{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً (62) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً (63) } [النساء]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(012)ما المخرج

(012)ما المخرج

هل تحقق الروابط المادية الاعتصام بحبل الله؟

لم أكن أفكر في وضع هذا السؤال والإجابة عنه؛ لأن ما مضى من ذكر بعض الآيات والكلام على الرابط الإيماني كافية في فهم أن الروابط المادية وحدها لا تحقق للمسلمين اجتماعهم على الحق والاعتصام بحبل الله تعالى.

غير أن وسائل الإعلام بجميع أنواعها أخذت كعادتها في الغالب تبالغ في كثير من الموضوعات وتجد من يؤيدها في تلك المبالغات، ولا ينجو من تلك المبالغات كثير من مثقفي المسلمين، بالغوا في حدث فوز الفريق العراقي الرياضي على فريق المملكة العربية السعودية، وما تبع ذلك من إظهار العراقيين بكل فئاتهم شيعة وسنة وشعباً ودولة، الفرحة والسرور بهذا الفوز الذي عبروا عنه في داخل البلاد وخارجها، حتى أصبح الفريق ومرافقوه جميعاً يحملون جوازات دبلوماسية منحهم إياها رئيس الدولة تعبيراً عن إكرامهم والاحتفاء بهم http://news.6rbx.com/node.php?iid=12265&cid=12
.
والهدف الذي أظهرته وسائل الإعلام ومن انساق معها في تلك المبالغة، أخذ العبرة كما يقولون، من توحيد الفوز الرياضي للشعب كله، وجعله يبتسم بهذه المناسبة مع ما يعانيه من مصائب القتل والاغتيالات والجوع والخوف والتشرد، فإذا كانت الرياضة قد وحَّدت الشعب مع هذه المصائب فلماذا لا توحده مصالحه السياسية والاقتصادية، وتجمع كلمته المصائب والمفاسد التي نزلت ولا تزال تنزل به؟ فيرمي سلاحه وتتصافح طوائفه وتكوِّن مجتمعاً يحقق لنفسه الأمن والاستقرار، ليستعيد قوته ومكانته بين دول العالم؟

ونسيت وسائلُ الإعلام ومن سار في ركابها، أن اجتماع الناس بأبدانهم على بعض مصالحهم المادية وثناء بعضهم على بعض بألسنتهم، لا يتحقق به اجتماع عقولهم وعقائدهم وأهوائهم؛ لأن ما تستقبله عقول قوم من المعاني يختلف عما تستقبله عقول آخرين منها، وما تعتقده أمة من دين أو مذهب غير ما تعتقده أمة أخرى، وما ترغب فيه جماعة وتهواه، قد لا يكون مما ترغب فيه جماعة أخرى، بل قد يكون عندها مما تكرهه وتأباه.

وإذا كان عامة الشعب ترغب في تحقيق ذلك كما تحقق في المجال الرياضي، فإن قادتهم من شياطين العقائد والسياسة الطامعين في الاستئثار بخيرات البلاد والاستفراد بحكمها والتغلب على الآخرين والسيطرة عليهم، لا يمكنون الشعب من تحقيق تلك الرغبة، بل يشجعونه على الحقد والكراهية للآخرين ويلهبون عواطفهم ضدهم.

وبعيدة كل البعد رفسةُ كرة تحقق هدفاً في سلة ملعب، عن برميل واحد من الذهب الأسود الذي تغطيه الأرض العراقية والذي يطمع في حيازته بعض الدول المجاورة للعراق وأولياء المحتل الأجنبي الذين ظنوا أنهم بمجرد نزولهم من على ظهور دباباته التي نقلتهم من الفنادق الغربية سينعمون بتلك الخيرات، إن هؤلاء لا يألون جهداً في تدمير العراق في سبيل تحقيق مآربهم، وهذا هو سبب حرصهم على بقاء المحتل؛ لأنهم يعلمون أنه إذا خرج من العراق سيخرجون هم مجبرين؛ لأن الشعب يكرههم كما يكره وليهم الذي احتل بلادهم واستغل خيراتهم وانتهك حرماتهم بتعاونهم معه، ولهذا نراهم حريصين كل الحرص على بقاء المحتل ليقوم بحمايتهم من الشعب.

