{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً (62) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً (63) } [النساء]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(07)سافر معي في المشارق والمغارب

(07)سافر معي في المشارق والمغارب
الشيخ صهيب يستمر في إملاء المعلوملت عن المسلمين في بريطانيا.

ونبدأ الكلام بأقدم الجاليات وهي:

1 ـ الجالية العربية:

ويدهش القادم إلى بريطانيا عندما يطأ قدمه في منطقة الميناء في مدينة "كاردف"على الساحل الغربي من"ويلز" أو في مدينة "ليفربول" في الساحل الشمالي، أو في مدينة"ساوث شيلد"على الساحل الشرقي للجزر البريطانية، فيجد تجمعات كبيرة من العرب النازحين من جنوب الجزيرة العربية أو الصومال، وهم لا يزالون يحتفظون بتقاليدهم في المأكل والمشرب وانتمائهم القبلي، ولو بشيء من التحفظ، وطريقتهم في الأوراد والأذكار، كما ورثوها كابراً عن كابر وأباً عن جد.

استوطن هؤلاء المهاجرون ومعظمهم من البحارة الذين كانت تدور بهم السفن من بلد إلى آخر، فوجدوا في بريطانيا في الثلاثينات وما بعدها مرتعا خصبا وعيشا هنيئا، فألقوا عصا التسيار وجعلوها موطنا ثانيا لهم، إلا أن حنينهم إلى بلادهم لم ينقطع، كما قال الشاعر:

كم منزل في الأرض يألفه الفتى،،،،،،،،،،،،،وحنينه أبداً لأول منزل

غير أن النشء الجديد الذي ولد في هذه الديار وربي في أحضانها وترعرع بمائها ونسيمها، لم يرث من هذا الحنين إلا ذكريات قد يطويها الدهر على كر الليالي والأيام. إن بريطانيا هي موطنه، ولا تكاد تميزه عن ابن البلد إلا باللون والعادات. ويلاحظ أن عدداً كبيراً من هؤلاء المهاجرين، أحكم صلات القرابة بالأسر الإنجليزية بالزواج والمصاهرة، فاختلطت بذلك الأنساب وتغيرت في ظلها العادات، وهكذا دائما نمو الشعوب وتقلبها في الآفاق، سنة الله في الخلق ولن تجد لسنة الله تبديلا.

لا تقتصر الجالية العربية على المدن الثلاث، بل لها أعداد مماثلة في مثل مدينة شفيلد وبرمنجهام ولندن، إلا أن الأخيرة اختصت بالجالية المغربية التي تتمركز في أحياء معينة في العاصمة، ولا تزال تحافظ على لهجتها وعاداتها. ولا أعدو الصواب عندما أقول: إن للنشء الجديد مسؤولية في أعناق الكبار، فهم عرب اسما وعرقا، إلا أنهم فقدوا لغة الضاد، ويخشى أن يأتي عليهم ما أتى على المهاجرين في الأمريكتين الشمالية والجنوبية من ضياع اللغة وبعد عن الدين، وتغرب روحا ومظهرا.

2 ـ الجالية الآتية من شبه القارة الهندية والباكستانية:

يوصف المهاجرون من شبه القارة الهندية بالآسيويين، ويتنوعون لغة وجنسا، بحسب انتمائهم إلى مناطق متعددة: فالبنغاليون تمركزوا في شرق لندن بعد الحرب العالمية الثانية، بعد ما غادرها اليهود إلى مناطق أكثر تقدما وأرقى حضارة، وأوسع مكانا، كما توجد لهم تجمعات في كثير من مدن بريطانيا، وهم كسائر المغتربين، انتظموا في المصانع والمعامل، إلا أن دورهم في الإشراف على عدد كبير من المطاعم يلفت نظر كل غريب في العاصمة. وبرز فيهم في مجال الدعوة الإسلامية منظمة دعوة الإسلام بفروعها الآخذة في الانتشار في عدد من المدن البريطانية.

