{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً (62) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً (63) } [النساء]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(012) سافر معي في المشارق والمغارب

(012) سافر معي في المشارق والمغارب

طمس الحقائق والغرض منه:

وهنا يرد سؤال مهم جداً، وهو أن يقال: لماذا يتلمس كتاب التاريخ المسلمون من الإندونيسيين وغيرهم،

ومن غير المسلمين أيضاً، إثبات دخول الإسلام إلى إندونيسيا من المؤلفات الصينية؟ ولماذا لم توجد كتب عربية تدون دخول المسلمين إلى إندونيسيا، والمسلمون معروفون بالكتابة والتدوين؟ وكذلك لماذا لم توجد مؤلفات إندونيسية تغني عن التماس ذلك من الكتب الصينية؟

والجواب أن المستعمرين الأوروبيين وأساطين المستشرقين والمنصرين الحاقدين على الإسلام والمسلمين، الذين لا ترضى نفوسهم بإثبات أي فضيلة للعرب المسلمين وسبقهم في ميدان الحضارة والتقدم اللذين لم تذقهما أوروبا إلا عن طريقهم، قد حاولوا جاهدين طمس تاريخ الإسلام والمسلمين في إندونيسيا، وإخفاء الحقائق الناصعة التي أبى الله إلا أن تبقى في المآذن والمساجد والمدارس والمعاهد والعلماء من أهل البلد ومن العرب، يرثها اللاحق عن السابق.

وقد نقل السيد علوي بن طاهر الحداد في كتابه: "المدخل إلى تاريخ الإسلام في الشرق الأقصى" ما يدل على سرقة المستعمرين واغتصابهم كل أثر يدل على تاريخ العرب وجهودهم في إيصال الإسلام إلى هذه الجزائر، بل وتحضير أهلها وتثقيفهم وجعلهم يرتقون سلم المجد بسبب دخولهم في الإسلام وأخذهم بمبادئه.
فقال تحت عنوان: "تواريخ جزائر إندونيسيا وما نزل بها من مصائب":

"قال الكاتب عبد الله منشي بن عبد القادر في حكايته عن ملك في القرن الثالث عشر الهجري، بما يتضمن ما يلي: كان يوجد في بلاد الملايو لذلك العصر مجتمع مؤلف من الملايو، والكيلغ والعرب ولفيف مختلف من التجار من الصين وغيرهم، وفي ذلك العصر جمعت هولندا من رياو ولينغا وفاهانغ وترنغانو وكلانتن، كتباً ملايوية وحكايات، نحو سبعين مجلداً".

ثم تساءل السيد علوي قائلاً: "إذن فأين هذه المجلدات؟ وإذا كان قد اجتمع من هذا البلدان نحو سبعين مجلداً، فكم اجتمع لها من جاوة وسومطرة وجزائر سيلا وجزائر الملوك؟ إنه لا محالة يبلغ المئات أو الألوف، فأين هي؟


ولما وردتُ إلى جاوة سنة 1341هـ أخذت أبحث عن التواريخ الجاوية، فقيل لي: ينبغي أن لا تفتح فمك بهذا؟ فإن هنا قانونا قد شرعته الحكومة الهولندية. "أنه يلزم من كان بيده تاريخ خطي أن يسلمه إلى لجنة أقامتها لاستلام ـ لتسلم ـ التواريخ الإسلامية الجاوية". وبعد سنتين زادت في ذلك القانون مادة بأن من وجد عنده تاريخ لم يسلمه للجنة، يحكم عليه بالسجن أو حتى بالقتل. ـ إلى أن قال ـ : فإذا نظرنا إلى ما جمعته هولندا من التواريخ وذهب ضياعاً، عرفنا السر الذي نبحث عنه، وهو أن التواريخ الصينية كلها تتحدث عن العرب وبلادهم وتجارتهم ومراكبهم، والكبار ممن ورد الصين منهم ووفود خلفاء الإسلام، ولا نرى لجزائر الشرق الأقصى تاريخاً يذكر ما كان، كأنها ليست على طريق النهضة التجارية أو مسكونة خاملة.

لكن مما ذكرنا وما لم نذكره نعرف أن تواريخ علمائها ومثقفيها، ذهبت إلى حيث لا رجعة، وأخذت من أيديهم على سياسة مبيتة، وهو إحداث تاريخ لهم ملفق، يصغر لهم دين الإسلام وحكومته.

والمهمة هنا تقع على علماء أندونيسيا المسلمين وطلبة العلم وبخاصة الذين جمع الله لهم بين إتقان اللغة العربية مع الأندونيسية ليحاولوا التفتيش في مكتبات المستعمرين في الغرب لعلهم يجدون شيئاً حفظه الله من الإتلاف المتعمد فيضيء للمسلمين الدرب المظلم من تاريخهم المغتال. وتجاره، ومن جاء به، ويقطع بينهم وبين أول أمة نشرته وهم العرب.