ثم إن اجتماع فريق رياضي وتعاون أفراده على تحقيق أهدافه، أمر مادي تشترك فيه أبدانهم طامعين في أن ينالوا من ورائه سمعةً وإطراءً وديناراً ودولاراً، وكل من السمعة والإطراء والدينار والدولار، ماديات لا تجمع عقولاً مختلفة ولا قلوباً متعادية.

فعضو الفريق الرياضي السني الذي يرجع إلى أهله وقبيلته فيجد طائفة زميله الشيعي، قد قتلت أقاربه وشردتهم من ديارهم وهدمت مساجدهم سيمتلئ قلبه حقداً على تلك الطائفة والعكس صحيح كذلك لو حصل، وقد تكون كلتا الطائفتين من قبيلة واحدة فرقت بينهم العقيدة، فكيف نطلب ممن وحدتهم الرياضة أن يتوحدوا وقد فرقتهم العقائد والمبادئ والأطماع وملئت عقولهم بأفكار متباينة كل التباين، وحل في قلوبهم الغل والحقد الدفين؟

بل إن الأبدان لتجتمع أحياناً في صفوف الصلاة في بيوت الله، ولكن قلوب كثير من المصلين في هذه الصفوف الذين يحاول بعضهم أن يلتصق كعبه بكعب صاحبه وكتفه بكتفه، في إقبالها إلى الله والإخلاص له مختلفة، وعقولهم بما سبق إليها من حق أو باطل غير مؤتلفة، يقف عبد الله بن أبي الذي يقول الله عنه وعن أتباعه: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً (12)} [المنافقون]..بجوار الخلفاء الأربعة الذين يقول الله تعالى عنهم وعن إخوانهم: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً (22)} [الأحزاب].

ويقف اليوم من أتباع ابن أُبي في صفوف الصلاة من يقول: الدين صلة بين العبد وربه، ولا صلة له بحياة الناس في التشريع والمعاملات والقوانين والصلات، فتجده يخرج من المسجد فيتناول بجواره كأس الخمر ويتعامل بالربا في المصارف والبنوك، ولا يسأل كتاب الله فيما يحل أو يحرم. وأخوه بجواره في الصف يقول: من أنكر الحكم بما أنزل الله فقد كفر: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ (44)} [المائدة]. {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ(14)} [النساء]. بل إن بعض الأحكام الفقهية الفرعية الاجتهادية تفرق بين من يأسرهم التعصب لمذهب عالم معين، وبين غيرهم ممن يتعصبون لمذهب عالم آخر.

ومثل اجتماع الأبدان في مجال الرياضة، اجتماعها في مجال السياسة، فكم مؤتمرات تعقدها الدول العربية والإسلامية على جميع مستوياتها الرسمية، مؤتمرات قمة ثنائية أو جماعية، ومؤتمرات على مستوى وزراء الخارجية، ومؤتمرات على مستوى سفراء ومندوبين، ومؤتمرات على مستويات إقليمية، وكلها لم تتجاوز في الغالب اجتماع الأبدان، بدليل ما يحدث بعد ذلك من فرقة ونزاعات وخصومات ومهاترات وسوء ظن واتهامات.

ولم تر شعوبها من اجتماعاتها تحقيق أي هدف ملموس يحقق مصالحها ويرفع عنها ما أرهقها اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، ولا داعي لضرب أمثلة على ذلك ففي أكبر مؤسسة عربية "الجامعة العربية" وأعظم مؤسسة إسلامية "منظمة التعاون الإسلامي" وفي "القضية الفلسطينية" ما يكفي.

