{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً (62) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً (63) } [النساء]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(010)أثر عظمة الله في الخشوع له

(010)أثر عظمة الله في الخشوع له

عظمته في رحمته:

من أسماء الله تعالى: الرحمن الرحيم، ورحمته تعالى كغيرها من صفاته، شاملة لجميع خلقه في سماواته وأرضه، والإنسان الذي أوجده الله تعالى في هذه الأرض، يرى آثار شمول رحمته في كل ما حوله من حيوان ونبات، فالإنسان نفسه سبق الكلام على نعم الله عليه في ذاته وفيما سخره له من السماوات ومن الأرض، والتسخير كله رحمة من الله تعالى.

إن الإنسان الذي يلحقه ضرر من أخيه الإنسان، لو استطاع لأنزل به من الضرر ما يفوق ما أصابه من ضرر أضعافاً مضاعفة، بل لو أن إنساناً استقل بملك خزينة من خزائن الله تعالى تشمل مصالحها غيره من المخلوقات، لبخل بها عليهم وأمسكها عنهم، ولو هلكوا بذلك: {أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنْ الْمُلْكِ فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً(53)} [النساء]. {قُلْ لَوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ وَكَانَ الإِنْسَانُ قَتُوراً (100)} [الإسراء].

والسبب في ذلك بخل هذا الإنسان بما يملك خشية نفاده؛ لأنه فقير فقراً ذاتياً مهما عظم ملكه؛ ولأنه يفقد الرحمة التي تدفعه إلى الإنفاق على غيره، وتزجره من منعه عنه. بخلاف الخالق الغني الكريم الرحمن الرحيم، فإنه لا يخشى الفقر؛ لأنه غنيٌّ غنىً ذاتياً له خزائن السماوات والأرض وخزائنه لا تنفد: {مَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ....(96)} [النحل].

{هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ (38)} [محمد]. رحمته شاملة في الدنيا والآخرة: قال تعالى: {فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنْ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (147)} [الأنعام].

هذه السعة في رحمته تعالى شاملة لكل حي في الدنيا، سواء كان من أوليائه المطيعين، أم من أعدائه العصاة الفاسقين الكافرين، لأن الله تعالى خلقهم جميعاً، فلا يحرم أحداً منهم من رحمته في الدنيا التي منها رزقهم الذي يكون سبباً في بقاء حياتهم المحدودة: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنْ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126)} [البقرة].

قال سيد قطب رحمه الله، في فيئ ظلال آية البقرة هذه: {قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}: "فقل ربكم ذو رحمة واسعة بنا, وبمن كان مؤمناً من عباده, وبغيرهم من خلقه. فرحمته- سبحانه - تسع المحسن والمسيء; وهو لا يعجل على من استحق العقاب; حلماً منه ورحمة. فإن بعضهم قد يثوب إلى الله.. ولكن بأسه شديد لا يرده عن المجرمين إلا حلمه, وما قدره من إمهالهم إلى أجل مرسوم. وهذا القول فيه من الإطماع في الرحمة بقدر ما فيه من الإرهاب بالبأس. والله الذي خلق قلوب البشر; يخاطبها بهذا وذاك; لعلها تهتز وتتلقى وتستجيب". انتهى.

ومن آثار سعة صفة رحمته تعالى منحه مخلوقاته ما خلقه فيهم من التراحم الشامل فيما بينهم، كما روى أبو هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن لله مائة رحمة.. أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام.. فبها يتعاطفون.. وبها يتراحمون.. وبها تعطف الوحش على ولدها.. وأخَّر الله تسعاً وتسعين رحمة.. يرحم بها عباده يوم القيامة) [رواه مسلم (17/61)].
وفي حديث جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه: (إن الله عز وجل خلق مائة رحمة فأنزل رحمة يتعاطف بها الخلق جنها وإنسها وبهائمها، وأخَّر عنده تسعاً وتسعين رحمة..).

وإنا لنشاهد ذلك التراحم والحنان بين بني الإنسان، فنرى كلاً من الزوجين يرحم زوجه ويكن له من الود والرأفة ما يحقق بينهما السكن والاطمئنان، كما قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ(21)} [الروم].
كما نرى تلك الرحمة ماثلة في حنان الآباء على أولادهم كباراً وصغاراً، مع تخصيص صغارهم بغاية الرحمة، لشدة حاجتهم إليها أكثر من الكبار الذين شرعوا في الاستقلال بالقيام بشئونهم.

