{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً (62) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً (63) } [النساء]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(047)الإيمان هو الأساس - المسألة الثانية: في اتفاق العلماء والأمراء، أو اختلافهم:

(047)الإيمان هو الأساس - المسألة الثانية: في اتفاق العلماء والأمراء، أو اختلافهم:

سبق في الحلقة التي قبل هذه، الكلام عن العلماء أو اختلافهم، وفي هذه الحلقة سيكون الكلام على اتفاق العلماء مع الأمراء أو اختلافهم:



لقد كان أمير المؤمنين في العصور المفضلة، يجمع بين العلم والإمارة، وكان يستشير العلماء فيما يشكل عليه، وكان هو إمام المسجد وقائد الجيش، وقد يجمع مع ذلك شأن القضاء، وقد كان الرسول عليه الصلاة والسلام، يجمع بين سياسة الأمة وقيادتها، وبين إمامتها وتبليغ دين الله إليها.



قال ابن تيمية، رحمه الله: "وقد كانت السنة أن الذي يصلي بالمسلمين الجمعة والجماعة ويخطب بهم، هم أمراء الحرب الذين هم نواب ذي السلطان على الأجناد ولهذا لما قدم النبي عليه الصلاة والسلام ، أبا بكر في الصلاة قدمه المسلمون في إمارة الحرب وغيرها.." [مجموع الفتاوى (28/260).].



ثم تغير الحال، فاختص الأمراء بالسياسة وقوة السلطان، مع عدم إهمال العلم، واختص العلماء بالتعليم والإفتاء والتربية والدعوة وإمامة المساجد، وكان العلماء والأمراء يتعاونون على إقامة دين الله، فريق العلماء يفتي ويبين الحق وينصح، وفريق الأمراء ينفذ - غالباً - أي إنه يجتمع لإقامة الدين سلطان العلم والحجة، وسلطان القوة والقدرة والسيف، ولا يقوم الدين ويحفظ إلا باجتماع هذين الأمرين.



قال ابن تيمية، رحمه الله: "يوضح ذلك أن السلطان نوعان: سلطان الحجة والعلم، وهو أكثر ما سمي في القرآن سلطاناً... والثاني: سلطان القدرة. والعمل الصالح لا يقوم إلا بالسلطانين، فإذا ضعف سلطان الحجة كان الأمر بقدره وإذا ضعف سلطان القدرة كان الأمر بحسبه..." [المرجع السابق (19/125).].

وقال في موضع آخر: "ودين الإسلام أن يكون السيف تابعاً للكتاب، فإذا ظهر العلم بالكتاب والسنة، وكان السيف تابعاً لذلك، كان أمر الإسلام قائماً..." [المرجع السابق (20/393).].



وبين في موضع آخر أن انفراد الدين عن سلطان القوة، وانفراد سلطان القوة عن سلطان الدين فيهما فساد العالم، قال: "وإنْ انفرد السلطان عن الدين، أو الدين عن السلطان، فسدت أحوال الناس" [المرجع السابق (28/394).].



والذي نشاهده نحن اليوم أن سيف السلطان في غالب حكوات الشعوب الإسلامية، لم ينفرد فقط عن سلطان الدين، بل مع انفراده يصيب الدين في مقتل، في غالب مرافق الأمة، في إعلامها الذي أفسد أخلاق الشعوب الإسلامية بخيرات بلادها، وفي سياساتها، وفي اقتصادها، وإننا لنلمح في الأفق محاربة الدين في مناهج التعليم وكتبه التي يخطط لها وهي إذا فسدت أفسد أجيال الأمة، وعلى المسلمين الذين يريدون وقاية أبنائهم من ذلك الإفساد أن يعكفوا على تربية أولادهم على معاني الإسلام التي حفظها لها كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، قبل أن يقولوا لأنفسهم: ليت وهل ينفع شيئا ليتُ؟!



فقد غير كثير من المناهج والكتب في البلدان الإسلامية، وبخاصة بعد اتفاق "كامب ديفد الظالم المذل" فقد بذلت دول الغرب، وبخاصة الإمبراطورية المستكبرة [أمريكا]التي يقول لسان حالها اليوم كما قالت الأمة العاتية التي سبقتها بالأمس، وحكى الله تعالى عنها ذلك: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً...(15)} [فصلت].



