{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً (62) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً (63) } [النساء]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(09) ثبات هذا الدين واستعصاؤه على عدوه

(09) ثبات هذا الدين واستعصاؤه على عدوه

أهم أساب ثبات هذا الدين واستعصائؤ حفظُ الله مصدره.

ومعلوم أن جميع الكتب السماوية، قد حُرفت وبُدلت، ولم تعد محفوظة، كحفظ كتاب الله، الذي تكفل سبحانه بحفظه: { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ(9)} [الحجر]. فحفظ الله تعالى مصدر دين الإسلام، وهو كتابه الذي أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، هو حفظ لهذا الدين.

وما بقي في بعض الكتب السماوية السابقة صحيحاً كتمه أهله، كما ذكر الله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ(71)} [آل عمران]. فالإسلام حق يحمل في ذاته بقاءه، وفيه من المناعة القوية الذاتية ما يدفع به كل عدوان بقصد القضاء عليه واستبدال غيره به، أو ذوبانه في غيره.

وقد هيأ الله تعالى لحفظ سنة نبيه مَن حفِظها وبيَّن صحيحها من ضعيفها، بمعرفة رواتها من لدن الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أن دونت في أسفار علمائها التي لا يعجز طالب العلم عن معرفة الصحيح والضعيف منها.

وحفظ نصوص القرآن والسنة إلى يوم القيامة، يضمن للأمة الإسلامية الرجوع إليهما، لتصحيح ما قد يطرأ من شوائب وانحرافات في سلوكها، ورد ما قد يحاول أعداء هذا الدين، من إدخال ما ليس منه فيه، وهذا ما لا يوجد في غيره من الكتب السابقة التي حرفها أهلها وكتموا ما بقي فيها من الحق..

وها هو القرآن الكريم قد حفظه الله، فلم يغير منه حرف أو كلمة مع طول المدة من يوم نزوله إلى الآن، وسيبقى كذلك إلى يوم الدين، ولهذا لا تختلف نسخ هذا المصحف الكريم أينما وجد، فالمصحف الموجود في طوكيو هو هُو الموجود في نيويورك، وهوُ هو الموجود في أوسلو وسدني، وموسكو وبريتوريا.



أسباب حفظ الله تعالى لهذا الدين:

السبب الأول: أن آيات القرآن كلها كتبت في عهد نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم: فلم يمت إلا بعد أن كتبـت آياته بأمره في مواضعها التي عينها هو لكتابتها، ثم هيأ الله أصحاب نبيه فجمعوه في مصحف واحد ووزعوا نسخه في الأقطار الإسلامية في عهدهم... وهذه ميزة لم تحصل لأي كتاب من الكتب السابقة.

السبب الثاني: أن الأجيال المسلمة نقلت القرآن الكريم نقلاً متواتراً على مدار التاريخ: حيث يحمله الجيل السابق إلى الجيل اللاحق، فهو متواتر النقل تواتراً لا يوجد له نظير، واجتمع على نقله وحفظه مئات الألوف، حِفْظُ ألفاظِه في صدور صغار الأمة الإسلامية وكبارها، رجالها ونسائها، مع حفظ كتابته في كل عصر بوسائله المتاحة برسم معروف لا يتغير بتغير الكُتَّاب والطابعين، حتى أصبح اليوم يوجد في البر والبحر والجبل والسهل، والمدينة والريف، وفي الغابة والصحراء وهو هو في كل مكان.

ولقد وفق الله المملكة العربية السعودية للتوسع في نشره، فانتشر مصحف المدينة المنورة، انتشاراً واسعاً، في كل أنحاء المعمورة، ونفع الله به المسلمين في هذا العصر، وله أحجام متنوعة، تناسب كل الفئات، كما أنه طبع طبعات متنوعة كذلك من حيث أنواع الخطوط المناسبة للعرب مشارقتهم ومغاربتهم، ولغير العرب من الهنود والباكستانيين وغيرهم، بحسب ما ألفوا من الطبعات.

السبب الثالث: أن الله هيأ له من يقوم بترجمة معانيه إلى لغات العالم:

وهيأ له من يصحح ما يقع في ترجماته من أخطاء، فلا تزور بلداً إلا وجدت فيه ترجمات بلغات أهله، مع تقصير القادرين من المسلمين الشديد في دعمه الكافي، مقارناً بما يقوم به غيرهم من أهل الأديان المحرفة، وبخاصة النصارى، أفراداً وجمعيات وحكومات.

