{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً (62) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً (63) } [النساء]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


أصل الدين الإخلاص لله واتباع رسوله-ابن تيمية

أصل الدين الإخلاص لله واتباع رسوله-ابن تيمية



[من كتاب العبودية]



وكثير من المخطئين الذين اتبعوا اشياخا فى الزهد والعبادة، وقعوا فى بعض ما وقع فيه النصارى من دعوى المحبة لله مع مخالفة شريعته وترك المجاهدة في سبيله ونحو ذلك، ويتمسكون فى الدين الذى يتقربون به الى الله بنحو ما تمسك به النصارى من الكلام المتشابه والحكايات التى لايعرف صدق قائلها معصوما، فيجعلون متبوعيهم لهم دينا كما جعل النصارى قسيسيهم ورهانهم شارعين لهم دينا.



ثم انهم ينتقصون العبودية ويدعون أن الخاصة يتعدونها كما يدعى النصارى فى المسيح ويثبتون للخاصة من المشاركة فى الله من جنس ما تثبته النصارى فى المسيح وامه الى انواع اخر يطول شرحها فى هذا الموضع.



وانما دين الحق هو تحقيق العبودية لله بكل وجه وهو تحقيق محبة الله بكل درجة، وبقدر تكميل العبودية تكمل محبة العبد لربه وتكمل محبة الرب لعبده، وبقدر نقص هذا يكون نقص هذا.



وكلما كان فى القلب حب لغير الله كانت فيه عبودية لغير الله بحسب ذلك، وكلما كان فيه عبودية لغير الله كان فيه حب لغير الله بحسب ذلك، وكل محبة لاتكون لله فهى باطلة، وكل عمل لا يراد به وجه الله فهو باطل.



فالدينا ملعونة ملعون ما فيها إلا ما كان لله، ولا يكون لله الا ما أحبه الله ورسوله وهو المشروع، فكل عمل أريد به غير الله لم يكن لله، وكل عمل لا يوافق شرع الله لم يكن لله.



بل لا يكون لله الا ما جمع الوصفين ان يكون لله، وان يكون موافقا لمحبة الله ورسوله، وهو

الواجب والمستحب كما قال {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة

ربه احدا .}




فلا بد من العمل الصالح وهو الواجب والمستحب ولا بد ان يكون خالصا لوجه الله تعالى كما قال تعالى {بلى من اسلم وجهه لله وهو محسن فله اجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون}.



وقال النبى عليه الصلاة والسلام: من عمل عملا ليس عليه امرنا فهو رد وقال النبى صلى الله عليه وسلم انما الاعمال بالنيات وانما لكل امرىء ما نوى فمن كانت هجرته الى الله ورسوله فهجرته الى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها او امرأة يتزوجها فهجرته الى ما هاجر اليه.



وهذا الأصل هو اصل الدين وبحسب تحقيقه يكون تحقيق الدين وبه ارسل الله الرسل وانزل الكتب واليه دعا الرسول وعليه جاهد وبه امر وفيه رغب وهو قطب الدين الذى تدور عليه رحاه.



والشرك غالب على النفوس وهو كما جاء فى الحديث وهو فى هذه الأمة احفى من دبيب النمل وفى حديث آخر قال ابو بكر يارسول الله كيف ننجو منه وهو اخفى من دبيب النمل فقال النبى عليه الصلاة والسلام لأبى بكر: الا اعلمك كلمة اذا قلتها نجوت من دقة وجلة قل اللهم انى اعوذ بك ان اشرك بك وانا اعلم واستغفرك لما لا اعلم وكان عمر يقول فى دعائه اللهم اجعل عملى كله صالحا واجعله لوجهك ولا تجعل لأحد فيه شيئا.



وكثيرا ما يخالط النفوس من الشهوات الخفية ما يفسد عليها تحقيق محبتها وعبوديتها له وإخلاص دينها كما قال شداد بن اوس يابقايا العرب ان اخوف ما اخاف عليكم الرياء والشهوة الخفية قيل لأبى داود السجستانى وما الشهوة الخفية قال حب الرئاسة وعن كعب بن مالك عن النبى عليه الصلاة والسلام انه قال ما ذئبان جائعان ارسلا زريبة غنم بافسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه قال الترمذى حديث حسن صحيح.