والهدف الرئيس من تغيير مناهج التعليم في البلدان الإسلامية، هو مسح ما غرسه الإسلام في نفوس المسلمين من العزة والكرامة، والتحذير من موالاة المعتدين على دينهم من قبل اليهود والنصارى، اقرأ هذه الجمل وافتح رابطها: "واليوم تطالب «إسرائيل» والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من بعض الدول العربية تغيير المناهج الدراسية فيها وبشكل خاص كتب التاريخ والجغرافيا والتربية الدينية والوطنية وكل ما يتعلق بفلسطين و«إسرائيل» واليهود والصراع العربي­ الإسرائيلي".‏ ‏

http://www.alarabnews.com/alshaab/2004/05-03-2004/a5.htm



نعم بذلت الدول الغربية جهودا جبارة لتغيير مناهج التعليم وكتبها الدينية، بل جدت في إلغاء بعض المعاهد والمدارس الإسلامية، وعلمنت بعضها، ولقد تتابعت وفودهم على اليمن وضغطوا على رئيسها السابق حتى ألغى أكثر من ألف معهد علمي في اليمن، كان تدريس غالبها تحت الأشجار، لقلة الإمكانات، بسبب جمع تلك المعاهد بين قيم الإسلام الدينية والأخلاقية والمعاملات المأخوذة من كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وبين المواد الأخرى التي تخدم هذا الدين، وكان طلابها على رغم كثرة المواد التي يدرسونها يتفوقون على طلاب المدارس الحكومية.



http://www.almoslim.net/node/85325



وإن الحرب على مناهج الإسلام وكتبها الإسلامية، ستشتد في الفترة المقبلة أكثر مما مضى، لا سيما بعد أن قامت الثورات الجديدة في ببعض البلدان الإسلامية، التي برز فيها ميل الشعوب إلى اختيار منهاج دينهم في قيام حياتهم.



وعلى من يريد الاطلاع على تلك الجهود العدوانية على مناهج التعليم وكتبها، أن يبحث في الشبكة العالمية "الإنترنت" بإدخال هذه الكلمات: "مخطط أمريكا لتغيير مناهج التعليم الإسلامية" ليعرف عمق الحرب الأمريكية لهذا الدين وأهله! كل الحروب العسكرية التي تشنها أمريكا، وتفتعل لها أسبابا مظهرية، أساسها ما بقي من أثر في حياة المسلمين من مبادئ دينهم.



وبين الغزالي، رحمه الله، أن الدين هو الأصل، وأن السلطان حارس، فقال: "فالفقيه هو العالم بقانون السياسة وطريق التوسط بين الخلق إذا تنازعوا بحكم الشهوات، فكان الفقيه معلم السلطان ومرشده إلى طريق سياسة الخلق وضبطهم، لينتظم باستقامتهم أمورهم في الدنيا.. والملك والدين توأمان، فالدين أصل والسلطان حارس، وما لا أصل له فمهدوم، وما لا حارس له فضائع، ولا يتم الملك والضبط إلا بالسلطان، وطريق الضبط في فصل الحكومات بالفقه" [إحياء علوم الدين (1/17).].



هكذا كان الدين يقوم بسلطان الحجة والفقه عند العلماء، وسلطان القوة والسيف عند الأمراء، وكان يحصل بين بعض العلماء وبعض الأمراء - أحياناً - اختلاف وجفاء، ولكن الخلاف ما كان يصل إلى درجة الفصل بين الدين والدولة.



فما نصيب علماء المسلمين وحكامهم اليوم من الاتفاق والنزاع؟



لقد التزم غالب حكام الشعوب الإسلامية في هذا العصر بفصل الدين عن الدولة، ولم يبقوا من أحكام الدين الإسلامي إلا بعض أحكام الأسرة [نقول: بعض؛ لأن قوانين بعض الدول بها مواد تخالف أحكام الإسلام، وتوجد قوانين مقترحة للأحوال الشخصية في بعض البلدان] - الأحوال الشخصية التي لم تسلم من بعضهم - وبعض المعاملات التي قد يلجأون إليها إذا رأوا المصلحة تقتضي ذلك، ولكنها غير ملزمة لهم، واستبدلوا بأحكام الإسلام قوانين أجنبية [اقتدوا في فصل الدين عن الدولة بالنصارى الذين ذاقوا الأمرين من سلطة الكنيسة التي كانت تحكمهم بأهواء القساوسة الذين يزعمون بأنهم يحكمون باسم الله، ولم يكن عندهم في الإنجيل ما يمكن به الفصل بالعدل في أحكامهم، بخلاف الإسلام الذي فيه تبيان لكل شيء، كما مضى.].



