{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً (62) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً (63) } [النساء]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(03)ما المخرج

(03)ما المخرج

التقوى أساس المخارج

والتقوى بحدها الأدنى الذي أشير إليه فيما تقدم، وبذروة سنامها الذي منه ترك ما لا بأس به خشية من الوقوع فيما به بأس وترك ما لم يتبين حِله من حرمته وهو ما عبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم بـ(الشبهات) إنما يتصف بها - التقوى - من قوي إيمانه وثبت يقينه؛ لأن الإيمان هو الأساس.كما قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)} [الأنفال].

فالمرتاب الذي يفقد اليقين في إيمانه، ليس أهلاً لأن يكون من المتقين؛ لأنه فقد الأساس الذي تبنى عليه التقوى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ(15)} [سورة الحجرات، وراجع كتاب: الإيمان هو الأساس، للكاتب]. والعمل الظاهر الذي يطلع عليه الناس، يُستدل به على ما في قلب صاحبه من إيمان، ولكن حقيقته لا يعلمها إلا الله، قال تعالى: {وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(105)} [التوبة].

وقد بينت سنة الرسول صلى الله عليه وسلم أن التقوى الحقيقية أساسها الإيمان الذي ينطوي عليه القلب، وأن ما يظهر منها للناس من الأعمال والأقوال الصالحة، هو دليل البشر على وجود تلك التقوى. رو أبو هريرة رضي الله عنه، أَنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: (إِيَّاكُم والظَّنَّ، فإنَّ الظنَّ أكذبُ الحديثِ، ولا تَحَسَّسُوا، ولا تَجسَّسُوا، ولا تَنَافسُوا، ولا تحاسَدُوا، ولا تَبَاغضُوا، ولا تَدَابَروا، وكُونوا عبادَ اللهِ إِخوانا كما أمرَكُم، المسلم أخو المسلم، لا يظلِمُهُ، ولا يَخْذُلُهُ، ولا يَحْقِرُهُ. التقوى هاهنا، التقوى هاهنا، التقوى هاهنا - ويشير إِلى صدره - بِحَسْب امرئ من الشَّرِّ أن يَحْقِر أخاه المسلمَ، كلُّ المسلمِ على المسلم حَرَام: دمُهُ، وعِرْضُهُ، ومَالُهُ. إِن الله لا ينظر إِلى أجسادكم، ولا إِلى صُوَرِكم، ولكن ينظر إِلى قلوبكم وأَعمالكم).[البخاري ومسلم وغيرهما] هذا هو الإيمان الذي عناه الله تعالى في القرآن الكريم، وتلك هي التقوى التي جعلها الله شرطاً في المخرج من الضيق والحرج والفتنة، وليس الإيمان ولا التقوى اللذين يدعيهما المدعون، وهم عن عن طاعة الله ينأون ويصِدّون، و إلى معاصيه يهرولون ويركضون.



ومن أهم ما يدخل في المخرج من المآزق والمضايق بناء حياة المسلمين على أساس كتاب الله والحكم بما أنزل الله الذي يكفر من اعتقد جواز الحكم بغيره مما يخالفه، ويرتكب كبائر الذنوب والآثام ويتعرض لغضب الله إذا حكم بغيره ولو اعتقد وجوب الحكم به. {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً(65)} [النساء]. فهل ترى غالب حكام المسلمين حكموا كتاب الله أو هم عزلوه عن حياة شعوبهم؟

فتقوى الله تعالى هي الباب الواسع الذي أخبرنا الله تعالى بأنه جعله مخرجاً لكل من وقع في ضيق أو حرج، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ(128)} [النحل]. ونص تعالى على تحقيقه المخرج لمن اتقاه، فقال: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ (3)} [الطلاق].

هذه الكلمة إذا رجعت إلى كتاب الله وسنة رسوله لمادة التقوى، كمصدرها وأفعالها الثلاثة الماضي والمضارع والأمر، ومصدرها، وأسماء الفاعلين، وأمر الله تعالى بها للمفرد والجمع رجالاً ونساءً، وكثرة الثناء على أهلها في الدنيا، وما أكرمهم الله تعالى به في دار كرامته، وكثرة الذم لمن حاد عنها وما توعده الله تعالى به يوم الحساب والجزاء، إذا رجعت إلى ذلك كله لصعب عليك حصرها في مكان واحد، فضلاً عما جاء بمعناها وليس بلفظها.

والحد الأدنى لمعنى التقوى كما قرر العلماء: فعل ما أمر الله به من الفرائض وترك ما نهى الله تعالى عنه من المحرمات، ويدخل في ذلك أساس الفرائض كلها، وهو الإيمان بأصوله وفروعه، وجميع الفرائض العبادية والعادية، فما أمر الله به منها ففِعلُه تقوى، وما نهى عنه منها، فتركُه تقوى، وما ترك من أمره فهو ضد التقوى معصية لله تعالى، وما ارتكب مما نهي عنه فهو ضد التقوى وقد يكون شركاً مُخرجاً عن ملة الإسلام.