بل أُلْفِتُ النظرَ إلى ما هو أغرب من ذلك، وهو ما حدث لقادة الجهاد الأفغاني الذين كانوا يجتمعون بأبدانهم في جلسات طويلة بحضور بعض علماء المسلمين الذين كانوا يحاولون الصلح بينهم، بل جمعت بين أبدانهم المملكة العربية السعودية في جوف الكعبة، وتعاهدوا على نسيان خلافاتهم ليتفرغوا لعدوهم الاتحاد السوفييتي الذي نصرهم الله عليه، ونقضوا عهدهم ووجه بعضهم رصاصه إلى صدور بعض، وخسروا ذلك الفوز، الذي أعقبه الاحتلال الأمريكي الذي رفع راية الصليب على بلادهم إلى اليوم.

ومثلهم قادة الشعب الفلسطيني من فتح وحماس الذين تعاهدوا بجوار الكعبة على الصلح ونسيان الخلافات، ثم رجعوا للاقتتال مرة أخرى، وها هم اليهود اليوم يضحكون عليهم ويصفقون لهم كأنهم فرق رياضية ولكن كراتهم التي يتبارون بها هي الرصاص وقذائف المدافع، ولا فرق بينهم وبين الأفغان إلا أن الأفغان كان هدفهم واحداً وهو طرد العدو، ومنهاجهم واحداً في الجملة وكانوا علماء شريعة في الغالب، بخلاف الفلسطينيين، فهدف بعضهم نيل قطعة أرض يقيمون عليها قرى يسمونها دولة، وهدف الآخرين جهاد العدو ومقاومته حتى يحققوا النصر عليه ولا يستسلمون له، فهدفهم ومنهاجهم يختلف، ووسائلهم كذلك تختلف، ولا حاجة إلى التفصيل في ذلك فالعالم كله يعرف ما أشير إليه.

وبهذا يعلم أن الذي يوحِّد المسلمين إنما هو منهاج القرآن والسنة والسيرة النبوية وما وسع سلفنا الصالح من الصحابة فمن تبعهم إلى يوم الدين، وكل ما عداهما من مناهج الأرض لا يطمع في توحيدها للمسلمين إلا كمن يطمع من قال الله تعالى فيه: {إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ(14)} [الرعد].

لست ضد الرياضة:

ولا ينبغي أن يفهم من كلامي هذا أنني ضد الرياضة والرياضيين، فالرياضة تقوي الأجسام ومن أهم أهدافها الفروسية في الإسلام، لا، وإنما أقصد أن الرياضة لا توحِّد العقول ولا تجمع الصفوف في حياة الشعوب، ولا تؤلِّف بين القلوب، إذا فقد المنهاج الذي يجمعهما على الاعتصام بحبل الله كما مضى.

ولا ضد تعايش الشعوب:

كما لا ينبغي أن يفهم من كلامي أني أحرض بعض الطوائف على بعض، فتعايش الشعوب مع ما بينها من خلافات أمر ضروري؛ لأن عدم تعايشهم في شعوبهم ينزل بهم جميعاً المصائب والمحن، ويقضي على الأخضر واليابس، كما هو الحال اليوم في العراق وسوريا وليبيا واليمن وغيرها، ولا تستطيع أي طائفة أن تنزع عقيدة طائفة أخرى من قلوبها، ولا تستأصل أفكاراً غُرِست في عقولها، فلا بد من محاولة التعايش، وإن تمسكت كل طائفة بمذهبها وفكرها، والله تعالى هو الذي يحاسب الجميع على ما تزاوله من الأعمال وما تختزنه من الأفكار وما تؤمن به من العقائد، ولكن هذا الذي نراه ونتمنى حصوله صعب المنال مع المستبدين الظلمة الذين يوالون المحتل ويظاهرونه على أبناء شعبهم.





السابق

الفهرس

التالي


14230983

عداد الصفحات العام

3272

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م