{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً (62) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً (63) } [النساء]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(015)سافر معي في المشارق والمغارب

(015)سافر معي في المشارق والمغارب

الأحد: 1/12/1407ﻫ.

سهولة إصلاح الآلات وصعوبة إصلاح القلوب الفاسدة!

تحددت في هذا اليوم مغادرتي لـ( فيينا) إلى بروكسل، عاصمة بلجيكا، وموعد إقلاع الطائرة هو الساعة السادسة والنصف مساء. واتفقت مع الأخ معتز الذي رافقني طيلة الأيام التي قضيتها في مدينة فيينا، وقد بذل جهداً طيباً في مساعدتي جزاه الله خيراً، اتفقت معه أن نخرج من الفندق في الساعة الثانية عشرة ظهراً، للتجوال في بعض المناطق القريبة من المدينة، وهي مناطق جميلة، إذا كان الجو صحوا.

وقد أصبت في هذه الليلة بالأرق، فلم أذق طعم النوم إلا في الساعة الثانية والنصف بعد منتصف الليل، وصحوت في الساعة الرابعة والنصف صباحاً، وعدت بعد صلاة الفجر للنوم، فلم أستيقظ إلا قبيل مجيء موظف الفندق بطعام الإفطار بدقائق.

وعندما أفقت وجدت ساعتي قد فارقت روحُها جسدَها، مطموسة لا حراك بها، ولها عذرها فهذه سنتها الثالثة لم أغير لها جهاز التشغيل (البطاريات) وكنت مشغولاً لا أدري كم الوقت، ولكن مجيء الخادم بالطعام طمأنني، لأن موعده في الساعة العاشرة صباحاً. وكان الجو ممطراٍ مغيماٍ، شبيها بما بعد الفجر عندما يكون الجو صحواً.

وقد قطع هذا الجو طمعي في التجول، وغلب على ظني أن أبقى في الفندق، ولو حُسبت علي ليلة أخرى، لأن إقلاع الطائرة في السادسة والنصف، والخروج من الفندق يجب أن يكون في الساعة الثانية عشرة، والوقت المناسب للتحرك إلى المطار هو الساعة الخامسة.

فانتظرت مجيء رفيقي لتقرير ما ينبغي فعله، ويفعل الله ما يريد. وقد قلت أبياتاً بمناسبة توقف ساعتي، مقارناً بين موت ابن آدم، ومفارقة روحه جسمه، وتوقف الآلات بسبب أي خلل يطرأ عليها، وبين مفارقة الإيمان للقلوب، والتخلص من الموتى بدفنهم، وإمكان إصلاح الآلات المصابة بالخلل، وصعوبة غرس الإيمان في القلوب وإصلاح النفوس التي فقدته. وهذه هي الأبيات التي أنشأتها:

إذا فارقت روحُ ابن آدم جسمَه،،،،،،،،،،،غدا شبحا لحما وعظما وأنتنا
وصار على كل المحبين واجبا،،،،،،،،،،،،،،،،بدون تراخٍ أن يوارى ويدفنا
وإن آلةٌ يوما توقف سيرها،،،،،،،،،،فإصلاحها سهل على من بها اعتنى
ولكن إصلاح ابن آدم غاية،،،،،،،،،،،،،،،يشق على من رامه أن يمكنا
إذا فقد الإيمان واحتل قلبَه،،،،،،،،،،،،،،،،هواه فأضحى قائدا ومهيمنا

وجاء أخونا معتز في الساعة الثانية عشرة والنصف وحاسبنا الفندق، وأودعنا الحقائب عند موظفيه، وخرجنا والمطر نازل، وكنت أظن أننا بمجرد خروجنا من الفندق سنركب في سيارة النقل الجماعي إلى منزل صديق صاحبنا معتز، وهو غائب عن فيينا ومفتاح منزله عند معتز، وإذا أخونا معتز يرفع مظلته على رؤوسنا ويمشي، قلت له: ولكن المطر نازل وسيبلل ثيابنا وقد يشتد أكثر فيؤذينا، فقال: ولكنا لو انتظرنا السيارة قد نتأخر أكثر، فمشينا، وهو يسليني بقرب المكان وقد تذكرت بصنيعه صنيع أخينا السوري: همام في قصر الحمراء بغرناطة في الأندلس السليب في 16/11/1405 ﻫ. حيث مشينا معه أنا والشيخ عمر محمد فلاتة أكثر من ساعتين ونصف، وكان كلما شعر أننا تعبنا يقول لنا: قريبا ننتهي إن شاء الله.

