{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً (62) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً (63) } [النساء]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(016) سافر معي في المشارق والمغارب

(016) سافر معي في المشارق والمغارب

العامل الخامس: اجتماعي من عوامل انتشار الإسلام في إندونيسيا:

ويتلخص هذا العامل في أن الإسلام دين المساواة والإخاء والعدالة نظرياً وعملياً، فالناس في الإسلام سواسية، لا فضل لأحد فيه على أحد إلا بالتقوى: )إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ (. الحجرات: 13. وقد سبق الإسلامَ الهندوكيةُ والبوذية، وهما وافدان من الهند، معدن التفرقة الطبقية التي يسمو بها قوم إلى مكان الألوهية وينخفض بها آخرون إلى مقام العبودية، وبينهما طبقات أخرى. و كان الإندونيسيون قبل مجيء الإسلام يُعتَبَرون من الطبقات الدنيا بالنسبة لطبقة الهندوس العليا (البراهمة)، وإن كانت التفرقة الطبقية في إندونيسيا ليست كما هي في الهند، وكان الإندونيسيون صابرين على تلك التفرقة، لأنهم لم يروا ديناً آخر يمقت التفرقة ويساوي بين الناس.

فلما جاء المسلمون ونشروا مبادئ الإسلام، ومنها المساواة بين الناس واهتموا ـ أي المسلمون ـ بالفقراء والطبقات الدنيا في المجتمع كاهتمامهم بالأمراء والأغنياء، ورفعوا من شأن أولئك الفقراء فأصبحوا محترمين في المجتمع، فكان لذلك أثره في نفوس الناس فتسابقوا إلى الدخول في هذا الدين وانتشر الإسلام في ذلك المجتمع، كما أن الإسلام يضع الناس في مواضعهم فيحترم الحاكم العادل ويأمر بطاعته وعدم الخروج عليه، ويجعل طاعته من طاعة الله في غير معصية، فأقبل كذلك على الإسلام قادة الشعوب وأمراؤها فدخلوا في دين الله فانتشر الإسلام أفقياً ورأسياً.

ويدخل في العامل الاجتماعي الزواج والمصاهرة، حيث كان كثير من المسلمين القادمين من البلاد العربية وغير العربية يتزوجون من النساء الإندونيسيات، ليحصنوا أنفسهم بهذه السنة، ويوطدوا علاقاتهم بأهل البلاد من أجل نشر الإسلام، وبخاصة عندما تكون الفتاة التي يتزوجها المسلم من بنات الأمراء وكبار الأسر، حيث ينتشر الإسلام في أسرتها ويكون لذلك أثره في بقية المجتمع المرجع. [السابق، ص: 217-]222.

الإسلام ذاته يحمل عوامل انتشاره في إندونيسيا وغيرها:

إن هذا الدين بعقيدته وعبادته وأخلاقه ومعاملاته وتشريعاته وكل موضوعاته: أصولها وفروعها، يفتح لنفسه القلوب الغلف، والأعين العمي، والآذان الصم، وهو نفسه يجعل من اطّلَع عليه من ذوي الفطر السليمة من التكبر على الحق ومحاربته يسرع إلى الدخول فيه؛ لأنه حق وكل ما خالفه باطل، والحق دليله فيه على كونه حقاً، كما أن الباطل يحمل الدليل على أنه باطل.

فإذا ما علم غير المسلم ـ من أهل الكتاب أو غيرهم من الوثنيين هندوكيين أو بوذيين أو غيرهم ـ العقيدة السهلة التي جاء بها هذا الدين ـ العقيدة في الله أو في وحيه وكتبه ورسله واليوم الآخر ـ العقيدة التي تسلم بها العقول وتقر بها الفطر وتدل عليها مخلوقات الله العلوية والسفلية، إذا علم الإنسان هذه العقيدة، وقارن بينها وبين العقائد المحرفة أو الوثنية، جزم وتيقن أن هذه العقيدة التي جاء بها هذا الدين، هي العقيدة الصحيحة وما عداها من العقائد باطل، وأن ديناً جاء بهذه العقيدة هو الدين الحق وما سواه باطل.