وبذلك سَيَّروا حياة الناس بحسب أحكام القوانين الوضعية، بل إنهم يصدرون ما يشاؤن من قوانين وأحكام تحقق لهم ما يهوون، ولو خالفت تلك القوانين؛ لأنهم يرون أنفسهم فوق القانون ولهم حججهم ومسوغاتهم في التغيير والتبديل.



أقسام العلماء:



وإزاء هذا التغيير انقسم العلماء ثلاثة أقسام:



القسم الأول: يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر:



ويبين الحق من الباطل، بحسب قدرته، ولا يقر المنهج المحارب لشريعة الله؛ وموقف الحكام - النابذين لتحكيم الشريعة - من هذا القسم من العلماء، يختلف من حاكم لآخر، فبعض الحكام يهملون هؤلاء العلماء وآراءهم، ويحاصرون أفكارهم، وقد يأذنون بنشر بعضها إن كانت لا تؤثر على الرأي العام، ويبعدونهم عن مراكز التوجيه. وهؤلاء الحكام أحسن حالاً من غيرهم، وقد يكونون يميلون بفطرتهم إلى ما ينادي به أولئك العلماء، ولكن ضعف إيمانهم وضغوط أعداء الإسلام عليهم وخوفهم على مناصبهم، يحول بينهم وبين تنفيذ ما يعتقدون أنه الحق.



وبعض الحكام يُضَيِّقون الخناق على هؤلاء العلماء ويؤذونهم بالاعتقال والسجن والتعذيب والتشريد، وانتهاك الأعراض والقتل، ويتهمونهم بالتشدد والتطرف والأصولية [لأصولية نسبة إلى الأصول، والأصولي في الشريعة الإسلامية هو الذي يعتقد أصول الإيمان والإسلام ويفقههما فقهاً صحيحاً، وهو العالم بموازين الحكم الصحيح في الشريعة الإسلامية عن طريق تضلعه في علم أصول الفقه وقواعده، وقواعد الأحكام، وأصول التفسير وأصول الحديث... ولكنه عند الغربيين يطلق على فرقة من فرق النصارى البروتستانت، تتمسك بنصوص محرفة تمسكاً جامداً، ويحكمون على كل من يخالف ظواهر تلك النصوص عند الفئات الأخرى من النصارى، بأنها على باطل، وهي ترجمة لمعنى كلمة: (ESSENTIALISM) في اللغة الإنجليزية، هذا مع العلم أن كلمة أصولي تطلق في اللغة الإنجليزية على ما يشبه إطلاقها في الشريعة في الجملة، وهو الضليع في القانون، والمحامي، والقاضي والكلمة الدالة على هذا المعنى في اللغة الإنجليزية هي (JURIST)) فأطلق أعداء الإسلام على المسلم المتمسك بدين الإسلام كلمة الذم الأولى، وتركوا كلمة المدح الثانية، مع أن المسلم في غنى عن مدحهم، ولكن ببغاوات المسلمين من الإعلاميين وغيرهم تلقفوا الكلمة وأطلقوها على من هو بضدها، وهذا مصداق لقول الرسول ‘: >حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه<. راجع كتابنا (السباق إلى العقول: ص 369). مخطوط.]. وهم صابرون صامدون - صمود الجبال وبلال رضي الله تعالى عنه - يقيم الله بهم الحجة ويبين بهم للناس الحق [يحدوهم إلى احتمال الأذى والصبر على المحن ثلاثة أمور: الأمر الأول: إقامة الحجة على الزعماء ببيان الحق من الباطل. الأمر الثاني: تنبيه الأمة على الخطر المحدق بها، بسبب عدم تحكيم شريعة الله. الأمر الثالث: طمعهم في الفوز بأفضل الجهاد، الذي رواه أبو سعيد، t، عن النبي ‘، قال: >أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر<، وهو حديث صحيح، راجع كتاب جامع العلوم والحكم لا بن رجب بتحقيق وهبة الزحيلى (2/151).].



