{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً (62) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً (63) } [النساء]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


الفصل الثالث و الأربعون في أن الظلم مؤذن بخراب العمران

الفصل الثالث و الأربعون في أن الظلم مؤذن بخراب العمران


[المقصود بالعمران إجمالا: الاجتماع البشري وحضارته]



اعلم أن العدوان على الناس في أموالهم ذاهب بآمالهم في تحصيلها و اكتسابها، لما يرونه حينئذ من أن غايتها و مصيرها انتهابها من أيديهم.

http://www.al-rawdah.net/vb/showthread.php?t=1951



و إذا ذهبت آمالهم في اكتسابها و تحصيلها انقبضت أيديهم عن السعي في ذلك، و على قدر الاعتداء و نسبته يكون انقباض الرعايا عن السعي في الاكتساب.



فإذا كان الاعتداء كثيرا عاما في جميع أبواب المعاش كان القعود عن الكسب كذلك لذهابه بالآمال جملة بدخوله من جميع أبوابها، و إن كان الاعتداء يسيرا كان الانقباض عن الكسب على نسبته.



و العمران و وفوره و نفاق أسواقه إنما هو بالأعمال ،و سعي الناس في المصالح و المكاسب ذاهبين و جائين، فإذا قعد الناس عن المعاش و انقبضت أيديهم في المكاسب كسدت أسواق العمران و انتفضت الأحوال، و ابذعر الناس في الآفاق من غير تلك الإيالة في طلب الرزق فيما خرج عن نطاقها.



فخف ساكن القطر و خلت دياره و خرجت أمصاره و اختل باختلاله حال الدولة و السلطان، لما أنها صورة للعمران تفسد بفساد مادتها ضرورة.



و انظر في ذلك ما حكاه المسعودي في أخبار الفرس عن الموبذان صاحب الدين عندهم، أيام بهرام بن بهرام و ما عرض به للملك في إنكار ما كان عليه من الظلم، و الغفلة عن عائدته على الدولة بضرب المثال في ذلك، على لسان البوم حين سمع الملك أصواتها و سأله عن فهم كلامها؟



فقال له: إن بوما ذكرا يروم نكاح بوم أنثى، و إنها شرطت عليه عشرين قرية من الخراب في أيام بهرام فقبل شرطها، و قال لها: إن دامت أيام الملك أقطعتك ألف قرية و هذا أسهل مرام.



فتنبه الملك من غفلته و خلا بالموبذان و سأله عن مراده فقال له أيها الملك إن الملك لا يتم عزه إلا بالشريعة و القيام لله بطاعته و التصرف تحت أمره و نهيه، و لا قوام للشريعة إلا بالملك، و لا عز للملك إلا بالرجال، و لا قوام للرجال إلا بالمال، و لا سبيل إلى المال إلا بالعمارة، و لا سبيل للعمارة إلا بالعدل.



و العدل الميزان المنصوب بين الخليقة، نصبه الرب، و جعل له قيما و هو الملك، و أنت أيها الملك عمدت إلى الضياع فانتزعتها من أربابها و عمارها، و هم أرباب الخراج و من تؤخذ منهم الأموال و أقطعتها الحاشية و الخدم، و أهل البطالة فتركوا العمارة، و النظر في العواقب و ما يصلح الضياع و سومحوا في الخراج لقربهم من الملك.



و وقع الحيف على من بقي من أرباب الخراج و عمار الضياع، فانجلوا عن ضياعهم و خلوا ديارهم، و أووا إلى ما تعذر من الضياع فسكنوها، فقلت العمارة و خربت الضياع، و قلت الأموال و هلكت الجنود و الرعية، و طمع في ملك فارس من جاورهم من الملوك، لعلمهم بانقطاع المواد التي لا تستقيم دعائم الملك إلا بها.



فلما سمع الملك ذلك أقبل على النظر في ملكه، و انتزعت الضياع من أيدي الخاصة و ردت على أربابها، و حملوا على رسومهم السالفة و أخذوا في العمارة، و قوي من ضعف منهم، فعمرت الأرض و أخصبت البلاد، و كثرت الأموال عند جباة الخراج، و قويت الجنود و قطعت مواد الأعداء، و شحنت الثغور و أقبل الملك على مباشرة أموره بنفسه فحسنت أيامه و انتظم ملكه. فتفهم من هذه الحكاية أن الظلم مخرب للعمران، و أن عائدة الخراب في العمران على الدولة بالفساد و الانتقاض.



