{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً (62) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً (63) } [النساء]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(04)أثر فقه عظمة الله في الخشوع له

(04)أثر فقه عظمة الله في الخشوع له

وفي الموت عبرة وموظة وتذكير:

الموت، والموت: (أصله: استيفاء الأجل أي: مدة الحياة، وقوله تعالى: {بَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا} [128]. أي: حد الموت، وقيل: حد الهرم، "وهما واحد في التحقيق" كما قال الراغب رحمه الله في مفرداته.

أعرابي يتعجب من حالة جَمَلِه بعد موته!

قال القرطبي رحمه الله: "يروى أن أعرابياً كان يسير على جمل له فخر الجمل ميتاً، فنزل الأعرابي عنه وجعل يطوف به ويتفكر فيه ويقول: مالك لا تقوم؟ مالك لا تنبعث؟! هذه أعضاؤك كاملة وجوارحك سالمة. ما شأنك؟! ما الذي كان يحملك؟! ما الذي كان يبعثك؟! ما الذي صرعك؟! ما الذي عن الحركة منعك؟! ثم تركه وانصرف متفكراً في شأنه. متعجباً من أمره" [التذكرة في أحوال الموتى والآخرة].

هذا التعجب من الأعرابي يدل على أن الموت يدعو الإنسان إلى التفكر فيه، حيث ترى هذا الجسم - أيَّ جسم من أجسام المخلوقات ذوات الأرواح - يتحرك ويأكل ويشرب، ويؤدي ما هو مؤهل له بحسب قدرته التي وهبه الخالق - مهما كبر أو صغر - إلا أن الحيوان غير العاقل يسير في حياته على ما فطره الله بدون اختيار.

العقلاء وغيرهم عندما يأتي بعضهم أجله، تراه جثة هامدة بعد أن كان كائناً متحركاً ذاهباً وآئباً في زمن عمره الذي منحه الله إياه، يستوي غير العاقل من الحيوان والعقلاء من بني الإنسان، إلا أن العقلاء يجب عليهم التفكُّر في شأن الموت الذي ينزل بهم ولا يغفلون عن ذكرهم له. لا سيما أن ما ينتظر العاقل بعد الموت أخطر من الموت نفسه، فيحتاج إلى إعداد نفسه لما بعد موته: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ (185)} [آل عمران]

وكما تعجب الأعرابي من موت جمله، فقد صوَّر بعض الشعراء تعجبه في موت بعض الضباط الشجعان حتف أنفه فإذا هو وجمل الأعرابي سواء، قال:

جَاءتْه مِنْ قِبَلِ الْمَنُونِ إشارةٌ فَهَوَى صَرِيعاً لِلْيَدَيْنِ ولِلْفَمِ
وَرَمَى بِمُحْكَمِ دِرْعِهِ وبِرُمْحِهِ وَامْتَدَّ مُلْقىً كَالْفَتيقِ الأَعْظَمِ
لا يَسْتَجِيبُ لِصَارِخٍ إِنْ يَدْعُهُ أَبَداً ولا يُرجَى لِخَطْبٍ مُعْظَمِ
ذَهَبَتْ بَسَالَتُهُ ومَرَّ غَرَامُهُ لَمَّا رَأَى حَبْلَ الْمَنِيَّةِ يَرْتَمِي
يَا وَيْحَهُ مِنْ فَارِسٍ مَا بَالُهُ ذَهَبتْ مُرُوَّتُهُ ولَمَّا يُكْلَمِ
هَذِي يَدَاهُ وهَذِهِ أَعْضَاؤُهُ مَا مِنْهُ مِنْ عُضْوٍ غَدَا بِمُثَلَّمِ
هَيْهَاتَ مَا حَبْل الرَّدَى مُحْتَاجَةً لِلْمَشْرِفِيِّ ولا اللِّسَانِ الَّلهْذَمِ
هِيَ وَيْحَكُمْ أَمْرُ الالِهِ وحُكْمُهُ وَاللهُ يَقْضِي بِالْقَضَاءِ الْمُحْكَمِ
يَا حَسْرَتَا لَوْ كَانَ يُقْدَرُ قَدْرُهَا وَمُصِيبَةٌ عُظُمَتْ ولَمَّا تُعْظَمِ
خَبَرٌ عَلِمْنَا كُلُّنَا بِمَكَانِهِ وَكَأَنَّنَا فيِ حَالِنَا لَمْ نَعْلَمِ

هل للموت من دافع!