وكلما زاد التشديد عليهم زاد إقبال الناس على دعوتهم وكتبهم والتشبع والتمسك بأفكارهم لما يرون في نهجهم من الحق، وهو قصد رد المسلمين إلى دينهم، ولما أصاب المسلمين من الذل والهوان، ولفشل كل المناهج التي أجرى حكامهم تجاربها عليهم، كما تُجرى تجارب العقاقير على الفئران، كما قال الشاعر:



لولا اشتعال النار فيما جاورت،،،،،،،،،ما كان يعرف طيب عرف العود



ولقد تأثر بدعوة هؤلاء العلماء والدعاة كثير من الشباب في العالم الإسلامي وغيره، فعمت الصحوة الإسلامية أرجاء الأرض، وهي في حاجة إلى ترشيد وتفقيه في دين الله حتى تسير بخطى ثابتة على منهج الله.



القسم الثاني: من يؤثر السلامة:



والذي يخاف أن يصاب بمكروه إذا أمر أو نهى، ويبغض المنكر بقلبه، ويلتزم الصمت، وقد يقول كلمة الحق لدى من يأمنه ولا يخاف منه.



ولنا على هذا الموقف ثلاث ملحوظات:



الملحوظة الأولى: أن الخوف من الإصابة بالمكروه والذي يسقط به الأمر والنهي هو الخوف الذي يغلب على الظن حصوله، وليس الخوف المتوهم.



الملحوظة الثانية: أنه ليس كل مكروه يصيب الآمر والناهي مسقطاً لذلك عنه، فالذي يخاف على نفسه المكروه، من قتل أو ضرب أو حبس، أو نفي، أو أخذ مال، أو على أسرته بالاعتداء عليهم بذلك أو غيره، يُسقِط عنه هذا الخوف - إذا غلب على ظنه وقوعه - القيامَ بالأمر والنهي، وإن كان يستحب له إذا قدر على الصبر، كما مضى في حديث أبي سعيد [راجع كتاب جامع العلوم والحكم (2/151).].



الملحوظة الثالثة: أن الحكام الذين لم يحكموا الشريعة، ليسوا سواء فبعضهم يتغاضون عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في حدود وبخاصة إذا لم يُتَعَرَّض لهم بالتجريح، ولم يذكروا بأسمائهم، ويجب أن يكون العالم حكيماً يأمر وينهى بما يقدر عليه، وبالأسلوب الممكن بدلاً من السكوت المطلق.



القسم الثالث: هم علماء السوء..



وهم الذين يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً، مثل علماء بني إسرائيل، الذين يكتمون الحق، أو يلبسونه بالباطل، بتحريف الكتاب والسنة، والتأويلات الفاسدة، فيحلون ما حرم الله ورسوله، ويحرمون ما أحل الله ورسوله، طاعة لطواغيت الحكام الذين يحاربون الحكم بالكتاب والسنة، من أجل الحظوة عندهم والقرب منهم، والحصول على المال والجاه وغيره، وهم أشد خطراً على الإسلام والمسلمين من طواغيت الحكام الذين يعلم المسلمون أنهم يحاربون كتاب الله وسنة رسوله، بخلاف علماء الضلال فإن جهال المسلمين، وهم أكثر من غيرهم، يغترون بهم ويُضَلُّون بتحريفهم وتأويلاتهم، ويقف هؤلاء العلماء بالمرصاد للعلماء العاملين، يشوهون سمعتهم، ويفتون بضلالهم، وقد يدعون الحكام إلى إيذائهم، بل قد يستحلون دماءهم بإصدار الأحكام الجائرة عليهم [وهذا الابتلاء الذي يحصل للعلماء العاملين الصادقين، من الحكام الظالمين، وعلماء السوء المتزلفين، لا يخلو منه زمان، لكنه في هذا العصر أصبح سمة بارزة في كل بلدان المسلمين التي يحارب حكامها تحكيم الكتاب والسنة، وللبلدان العربية من ذلك النصيب الأوفر، لا يخفى على من عاش في هذه الحقبة من الزمن، وبخاصة بعد انسحاب جيوش ما يسمى بالاستعمار من بلدان المسلمين، وتقلد أبناء المسلمين، من تلاميذ أعداء المسلمين مقاليد الحكم في بلدانهم، وقد بدأت المحنة في تركيا الكمالية، ثم بمصر الناصرية، وانتشرت في البلدان الأخرى، وبخاصة تلك التي حكمتها الأحزاب الشيوعية والاشتراكية.](.