وحدث عن المهاجرين الباكستانيين ولا حرج، فقد شهدت هذه البلاد هجرة عارمة من الأيدي العاملة في الخمسينات وما بعدها، عندما كانت بريطانيا في حاجة إلى من ينفخ الروح في مصانعها، ويجلب لها الأرباح الطائلة، من تصدير بضاعتها إلى دول الكومنولث، وغيرها من الدول في العالم على أبخس الأجور التي رضي بها العامل.

وهكذا أسهم في النمو الاقتصادي الذي تمتعت به بريطانيا سنوات، إلى أن بدأت أسواقها تكسد، وتجارتها تنكمش من جراء منافسة حرة من الشرق والغرب. إن أفرادا من الجالية الباكستانية لمعوا في مجال صناعة الأقمشة، حتى أصبحوا يديرون مصانعها ويوفرون بذلك مجالات العمل لمضيفيهم من الإنجليز، في مثل مدينة مانشستر وما حولها من مناطق، كما برز فيهم تجار عمالقة في مثل مدينة غلاسغو وغيرها من مدن اسكتلندا.

عرفت هذه الجالية بتشييد المساجد حيثما وجدت لهم مجموعات، فيبدؤون عادة بتحويل بيت من البيوت السكنية إلى مصلى، حتى يزداد عدد المصلين ويضيق بهم المكان، فيبدءون في بناء المسجد على الطراز الإسلامي المعروف، وتشهد حاليا عديد من مدن بريطانيا مساجد لا تقل رونقا وبهاء عن الجوامع في بلاد المسلمين، بل تفوق عليها أحيانا.

وقد أتت الجالية إلى إنجلترا بجميع ما وجد في القارة الهندية الباكستانية من أفكار ومذاهب واتجاهات، وأصبحت بذلك تتجاذبها الميول المختلفة، وتتصارع في صفوفها الأفكار المتنوعة، فمن داع إلى ما ورث من أجداده من خرافات وأباطيل، ما أنزل الله بها من سلطان، ومن متشدق بفكر منكري السنة أو مناد بالتجديد.

وإزاء هذا وذاك برزت على الساحة الإسلامية جماعات قامت بجهد جهيد، للحفاظ على أصالة الفكر الإسلامي وتزويد الناشئة بشيء من المبادئ الأساسية الدينية، مثل جماعة أهل الحديث بمركزها الرئيسي في برمنجهام، وجماعة التبليغ ومن والاها من المنتمين إلى مدرسة "ديوبوند" الشهيرة، كما أن هناك عدداً من المؤسسات العلمية التي قدمت في مجال الثقافة الإسلامية أو الدراسات الدينية جهوداً لا تنكر مثل المؤسسة الإسلامية في "لستر" ودار العلوم في "بري" والوقف التعليمي الإسلامي، وجمعية القرآن الكريم ، والمركز التعليمي الإسلامي "تبرسي" في مدينة "لندن".

أما في مجال الصحافة، فقد قدمت هذه الجالية نماذج طيبة من صحف وجرائد ذات طابع إسلامي، مثل جريدة "أمباكت" الصادرة من لندن، ومجلة الصراط المستقيم باللغتين التي يشرف عليها المركز الإسلامي في برمنجهام، ومجلة "هلال" التي تصدر تحت إشراف الأكاديمية الإسلامية في مانشستر. وللنسوة المسلمات جهود لا يستهان بها في هذا المجال، فقد دأبت جمعية النسوة المسلمات على إصدار جريدتها الشهرية منذ سنوات، كما أنها حققت مشروعها الذي كان يساورها منذ مدة مديدة، وهو إيجاد “دار المدينة” في قلب لندن لإيواء عدد من اليتامى المسلمين.

وإنني إذ أسرد أسماء الجمعيات التي يمتد نشاطها على مستوى البلاد كلها، فإنني لا يسعني إلا الإشادة بالدور الفعال الذي تقوم به المراكز المحلية حيثما وجدت الجالية، وأخص من بينها المسجد الجامع في برمنجهام، وصنوه في غلاسغو، وأد نبرا، ومئات غيرها التي أصبحت تغص بالطلبة والطالبات، كلما أمسى المساء أو تعطلت المدارس الحكومية.

