسبب صغر سني وقلة علمي أسلوباً شديداً لم أعرف شدته إلا بعد وقت طويل.
نظرت إلى عَيْنَيْ عبد الرحمن وأنا استحضر أيام صغري واغرورقت عيناي إشفاقاً على هذا الناشئ الصغير الذي يسأل ـ متحيراً ـ لا أدري كيف أدعو الناس؟؟!
سنه صغير وعقله مثله، وعلمه قليل، ومهمته عظيمة، حوله الشرك البوذي كالأمواج المتلاطمة، وجهل المسلمين بدينهم، وعبد الرحمن قد تعلم العقيدة الصحيحة وذاق حلاوتها، ويرى كثيراً من الناس محرومين منها، ويود لو أنهم تمتعوا بها كما تمتع بها هو، كما تعلم العمل الصالح المبني على الإخلاص لله ومتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، ويتلهف ليوصل ذلك إلى المسلمين الذين هم في أمس الحاجة إليه، ولكنه قد عرف أن كبار المسلمين هنا قد عاش صغيرهم على ما مضى عليه كبيرهم، وقد حذروه من هذه العقيدة والانصياع للمذهب الوهابي.!
ماذا يفعل هذا الناشئ في هذا الجو، هل يعمل بما تعلمه وإن بدا شاذاً بين قومه، هل يرفع يديه في الصلاة ولو أغاظ الجهال المنتسبين إلى الحنفية؟ أو يترك الرفع ولو أغاظ الشافعية [1] وهل ينصح الناس بترك ما يعتقد أنه بدعة ويفعل ما يعلم أنه سنة، وهو وحيد في المنطقة قد لا يجد له نصيراً من البشر، وقد يطردونه من البلد ويحتقرونه لصغر سنه.
فكرت في ذلك كله بعد أن سمعت تلك الكلمة: كيف أدعو الناس؟؟!
من المسؤول عن الإجابة على هذا السؤال؟
فكرت ملياً في هذا السؤال ثم قلت في نفسي: يا بني هذا السؤال يجب أن يوجه أولاً إلي أنا وإلى أمثالي من أساتذتي وزملائي المسؤولين في التربية والتعليم في الجامعات والمعاهد الإسلامية، ويجب أن تجد الجواب عن سؤالك في كل سطر تقرأه وفي كل صفحة تقلبها، وفي كل حركة يتحركها معلمك وكل نشاط تقوم به المؤسسات التعليمية، فما أصعبه من سؤال! ليس عليك وعلى أمثالك فحسب، ولكن عليّ أنا وعلى زملائي الذين لك عليهم حق الإجابة عن هذا السؤال: كيف أدعو الناس؟؟!
ستجد يابُنَيَّ من يجيبك قائلاً: قف أمام الناس واصرخ فيهم بكلمة الحق التي تعتقد، ولا تبال بأحد واصبر على ما أصابك فقدوتك الأنبياء والرسل والدعاة إلى الله، فقل للمشرك: يا مشرك، وللمبتدع: يا مبتدع، وقاطع كل من يخالف ما تعلمه، فلا تصل وراء مبتدع ولا تؤاكله ولا تشاربه ولا يرى منك إلا عبوس الوجه والهجر والإدبار حتى يقلع عن بدعته، ولو بقيت في الميدان وحدك.
وستجد من يقول لك: لا تتعب نفسك، فالناس قد ألفوا ما عندهم من شرك ـ إن كانوا مشركين ـ ومن بدع ـ إن كانوا مبتدعين ـ وسوف لا يستجيب لك أحد، وأنت صغير السن قليل البضاعة، والسلامة خير لك!!
وستجد من يقول لك كلاماً مجملاً لا تستطيع أن تطبق حقيقته لبعد مرماه وعدم وضوحه في ذهنك: عليك بالحكمة والصبر على الأذى والحكمة وضع الأمور في مواضعها!
وستجد من يقول لك: إن الذي تعلمته مذهب خامس شاذ عن بقية المذاهب الإسلامية، فعد إلى مذهب أبيك وجدك!
جالت كل هذه المعاني بذهني في وقت قصير، وتذكرت ما عانيته من مشقة في صغري ـ صغر السن وقلة العلم وعدم المرشد ـ وكنت أدعو الناس كيفما بدا لي: قاطعت إخواني وأقاربي وجيراني وهجرت الصلاة وراء أئمة المساجد، وحرَّمت على نفسي أكل لحوم ذبائح عامة الناس، لأنهم عندي كلهم مشركون ـ ولو كانوا جهالاً لم يصل إليهم البلاغ المبين إلا من علِم مثل علمي وصرَّح باعتقاد ما أعتقد، وقد نفع الله بدعوتي تلك بعض النفع، ولكن لو وجدت من يقول لي: كيف أدعو الناس لكان في ظني نفعها أعظم..
وكنت أفرح فرحاً شديداً بوجود شخص يوافقني على ما أدعو إليه، للوحشة التي كنت أعانيها من مقاطعة الناس الذين كنت أعتبرهم مشركين ومنهم إخواني أبناء أبي.
بعد هذا كله أخذت أحاول الإجابة عن سؤال عبد الرحمن، ومكثت فترة طويلة وأنا أشرح له معنى الحكمة وأضرب له بعض الأمثلة، وأبين له معنى اللين والصبر، وكيف يتصل بالشباب الذين هم في مستواه أو أكبر أو أصغر قليلاً، وما يعاملهم به من الصداقة والمودة، والتريث في نصحهم والتدرج وكسبهم بالقدوة الحسنة، ومدارسة بعض السيرة النبوية لإيجاد القوة الإيمانية فيهم ومحبة الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم النصح في المناسبات بالتدرج، وكيف يعامل الكبار من الاحترام والأدب، وعدم مناقشتهم المباشرة وبخاصة الذين يدَّعون العلم، وإنما اتخاذ أسلوب السؤال والاستشكال، وكان عبد الرحمن يصغي إلي إصغاء شديداً ويُطرق إطراق المشدوه، وينظر إليَّ بعينيه نظرة تكاد تنفذ بها إلى قلبي كما أن أذنيه تكاد تلتصق بفمي.
1 - منطقته يوجد فيها الحنفيون الصينيون والشافعية



السابق

الفهرس

التالي


15327199

عداد الصفحات العام

3493

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م