والأم أوفر حظاً من الأب في الرحمة على أولادها والعناية بهم، لكثرة صلتها بهم حملاً وولادةً وغذاءً وتربيةً وتنظيفاً، يظهر ذلك فيما تعانيه مدة الحمل من مشقة وضعف ووهن، وصعوبة الولادة بهم التي قد تفقد حياتها بسببها أو تكاد، فإذا وضعت حملها وجدتها شديدة الحرص على رؤية وليدها وضمه إلى صدرها لشدة حبها له ورحمتها به: {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14)} [لقمان].

ولهذا كانت أولى ببرهم ورحمتهم من الأب، وإن وجب عليهم برهما جميعاً، كما قال تعالى:
{..وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً (24)} [الإسراء].

نعم مع وجوب بر الأولاد بآبائهم وأمهاتهم جميعاً، فقد خصَّ الله الأمهات بالأولوية في ذلك كما روى أبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: "جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله! مَنْ أَحَقُّ الناس بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: (أُمُّكَ) قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: (أُمُّكَ) قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: (أُمُّكَ) قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: (ثُمَّ أَبُوكَ)" [متفق عليه](.

هذه الرحمة الأبوية كما أودعها الله تعالى في عقلاء مخلوقاته، جبل عليها حيواناتهم العجماء، فنرى أنثاها عندما تضع حملها، تلتفت إليه بمجرد نزوله من رحمها بعطف وحنان شديدين، متخذة لسانها أداة لتنظيفه مما علق به من الأوساخ حتى تنظفه، ثم تحاول بجهد تمرينه على التقام ثديها ليرضع من لبنها، والحرص على سلامته، فتمرنه على الحركة والمشي، وتحميه بنفسها وحياتها إذا اقتضى الأمر من عاديات الحيوانات الأخرى فتقربه منها حتى لا يبعد عنها، من أجل حمايته، بل إنك لترى اللبؤة الشديدة الضراوة العظيمة الهجوم والفتك، تأخذ جراءها الصغار بين فكيها وتودعها في أماكن تأمن عليها من الكهوف والحفر خشية من وصول الوحوش الأخرى إليها عندما تذهب هي لاصطياد ما تغذي به الجراء الصغار.

وترى بعض الحيوانات كالقرود تحمل أولادها الصغار على ظهورها لمسافات طويلة، أو تضمها إلى صدورها لتتمكن من الرضاع منها في حال سيرها، أو لإخفائها من عاديات حيوانان أخرى عليها، وخلق تعالى لبعض الحيوانات أكياساً حول بطونها تضع فيها أولادها، مثل الكانجرو؛ لأن ذلك أحفظ لأولادها الصغار عند مشيها، لأنها تقفز في سيرها قفزاً كما هو معروف.

وإنك لترى القطط الأليفة الوديعة، والدجاج الهادئ تتوحش إذا أحست أن أحداً يريد الاعتداء على أولادها، فترى جسمها يقشعر، وشعرها ينتفش استعداداً للدفاع عنها، وهكذا سائر الحيوانات.
ولقد أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم، أن الله تعالى يغفر كبائر ذنوب العصاة بسبب رحمتهم للحيوان، كما روى أبو هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (غُفِر لامرأة مومسة، مرت بكلب على رأس ركي، يلهث) قال: (كاد يقتله العطش، فنزعت خفها، فأوثقته بخمارها، فنزعت له من الماء، فغفر لها بذلك) [متفق عليه].

تخصيص عباده المؤمنين برحمته الدائمة في الآخرة:

تلك إشارة موجزة إلى سعة صفة رحمة الله تعالى اللائقة بجلاله، التي كان من آثارها خلق مائة رحمة أنعم على مخلوقاته كلها منها في الدنيا بجزء واحد يتراحم به جميع مخلوقاته في الدنيا، ويجعلهم يتراحمون بها فيما بينهم، وأبقى تسعة وتسعين جزءً منها عنده مدخرة لعباده المؤمنين في الآخرة، فالمؤمنون يجمع الله لهم بين الرحمة في الدنيا وفي الآخرة.

بل أشار الله تعالى أنهم أحق برزقه في الدنيا من غيرهم، كما قال تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ.... (32)} [الأعراف]. وبيَّن تعالى أن رحمته ورضوانه، أي رضاه عنهم، وجزاؤهم الدائم في جناته التي فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وهي الخالصة المذكورة في الآية.

