{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً (62) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً (63) } [النساء]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(011)سافر معي في المشارق والمغارب

(011)سافر معي في المشارق والمغارب

الفرع الرابع: العلم بعدل الله الكامل:

إن الله سبحانه أرسل رسله وأنزل كتبه، وهي تتضمن أخباراً وأحكاماً، فأخباره كلها صدق،
لا يتطرق إليها كذب، وأحكامه كلها عدل، لا يتطرق إليها ظلم، سواء منها ما تعلق بالدنيا من الإخبار عما وقع في الحقب الغابرة، أو ما سييقع فيها مستقبلا من المغيبات، أم ما كلَّفه الله الناس من التشريعات، أو ما يتعلق بالآخرة من الإخبار عما أعد الله فيها جملةً أو تفصيلاً، وما يجازي به تعالى خلقه من أنواع الجزاء، فإن أخباره صدقٌ عن الدنيا والآخرة، وأحكامه عدلٌ في الدنيا والآخرة، ولذلك قال تعالى عن نفسه: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(115)}[الأنعام].

قال الفخر الرازي رحمه الله في تفسير الآية السابقة: "إن كل ما حصل في القرآن نوعان: الخبر والتكليف، أما الخبر فالمراد به كل ما أخبر الله عن وجوده أو عدمه، وأما التكليف فيدخل فيه كل أمر ونهي توجه منه سبحانه على عبده، وإذا عرفت انحصار مباحث القرآن في هذين القسمين، فنقول: قال تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً} إن كان من باب الخبر، {وَعَدْلاً} إن كان من باب التكاليف، وهو ضبط في غاية الحسن" [التفسير الكبير (13/161)].

وعدله سبحانه يقتضي أن يوفى كل عامل جزاء عمله، ويقتص لكل مظلوم من ظالمه، مهما قلَّ العمل أو كثر، وجلَّ العمل أو دقَّ، فإنه تعالى قد أمر بالعدل ونهى عن الظلم، وأقام الحجة في الأرض ببيان ما هو عدل وما هو ظلم، ووعد أهل العدل بثوابه، وتوعد أهل الظلم بعقابه، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ(90)}[النحل]. وقال تعالى: {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ(29)} [الأعراف].

وقال تعالى: {وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ(47)} [الطور].
ولهذا أنذر سبحانه عباده بحسابه العادل الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، قال تعالى: {إنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً(40)}[النساء]. (.
وقال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الأَرْضِ لافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوْا الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ(54)}[يونس].

وقال تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ47)
}
[يونس].

وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ(44)}. وقال سبحانه: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً(49)} [الكهف].
قال تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ(47)} [الأنبياء].

إن تربية الإنسان من طفولته، على هذه الصفة للإله العالم القادر على كل شيء، ذي العدل المطلق، هي أعظم تربية تجعله يسعى إلى طاعة الله وترك معصيته، ومعاملة عباد الله بما شرّع الله دون تعدٍّ لحدوده.

وقوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه(8)} [الزلزلة]. أجمع ما وعد الله فيه عباده المؤمنين، أو توعد به الكفرة المجرمين، وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلم عندما ذكر أنواع الخيل: (وأنها لرجُل أجر، ولرجُل وزر)، فسئل عن الحُمُر؟ قال: (ما أنزل الله عليّ فيها إلا هذه الآية الجامعة الفاذة) وذكر آخر الزلزلة [البخاري (3/217) ومسلم (2/681 ـ 682)].

فإذا ما عرف العبد عدل الله الكامل الذي يقضي به بين خلقه، ويجازي به المحسن والمسيء، أوجد ذلك في نفسه العزم على الإكثار من طاعة ربه، وإحسان قوله وعمله واعتقاده، وعامل الناس بما يحب أن يعاملونه به، فأصبح عندهم أمينا على أنفسهم وأوالهم وأعراضهم، فلا يخشون منه بائقة تنالهم، ولا مظلمة ترهقهم.

وإنك لترى كثيرا ممن ينتسبون إلى الإسلام -وبخاصة الحكام-قديما وحديثا، الذين لم ينالوا قسطا من التربية على هذه المعاني تربية تؤثر في سلوكهم يتصرفون في الأرض تصرف من لا يؤمن بعلم الله المحيط بكل شيء، وقدرته التي لا يعجزها شيء، وعدله الذي لا يفلت منه ظالم، فتجدهم يدمرون حياة الناس ويزهقون أرواحهم ويغتصبون ضرورات حياتهم، ولو كانوا تربوا على هذه المعاني الربانية، لرغبوا في رضا الله بفعل طاعته، ورهبوا من سخطه، فتركوا معاصيه، وسلم خلق الله من ظلمهم وعدوانهم، وأمنوا على كل حقوقهم.




السابق

الفهرس

التالي


14213281

عداد الصفحات العام

1007

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م