ويلاحظ أن للجالية النازحة من مقاطعة" كجرات" في الهند دورا بارزا وخاصة في المناطق الوسطى من بريطانيا على عديد من المساجد والمدارس المسائية وإن الزائر لتملكه الدهشة عندما يرى المئات من الأبناء والبنات يملئون ردهات وغرف هذه المساجد في أوقات الدراسة.

3 ـ الجالية التركية:

لا يقل المنتمون إلى هذه الجالية من المهاجرين من قبرص عموما، ومن تركيا أحيانا عن أربعين ألف مسلم

في لندن وحدها، وبرز فيها في السنوات الأخيرة الاتجاه إلى تشييد بيوت الله، فأصبحت لديها في غضون السنوات السبع الماضية أربعة مساجد: اثنان منها محولات عن معبد لليهود وكنيسة للنصارى، ويرجع الفضل في إحياء الروح الدينية ـ بعد الله ـ في هذه الجالية إلى أحد مشايخ الأتراك، وعسى أن تجد هذه الجالية من الدعاة من يقودها ويأخذ بيدها إلى التمسك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .

4 ـ الطلبة الوافدون من الأقطار الإسلامية:

يؤم الجزر البريطانية آلاف الطلبة من الأقطار العربية خاصة، ومن البلدان الإسلامية، مثل: ماليزيا وباكستان، وغيرها من الدول عموما، لتلقي الدراسات العليا في التكنولوجيا الحديثة والعلوم الطبيعية، وقد وفق اتحاد جمعيات الطلبة الإسلامية، وجمعية الطلاب المسلمين إلى تنظيم فروع لها في معظم جامعات ومعاهد بريطانيا.

وإن الجمعيتين خلال اجتماعاتهما الموسمية ومؤتمراتهما السنوية، استطاعتا أن تجعلا من هؤلاء الفتية دعاة إلى الحق ومنارات للإسلام، ولا أكون مخطئاً إذا قلت بأن هؤلاء الطلبة هم أكثر نفوذاً في الطبقة المثقفة وأوسع نشاطاً من أية منظمة أخرى [شهادة حق وإنصاف رأيت مصداقها في كل بلدان الغرب]. وانبثقت بجهود هؤلاء الطلبة عدة مؤسسات تربوية، مثل دار الرعاية الإسلامية ومقر اتحاد جمعيات الطلبة الإسلامية، ودار الطالبات المسلمات في لندن وحدها.

كما أن لبعض هذه المؤسسات فروعا في عدة مدن أخرى، تقوم بتنظيم محاضرات يلقيها خيرة الدعاة من المقيمين في بريطانيا، أو الزائرين، فتوجد بذلك مجالا للشباب المسلم يجد فيه متعة روحية وزادا ثقافيا وحصيلة علمية، قلما يجدها في مكان آخر.

5 ـ المسلمون الجدد من الإنجليز، والمهاجرين من جزائر غرب الهند:

إن وجود الجاليات المسلمة بالأعداد المذكورة في بريطانيا، كان فاتحة خير للتعريف بالإسلام، ولو على مستوى غير لائق أحيانا، لعدم تمسكها بالدين الحنيف على صورة مرضية، ويرجع الفضل في إسلام كثير من الإنجليز ـ وعددهم لا يزال يقدر ببضعة آلاف ـ إلى الاحتكاك بالمسلمين المهاجرين، أو إلى تعرف بعضهم على الإسلام في البلاد الإسلامية أيام الاستعمار البريطاني، أوعَقِبَه، عندما أتيحت لهم فرص العمل في الأقطار الإسلامية، أو إلى دراسة حرة جذبتهم إلى الإسلام تلقائيا. وبرزت من بينهم مجموعة من أتباع الطريقة الشاذلية المغربية في مدينة "نوروش" التي بدأت الآن ـ والحمد لله ـ تهتم كثيرا بالموطأ لإمام دار الهجرة، وكتب القاضي عياض، وعسى أن تجد فيها ما يغنيها عن الطرق الضالة، وهي تشرف على إصدار جريدة"الجامعة" التي تجمع بين أخبار نشاطات المجموعة ومقالات ومواضيع دينية.