وهكذا فعل معي أخونا السوري معتز في فيينا كما فعل أخونا السوري همام في غرناطة. فقد كنا نسير أنا ومعتز في مدينة فيينا لزيارة المسلمين، وارتياد المطاعم التي يوجد فيها الطعام الحلال، وفي السوق أحياناً عن طريق المواصلات العامة: سيارات النقل على ظهر الأرض وأخواتها في بطن الأرض، وكذلك القطارات، وكان معتز يجري بنا كما يجري الناس، وكان يلتفت إلى وأنا أجري وراءه، ويقول لي: "أرّبنا" يعني: اقتربنا من المحطة، وفي بعض الأوقات يقول: مشْيُنا أسرع لنا من الانتظار فنمشي مسافة، وعلى كل حال فقد كنت في حاجة إلى الحركة والرياضة، فحركني معتز وروضني ونفعني كثيراً في اتصالاتي، أسأل الله أن يثبته ويحقق له مرامه في دراسته وفي بلاده!.

وصلنا إلى بيت زميله مشياً، والمطر نازل، وهو يسليني برفع المظلة فوق رأسي. وكان الأخ سمير صلاح الدين قد اتصل بنا وأخبرنا أنه سيأتي إلينا ليأخذنا في سيارته لنتجول في ضواحي مدينة فيينا إلى أن يحين وقت ذهابنا إلى المطار، فانتظرناه وفي وقت الانتظار أسمعنا الأخ معتز بعض الأناشيد الدينية السورية المسجلة على شريط (كاسيت) وهي مكتبة صغيرة.


على الجبل الذي حاصر منه العثمانيون مدينة فيينا:



وجاء الأخ سمير وصعد بنا في سيارته إلى جبل في شمال غرب فيينا يسمى: ليو بولد سبيرج (LEOPOLDSBERG). ومن على قمة هذا الجبل والجبال المجاورة له حاصر الأتراك - عندما كانوا يعتزون بالإسلام - مدينة فيينا في سنة 1683م. والواقف على قمة هذا الجبل يشرف على غالب المدينة، وعلى نهر الدانوب الذي يفصل بين جنوب المدينة - وهو الغالب - وشمالها، ويرى منه المركز الإسلامي ـ الجامع الكبير ـ الذي أنفق على بنائه الملك فيصل ـ رحمه الله ـ وهو غير بعيد من نهر الدانوب وبرج الدانوب.
على جبل ليوبولد بيرك

ثم ذهب بنا الأخ سمير إلى حديقة كبيرة جداً، من الصعب على المرء أن يقطعها في فترة قصيرة، وهي مليئة بالغابات والأشجار الكبيرة التي بلغ عمر بعضها قرنين من الزمان أو أكثر، وكانت هذه الحديقة لرجل تاجر نمساوي، عندما حضرته الوفاة أهداها لبلدية فيينا، وهو صاحب بنك، وكان إهداؤه إياها في أول القرن العشرين. وبعد أن تجولنا في الحديقة رجعنا إلى الفندق، فأخذنا الحقائب وانطلقنا إلى المطار، حيث ودعني الإخوة ورجعوا وأنا دخلت إلى صالة الانتظار.

ماذا يجري؟!

جلست على أحد الكراسي المخصصة لباب ركاب طائرتنا في هذا الوقت، وبعد انتظار دام ساعة فتح الباب وخرج الناس، وانتظرت حتى خرج آخر من كانوا معي من الركاب وحملت حقيبتي وناولت الموظفة بطاقة الصعود، فقطعت القسم الخاص بها وقالت لي: انتظر، قلت: لماذا؟ فتكلمت كلاماً لا أدري ما هو؟ لأني إذا لم يكن معي رفيق يترجم لي، أصبح أعجم أبكم، إلا أنها ذكرت اسم السيارة، فظننت أن السيارة التي صعد بها الركاب قد امتلأت ونظرت إلى السيارة ولا زالت واقفة قرب الباب فرأيت أنها ستتسع لعدد من الناس، ولكني قعدت أنتظر، وبعد خمس دقائق قمت إليها وقلت لها: أريد أن أذهب، فقالت: انتظر ثلاث دقائق، وكانت تكلم شخصاً آخر بالهاتف وتنظر إلي، فقلت في نفسي: لا بد أن يكون بعض رجال الأمن حصل عندهم اشتباه في أمري بسبب لباسي العربي أو غير ذلك، فقعدت أنتظر ماذا يجري؟

وبعد قليل فتحت الباب وقد وقفت سيارة صغيرة عنده، وقالت لي وهي تبتسم: تفضل، وشككت في السيارة الصغيرة الخاصة بي، ولكن لا مناص منها، وركبت فأوصلني قائدها إلى قرب سلم الطائرة، وعرفت عندئذ أن سبب هذا التأخير الذي أقلقني هو تكريمي بالسيارة الصغيرة لأني كنت الوحيد في الدرجة الأولي.