جعل الله لخلقه آجالاً يعيشون بها في الدنيا، وهيأ لهم ما لا يحصى من الأسباب التي شرع لهم تعاطيها، للإبقاء على حياتهم، من أكل وشرب ولباس ومسكن ومركب وطب ودواء، وصناعة وزراعة وآلات دفاع عن النفس وغير ذلك، كما وَكَل بعض ملائكته بحفظهم له، فإذا جاء الأجل لم يبق شيء يدفع عنهم الموت الذي حدد أجله تعالى لكل حي، كما قال تعالى: {فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ (85) فَلَوْلا إِنْ كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (87)} [الواقعة].

أي إن الروح التي لا حياة لمخلوق بدونها، إذا قضى الله تعالى بإخراجها من جسد صاحبها وقت نزعها، فوصلت إلى حلقومه وهو مجرى طعامه، وأهلُه وورثته وكل من له به صلة ينظرون إليه، وهو يعاني من نزع روحه، يتمنون لو يجدون أي وسيلة تبقيه حياً بينهم، فلا يقدرون على شيء يحقق ما تمنوه. وقال تعالى: {كَلاَّ إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِي (26) وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ (27) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ (28) وَالْتَفَّتْ السَّاقُ بِالسَّاقِ (29) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ (30)} [القيامة].

جرت عادة الناس، إذا أعيتهم حيل شفاء مريضهم عن طريق التطبيب، أن يبحثوا عمن يرقيه برقى شرعية أو غير شرعية، وهنا عندما يظن مريضهم - والظن هنا بمعنى اليقين ويظنون أنه مفارق لدنياه - يسألون: هل من راقٍ يرقيه، فلا يجدون إلى ذلك سبيلاً؛ لأنه قد حان وقت التفاف ساقيه اللتين كان يذرع بهما الأرض في حياته بالكفن الذي يربط إحداهما بالأخرى، أو التف عليه شدّة آخر الدنيا بشدة أوّل الآخرة.

وقال ابن زيد: "اجتمع عليه أمران شديدان: الناس يجهزون جسده، والملائكة يجهزون روحه، والعرب لا تذكر الساق إلا في المحن والشدائد العظام" [تفسير جامع الأحكام للقرطبي (19/ 111 دار الكتب العلمية)]. فما بقي إلا سَوقه إلى ربه ليدفن في قبره ليبدأ في نيل جزائه، {إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ} أي المرجع والمآب.

وعن عائشة رضي الله عنهـا، قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن هذه الحبة السوداء شفاء من كل داء، إلا من السام) قلت: وما السام؟ قال: (الموت) [صحيح البخاري (5/2153) دار ابن كثير، اليمامة/بيروت، ورواه مسلم (4/1735) دار إحياء التراث العربي/بيروت، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ (27)} [الرحمن].

فلا مفر لأي مخلوق من الموت، والأهم منه - مع كونه مصيبة في نفسه - ما بعده في القبر
والبرزخ، وما يعقب ذلك من بعث ونشور، وجزاء على الأعمال يوصل إلى الجنة أو النار، كما قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ (185)}[آل عمران].

كم في الدقيقة الواحدة من ينقله الموت من الدنيا إلى البرزخ؟ وكم من الأمم والقرون انتهت آجالها فخلفها غيرها؟ كما قال تعالى: {وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ(133)} [الأنعام]. وقال تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً (98)} [مريم].

إن هذه الآية - آية الموت - جديرة بالتفكر فيها وذكرها وعدم الغفلة عنها؛ لأن التفكير فيها وتذكرها يدفعان صاحبهما إلى الخوف والخشية الدائمين من موافاة الأجل على حال تسخط الله تعالى، وذلك من أعظم ما يجلب الخشوع الدائم أيضاً لله تعالى. ولهذا أمر رسول الله سبحانه بالإكثار من ذكر الموت، كما روى أبو هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أكثروا ذكر هاذم اللذات، يعني الموت) رواه الترمذي (4/553) وقال: "وفي الباب عن أبي سعيد، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب، دار إحياء التراث العربي بيروت" قال في مجمع الزوائد (10/311): "إسناده حسن" وقال الألباني: في صحيح الترغيب: "حسن لغيره"].