وآيات الطلاق الثلاث السابقة، وإن كانت وردت في سياق خاص يتعلق بعشرة الزوجين، فإنها بلفظ عمومها المعبر عنه باسم الموصول "مَن" تتناول كل المتقين أفراداً وأسراً وجماعات وأحزاباً وشركات وشعوباً ودولاً؛ لأن العبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب، كما يقول العلماء، وكما دلت عليه آيات وأحاديث وسياقات ليس هذا موضع الكلام عنها. وقد وعد الله تعالى من اتقاه أن يجعل له مخرجاً،
ووعْدُه تعالى حق لا يتخلف كما أخبر تعالى عن نفسه: {وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ(6)} [الروم].

وخلف الوعد يكون لأمرين:

الأمر الأول: أن يكون من حصل منه الوعد كاذباً، كما هو شأن الكافرين و المنافقين، والله تعالى منزه عن ذلك، وقد قال عن نفسه: {وَعْدَ اللَّهِ حَقّاً وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ قِيلاً(122)} [النساء]. الأمر الثاني: أن يكون من حصل منه الوعد عاجز عن الوفاء به، والله تعالى منزه عن ذلك، كما قال تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً(44)} [فاطر].

فعدم حصول المخرج لمن طلبه منه تعالى، دليل على أنه لم يحقق شرط التقوى التي أرادها الله وجعلها شرطاً في حصول المخرج، قال ابن تيمية رحمه الله: "ولهذا قال بعض السلف‏:‏ ما احتاج تقي قط‏.‏ يقول‏:‏ إن الله ضمن للمتقين أن يجعل لهم مخرجًا مما يضيق على الناس، وأن يرزقهم، من حيث لا يحتسبون، فيدفع عنهم ما يضرهم، ويجلب لهم ما يحتاجون إليه، فإذا لم يحصل ذلك دل على أن في التقوى خللاً، فليستغفر الله وليتب إليه" [مجموع الفتاوى (8/524) دار عالم الكتب].

شكوى الحبيب صلى الله عليه وسلم مَن هجر القرآن:

إننا إذا نظرنا إلى غالب قادة الشعوب الإسلامية، سنجد غالبهم قد هجروا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم إيجابا وسلبا، وأعظم هجر لهما إقصاؤهما عن أن يكونا مرجعاً لتصرفات المسلمين وتدبير شئون حياتهم كما أراد الله تعالى لهم، بحيث يفرض عليهم طاعة ما أمر الله تعالى به وأمر به رسوله صلى الله عليه وسلم، ويحرم عليهم مخالفتهما كذلك، وأنهم إذا اختلفوا في شيء من ذلك وجب أن يردوا ما اختلفوا فيه إليهما ليكونا هما المرجع الذي يحكم بينهم فيما اختلفوا فيه كما سيأتي.

فهل تتحقق تقوى الله وطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم في أمة هجرت كتابه وسنة نبيه لتستحق تحقيق وعد الله لها بالمخرج الرباني عندما تحيط بها الشدائد وتعظم أمامها المآزق والمضايق؟ ألا يدخل من كان كذلك فيمن تحسر رسول الله صلى الله عليه وسلم من هجرهم لهذا القرآن في حياتهم حيث اشتدت عليهم فيها المضايق والمآزق وكثر الحرج الذي عم العالم الإسلامي اليوم؟
{وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (30)} [الفرقان].

وإذا كانت تحسر الحبيب صلى الله عليه وسلم وشكواه إلى ربه كانت من هجر المشركين لما جاءهم به كفراً واستهزاءً وحرباً سافرة لدين الإسلام، فإن المسلمين اليوم وبخاصة غالب من بيدهم أمرهم، قد هجروه هجراً عازلاً له عن حياة الشعوب، تعمدا وعصياناً، كما هو واضح.

قال الشيخ السعدي رحمه الله في تفسير الآية المذكورة حاملاً لها على العموم؛ لأن العبرة به لا بخصوص السبب: "{وَقَالَ الرَّسُولُ} منادياً لربه وشاكياً له إعراض قومه عما جاء به، ومتأسفاً على ذلك منهم: {يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي} الذي أرسلتني لهدايتهم وتبليغهم {اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} أي: قد أعرضوا عنه وهجروه وتركوه مع أن الواجب عليهم الانقياد لحكمه والإقبال على أحكامه، والمشي خلفه". انتهى. فهل يدخل فيمن وعدهم الله بالمخرج من الفتن والمآزق والمضايق من تعمَّد هجر كتاب الله وعزله عن حياة المسلمين التي أمرهم ببنائها على أساسه وهداه؟

ألم يقل تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ... (24)} [الأنفال]. فهل استجبنا؟ ألم يقل تعالى {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً(36)} [الأحزاب]. أليس غالبنا اليوم قد اختار موت الفسوق والعصيان وإتباع خطوات الشيطان، بدلاً من الاستجابة للحياة القرآنية التي أمرنا بها ربنا وسلوك الصراط المستقيم الذي هو منهاج الله القويم؟ أما اختار غالبنا عصيان الله وسبل الضلال البيِّن الواضح على ما اختاره الله تعالى لنا من الهدى والنور الذي أنزله في كتابه؟






السابق

الفهرس

التالي


14217359

عداد الصفحات العام

2456

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م