وقد أقلعت الطائرة في موعدها المحدد: الساعة السادسة والنصف مساء 18,30 متجهة إلى الغرب متابعة للشمس التي كانت تكتسي بالسحب المتراكمة بياضاً ناصعاً، والتي كانت تحجب عنا في كثير من الأحيان الأرض التي حباها الله تعالى جمالاً، ففرشها ببساط أخضر من الغابات والمزارع، وأجرى خلالها الأنهار، وأمدها بالبحيرات، وكانت هذه كلها ترى بوضوح عندما تنقشع عنها السحب.

مسؤولية قائد القطار:

تذكرت عندما كنت في الطائرة بعض المآسي التي تحصل للعمل الإسلامي من الخلافات التي يلقيها الشيطان بين المسلمين، أو بسبب إقحام من ينصبون أنفسهم للدعوة، فيغتر بهم بعض الشباب المسلم ويسلم لهم قياده، وهم لا يريدون من ذلك إلا عرقلة مسيرة الدعوة إلى الله بجعل نفوسهم محور العمل ومصدر الأوامر والنواهي التي لا يريدون من ورائها إلا مصالحهم الشخصية، فكتبت عندئذ ما يلي:

إن في العالم شباباً مؤمناً بربه صادقاً في تدينه راغباً في دعوة الناس إلى الله، مستعداً لتنفيذ الأمر إذا أتى من أهله - في بلاد المسلمين وفي غيرها من بلدان العالم - ولكنه يوجد بجانب هذا الصنف من الشباب الصالح فئة أخرى لا ناقة لها في هذا الباب ولا جمل، تحاول ركوب متن الدعوة إلى الله لتستغلها في جلب مصالح مادية: مال ومنصب وجاه.

وقد يظهر هذا الصنف الماكر حماساً للدعوة وغيرة عليها أكثر من أهلها، حتى يخدع بذلك بعض الدعاة الصادقين أو أتباعهم السذج، فإذا تلك الفئة الدخيلة على الدعوة والدعاة تتصدر القافلة وتصدر الأوامر والنواهي، فيمضي وقت طويل، وهي تنخر في جسم مَن أحسن بها الظن ومكنها من التصدر قبل التثبت من صلاحها وكفاءاتها، فإذا هي تشق العصا وتصدع الصف، وقد يتفاقم الأمر بسبب عدم تلافيه من قبل بعض قادة المسلمين في المنظمات الإسلامية، وخروج القطار عن قضبانه يكون في الغالب من مسؤولية القائد. فعلى قادة المنظمات الإسلامية الطلابية وغيرها، أن يتفقدوا أحوال رعاياهم ويتابعوا خطواتهم ويصلحوا شأنهم ويحموهم من ذوي المكر السيئ، فإن كل راع مسؤول عن رعيته.

عاوز حاجة؟!.

عندما حجز لي على هذه الطائرة أُخبر الموظف بأن هذا الراكب مسلم، ولا بد أن يكون طعامه حلالاً، وفي الطائرة قدمت لي المضيفة طبقاً مقفلاً كتب على ظهره: طعام المسلم. وأشارت لي إلى تلك الكتابة لتطمئنني، فتناولت ذلك وكان الطعام مكونا من الأرز والسمك.

ثم أتتني بأنواع أخرى، فنظرت إلى تلك الأنواع وشككت فيها، فقلت لها: لا أريد، فغابت عني قليلاً وجاءت بزميلة لها من مضيفات الدرجة السياحية فإذا هي تقول لي: عاوز حاجة؟ باللهجة المصرية مع ثقل في اللسان، فقلت لها: ألست نمساوية؟ قالت: بلى! قلت: فكيف تتكلمين باللهجة المصرية؟
فقالت: شوية شوية أنا كنت في القاهرة في مدرسة ألمانية. قلت لها: هذا الطعام الذي أمامي هل توجد به زيوت حيوان؟ قالت: لا، ثم قالت: ألا تريد أنواعاً أخرى من الطعام والحلويات؟ فقلت لها: لا، وشكراً.





السابق

الفهرس

التالي


14217043

عداد الصفحات العام

2140

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م