{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً (62) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً (63) } [النساء]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(01)سافر معي في المشارق والمغارب

(01)سافر معي في المشارق والمغارب

الرحلة الأولى إلى إندونيسيا 1400ﻫ ـ 1980م

مقدمة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على عبده ورسوله خير خلق الله، محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فقد عرض عليّ فضيلة نائب رئيس الجامعة الإسلامية السابق (فضيلة الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد) السفر إلى إندونيسيا في آخر السنة الدراسية قبل الماضية (1398 ـ 1399ﻫ) للاطلاع على أحوال المسلمين هناك ـ ولا سيما المؤسسات الإسلامية المهتمة بالدعوة إلى الله والقيام بما يستطاع من الدعوة والتوجيه، فاعتذرت آنذاك مضطراً لا مختاراً، لأن رغبتي في زيارة العالم ـ ولا سيما البلدان الإسلامية ـ شديدة، لما في ذلك من الاطلاع على الجديد المفيد في سلبه وإيجابه، يستفيد المسلم من الأحوال الطيبة التي يراها في العالم فيعمل بمقتضاها، وهي إيجابية، ويستفيد من الأحوال السيئة التي يشاهدها فيزداد بصيرة بها وابتعاداً عنها ونهياً عنها، وقبل حينذاك فضيلته عذري..


خريطة إندونيسيا السياسية

وفي هذه السنة 1399/1400ﻫ. عندما علمت أن سفري إلى بعض البلدان للدعوة إلى الله، قد تقرر بادرت بنفسي فطلبت من فضيلة نائب رئيس الجامعة الدكتور عبد الله بن عبد الله الزائد أن تكون إندونيسيا هي التي أتوجه إليها، فحبذ ذلك فضيلته، وكنت راغباً كذلك في زيارة بعض البلدان.. في الطريق إلى إندونيسيا وهي الهند، وسيريلانكا، وتايلاند وماليزيا، وسنغافورة ثم في العودة هونغ كونغ، وحددت تلك البلدان لفضيلة النائب فوافق أيضا عليها ولكن موعد السفر الذي تقرر في: 29/7/1400ﻫ أجل إلى 15/8/1400ﻫ. لمصالح تتعلق بالجامعة فكان ذلك سبباً في حذف الهند وسيريلانكا وتايلاند وسنغافورة، وإن كان هذان البلدان الأخيران قد مررنا بهما مروراً عاجلاً.




واخترت للسفر معي فضيلة الشيخ عبد القوي عبد المجيد لثلاثة أمور:

الأمر الأول: تجربتي السفر معه قبل ذلك إلى بنغلاديش، إذ وجدته يجمع صفات يستفيد منها رفيقه عبادةً
وترويحاً.

الأمر الثاني: أنه يحفظ كتاب الله ويتلوه تلاوة ممتعة، ونحن قد تقرر أن نكون في شهر رمضان المبارك في إندونيسيا ويناسب أن يصلي بالمسلمين هناك صلاة التراويح.

الأمر الثالث: أن عنده ما يفيدنا في المطارات والفنادق والأسواق والمطاعم في التفاهم مع الناس باللغة الإنجليزية.

وعندما قدمت لفضيلة نائب رئيس الجامعة اقتراح انتدابه، وافق فضيلته وعرضت الأمر على فضيلة الشيخ عبد القوي، فوافق أيضاً وأخذنا نتشاور ونجمع شيئاً من المعلومات عن هذا البلد للاستفادة منها.
وسافر هو قبلي إلى باكستان لقضاء بعض حاجاته هناك.

يوم الخميس: 14/8/1400ﻫ ـ 26/6/1980م

تاريخ طويل مر بالخاطر في وقت قصير: ذهبنا إلى المسجد النبوي أنا والابن عبد البر الذي قررت سفره معي لتوسيع مداركه واطلاعه معي على أحوال إخوانه المسلمين، ولا سيما الشباب الذي في مثل سنه ليحفزه ذلك على الاهتمام بدينه علماً وعملاً ودعوة، فصلينا في المسجد العصر وزرنا قبر الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، وقبري صاحبيه وخليفتيه الراشدين: أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما وعن بقية خلفاء الرسول صلى الله عليه وسلم، وأصحابه.