فإذا ما علم ـ بعد علمه هذه العقيدة ـ العبادة في الإسلام وبعدها عن الطقوس الوثنية الشركية التي ضل بها البشر في جميع العصور التي ابتعدوا فيها عن دين الله القويم، وعرف أثر العبادة في الإسلام في حياة الفرد والأسرة والمجتمع وما يترتب عليها في الدنيا والآخرة، تيقن ـ كذلك ـ أن هذه العبادة هي العبادة الصحيحة التي تسعد بها البشرية وتشقى بسواها من الطقوس الشركية والبدعية.
و
كذلك إذا علم الإنسان الأخلاق الإسلامية، من الصدق والكرم والإحسان والإيثار ومحبة الخير للناس جميعاً كما يحب المسلم ذلك لنفسه، وكراهته الشر للناس جميعاً كما يكره ذلك لنفسه، والنصح لكل الناس بحسب ما يأمره به دينه، إذا علم الإنسان ذلك اطمأنت نفسه إلى هذه الأخلاق وإلى الدين الذي جاء بها وأثاب على التحلي بها وحاسب من خالفها.

وهكذا إذا علم الإنسان التشريعات الإسلامية للفرد والأسرة والمجتمع، والعلاقة بين المسلمين وغيرهم في حالتي السلم والحرب، وما يتبع ذلك من الصدق والوفاء بالعهد ومعاملة الأسرى والرفق بغير المقاتلين وعدم الاعتداء غير المشروع، وما يترتب على أحكام الأسرة من مودة واطمئنان ومحبة وائتلاف وأداء حقوق والقيام بواجبات.

وكذلك حقوق الجيران وحقوق الرعية على الحاكم، وحقوق الحاكم على الرعية، وصيانة الضرورات التي لا حياة كريمة بدون صيانتها، وهي الدين والنفس والعرض والعقل والمال، والوسائل التي شرعت لحفظها وحفظ ما يكملها من حاجيات وتحسينات، وحقوق الأجراء والعبيد، وغير ذلك مما تزخر به كتب الشريعة الإسلامية المستمدة من الكتاب والسنة وما استنبطه علماء الإسلام المجتهدون منهما، إذا علم الإنسان ذلك يتيقن أن هذه الشريعة حق، وأن الدين الذي جاء بها هو الدين الحق الذي لم يبق في الأرض دين حق سواه... وهكذا...

وهذا هو السبب الرئيس بل الشامل لكل الأسباب المذكورة في انتشار الإسلام في الأرض، وبخاصة إذا علمنا أن جهود الدعوة الإسلامية كانت غالباً فردية، غير منظمة تنظيماً دقيقاً، كما هو الحال عند النصارى الذين أقاموا مؤسسات متنوعة بدعم من الدول الغربية المستعمرة، فقد كان الإسلام يسبق هذه المؤسسات المدعمة بالمال والرجال والتنظيم، ويقف في وجهها ويدخل فيه الناس ويحاربون المستعمر ومبشريه.

فالسبب الرئيس الشامل في انتشار الإسلام، هو الإسلام ذاته بما تضمنه من خير شامل لحياة البشر مع وضوح منهجه، وتسليم العقل بأنه الدين الحق الذي يستحق التضحية والفداء لأن فيه العزة في الدنيا والآخرة لأهله، والعدل والإنصاف لغيرهم.

وقد اعترف بهذا العامل ودوره الرئيس، أعداء الإسلام. براجع "الدعوة إلى الإسلام"، لأرنولد، ص: 454 وما بعدها]. قال الدكتور الْحِبْشِي: "ولعل من أشد الكُتَّاب تعصباً ضد الإسلام والمسلمين في القرن الحادي عشر الهجري السابع عشر الميلادي، كان ألكسندر روس الذي رمى الإسلام ونبيه صلى الله عليه وسلم، وقرآنه الكريم بأبشع التهم. ولكن هذا الكاتب نفسه اضطر إلى الاعتراف بأن عظمة الإسلام وسر انتشاره السريع يكمن في روحه ومبادئه وشريعته وأسلوبه، فيقول:

"ومن الحق لو قرأ المسيحيون إلى أي حد يحرص هؤلاء المسلمون على عبادتهم ومدى تقواهم وصدقهم والى أي حد هم متفانون في إخلاصهم، قانتين في مساجدهم... ولو تأملنا عدالتهم ونزاهتهم وسائر فضائلهم الخلقية ـ وهي ثمرة تعاليم دينهم ـ لخجلنا من جمودنا سواء في عبادتنا أو في تراحمنا، ومن جورنا وإفراطنا وتعسفنا، فلا ريب أن هؤلاء القوم سيقيمون الحجة علينا، ولا شك أن عبادتهم وتقواهم وأعمال الرحمة فيهم، هي من الأسباب الرئيسية لنمو الدعوة المحمدية" [دخول الإسلام وانتشاره في أندونيسيا حتى القرن السابع عشر الميلادي، ص: 227].






السابق

الفهرس

التالي


14215120

عداد الصفحات العام

217

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م