{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً (62) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً (63) } [النساء]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(020) أثر فقه عظمة الله في الخشوع له

(020) أثر فقه عظمة الله في الخشوع له

الحلال بيِّن والحرام بيِّن:

فيجب على كل مسلم، أن يجاهد نفسه بزيادة إيمانه وقوة يقينه، ليكون من {الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ
اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2)}
[الأنفال]. ويجب على أرباب كل أسرة أو ولاية أن يستجيبوا للأمر الإلهي: {قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً..}.

رياض النحل، ومزابل الجعلان:

نعم ليس لمسلم أن يحتج بأن غيره من المفسدين أضلوه عن صراط الله المستقيم؛ لأن الله تعالى قد أقام الحجة على الناس بثلاثة أمور:

الأمر الأول: مَنْحُهم عقولاً، يقيسون بها المنافع والمصالح في حدود قدرتها ومجالاتها، وهم إذ يفعلون ذلك فيما تهواه أنفسهم وما يظنونه مصالح أو مفاسد لهم، ولا يفكرون بتلك العقول فيما شرعه الله تعالى لهم مما هو المصلحة ويميزوا بين ذلك وبين ما تهواه أنفسهم مما يخالفه، قد ألغوا عقولهم وما خلقها الله من أجله، قال تعالى: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (32)} [الأنعام].

الأمر الثاني: الوحي والرسل، وآخرهم رسولنا صلى الله عليه وسلم، وقد أكمل الله تعالى لهذه الأمة دينها الذي لا أكمل منه ولا أشمل لما ينفعهم في دينهم ودنياهم بمنهاجه العظيم الذي أودعه في كتابه الكريم وفصله في سنة رسوله وسيرته الشريفة، وحفظ بذلك دينه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

قال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ (53)} [الشورى].

فالوحي روح تحيا به القلوب، ونور يبصر به من أعماهم الشيطان عن السبيل القويم إذا هم أرادوا الإبصار، والرسول صلى الله عليه وسلم، هادٍ إلى صراط الله المستقيم وقد أدى وظيفته فبيِّن للناس بقوله وفعله ما أمره الله ببيانه.

فهل لمن تعمد نبذ تلك الروح التي تجلب له الخشوع، وأحل محلها الشهوات المحرمة والفواحش المهلكة، وأصرَّ على الاستجابة لمن يخرجون الناس من النور إلى الظلمات، وإيثار الهرولة وراء وساوس الشيطان واتباع خطواته، وقد سمع حداء ذلك الهادي الداعي إلى سلوك الجادة المسلوك، فانحرف عنه وسلك مفاوز يغلب على نفسه فيها الهلاك، وشعاباً تنتظره فيها الوحوش الضارية المكشرة الأنياب؟

هل له من حجة أو برهان ليقول لربه يوم يلقاه: هؤلاء أضلوني ولست مسئولاً عن إضلالهم لي! اقرأ قول الله تعالى عن هؤلاء وهؤلاء: {رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِنْ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ (38)} لا تقل هذه آيات نزلت في الكفار، فالمعاصي بريد الكفر، ومن يضمن لمن يغفل عن الله ولا يذكر عظمته ولا يكثر من تلاوة كتابه والمداومة على ذكره، ويتبع خطوات الشيطان أن ينجو من خطوة تؤدي به الكفر؟

الأمر الثالث: التفكر في الكون الذي فطره وأتقنه وقدره سبحانه وتعالى، فإن التفكر فيه وتدبره، يهدي العقول السليمة إلى عظمة خالقه ومبدعه: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)} [آل عمران].

وإذا كانت وسائل الإضلال قد ملأت الأرض والسماء وأصابت القلوب بالقسوة والصلابة وأبعدتها عن الله، وأهلها هم أكثر من في الأرض، ويبذلون في سبيل نشرها وتأثيرها في الأجيال الأموال التي لا تحصى، ويؤهلون لنشرها وتزيينها والدعاية لها الملايين من البشر، ويشيدون لتدريبهم المدارس والمعاهد العليا والجامعات، فإن للإسلام رياضه الظليلة وحصونه المنيعة، معروضة على كل من يرغب أن يتفيأ في ظلالها ويطمئن قلبه بطيب هوائها، ويتحصن في قلاعها من أعداء الملة وأعدائها..

أول تلك الرياض وأعظمها: كتاب الله الكريم الذي يهدي للتي هي أقوم، يُبَصِّرُ الأعمى ويُنْطِقُ الأبكم، يوقظ النائمين، ويحيي الميتين، ويهدي الضالين، ويثبت القلوب على صراط الله المستقيم، ويرفع أعلام الطريق وراياته للسائرين والمقوين، ويزيل حيرة الحائرين بالعلم اليقين، يظهر عظمة الله في جميع صفحاته، ويقرب إلى الله كل من داوم على تلاوة آياته.

فليكثر من تلاوته من أراد النجاة من الشيطان ووساوسه واتباع خطواته، وليتدبره تدبر من يحرص على لقاء ربه وهو راضٍ عنه، فسيجد فيه ما يشوقه إلى محبة ربه والمداومة على ذكره وتعظيمه والرغبة إليه والرهبة منه والخشوع والاطمئنان إليه والحذر من مخالفته، قال تعالى: {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْماً لُدّاً (97)} [مريم]. وقال: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17)} [القمر]. وقد تكررت هذه الجملة في السورة أربع مرات ليلفت الله نظر القارئ إلى أهمية معرفته بذلك واعتنائه به، وهو يشمل حفظه وفهمه والعمل به، وكلمة "للذكر" تنبه المسلم أن الذكر هو المقصود من تلاوة القرآن، أي ذكر الله باللسان والقلب واستحضار عظمته تعالى.].

قال القرطبي رحمه الله: "وقال سعيد بن جبير: ليس من كتب الله كتاب يقرأ كله ظاهراً إلا القرآن؛ وقال غيره: ولم يكن هذا لبني إسرائيل، ولم يكونوا يقرؤون التوراة إلا نظراً، غير موسى وهارون ويوشع بن نون وعزير صلوات الله عليهم، ومن أجل ذلك افتتنوا بعزير لما كتب لهم التوراة عن ظهر قلبه حين أحرقت؛ على ما تقدم بيانه في سورة "التوبة" فيسر الله تعالى على هذه الأمة حفظ كتابه ليذكروا ما فيه؛ أي يفتعلوا الذكر، والافتعال هو أن ينجع فيهم ذلك حتى يصير كالذات وكالتركيب فيهم..." [الجامع لأحكام القرآن (17/86)].

نعم يسر الله كتابه الكريم للذكر الذي يشمل حفظه وفهمه لمن أراد، ونحن اليوم نرى ونسمع في الفضائيات وفي الإذاعات المسموعة والمرئية، وفي محاريب مساجد المسلمين الكبار والصغار آلاف الأشخاص صغاراً وشباباً وشيوخاً، يتلون كتاب الله حفظاً كاملاً في صفحاته التي تزيد على 600 صفحة من الحجم المتوسط مقيمين حروفه مجودين له، يندر أن تسمع خطأ لأولئك القراء الحفاظ، مع تشابه كثير من ألفاظه، مع تأثر القارىء والسامع بمعاني هذا الكتاب، حتى تدوي بعض المساجد ببكاء الإمام والمأمومين، فأي كتاب في الأرض اليوم له هذه الميزة العظيمة غير كتاب الله، أفلا نحرص على تلاوته وسماعه وتدبره والخشوع لمن أنزله؟






السابق

الفهرس

التالي


14217144

عداد الصفحات العام

2241

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م