وهناك مجموعات أخرى، مثل جمعية المسلمين البريطانيين، وتضم عددا لا بأس به من المسلمين الجدد، وهم يجتمعون من وقت لآخر لمدارسة القرآن الكريم والسنة المطهرة. أما أبناء جزائر غرب الهند الذين جعلوا من الجزر البريطانية وطنا لهم منذ أجيال، فقد بدأ التجمع المسلم يظهر للعيان في السنوات الأخيرة، وإن"مسجد الرجوع" الذي أنشأته هذه الجالية في أحد أحيائها في لندن ـ على صغر حجمه ـ لخير دليل على اهتمامهم بالدين الحنيف، وإنني خلال زياراتي للسجون، أؤكد بأن نسبة من يسلم من أبناء هذه الجالية أكبر بكثير من الإنجليز، وإن هذه المجموعات حقا في أمس الحاجة إلى الدعم ماديا وعلميا.

6 ـ الأجناس الأخرى:

وإن بريطانيا تزخر بكل جنس ولون، ولذلك من الصعب استيعاب جميع الأجناس بالذكر، فمنها ما ينحدر من شرق إفريقيا من أصل هندي أو ساحلي ومنها من وفد من موريشيس، وسريلانكا وجنوب إفريقيا وغيرها من بلاد العالم، وهي تحاول جهدها للحفاظ على شخصيتها وكيانها الاجتماعي.

7 ـ المركز الثقافي الإسلامي:

وقد يكون من المستحسن إفراد المركز الثقافي الإسلامي في لندن بالذكر، ذلك الصرح الشامخ الذي يقف في قلب عاصمة الإنجليز شعاراً للإسلام ومركزاً يعتصم إليه كل غريب ووافد، كما يؤمه المسلمون على اختلاف أجناسهم ولغاتهم وتباعد ديارهم وتشعب أفكارهم، غذاه عدد من الدول فكريا وماديا، وإن كان نصيب أرض الكنانة أكبر من ناحية التغذية الروحية خلال مدرج المنبر يوم الجمعة، كما أن للدول العربية التي حباها الله بخيرات الأرض والسماء النصيب الأوفر من الدعم المادي. فجاء المركز رائعا في بنيانه، فريدا في تصميمه وزخرفته، يسر الناظر ويبهر الوافد، ولا يزال مرجعا للعامة والخاصة في أمور دينهم ودنياهم، كما أن السلطات البريطانية توليه من الاهتمام ما لا يحظى به أي مركز إسلامي آخر [لا أدري ما نوع هذه العناية؟].

ولا تسأل عن ازدحام الناس في قاعاته وردهاته أيام الجمع والأعياد وخلال شهر رمضان، وكأنك في أحد الجوامع في عاصمة إسلامية [شاهدت ذلك في صلاة الجمعة عندما كنت في لندن هذا الشهر]. ونظراً إلى هذه المكانة السامية التي يحتلها في قلوب الناس، وإلى وجود التسهيلات اللازمة من سعة المكان وتوفر العتاد، يرجى من هذا المركز، وخاصة بعد أن آلت الإدارة منذ سنة ونصف إلى أيد أمينة مخلصة، أن يؤدي دوره المنشود على أكمل وجه وأتمه، سواء ما كان يتعلق بتثقيف الجاليات نفسها في أمور دينها، أو بتزويد الحيارى من أبناء هذا الوطن من منهل الإسلام الصافي العتيد.

8 ـ الحديث عن الجمعيات الإسلامية النشيطة في بريطانيا ذو شجون، ونذكر من بينها في هذه العجالة ـ غير التي ذكرت سلفا ـ "المجلس الإسلامي الأوربي" الذي اشتهر بعقده عدة مؤتمرات ـ على امتداد السبع سنوات الماضية ـ على صعيد دولي جمعت بين أقطاب الفكر الإسلامي من شرق المعمورة إلى غربها، والمرجو أن يتلو هذه المؤتمرات عمل جاد، يجعل من مسلمي أوروبا عموما ومسلمي بريطانيا بالأخص، قوة لا يستهان بها في المحافل الدولية.

وفي الحلقة القادمة مزيد من المعلومات التي تفضل بها الشيخ صهيب عن المسلمين في بريطانيا.






السابق

الفهرس

التالي


14235970

عداد الصفحات العام

1618

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م