فبين عليه الصلاة والسلام ان الحرص على المال والشرف فى فساد الدين لا ينقص عن فساد الذئبين الجائعين لزريبة الغنم وذلك بين فان الدين السليم لا يكون فيه هذا الحرص وذلك ان القلب اذا ذاق حلاوة عبوديته لله ومحبته له لم يكن شىء احب اليه من ذلك حتى يقدمه عليه وبذلك يصرف عن اهل الاخلاص لله السوء والفحشاء كما قال تعالى {كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء انه من عبادنا المخلصين}.



فإن المخلص لله ذاق من حلاوة عبوديته لله ما يمنعه من عبوديته لغيره ومن حلاوة محبته لله ما يمنعه عن محبة غيره اذ ليس عند القلب لا احلى ولا الذ ولا اطيب ولا ألين ولا انعم من حلاوة الايمان المتضمن عبوديته لله ومحبته له واخلاصه الدين له وذلك يقتضى انجذاب القلب الى الله فيصير القلب منيبا الى الله خائفا منه راغبا راهبا كما قال تعالى من خشى الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب اذ المحب يخاف من زوال مطلوبة وحصول.



مرغوبة فلا يكون عبد الله ومحبة الا بين خوف ورجاء قال تعالى اولئك الذين يدعون يبتغون الى ربهم الوسيلة ايهم اقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه أن عذاب ربك كان محذورا.



واذا كان العبد مخلصا له اجتباه ربه فيحي قلبه واجتذبه اليه فينصرف عنه ما يضاد ذلك من السوء والفحشاء ويخاف من حصول ضد ذلك بخلاف القلب الذى لم يخلص لله فانه فى طلب وارادة وحب مطلق فيهوى ما يسنح له ويتشبث بما يهواه كالغصن اى نسيم مر بعطفه اماله فتارة تجتذبه الصور المحرمة وغير المحرمة فيبقى اسيرا عبدا لمن لو اتخذه هو عبدا له لكان ذلك عيبا ونقصا وذما وتارة يجتذبه الشرف والرئاسة فترضيه الكلمة وتغضبه الكلمة ويستعبده من يثنى عليه ولو بالباطل ويعادى من يذمه ولو بالحق.





وتارة يستعبده الدرهم والدينار وامثال ذلك من الأمور التى تستعبد القلوب والقلوب تهواها فيتخذ الهه هواه ويتبع هواه بغير هدى من الله ومن لم يكن خاصا لله عبدا له قد صار قلبه معبدا لربه وحده لا شريك له بحيث يكون الله احب اليه من كل ما سواه ويكون ذليلا له خاضعا والا استعبدته الكائنات واستولت على قلبه الشياطين وكان من الغاوين اخوان الشياطين وصار فيه من السوء والفحشاء ما لا يعلمه الا الله وهذا امر ضرورى ولا حيلة فيه فالقلب ان لم يكن حنيفا مقبلا على الله معرضا عما سواه والا كان مشركا قال تعالى {فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التى فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن اكثرالناس لا يعلمون} الى قوله {كل حزب بما لديهم فرحون}.



وقد جعل الله سبحانه ابراهيم وآل ابراهيم أئمة لهؤلاء الحنفاء المخلصين اهل المحبة لله وعبادته واخلاص الدين له كما جعل فرعون وآل فرعون أئمة المشركين المتبعين اهواءهم قال تعالى فى ابراهيم {ووهبنا له اسحق ويعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا واوحينا اليهم فعل الخيرات واقام الصلاة وايتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين} وقال فى فرعون {وقومه وجعلناهم أئمة يدعون الى النار ويوم القيامة لا ينصرون واتبعناهم فى هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين}.



ولهذا يصير اتباع فرعون اولا الى ان لا يميزوا بين ما يحبه الله ويرضاه وبين ما قدر الله وقضاه بل ينظرون الى المشيئة المطلقة الشاملة ثم فى آخر الأمر لا يميزون بين الخالق والمخلوق بل يجعلون وجود هذا وجود هذا ويقول محققوهم الشريعة فيها طاعة ومعصية والحقيقة فيها معصية بلا طاعة والتحقيق ليس فيه طاعة ولا معصية وهذا تحقيق مذهب فرعون وقومه الذين انكروا الخالق وانكروا تكليمه لعبده موسى وما ارسله به من الأمر والنهى.








السابق

الفهرس

التالي


14217152

عداد الصفحات العام

2249

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م