وهناك فئة رابعة أفرزتها هذه الأوضاع المحزنة من اختلافات العلماء فيما بينهم، واختلافهم مع الحكام، واختلاف الجماعات والأحزاب..



هذه الفئة هي فئة شبابية نظرت في أوضاع أمتها، فوجدتها أوضاع ذلة ومهانة، يسيطر أعداؤها على كل مقومات بقائها، وضرورات حياتها، ورأت فشل كل التجارب السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي طبقها حكامها في بلدانها، وتلفتت يمنة ويسرة لعلها تجد راية أخرى غير هذه الرايات التي أذلت الأمة الإسلامية، فلم تجد شيئاً يمكنه أن ينقذ هذه الأمة إلا مصدر عزها السابق الذي جعل لأسلافها من الأمجاد ما لم تحلم به أمة من الأمم، وسَبَرَتْ فئات العلماء الذين هم المؤهلون لقيادة هذه الأمة إلى العودة إلى ذلك المصدر الإلهي العظيم، فرأوا تلك الأقسام الثلاثة من العلماء:



علماء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المغلوب على أمرهم، الذين غصت بهم السجون والمعتقلات، واستضافتهم حبال وأخشاب المشانق، وعانقت رقابهم السيوف، لا في ساح جهاد أعداء الأمة الإسلامية الذين احتلوا أرضها ودنسوا مقدساتها وانتهكوا أعراضها، ولكن في ساحات عواصم هذه الأمة التي بناها أجدادهم المجاهدون، والذي لم تنله يد الإثم بالقتل أوالتعذيب، ناله التشريد فحرمه من التمتع بالسكن في بلده وبيته، ولم يجد كثير منهم مأوى إلا في بلاد الكفر.



وعلماء إيثار السلامة والسكوت الذين يقبعون في منازلهم على وجل من بطش الطواغيت الذين لا يرضون بالسكوت، بل يريدون كل العلماء يؤيدونهم على باطلهم.!



وعلماء السوء الذين باعوا الدنيا بالدين فأصبحوا شراً على الدين وأهله من طغاة الحكام.

هذه الفئة الرابعة ساءها ما رأت من مآسي أمتها، فاتجهت إلى دراسة الإسلام لتفهمه وتسعى في تطبيقه في نفسها، ثم في الأمة، فمنهم من أخذ علمه من الكتب - وبخاصة كتب الدعاة المغلوب على أمرهم - وغالب تلك الكتب تشتمل على معان فكريه وجهاديه، تولد في النفوس الحماس للإسلام وتقوي العاطفة نحوه، وتظهر خطر البعد عن هذا الدين، وكابوس سيطرة أعداء الأمة الإسلامية عليها، وغالب هذه الفئة ذات ثقافة غير شرعية، فكثير منهم دراساتهم في الأصل ليست شرعية، بل هم أطباء ومهندسون...



وقد يوجد فيهم من درس الشريعة دراسة أولية تؤهله للاستمرار في طلب العلم الشرعي، ولكنه لم يكمل الدراسة التي تضبط له ميزان تصرفاته ضبطاً شرعياً.



ولم يستيطعوا أخذ التوجيه على يد علماء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، للحظر المفروض عليهم، ولم تطمئن نفوسهم لأخذ العلم على يد العلماء الساكتين؛ لأنهم في نظرهم مقصرون بذلك السكوت [عدم الأخذ عن هؤلاء غلط؛ لأن التفقه عليهم في كتاب الله وسنة رسوله، يعصم من زلل الجهل والاجتهادات المبنية عليه، وسكوتهم لخوف من أذى معتبر في سقوط الإثم عنهم يغلب على الظن وقوعه هم به معذورون، وإذا كان سكوتهم لا يعذرون به في نظر هؤلاء الشباب، فذلك بينهم وبين ربهم، وهو لا يمنع أخذ العلم عنهم، بل الذي لا يأخذ العلم عنهم ويتصرف تصرفاً جاهلاً، يكون آثماً على ذلك.].



أما علماء السوء فالأمر واضح في أنهم لا يرضون أن يكونوا تلاميذ لهم، بل موقفهم منهم كموقفهم من طغاة الحكام أو أشد.



