{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً (62) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً (63) } [النساء]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(042)سافر معي في المشارق والمغارب

(042)سافر معي في المشارق والمغارب

السفر إلى هونغ كونغ:

وفي الساعة السابعة إلا ربعاً ذهبنا إلى مطار جاكرتا، وبعد الفراغ من الجمرك والجوازات ودعنا الأخ عبد الله، فدخلنا إلى قاعة الانتظار ثم صعدنا إلى الطائرة التي أقلعت في الساعة الثامنة والدقيقة الخمسين، وجالت بنا فوق مدينة جاكرتا، ذات المنازل القصيرة المسنمة، وتُرى العمارات الكبيرة المتناثرة هنا وهناك.

ملحوظات ينبغي تسجيلها:
وحيث إن هذه النظرة من نافذة الطائرة إلى مدينة جاكرتا عاصمة الشعب الإندونيسي هي النظرة الأخيرة في هذه الرحلة، فإنه لا بد من إبداء بعض الملحوظات التي خطرت لي لأهديها لهذا الشعب المسلم، ولكل قادر على مساعدة المسلمين فيه على حفظ دينهم والسعي في تمسكهم به.

الملحوظة الأولى: الولاء: لـ(البانتشاسيلا).

1 ـ إن هذا الشعب هو أكثر الشعوب الإسلامية عدداً، ومنظمات هذا الشعب الإسلامية ـ على قلة إمكاناتها ـ تكافح وتناضل من أجل نشر مبادئ الإسلام وتثبيت قواعده لالتفاف هذا الشعب حوله، والولاء لله ولرسوله وللمؤمنين، الولاء الذي يجب أن يتميز به المسلم عن غيره، وإلا لما كان هنالك فرق بينه وبين غيره ممن تتعدد ولاءاتهم، قال تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْغَالِبُونَ} [المائدة] وقال: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51} [المائدة].

وهذا الولاء يجمع المسلمين في كل أقطار الأرض، فالمؤمن في الفلبين ولي المؤمن في أمريكا، و المؤمن في مكة ولي المؤمن في باريس ولندن، والشعوب الإسلامية بعضها أولياء بعض، لا فرق بين شرقي وغربي ولا بين عربي وعجمي.

وعندما كان هذا الولاء متحققاً في المسلمين، كانوا كلهم أعداء لأعداء الله يدعونهم إلى الله، ويجاهدون
من كفر بالله حتى كان الابن يقتتل هو وأبوه في معركة واحدة، وكذلك الأخ وأخوه، والقريب مع قريبه مهما كانت القرابة، حتى جعل الله كل علاقات الإنسان من مال وقرابة وغيرهما في كفة، وجعل تعالى طاعته والجهاد في سبيله ومحبته في كفة أخرى، من رجح الكفة الأولى على الثانية كان فاسقاً بعيداً عن هدى الله مستحقاً لوعيده في الدنيا والآخرة، ومن رجح كفة الله على علائقه كلها كان ولياً لله مهتدياً مستحقاً نصره ورضوانه، كما قال تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24)} [التوبة].

وعندما كان الولاء متحققاً في الأمة الإسلامية، حقق الله للمسلمين العزة والنصر والغلبة على أعدائهم، على الرغم من كثرتهم وكثرة عددهم، وعندما ضاع هذا الولاء وحلت محله ولاءات أخرى لشعارات جاهلية باسم الأرض، أو باسم الجنس أو باسم أي مبدأ آخر تفرقت كملة المسلمين فصارت كل طائفة توالي هذه الأرض أو هذا الجنس أو هذا المبدأ، أذلهم الله وأذهب شوكتهم وأنزل الرعب في قلوبهم بدلاً من إنزاله في قلوب أعدائهم.

