{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً (62) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً (63) } [النساء]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(06) ثبات هذا الدين واستعصاؤه على أعدائه

(06) ثبات هذا الدين واستعصاؤه على أعدائه
تابع للحلقة السابقة رقم 5

ومعلوم كذلك أن الجهاد في سبيل الله لم يشرع لإكراه الناس على ترك دينهم والدخول في الإسلام، وإنما شرع لرد عدوان المعتدين، وتحطيم سدود القهر والاستبداد التي تحول بين الناس وبين التمتع بالحرية التي منحهم الله تعالى، فيدخلون في الإسلام بعد إقامة الحجة عليهم بأنه الحق مختارين راضين غير مكرهين، أو يبقون على دينهم الذي اعتقدوه، كما صرح الله تعالى بذلك في كتابه، وجرى على ذلك عمل الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأتباعهم، وسيبقى كذلك إلى يوم الدين، ما تمسك المسلمون بهذا الدين.{لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة (256)].

ولكن يجب على من رغب في البقاء على دينه، أن يلتزم بنظام الأمة العام الذي يأمنون فيه على ضرورات حياتهم وما يكملها. فالجهاد بمعنى القتال، ليس لازماً في كل الأحوال، بل توجد خيارات مشروعة في الإسلام يمكن تطبيقها حتى في حالات النزاع الشديد بين المسلمين وغيرهم، ومنها الهدنة والمعاهدات، عندما تقتضي المصلحة ذلك، وقد فُصِّلت أحكام هذين الخيارين في كتب التفسير وشروح الحديث وكتب الفقه.

وإذا لم تنفع السبل السلمية في رد العدوان فلا بد من الجهاد في سبيل الله بمعناه العسكري، لندفع عن بلداننا وديننا وأمتنا، و"آخر الدواء الكي" كما يقال: الرائد لا يكذب أهله: هذه دعوى نعلنها للناس في مشارق الأرض ومغاربها، بأن هذا الدين، ليس عدواً لأحد من البشر، وإنما هو رحمة للعالمين، ونحن نؤمن بذلك إيماناً صادقاً لا يشوبه شك، لثلاثة أمور:

الأمر الأول: اعتقادنا الجازم بأن القرآن حق، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم حق، وأن الإسلام هو الدين الحق الذي يعتبر كل ما يخالفه من الأديان والمبادئ والأنظمة والقوانين، باطل وليس بحق.

الأمر الثاني: دلالة الواقع التاريخي في العصور التي طُبِّق فيها الإسلام على صحة ما نقول، فقد سعد العالم الذي حظيت بلدانه بدخول المسلمين فيها بما لم يكونوا يحلمون به من العدل والرحمة والحضارة، في ظل الإمبراطوريات اليونانية والفارسية والرومانية والهندية وغيرها من المحيط الهادي في الشرق إلى المحيط الأطلسي في الغرب.

والشاهد على ذلك أن غالب تلك الشعوب أصبحت تدين بالإسلام، بالدعوة المجردة من السلاح في أغلب المعمورة، ولم يستعمل المسلمون السلاح إلا عندما وقف الطغاة المستبدون ضد حرية الدعوة وضد سماع شعوبهم الحق سواء آمنوا به أم لم يؤمنوا؟ والدليل على ذلك قلة الشعوب التي فتحها المسلمون عنوة، وكثرة الشعوب التي دخلت في الإسلام عن طريق التجار والدعاة المخلصين... في بلدان آسيا وأفريقيا وغيرها.

الأمر الثالث: المقارنة النظرية بين ما تضمنه القرآن والسنة والسيرة النبوية، وأبواب التشريع الإسلامي في كتب الفقه وغيرها، عن حقوق الإنسان، رجلاً وامرأة، صغيراً وكبيراً، فرداً وأسرة ومجتمعاً، حاكماً ومحكوماً، وبين ما تضمنته القوانين الدولية المعاصرة في ذلك.