ورأى كثير من أفراد هذه الفئة الشابية أن الجهاد العسكري هو خير وسيلة لإعادة الأمة إلى دين الإسلام، وذلك بمحاربة الحكام الذين أقصوا منهج الإسلام عن حياة هذه الأمة، ومحاربة كل القوى التي تسند أولئك الحكام، من الشرطة، والجواسيس وأفراد الجيش، وكبار موظفي الدولة، كالوزراء، ورجال الإعلام، وبعض المحامين والقضاة، وكل من يرون في عمله مخالفة لأحكام الإسلام، وكذلك الأجانب الذين يَقْوَى اقتصاد الحكام بزيارتهم للبلدان الإسلامية، بل وبعض العلماء والدعاة الذين لا يتفقون معهم في هذا العنف.



فَهِم هؤلاء الشباب مشروعية تصرفهم هذا من نصوص عامة في القرآن والسنة، كالأمر بالجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن يتقي المؤمن ربه حسب استطاعته، ورأوا أن أحكام تلك النصوص تنطبق عليهم وعلى المسؤولين عن محاربة تحكيم الشريعة وكل من أعانهم، وكان كثير منهم قد تدربوا على المعارك الحربية في الجهاد الأفغاني، ووجدوا من يمدهم بالسلاح، ولا ندري أهؤلاء المُمِدون، ممن يفهمون هذا الفهم فيرون أنهم ممن يجهزون الغزاة، أم هم ممن يدبرون الفتن بين المسلمين؟



وقد ترتب على هذا الفهم ما يحصل اليوم من قلاقل واضطرابات في بلدان المسلمين، ومن إزهاق لنفوس كثيرة بغير حق [حتى بلغ الأمر بهذه الفئة أن تقتل بعض دعاة الإسلام من الجماعات الأخرى التي لا توافقها على تصرفاتها!!. ونحن لا نوافقها عل قتل المسلمين، ولا على تصرفاتهم في بعض البلدان غير الإسلامية، لما في ذلك من فتح أبواب عدوان غير المسلمين على بلدان المسلمين، كم حصل في أفغانستان والعراق وما حصلت من فتنة عمت العالم الإسلامي كله، إضافة إلى تعذيب أولئك الشباب وقتلهم وإهانة كتاب الله وسنة رسوله، كما حص ولا زال يحصل في: "غوانتنامو"وبغرام وفي أبي غريب في العراق وغيرها] ومن الفوضى التي لم يعد من السهل السيطرة عليها، ومما زاد في استعارها وقوف أعداء تطبيق الشريعة من داخل البلدان الإسلامية ومن خارجها، ضد وصول الأحزاب الإسلامية إلى الحكم بالطرق المشروعة فيما يعرف بالديموقراطية والتعددية الحزبية والانتخابات العامة، كما حصل في الجزائر.



بل إن كثيراً من طواغيت الحكام يعتبرون مجرد الدعوة إلى تحكيم الشريعة الإسلامية جريمة يستحق صاحبها الحرمان من كل الحقوق السياسية التي يتمتع بها اليهود والنصارى والملحدون في البلدان الإسلامية، وهذا من أهم الأسباب التي دفعت هذا الشباب إلى حمل السلاح وتسديده إلى المذنب والبريء.



وبهذا يعلم أن غالب المسلمين اليوم، وبخاصة من بيدهم أمر الأمة، قد ابتعدوا عن الأخذ بمقومات العزة التي أمرهم الله بها، وتعاطوا أسباب الذلة التي نهاهم الله عنها، ومنها الفرقة والتنازع، والأدهى من ذلك أنهم يتسابقون للتقرب من أعدائهم وموالاتهم!!! وهم الذين اغتصبوا أرضهم واتخذوا - ولا زالوا يتخذون - كل وسائل الكيد لهم للقضاء عليهم وعلى كل الأسباب التي تعيد لهم عزتهم ومجدهم، ويؤججون نار التنازع فيما بينهم، حتى أصبح علماء الأمة ومفكروها يندبون حظ هذه الأمة العاثر.