وإنما خصهم الله تعالى برحمته لأنهم آمنوا بها وجاهدوا في الله حق جهاده في الدنيا راجين منه تلك الرحمة التي آمنوا بها، ملحين صادقين في طلبها، حذرين خائفين من حرمانهم منها وسخطه عليهم وعذابه لهم، بخلاف من كفروا بها ممن جهل عظمته وقدره، كما قال تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ (9)} [الزمر]. وقال تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ(156)} [الأعراف]. وقال تعالى: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً (43)} [الأحزاب].

قال ابن كثير رحمه الله: "{وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} أي في الدنيا والآخرة, أما في الدنيا فإنه هداهم إلى الحق الذي جهله غيرهم, وبصَّرهم الطريق الذي ضلَّ عنه وحاد عنه من سواهم من الدعاة إلى الكفر أو البدعة وأتباعهم من الطغاة, وأما رحمته بهم في الآخرة فأمنهم من الفزع الأكبر، وأمر ملائكته يتلقونهم بالبشارة بالفوز بالجنة والنجاة من النار وما ذاك إلا لمحبته لهم ورأفته بهم".
وأخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم، أن الله تعالى لشدة رحمته بعباده عظيم الفرح بتوبة من عصاه عن عصيانه، لأنه تعالى يحب أن يتوبوا لينالوا رحمته، ولا يُحرَموها، وعدم توبتهم، قد تحرمهم من تلك الرحمة، كما روى أَنَس بن مَالِكٍ الأَنْصَارِيِّ خَادِمِ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، t قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (للَّهُ أَفْرحُ بتْوبةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ سقطَ عَلَى بعِيرِهِ وقد أَضلَّهُ في أَرضٍ فَلاةٍ...) [متفق عليه](.

مقارنة لطيفة:

جزء من مائة جزء من الرحمة أنزلها سبحانه وتعالى لجميع خلقه في الدنيا، وأبقى تسعة وتسعين جزءً، يرحم عباده بها يوم القيامة، ودلَّ حديث لأبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن أهل النار تسعة وتسعون في الألف، وأن أهل الجنة واحد من الألف، وهذا يدل على إكرام الله لأهل طاعته، الذين يلقى كثير منهم من أعداء الله الصد والعدوان والاستضعاف من أهل الكفر والطغيان، الذين يفتنونهم بالسجون والاعتقال، والتعذيب بالرجم والحرق بالنار والنفي من بلدانهم وديارهم، والقتل والصلب، فقد أعطى الله أهل الدنيا كلهم من الإنس والجن والحيوانات، جزءا واحدا من رحمته، وأعطى أهل الآخرة الذي اهتدوا بهداه، تسعة وتسعين جزءا من تلك الرحمة، فسبحان الله الذي أعطى كلاً من القسمين ما يناسبه!فسبحان الله الذي أعطى كلاً من القسمين ما يناسبه!

وهذا نص حديث أبي سعيد رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (يقول الله تعالى: يا آدم، فيقول: لبيك وسعديك، والخير في يديك، فيقول: أخرج بعث النار، قال: وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين، فعنده يشيب الصغير، وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى، ولكن عذاب الله شديد). قالوا: يا رسول الله، وأينا ذلك الواحد؟ قال: (أبشروا، فإن منكم رجلاً ومن يأجوج ومأجوج ألفاً). ثم قال: (والذي نفسي بيده، إني أرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة). فكبرنا، فقال: (أرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة). فكبرنا، فقال: (أرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة). فكبرنا، فقال: (ما أنتم في الناس إلا كالشعرة السوداء في جلد ثور أبيض، أو كشعرة بيضاء في جلد ثور أسود [الحديث في صحيح البخاري (3/1221) ومسلم (3/77)]).

ألا يستحق الرحمان الرحيم، الذي وسعت رحمته في الدنيا جميع المخلوقات، وخص عباده المؤمنين برحمته العظيمة الدائمة يوم القيامة، ألا يسـتحق من الإنس والجن أن يخصوه بعبادتهم ويخافوا من حرمانهم منها إذا عصوه، كما يستحق منهم الدوام على عبادته وطاعته، وأن يكونوا في كل حياتهم مطيعين له، خاشعين متذللين يرجون منه توفيقهم لما يرضيه، ووقايتهم من سخطه و عذابه؟!

وفي الحلقة القادمة مزيد للكلام عن فقه رحمته.







السابق

الفهرس

التالي


14239948

عداد الصفحات العام

1457

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م