و لا تنظر في ذلك إلى أن الاعتداء قد يوجد بالأمصار العظيمة من الدول التي بها و لم يقع فيها خراب، و اعلم أن ذلك إنما جاء من قبل المناسبة بين الاعتداء و أحوال أهل المصر، فلما كان المصر كبيرا و عمرانه كثيرا و أحواله متسعة بما لا ينحصر،كان وقوع النقص فيه بالاعتداء و الظلم يسيرا لأن النقص إنما يقع بالتدريج.



فإذا خفي بكثرة الأحوال و اتساع الأعمال في المصر لم يظهر أثره إلا بعد حين، و قد تذهب تلك الدولة المعتدية من أصلها قبل خراب و تجيء الدولة الأخرى ،فترفعه بجدتها و تجبر النقص الذي كان خفيا فيه فلا يكاد يشعر به، إلا أن ذلك في الأقل النادر.



و المراد من هذا أن حصول النقص في العمران عن الظلم و العدوان أمر و اقع لا بد منه لما قدمناه، و وباله عائد على الدول. و لا تحسبن الظلم إنما هو أخذ المال أو الملك من يد مالكه من غير عوض و لا سببكما هو المشهور، بل الظلم أعم من ذلك و كل من أخذ ملك أحد أو غصبه في عمله، أو طالبه بغير حق، أو فرض عليه حقا لم يفرضه الشرع فقد ظلمه.



فجباة الأموال بغير حقها ظلَمة، و المعتدون عليها ظلمة، و المنتهبون لها ظلمة، و المانعون لحقوق الناس ظلمة، و خصاب الأملاك على العموم ظلمة، و وبال ذلك كله عائد على الدولة بخراب العمران الذي هو مادتها، لإذهابه الآمال من أهله.



و اعلم أن هذه هي الحكمة المقصودة للشارع في تحريم الظلم، و هو ما ينشأ عنه من فساد العمران و خرابه، و ذلك مؤذن بانقطاع النوع البشري، و هي الحكمة العامة المراعية للشرع في جميع مقاصده الضرورية الخمسة من حفظ الدين و النفس و العقل و النسل و المال.



فلما كان الظلم كما رأيت مؤذنا بانقطاع النوع لما أدى إليه من تخريب العمران، كانت حكمة الخطر فيه موجودة، فكان تحريمه مهما، و أدلته من القرآن و السنة كثيرة، أكثر من أن يأخذها قانون الضبط و الحصر.



و لو كان كل واحد قادرا على الظلم، لوضع بإزائه من العقوبات الزاجرة ما وضع بإزاء غيره من المفسدات للنوع التي يقدر كل أحد على اقترافها، من الزنا و القتل و السكر إلا أن الظلم لا يقدر عليه إلا من يقدر عليه، لأنه إنما يقع من أهل القدرة و السلطان فبولغ في ذمه و تكرير الوعيد فيه، عسى أن يكون الوازع فيه للقادر عليه في نفسه. و ما ربك بظلام للعبيد.



و لا تقولن إن العقوبة قد وضعت بإزاء الحرابة في الشرع، و هي من ظلم القادر لأن المحارب زمن حرابته قادر، فإن في الجواب عن ذلك طريقين:



أحدهما أن تقول العقوبة على ما يقترفه من الجنايات في نفس أموال على ما ذهب إليه كثير، و ذلك إنما يكون بعد القدرة عليه و المطالبة بجنايته، و أما نفس الحرابة فهي خلو من العقوبة.



الطريق الثاني أن تقول: المحارب لا يوصف بالقدرة، لأنا إنما نعني بقدرة الظالم اليد المبسوطة التي لا تعارضها قدرة، فهي المؤذنة بالخراب و أما قدرة المحارب فإنما هي إخافة يجعلها ذريعة لأخذ الأموال، و المدافعة عنها بيد الكل موجودة شرعا و سياسة، فليست من القدر المؤذن بالخراب و الله قادر على ما يشاء.





السابق

الفهرس

التالي


14230985

عداد الصفحات العام

3274

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م