[فقد قال شيخ الجامع الأزهر: "نحن أمة قد تمزقت داخلياً، وكل شعب من شعوبها يحيا مأساة خاصة، ونحن نطالب المسلمين شعوباً وحكاماً في كل مكان وكل بلد قائلين: إذا كنا قد فشلنا في أداء حقوق الأخوة، فإننا نطالب بأداء حقوق الجوار، حتى نصل إلى حال شافية من هذا التقاطع والتدابر الذي ينهش جسد الأمة الإسلامية .." مجلة المجتمع الكويتية. عدد 1155. 29 محرم ـ 5 صفر. صفحة: 20.



وقال فهمي هويدي: "في كل مرة أشهد ندوةً أو مؤتمراً من ذلك القبيل أعود مثقلاً بالحزن والأسى، لأنني أجد جسور الحوار بيننا وبين الآخرين تمتد كل حين، مرة مع الأوربيين، ومرة مع الأمريكيين، ثم مع الآسيويين، ومع المسيحيين تارة، والشماليين تارة أخرى، بل ها هي تمتد مع الإسرائيليين ـ اليهود ـ لكن الحوار الوحيد الذي لم يتم حتى الآن هو حوارنا نحن مع أهلنا وبني جلدتنا، حتى يخشى المرء أن تنصلح أحوالنا مع الجميع، باستثناء العرب والمسلمين، الذين لا نرى شواهد حقيقية على حوار جاد بينهم، سواء على مستوى البلد الواحد، أو فيما بين الأقطار بعضها البعض، وهو موقف يتجلى بصورة خاصة في التعامل مع الظاهرة الإسلامية التي تدعى رموزها للحوار مع الجميع في الخارج، بينما نجد أن أقطاراً عربية عدة ما زالت تعتمد إزاءها خطاب النفي والاستئصال.." جريدة الشرق الأوسط. عدد: 6054 ص:11 في: 28/1/1416ه ـ 26/6/1995م.].



كما أهملوا المصدر الذي لا يمكن أن تجتمع كلمتهم على الحق إلا به، وهو الكتاب والسنة، ولولا بقاء هذا المصدر المحارَب محفوظاً بحفظ الله له، يرجع إليه من يحرص على طاعة الله بالعمل بما يرضيه، مما تضمنه من تشريع، ولولا ما بقي من عبادات جماعية تربط بين المسلمين، لم يستطع أعداء الإسلام القضاء عليها، مع محاولتهم الجادة للتقليل من شأنها وتقليص وظائفها، كالحج وصلوات الجماعة والجمع والأعياد، ونحوها مما أبقى على الصلات الاجتماعية والأسرية، ولولا أولو بقية من دعاة الحق لا زالوا يحدون الأمة إلى المحبة والإخاء، لولا ذلك كله وهو من فضل الله وتوفيقه، ومن محاسن هذا الدين وفضائله، لولا ذلك لانحلت البقية الباقية من الروابط الخيرة التي لا زال المسلمون يتمتعون بها كما انحلت روابط الأمم الأخرى.



وحاربوا التشريع الحاسم بالقوانين الوضعية التي تقر الكفر والارتداد والفسوق والعصيان، فارتُكِبَت بذلك كبائر الذنوب، كالزنا وشرب الخمر والميسر، وأهملت أمهات فرائض الإسلام، وحورب فاضل الأخلاق، وأصبح من يتصف بها أهلاً للازدراء والنبذ والحرمان فكسدت بذلك سوقها، ومكن لفاسدها، وأصبحت من مؤهلات الاحترام والتكريم، فنفقت بذلك سوقها.



وأقصوا حدود الله التي تحفظ بها الضرورات ومكملاتها، من دين ونسل ونفس وعقل ومال، ففسدت بذلك حياة المسلمين في الأرض ونكسوا رايات الجهاد وأهملوا وسائله التي لا عزة للأمة الإسلامية إلا بها، فاحتل أعداؤها ديارها وأرضها ونهبوا خيراتها ودمروا مساجدها وانتهكوا أعراضها، وسفكوا دماء شعوبها ورملوا نساءها ويتموا أطفالها، والسبب في ذلك كله هو فقد كثير منها للإيمان الشرعي الذي يؤهل أهله للعزة ويجعلهم في كنف العزيز: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ(8)} [المنافقون].



تمت حلقات "كتاب الإيمان هو الأساس" ولعل حلقات لكتاب آخر تتبعها.



10/شعبان/1435ه-8/يونيو/2014م وسبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.





السابق

الفهرس

التالي


14230927

عداد الصفحات العام

3216

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م