وذكر عبد الله بن عبد القادر منشي في حكايته أن المستر "رافلس" جمع نحو ثلاثمائة مجلد، أما ما وجده البرتغال و الأسبان فأول ما يتبادر إلى الفهم أنه أحرق لوقته، لأن عند هؤلاء قاعدة معلومة أسسها لهم الكاردينال خمنيس.[الذي أمر بإحراق كتب المسلمين في الأندلس عندما غاب نجم الإسلام هناك، وكانت مئات الآلاف في كل منطقة. انظر: المدخل إلى تاريخ الإسلام في الشرق الأقصى، ص: 372-374.].

وقال في موضوع سابق: "على أن بعض المستشرقين المتكلمين على تاريخ دخول الإسلام في الشرق الأقصى، يؤخرون تاريخ دخوله ما استطاعوا، وهذا صادر عن عاطفة تتعلق بفخر اكتشاف الشرق الذي أدركوه، أو راجع إلى عدم الاطلاع على الحقيقة، لأن كتب الإسلام النفيسة والتواريخ الثمينة كلها وقعت بأيديهم، وهم يجعلون أول دخول الإسلام كان إلى سومطرا سنة 694ﻫ ـ1292م وهي السنة التي جاء "ماركوبولو" ويلغون ما سوى ذلك من الدلائل على دخول الإسلام إليها من قبل، ويهملونها إهمالاً كلياً، ومع اكتساحهم تواريخ الشرق الأقصى في محو هذا التاريخ الإسلامي وتحريفه، بقيت بأيدي المسلمين بقية من التواريخ الوطنية والكتب العربية، فيها أخبار صريحة بدخول الإسلام قبل الزمن الذي عينوه تبعاً لـ(ماركوبولو) [المرجع السابق، ص: 204-210، هذا مع العلم أن الباحثة الغربية "فرانسيس وود" رئيسة القسم الصيني بمكتبة المتحف البريطاني، قد أنكرت في كتابها "هل ذهب ماركبولو إلى الصين؟" صحة رحلة هذا الرجل إلى الصين، بل قالت: إنه رحلته لم تتجاوز مدينة القسطنطينية والبحر الأسود، وأنه اعتمد في كتابه على المصادر العربية التي كتبها رشيد الدين وابن بطوطة عن تاريخ بلاد الصين وشرق آسيا، وبهذا يسقط الاحتجاج بما ذكره هذا الكاتب الإيطالي عن الإسلام في الشرق الأقصى بأكمله، مجلة المجلة عدد839، ص:68].

إذًا فالأوربيون أرادوا من طمس الحقائق التاريخية للإسلام والمسلمين في الجزائر الإندونيسية [والشرق الأقصى عموماً] هدفان:

الهدف الأول: ـ وهو الأهم ـ التقليل من شأن الإسلام والمسلمين، وإقناع الناس بأن المسلمين ليسوا أهلَ سبقٍ في الدنيا والآفاق، وأن الإسلام ليس هو الذي ارتقى بأهل تلك المنطقة في سلم الحضارة والعلم والأخلاق الفاضلة.

الهدف الثاني: إيهام الناس أن الأوروبيين هم أهل السبق في الاكتشاف وارتياد أقاصي الأرض، [وإذا انطلى هذا التضليل على الجهلة من البشر فإنه لا ينطلي على من له أدنى اطلاع على فتوحات المسلمين ورحلاتهم وحضارتهم، ويكفي أن تراجع في هذا كتاب "حضارة العرب" لغوستاف لوبون الذي بين زيف بني جنسه المفترين على المسلمين].

الآثار التاريخية تكذب دعوى الأوروبيين:

يزعم الأوربيون بأن الإسلام دخل إلى الشرق الأقصى في القرن السابع الهجري والقرن الثالث عشر الميلادي. ومما يدحض باطل هؤلاء الحاقدين ما اكتشف من مقابر إسلامية يعود تاريخها إلى القرن الخامس الهجري، والقرن الحادي عشر الميلادي [راجع كتاب: دخول الإسلام وانتشاره في أندونيسيا حتى القرن السابع عشر الميلادي. ص: 50 وما بعدها].