وفي هذا الوقت ـ وقت أداء صلاة العصر وزيارة الحبيب وصاحبيه أخذت أجول بخاطري في نشوء الدعوة إلى الله في مكة، وما ناله الرسول صلى الله عليه وسلم، وأصحابه رضي الله عنهم، من أذى في سبيلها، كما تذكرت تلك القوافل المؤمنة التي تركت البلد والأهل والمال وهاجرت بدينها راضية إلى هذا البلد الحبيب ـ المدينة المنورة ـ بعد أن هدى الله طليعة الأنصار لمبايعة الرسول صلى الله عليه وسلم، على الإسلام والجهاد في سبيل الله، وتذكرت تلك الليلة التي خرج فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصاحبه إلى الغار للاختفاء من جند الشيطان ثم الهجرة الشريفة إلى طيبة الطيبة التي كون بها قاعدته الصلبة من المهاجرين الذين رباهم في مكة على التوحيد والطاعة الكاملة لله ولرسوله وعلى الصبر والتحمل، ومن أنصار الله ورسوله بالمدينة الذين عاهدوه على نصرة هذا الدين وحمايته من كل معتد، وكيف كون بين الفريقين ذلك الإخاء الفريد في حياة البشرية.

وأخذت أسرح الطرف في هذا المسجد العظيم، فتصورت مشهد رسول الله، وهو ينقل الطين والحجارة وجريد النخل مع أصحابه ويبني بيده الشريفة مهوى لأفئدة أصحابه ومن يأتي بعدهم من أمته، يعبدون الله فيه ويتعلمون دين الله من وحيه الذي كان ينزل به جبريل طرياً صباح مساء، ويطبقون ما تعلموه عملاً ودعوة، وأخذتْ الصور تتابع في ذهني لتأسيس أول دولة إسلامية عالمية على وجه الأرض في هذه البقعة، وكأني أشاهد تلك السرايا التي كان الرسول صلى الله عليه وسلم، يبعثها للاستطلاع والاحتكاك بجند الشيطان تمهيداً لعقد الألوية وبعث الكتائب الجهادية في أنحاء الجزيرة العربية، وتلك الغزوات التي شارك فيها رسول الله بنفسه فانتصر فيها على أعدائه وابتلى وأصيب بما أصيب به بسبب بعض المعاصي الصادرة من بعض أصحابه.

وعرضت لي تلك الصور الرائعة: وفود الناس الداخلين في دين الله أفواجاً، واليهود الذين خُدَّت لهم الأخاديد وقتلوا ودفنوا فيها جزاء غدرهم وكيدهم، وزملاؤهم الذي حزموا حقائبهم وخرجوا إلى غير رجعة، بعد أن تمكنوا مدة طويلة من السيطرة الاقتصادية والثقافية ومن العيث في الأرض فساداً في هذه المدينة، وتسلسلت حوادث التاريخ الإسلامي في ذهني إلى أن فتحت فارس والروم ثم امتدت فتوح الإسلام إلى شرق الدنيا وغربها.. ثم انتقل ذهني إلى تجار المسلمين وهم يفتحون البلدان بالقدوة الحسنة والمعاملات النظيفة الشريفة، ومن تلك البلدان إندونيسيا التي أزمعت السفر إليها.

وقلت في نفسي: ما الذي سأعمله في هذه الرحلة القصيرة وما المنهج الذي أسير عليه ويفيد من سأجتمع بهم في هذه المدة؟ ثم خرجنا من المسجد النبوي بعد أداء الصلاة وزيارة الحبيب صلى الله عليه وسلم، وصاحبيه رضي الله عنهـما، ورجعنا إلى المنزل، فودعنا الأسرة وأخذنا حقائبنا وانطلقنا إلى مطار المدينة المنورة.

وكنت أفكر في قضاء رمضان خارج الحرمين الشريفين بما فيهما من روحانية إيمانية قلما توجد في غيرهما ـ ولكن ما أزمعت السفر من أجله كان يسليني ويذكرني بخروج أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، من هذا البلد إلى غيره للدعوة إلى الله..

