{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً (62) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً (63) } [النساء]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(07)طل الربوة غرس مراقبة الله الدائمة في قلب الطالب:

(07)طل الربوة غرس مراقبة الله الدائمة في قلب الطالب:

ومن أعظم إصلاح القلوب ويطهرها استحضار العبد إحاطة علم الله تعالى بكل ما يأتي ويذر، فإذا استحضر العبد رقابةَ الله تعالى له في كل لحظة من لحظات عمره، فازَ برضا الله تعالى عنه في الدنيا والآخرة؛ لأن استحضاره تلك الرقابة تجعله دائماً ملازماً لتقوى الله الذي يراقبه، فينفذ أمره ويجتنب نهيه، ويبتعد عن الشبهات خشية الوقوع فيها، ويؤدي حقوق ربه وحقوق خلقه، ويحسن عمله في كل ذلك.

وقد افتتح تعالى أول آية في سورة النساء التي اشتملت على حقوقه وحقوق عباده، بذكر اسمه الرقيب، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (1)}. [لنساء] لحض قارئها على التزامه بما ذكر في السورة من الأحكام، مستحضراً هذه الرقابة التي يعلم بها أن الله تعالى سيحاسبه على ما يأتي منها وما يذر.

ورقابة الله تعالى هي معنى ما سمَّاه العلماء بالواعظ الأكبر والزاجر الأعظم، بأن يستحضر المسلم في كل أحيانه علم الله المحيط بكل شيء، وأن كل ما يقوله أو يعمله أو يهم به لا يخفى على الله منه شيء.
إن المسلم معرض لوسوسة الشيطان وإغوائه، حسداً منه لبني آدم، كما حسد أباهم آدم الذي أغواه فتاب إلى ربه، ولهذا يحتاج المسلم ـ بل يضطر ـ إلى تذكيره بمخاطر عدوه إبليس، وإلى تذكره دائماً بأن الشيطان له بالمرصاد، ولا ينجيه منه إلا لجوؤه إلى الله تعالى يستعيذ به من عدوه، ويجاهد نفسه على طاعة ربه مخلصاً له عمله متبعاً فيه رسوله ‘، وإلا ضلَّ وهلك وصار من حزب عدوه الذي أمر الله عباده بعداوتهم له والبعد عن طاعته؛ لأنه لم يفتأ يسوس لهم ليضلهم ويوقعهم فيما وقع فيه من غضب الله فيكون مصيرهم كمصيره النار، كما قال تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ}.[فاطر 6]

وعداوة الشيطان ووسوسته لا تفارق الإنسان في أي لحظة من لحظات عمره، كما صرح هو بذلك: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17)}. [لأعراف]
ولا يوجد أي سلاح يرافق المؤمن في كل تلك اللحظات إلا المراقبة الذاتية، وهي استحضار مراقبة ربه له "الواعظ الأكبر والزاجر الأعظم". فإذا استحضرَ المؤمن هذا السلاح عند وسوسة هذا العدو واستعاذ بالله منه هزمه، وقد يستجيب لإغوائه لحظة من اللحظات بالعزم على المعصية أو ارتكابها فعلاً، ولكنه يذكر هذا الرقيب، فيتوب إلى الله ويستغفره ويعود مسرعاً إلى رشده، فيكون كمن فقد بصره لحظة فعاد إليه سريعاً فإذا هو مبصر: قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنْ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ}. [لأعراف 201]

ولا توجد غير هذه المراقبة أي وسيلة، أو سبب من الأسباب، يلازم الإنسان ملازمة كاملة دائمة، تحمله على الدوام على الطاعة وترك المعصية، لأي سلطة قانونية أو قضائية أو تنفيذية ولا لجنة أمر بمعروف ونهي عن منكر؛ لأن الإنسان يستطيع أن يحتال على كل سلطة أو قانون ويفلت منها، بخلاف مراقبة الله تعالى إذا ما غرست في نفس المؤمن، فإنه يشعر بأنها لا تغيب عنه لحظة واحدة.

فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي أمره الله تعالى، أن يبلغ أمره إلى أمته ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، فنفذ أمر ربه في التبليغ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالقول والفعل في حياته فيما وقف عليه بنفسه، ولكنه لا يقدر على مراقبة أحد غاب عنه من أمته في حياته وبعد مماته، ولا يطيع أمره ويترك نهيه إلا من أحبه أكثر من حب كل شيء حتى نفسه، امتثالاً لأمر عالم الغيب والشهادة.
فقد أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم، بتبليغ رجال هذه الأمة ونسائها بِغَضِّ أبصارهم وحفظ فروجهم، فبلغهم كتاب الله، الذي أنزله، كما قال تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ..(31)}. [لنور]

وأكد ذلك بسنته القولية، تنفيذا لقوله تعالى: { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا... وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ} كما روى بريدة عن أبيه قال: قالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه: (يا علي لا تتبع النظرة النَّظرة فإن لك الأولى وليست لك الآخرة). [رواه الحاكم وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.]

وكما أكد ذلك بسنته الفعلية أيضاً، ففي حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: "كان الفضل رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءت امرأة من خثعم، فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم، يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر، فقالت: يا رسول الله، إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً، لا يثبت على الراحلة، أفأحج عنه. قال: (نعم). وذلك في حجة الوداع" [لبخاري ومسلم]

ولكنه صلى الله عليه وسلم، لم يكن ملازماً لكل فرد من أفراد أمته، يأمره وينهاه بالقول ـ مشافهة ـ والفعل، وقد انتقل إلى الرفيق الأعلى، وبقي مع كل مسلم ومسلمة الرقيب الحي عالم الغيب والشهادة، الذي قال لنبيه ‘: {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ (40)}. [لرعد] فكلما همَّ المسلم أو المسلمة بمخالفة ما أمر الله رسوله بتبليغ أمره ونهيه، انتفض قلبه مستشعراً قول الباري تعالى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19)}. [غافر] وقوله: {وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (7. [طه]




السابق

الفهرس

التالي


14224984

عداد الصفحات العام

1820

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م