وقد أدرك أعداء الله الكافرون أن ولاء المسلمين بعضهم لبعض، إذا تحقق أخضع الله به لهم راية الكفر ورفع لهم راية الإسلام، وإذا تشتت هذا الولاء دب فيهم الضعف والوهن وكانوا أذناباً لغيرهم من أمم الكفر، فوضعوا خطتهم لإيجاد شعارات كثيرة تتعدد لها ولاءات الشعوب، كما وضعوا شعارات كثيرة في داخل الشعوب، تتعدد لها ولاءات الأحزاب، وقد نجحوا في ذلك أيما نجاح عندما جعلوا العرب وهم حملة رسالة وأهل الولاء الأصيل لله ولكتابه ولرسوله وللمؤمنين، يتركون الدعوة إلى الولاء لكلمة التوحيد وينادون بالولاء للجنس أو القوم ورفعت راية القومية العربية بدلاً من الجامعة الإسلامية.

وهكذا أصبح لكل شعب من شعوب المسلمين راية قومية يدعون لها ويلتفون في الظاهر حولها، هذا تركي وهذا هندي، وهذا إفريقي وهذا إندونيسي حتى أصبح بعض المنتسبين للإسلام لو رأى كتاب الله يداس بالأقدام أو كلمة لا إله إلا الله يستهان بها لم يتحرك قلبه ولم يتغير وجهه غضباً لذلك، ولكنه لو رأى علم بلاده وقد رسم فيه حيوان أو غيره ينزل من مكانه ضاق بذلك ذرعاً وغضب وعمل كل ما يقدر عليه للانتقام ممن فاعل ذلك بعلم بلاده.

والحكام الذين يحاربون الإسلام أو يخافون من انتشاره وسيطرة أحكامه على نفوس شعوبهم، يحاولون إيجاد كل الوسائل لإحداث شعارات ومبادئ وطقوس يحلونها محل لا إله إلا الله محمد رسول الله، بل مبادئ الإسلام الخمسة ويدعون طوائف شعوبهم على اختلاف أديانهم لموالاة بعضهم بعضاً على أساس تلك الشعارات أو المبادئ، ويوهمونهم أن في ذلك عزتهم وقوتهم وأن ولاءات الدين تغرق الشعوب وتضعفها.

وهذا المعنى هو الذي يظهر من المراد بأول مبدأ من المبادئ الخمسة التي تضمنها شعار: "البانتشاسيلا" على الرغم من التحفظ الذي يبدو في أسلوب الشارح باللغة العربية.

المبدأ الأول: الربانية المتفردة.

قال المعلق: "ولقد وضع الشعب (مبدأ الإيمان بالربانية المتفردة) في المقام الأول من فلسفة حياته ويعتنق الشعب طائفة من الأديان، فهناك من يدينون بالإسلام، وهناك من يدينون بالنصرانية، ومن يدينون بالهندوكية، أو البوذية أو غير ذلك من المعتقدات.

المبدأ الثاني: الإنسانية العادلة المهذبة..
والمقصود بها ولاء الإنسان لأخيه الإنسان، بصرف النظر عن الدين والعقيدة والخلق. وهي دعوى نظرية يصعب تطبيقها على الرغم من اصطدامها بأصل من أصول الإسلام وهو موالاة أولياء الله ومعاداة أعدائه، وأول ما تصطدم به هو:

المبدأ الثالث: الوحدة القومية الإندونيسية..

فالوحدة ليست إنسانية وإنما هي إندونيسية وكم من الأقوام يدعون وحدة منسوبة إلى أرضهم أو جنسهم كالوحدة القومية العربية؟ ثم الوحدة المدعاة بين شعبين، ثم الوحدة المدعاة لشعب بعينه، ومع تلك الدعاوى تجدهم متنازعين متحاربين، كل طائفة تبيت الشر للأخرى.

المبدأ الرابع: سلطة الشعب الموجهة بالحكمة والحصافة في الشورى النيابية.

وهذا المبدأ يصطدم اصطداماً مباشراً مع مبدأ الطاعة المطلقة لله وحده، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فالسلطة في الدين الإسلامي، هي سلطة من يستمد حكمه من اختيار أهل الحل والعقد لتلك السلطة، على أساس إقامة شرع الله الصادر عن كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإن كان أولو الأمر يجتهدون في تطبيق النصوص الإسلامية إذا لم يرد بصفة معينة، كما أنهم يجتهدون في قياس ما لم يرد فيه نص على ما ورد فيه نص، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (59)} [النساء].