وفي قاعة المطار سرح خيالي إلى وسائل المواصلات في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وأصحابه ومن تبعهم في الدعوة إلى الله والجهاد في سبيله، وكيف استطاعوا أن يصلوا إلى كل بقعة في الأرض أمكنهم الوصول إليها فنشروا فيها هدى الله وراية الحق.

وقارنت ذلك بما يسره الله لنا من الوسائل في هذا العصر من وسائل المواصلات وغيرها مما لو استغله المسلمون في الدعوة إلى الله لما بقي شبر في الأرض لم تبلغه الدعوة إلى الله وأن المسلمين القادرين كلهم يأثمون على عدم قيامهم بواجبهم من التخطيط العلمي الكامل والتنظيم الدقيق والسعي الجاد بكل قوة، لإيصال دين الله إلى الناس كافة مسلمهم الجاهل وكافرهم الجاحد.

وكنت قبل يوم السفر هذا بيوم واحد اجتمعت بالابن عبد البر الذي قررت سفره معي ونصحته وضربت له مثلا للمسافر الصالح وآخر للمسافر الفاسد، قلت له: المسافر الصالح يجعل قدوته النحلة التي تقطف الأزهار النظيفة ذات الرائحة الطيبة والرحيق الشافي، فتخرجه عسلاً مصفى يشفي الناس من الآلام والأمراض، وهكذا المسافر الصالح ينظر إلى الأمور الطيبة والصفات الحميدة التي يجدها في الناس فيتحلى بها ويعود إلى أهله وجيرانه بأخلاق زكية يهديها لهم قبل أن يهدي شيئاً من الأمور المادية.

أما المسافر الفاسد ـ فإنه مثل الْجُعَل الذي اعتاد أن يغوص في وسط القاذورات المنتنة، يأخذ في تقليب أجزائها هنا وهناك إذا رآه أحد نفر منه، فعليك يا ابني أن تكون نحلةً لا جعلاً، وذكَّرت الابن مرة أخرى بهذا المثل في مطار المدينة وقلت له: لا أريد أن أكرر عليك النصيحة فعليك أن تعض على نصيحتي بالنواجذ.

وقد استفاد من هذه النصيحة فرأيت منه ما يسر في رحلتنا على الرغم من طولها نسبياً وعلى الرغم مما فيها من أمور جديدة بالنسبة له أيضاً صالحة للجعلان، فالحمد لله على توفيقه. وكان الأبناء الصغار معنا فودعناهم وأوصيناهم بتقوى الله ورجعوا مع بعض أصدقائنا إلى المدينة.

أساس الحكم في إندونيسيا:

وكان معنا في سفرنا هذا أحد الطلبة الإندونيسيين ـ وهو طالب في كلية اللغة العربية وهو الأخ عبد الله بن سعيد باهرمز ـ وبدأت أسأله عن بعض الشؤون في بلاده، لا سيما ما يتعلق بالدعوة، كما سألته عن المبادئ الخمسة التي كنت سمعتها من قبل والتي قال بعض الإخوة الذين زاروا إندونيسيا قبلي: إنها - أي المبادئ الخمسة - يجمعها الشعار الذي تنادي الحكومة الشعب كله بأن يخلص له الولاء وهو:(بنتشاسيلا) التي تعتبر أساس الحكم في إندونيسيا، وكان الطالب المذكور يحتفظ ببعض المنشورات الحكومية، وفيها تفسير لهذا الشعار فأخذت أقرأ وأتأمل فوقع في نفسي أن هذا الشعار شبيه بالشعارات الأخرى التي نودي بها في هذا العصر لتحل محل الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين، ولكني ما كنت جازماً لأني لم أستوعبه وإن كنت سمعت من بعض المشايخ ما يشير إلى هذا المعنى. وجاء الوقت فطارت بنا الطائرة إلى جدة وهنالك ـ في المطار ـ استقبلنا بعض الأصدقاء فبتنا في منزله والتقينا بعض المهتمين بشؤون الدعوة فتذاكرنا ذلك بصفة عامة.





السابق

الفهرس

التالي


14213287

عداد الصفحات العام

1013

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م