إن المنصف الذي يقارن بين ما تضمنه الإسلام وبين ما تضمنته تلك القوانين، ويتجرد من التعصب والهوى، سيجد في تشريع الإسلام كل ما تضمنته تلك القوانين من إيجابيات في أعلى صورها والمزيد الذي لم تتعرض له، مع تجنب التشريع الإسلامي لجميع السلبيات التي احتوت عليها تلك القوانين.

ونحن ندعو الشعوب غير الإسلامية وبخاصة المفكرين منهم والمثقفين القادرين على دراسة حقيقة الإسلام، وبخاصة الشعوب الغربية منها، أن تجتهد في دراسة المبادئ الإسلامية في القرآن والسنة، وفي كتب الفقه الإسلامي، ويُعمِلوا عقولهم متجردين من دعايات من نصبوا أنفسهم أعداء للإسلام والمسلمين، من بعض الساسة والإعلاميين وبعض رجال الكنيسة المتعصبين واليهود وبخاصة من يسمون بالصهاينة، ليطلعوا بأنفسهم على عظمة الإسلام الذي لو حمله أي شعب من شعوب الأرض، في الغرب أو الشرق، لقاد به العالم إلى مراقي التقدم والحضارة النافعة السليمة من آفات الظلم والفساد الذي انتشر في الأرض اليوم بسبب البعد عن منهاج الله.

وقد كان بنو عثمان وثنيين في الأصل، فلما هدى الله بعض قادتهم للدخول في الإسلام، أصبحوا قادة للمسلمين بالإسلام في كل البلدان الإسلامية، وفتحوا بلداناً أخرى لغير المسلمين، ولا زال أبناؤهم في وسط البلدان الأوربية ثابتين على دينهم في حدود علمهم به، على رغم مضايقتهم وحرب النصارى الصليبيين لهم، كما في يوغسلافيا وكوسوفا.

الأمر الرابع: المقارنة بين أحوال الأفراد والأسر والشعوب الإسلامية المعاصرة، مع ما هو معلوم من عدم تطبيقهم الكامل للإسلام، ومع ما يعانيه كثير منها من فقر وظلم وشظف عيش، وبين أحوال الأفراد والأسر والمجتمعات غير الإسلامية، مع ما هي فيه من غنى ورخاء وحضارة مادية عظيمة، لمعرفة أي الفئتين أكثر سكناً وطمأنينة في الحياة، وأكثر بعداً عن الظلم والعدوان والفساد في الأرض.

إننا ندعو الغني غير المسلم الذي حاز في دنياه كل ما تشتهيه نفسه، أن يقارن بين نفسه وبين كثير من ذوي الفقر المدقع من المسلمين. وندعو المرأة غير المسلمة التي تيسرت لها غالب سبل الراحة المادية، أن تقارن بين نفسها وبين المرأة المسلمة التي تعيش في وضع يقول عنه الغربيون: إنه وضع بؤس وشقاء. وندعو الأسرة غير المسلمة المتحضرة مادياً القليلة العدد الكثيرة الرفاه، أن تقارن بين نفسها وبين الأسرة المسلمة، الكثيرة العدد، القليلة الأرزاق.

وندعو المجتمعات غير المسلمة، أن تقارن بين نفسها، وهي تملك المال الوفير، والرزق الكثير ووسائل العيش المادي المريح، وبين المجتمعات الإسلامية التي لا تملك كل ذلك. ثم ليوازن أولئك الأفراد، وتلك الأسر، وأولئك المجتمعات، بين راحتهم النفسية واطمئنانهم المعنوي، وما يحصل بينهم من تعاون وتعاطف، وتراحم وتكاتف، وبين ما يحوزه غالب الأفراد والأسر والمجتمعات المسلمة، ولو لم يطبقوا الإسلام كاملاً، في ذلك كله.

وإنا لنطمع أن تتاح الفرص لغير المسلمين، أفراداً وأسراً، أن يزوروا الأسر الإسلامية في البلدان الإسلامية وفي غيرها، ليطلعوا على ما يطبق من الإسلام وأثره على حياة المسلمين، وليعرفوا أن كثيراً من زعمائهم وأجهزة إعلامهم ومثقفيهم، شوهوا صورة الإسلام والمسلمين في عقولهم ونفروهم منه، وأن الأولى بهم أن لا يقلدوا أعداء الإسلام من قادتهم تقليداً أعمى، فيعينوا قادتهم من السياسيين والعسكريين والإعلاميين والمتصهينين، على حربه وهو جدير بالدخول فيه والدفاع عنه أو مسالمته.