وفي نص هذا المبدأ خداع للشعب، حيث أسندت السلطة إليه، ولكن سلطته موجهة بالحكمة والحصافة، فمن صاحب الحكمة والحصافة الذي يوجه بهما سلطة الشعب؟! إنه في الحقيقة الحاكم الفرد المستبد الذي يخادع الشعب بالحكم النيابي الصوري الذي لا يخرج عن طاعته. ولو فرضنا أنهم خالفوه في بعض أمره، فإنما يخالفونه بحسب رغباتهم وأهوائهم، فيكون هوىً مخالفاً لهوى. وإن القانون الذي يحكم به الشعب هو قانون يصادم عقيدة الشعب ودينه الذي كلفه الله العمل به وتطبيقه وتحكيم شرعه.

المبدأ الخامس: العدالة الاجتماعية لكافة الشعب الإندونيسي...

وهذا المبدأ مبني على المبادئ الأولى التي منها المبدأ الرابع الذي يجعل السلطة للشعب والمقصود أفراد من الشعب يغلبهم الهوى والجهل فيظلمون الشعب ويسمون ظلمهم عدالة. وبعد أن أشار الشارح إلى هذه المبادئ صرح بأنها هي الأساس والمنطلق في السياسة والاقتصاد والثقافة والتربية والتعليم ومختلف النشاطات الاجتماعية الأخرى.

فالشعار بهذا المفهوم هو مصدر النشاط الإندونيسي، وكأنه يقول إذا كان المسلم مأمورا أن يقول: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)} [الأنعام] فإن الإندونيسي مسلماً وغير مسلم يجب أن يقول: إن نشاطي كله لـ(البانتشاسيلا).

وقد رحب بهذا الشعار غير المسلمين، كما نص أن المؤتمرين النصارى أيدوا البانتشاسيلا في مؤتمرهم.
أما المسلمون فمنهم الجاهل الذي لا يفرق بين الجمرة والتمرة، إلا بعد الندم ولات ساعة مندم. ومنهم الذي ضعف إيمانه فيحاول التوفيق بين هذه المبادئ وبين الإسلام بطرق معوجة وتحريف الكلم عن مواضعه، على حد من وصفهم الله في كتابه، وهو علام الغيوب:
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً (62) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً (63} [النساء].

ومنهم من ينكر ويبصر ولو أحاطت به الأخطار ويقول: {حسبنا الله ونعم الوكيل} كما قال إبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام. ومن الأدلة الواضحة أن هذا الشعار قصد به صرف المسلمين عن ولاء الله ورسوله والمؤمنين أن رئيس الجمهورية (سوهارتو) يصرح في كل مناسبة أن إندونيسيا لا دينية ومن ذلك تصريحه في مؤتمر الإعلام الإسلامي الذي نظمته رابطة العالم الإسلامي في جاكرتا.

فقد قال: إننا نرحب بكم في إندونيسيا وإن كانت دولتنا لا دينية والشعار يمثل ذلك ويدل عليه. وهذا يوجب على علماء الإسلام أن تكون تربيتهم لأبناء المسلمين مبنية على أصل العبودية لله تعالى الذي له وحده الألوهية المطلقة، وأن يؤصلوا هذا في نفوسهم معنى الموالاة والمعاداة في الله التي اهتم بها علماء السلف وألفوا فيها المؤلفات لعلمهم بما يترتب على ذلك من ترابط المسلمين وقوتهم.

ولقد أثبت تطبيق هذه المبادئ فشل صحة جعلها أساساً لحكم الشعب الإندونيسي المسلم، بدليل الأزمة الأخيرة التي فضحت الحاكم وحاشيته وملأه وأساس حكمه، فسقط مكرها بضغط الشعب الذي حكمه بغير دينه وعقيدته [كان سقوط الرئيس سوهارتو من منصبه يوم الخميس: 21 مايو 1998م].






السابق

الفهرس

التالي


14213109

عداد الصفحات العام

835

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م