وإذا كان هذا هو موقف الأوروبيين من تحديد وقت دخول الإسلام وزحزحته إلى ما يقارب ستة قرون بدون دليل إلا مجرد الدعوى التي تخالف الحقيقة، فما موقفهم من الدعاة العرب الذين نشروا الإسلام في تلك الجزائر؟

من نشر الإسلام في الشرق الأقصى؟

بادئ ذي بدء لا يهمنا على يد من انتشر الإسلام في هذه الجزائر أو غيرها، فلصاحب الفضل فضله وأجره على الله تعالى، وهذا الدين هو دين الله وهو دين عالمي شرعه الله لجميع البشر، من وقت ما قام رسوله صلى الله عليه وسلم، يبلغ به العالمين، ولا يقبل الله من أحد ديناً سواه.

ولكن الذي يهمنا هو الاعتراف لصاحب الفضل بفضله وإثبات الحقائق بدون تزوير ولا غمط أحد، وقد رأينا كيف زيف الغربيون الحقائق وطمسوها، متخذين في ذلك أحط الوسائل، وهي سرقة كتب تاريخ المسلمين وأخذها بالقوة وتغييبها عن الناس، ثم وضع تاريخ مزيف من عند أنفسهم، بل لا يبالي الكاتب منهم أن يتناقض كلامه من أجل وصوله إلى هذا التزييف.

ولنأخذ مثالاً على ذلك من كتاب: الدعوة إلى الإسلام لـ"آرنولد" الذي يقول في ص ـ 401: "ومن المحال أن نعرف على وجه التحقيق التاريخ الدقيق لأول دخول الإسلام في أرخبيل الملايو، وربما حمله هناك تجار العرب في القرون الأولى للهجرة، وذلك قبل أن تصل إلينا أية معلومات تاريخية عن حدوث أمثال هذه المؤثرات في تلك البلاد بزمن طويل، ومما جعل هذا الغرض أكثر احتمالاً، ما نعرفه من أن العرب زاولوا مع بلاد الشرق تجارة واسعة النطاق منذ عصور مبكرة جداً... ـ إلى أن قال ـ : وفي الفترة التي بين القرنين العاشر والخامس عشر حتى قدوم البرتغاليين كان العرب سادة التجارة مع الشرق دون منازع...".

يؤخذ من هذا المقطع أن العرب هم الذين أوصلوا الإسلام إلى الشرق الأقصى وأن هذا احتمال قوي جداً ـ إن لم يكن مقطوعاً به ـ ولكن هذا الاحتمال القوي يتبخر بعد صفحتين فقط، فينسى أرنولد أن (مما جعل هذا الفرض أكثر احتمالاً ما نعرفه من أن العرب زاولوا مع بلاد الشرق تجارة واسعة النطاق منذ عصور مبكرة جداً...) ويقول في ص ـ 404: (تصور لنا الروايات أن الإسلام دخل إلى سومطرة من بلاد العرب، على أنه ليس هناك أساس تاريخي صحيح لمثل هذا الاعتقاد) أي أن الفرض الذي هو أكثر احتمالاً لا يصح أساساً صحيحاً، ثم يتابع كلامه قائلاً: (ويظهر أن الشواهد كلها تشير إلى أن الهند هي المنبع الذي استقى منه أهالي سومطرة معرفتهم بالعقيدة الجديدة..) لماذا؟ يعلل ذلك بقوله: (كانت العلاقات التجارية الفعالة قد قامت منذ قرون بين الهند وأرخبيل الملايو).

وهل وجود هذه العلاقات بين الهند وأرخبيل الملايو تسقط العلاقات التجارية بين العرب والشرق ـ الذي منه أرخبيل الملايو؟! ثم يقول: (ولا يبعد أن يكون أول دعاة سومطرة تجاراً من الهنود) فهل عند أرنولد ما يدعم هذا الاحتمال غير البعيد ويرجحه على ما هو أكثر احتمالاً؟ يجيب على ذلك بالنفي فيقول: (على أنه ليس لدينا أخبار تاريخية عن أعمالهم "يعني الهنود" وهل عندك أخبار تاريخية عن كون المسلمين هم أول من أوصل الإسلام إلى هذه المنطقة؟

يجيب بالإيجاب ويؤكد أن هذه الأخبار صادرة عن أهل البلد أنفسهم ـ وأهل مكة أدرى بشعابها ـ فيقول: (وتنسب أخبار الملايو شرف أول دعوة في مدينة "أتجيه" ATJEH شمال غرب سومطرة إلى عربي يدعى عبد الله عارف).

أليس الأولى القول بأن العرب المسلمين هم أول من جاء بالإسلام إلى هذا البلد، وهو أكثر احتمالاً عند أرنولد نفسه؟ وكذلك أليس الأولى الأخذ بروايات أخبار صادرة من أهل البلد بذلك من الأخذ بمجرد حدس ليس أكثر احتمالاً ولا توجد روايات إخبارية تقويه؟







السابق

الفهرس

التالي


14235495

عداد الصفحات العام

1143

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م