محطة البرزخ:

والبرزخ هو الحد الفاصل بين حياة المخلوق في الدنيا وبعثه يوم القيامة، سواء كان ممن مات ودفن في قبر، أم لم يدفن في قبر، كما هي حال من يهلكون في حوادث الطيران أو السيارات أو الزلازل والبراكين أو غيرها.

هذا البرزخ يبدأ فيه نعيم الصالحين الأبرار، بشرى لهم بما سينعمون به يوم القيامة ن دخول الجنة ونعيمها،وعذاب الفاسقين الفجار غنذارا لهم بما ينالونه من عذاب يوم القيام ودخولهم نار جهنم، ، كما قال تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ(100)}[المؤمنون].

اختبار مختصر:

وعندما ينتقل الميت من حياته الدنيا إلى برزخه، يبدأ اختباره بكلمات مختصرة إذا وفقه الله تعالى للإجابة عنها، بشر بسعادته في البرزخ وما تتلوه من حياة الآخرة، كما في حديث البراء بن عازب: أن رسول الله صَلى الله عليه وسلم قال: (المسلم إذا سئل في القبر: يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله. فذلك قوله: { يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ}[ صحيحا البخاري ومسلم. والآية من سورة إبراهيم، برقم: 27.].
وفي حديث طويل للبراء بن عازب، يقول خرجنا مع رسول الله صَلى الله عليه وسلم في جنازة - إلى أن ذكر أنه صَلى الله عليه وسلم قال-:(فترد روحه إلى جسده، فتأتيه الملائكة فيقولون: من ربك؟ قال: فيقول: الله. فيقولون: ما دينك؟ فيقول: الإسلام. فيقولون: ما هذا الرجل الذي خرج فيكم؟ قال فيقول: رسول الله. قال فيقولون: وما يدريك؟ قال: فيقول: قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت)[ أخرج الحاكم في المستدرك (19/111) دار الكتب العلمية. وذكره الألباني في صحيح الجامع، رقم 1676 وقال صحيح. وروى نحوه أبو هريرة أيضا، ذكره الألباني في صحيح ابن ماجه، وقال: صحيح.].

فمحطة البرزخ - ومنه القبر - الثابتة في كتاب الله وفي سنة رسوله صَلى الله عليه وسلم، وكل العقلاء يرونها أمامهم، وكل واحد ينتظرها طال عمره أم قصر، توجب على الإنسان - وبخاصة المؤمن الذي يعلم أن القبر إما أن يكون روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار - أن يستعد لها، وأن يفكر فيها تفكيراً يملأ قلبه بالهيبة والرهبة والخشية التي تكسبه الخشوع لربه كلما ذكر مصيره إليه.

إنه القبر محل وحشة لا يجد الإنسان فيه أهلاً ولا ولداً ولا مالاً ولا أنيساً، إن أهله وأصدقاءه يحملونه على نعشه فيضعونه في قبره ويظهرون حزنهم عليه حيث يوسد التراب الذي سيكون فيه ضيفاً على الدود بعد فترة ليست بالطويلة، وسيتركونه ويرجعون مع النعش واللحاف الذي غطوه به، فلا يبقى معه سوى عمله. كما ورد في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم وغيرهما، عن أنس بن مالك، يقول: قال رسول الله صَلى الله عليه وسلم: (يتبع الميت ثلاثة، فيرجع اثنان ويبقى معه واحد، يتبعه أهله وماله وعمله، فيرجع أهله وماله ويبقى عمله) [البخاري ومسلم] وقد ذكر العلماء بعض النصوص الدالة على عذاب القبر ونعيمه في كتاب الله وسنة رسوله صَلى الله عليه وسلم. والمقصود أن الذي يحيي جميع الخلق من العدم، ثم يميتهم، افرادا أو أسرا أو جماعات، أو أمما، ومن فقه ذلك حق الفقه، وآمن به، جدير بأن يقوى أيمانه، ويعظم ربه، ويكون خاشعا له، خائفا من وقوفه بين يديه يوم القيامه.




السابق

الفهرس

التالي


14215129

عداد الصفحات العام

226

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م