ادرسوا كتب بعض مفكريكم وكتابكم عن الإسلام والمسلمين، مثل كتاب "حضارة العرب" لغوستوف لوبون" الفرنسي و"زغرد هونكه" الألمانية" وهما غيرمسلمين، وهناك من من دخل من الغربيين من دخل في الإسلام، كمحمد أسد الذي كان يهويا، فدخل في الإسلام، وألف كتبا بين فيها محاسن الإسلام وتفوقه على سائر الأديان المحرفة، وكذا اليهودية "مريم جميلة" ولها كتاب بينت فيه اجتهادها لمعرفة الإسلام والدخول فيه،

والدبلوماسي الألماني مراد هوفمن وله عدة كتب، بين فيها ما في هذا الدين من محاسن لا توجد في سواه من كتب الملل الأخرى، وبخاصة أهل الكتاب الذي لم يبق عندهم شيء من كتبهم سليمة من التحريف الذي أفقدها قيمتها، وقد ألفت كتب تبين دخولعلماء غربيين، في الإسلام وأثنوا على الإسلام، وآخرون منهم من لم يدخلوا في الإسلام، ومثل كتاب علماء الغرب يدخلون في الإسلام، لمحمد حلمي، وكتب أخرى للغربيين أنفسهم، أشادوا بدين الإسلام.وهي موجودة في الشبكة العالمية، ابحثوا عنها واقرؤها لتروا شيئاً من الإنصاف لهذا الدين، وإن لم يكن إنصافاً كاملاً.

ونقول لشعوب الشرق والغرب غير المسلمة: لقد حرمكم قادتكم بتشويههم حقائق الإسلام والتجني عليه، من رحمته وعدله وأخُوَّته، والنجاة من سلبيات الحضارة المادية التي ذقتم منها القلق والأسى، ولو أنها بنيت على أساس الإسلام لكان لكم شأن آخر، ربما تصبحون بفضل استجابتكم للإسلام قادة العالم بحق، تنشرون في أوطانكم الأمن والسلام، بدلاً من نشر قادتكم الظلم والعدوان. لقد خدعكم قادتكم وخانوكم وكذَبُوكم، والأصل أنه "لا يَكْذِبُ الرائدُ أهلَه!".

ادرسوا الإسلام يا أهل الشرق والغرب من مصادره، وإذا رأيتم بعض أهله لا يطبقونه في حياتهم، بل يتعاونون مع زعمائكم على حربه، فانظروا للمنهاج ولمن يطبقه وحكِّموا عقولكم لا عواطفكم وأهواءكم، فالعبرة بالمنهاج لا بمن يخالفه من أهله.

وها أنتم ترون ما يحصل من بعض زعمائكم الذين يطبقون ما تؤمنون به من الديمقراطية، مضطرين حرصاً على إرضائكم ليفوزوا في الانتخابات، ولكنهم يتعمدون الاستبداد فيما يسمى بـ"مجلس الأمن" للإضرار بشعوب العالم، وفي ذلك مخالفة صريحة لمعاني الديمقراطية المزعومة.

وهم يطففون في كيلهم في تعاملهم مع شعوب العالم، ينصرون دولة ظالمة على دولة مظلومة، ويقاطعون دولة لا تستجيب لرغباتهم ولو كانت رغباتٍ ظالمةً، ويغدقون على دولة أخرى بكل ما تحتاج إليه من المعونات، ولو كانت تلك الدولة تستعين بإعاناتهم على ظلم دول أخرى. فهل تحكمون على المنهاج الديمقراطي الذي تؤمنون به أنه منهاج غير صالح للتطبيق؛ لأن زعماءكم يخالفونه في المؤسسات الدولية، وفي معاملتهم لحكومات وشعوب العالم؟




السابق

الفهرس

التالي


14235134

عداد الصفحات العام

782

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م