وقد يعمد أعداء الإسلام من اليهود والنصارى والوثنيين إلى طبع المصحف الكريم وتحريف بعض ألفاظه، لإدخال بعض ما يريدون مما يظنون أنه يحقق بعض مقاصدهم لدى جُهَّال المسلمين، أو غيرهم، ولكنا نحمد الله لا يمضي على ذلك وقت يسير إلا وقد علت أصوات المسلمين، صغاراً وكباراً، محذرة مما صنع المحرفون.

كما يعمد بعض المستشرقين والمنصرين، إلى تحريف بعض معاني آياته المترجمة، ولكن الله تعالى يقيض من يفضحهم ويصلح ما أفسدوا في معاني كتاب الله. وقد تقع أخطاء غير مقصودة في ترجمة معاني القرآن، من مسلمين وغير مسلمين، ولكنها لا تفتأ أن تجد من يصححها ويبين أخطاءها. وبذلك تحبط مساعي من يبتغي الإساءة إلى الإسلام ويرد الله كيدهم في نحورهم، تحقيقاً لقوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}.

السبب الرابع: أن الله تعالى هيأ علماء الإسلام لحفظ معاني الكتاب والسنة: فكان منهم المفسر ومنهم الفقيه ومنهم المحدث، وغيرهم بحيث لا يظهر زنديق يريد أن يحرف شيئاً من معاني القرآن والسنة إلا وجد شهب الحق المحرقة تأتيه من كل مكان.

وقد وضع علماءُ الإسلام قواعدَ وضوابطَ لفهم معاني كتاب الله وسنة رسوله، وكيفيةِ استنباط الأحكام لما يستجد من النوازل في حياة الأمة، تحفظ تلك القواعدُ والضوابطُ طلابَ العلم من تعمد الخطأ في الاعتماد على دليل ضعيف، أو عِوج في استنباط حكم من نص صحيح، أو الشطط في قياس خَلِيٍّ من شرط مفقود لطيف.

فدونوا للقرآن علومه وقواعد تفسيره، وللحديث مصطلحه وعلومه وسِيَرَ رجاله، وللفقه قواعدَه وأصولَه، وللغة نحوَها وصرفَها وغريبها واشتقاقها. فلا يعوز طالبَ العلمِ المجتهدَ العثورُ على دليل صحيح، يستنبط منه حكماً شرعياً صائباً تحتاج إليه الأمة في مسيرة حياتها.

السبب الخامس: ارتباط المسلمين أفراداً وجماعات، بكتاب ربهم وسنة نبيهم، إيمانا وعملا: فعامة أفراد المسلمين يؤمنون بأن هذا القرآن جاءهم من عند الله، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم هو رسول الله، وأن الإسلام الذي اشتمل عليه الكتاب والسنة هو دين الله. ويعتقدون أن الله تعالى فرض عليهم عبادة ربهم واحترام رسوله وطاعته، والعمل بكتاب الله وسنته.

هذه هي عقيدتهم، وهذا هو إيمانهم، لا يبغون به بدلاً، ولو قصروا في العمل، وبدر من بعضهم شيء من المعاصي والزلل، فهم يعترفون إذا عصوا ربهم أنهم مخالفون لأمره، يرون أن التوبة إليه واجبة، وأنهم آثمون يستحقون عقابه إن لم يغفر لهم.

ولهذا تجد كثيراً من المسلمين يخالفون أمر الله ونهيه فترة من حياتهم، ثم يؤوبون إليه مستغفرين نادمين، فيكونون بعد توبتهم أكثر تزكيةً وارتباطاً بربهم، هُداةً مهديين. وشرع تعالى في كتابه وسنة رسوله ما يعيد العاصي إلى طاعة ربه إذا غوى، من نصح يؤثر، أو عقاب يزجر من حد أو تعزير.

وعامة أُسَر المسلمين يعلمون أن الله تعالى قد شرع لكل منهم على الآخر حقوقاً، وسن له عليه واجبات، يجب عليهم أن يتعاونوا على تطبيق ما يحقق فيهم شرع الله ويحفظ عليهم روابطهم وصلة رحمهم، ويحميهم من التفكك والانحلال.

وقد تضمن الإسلام ما فيه رحمة الفرد والأسرة والأمة، في كل شأن من شؤون الحياة، يعرف ذلك من رزقه الله فقه كتابه وسنة نبيه، وبنى حياته على هدي الله وصراطه المستقيم، وتمتع بمجتمع يطبق شريعة الله في حياته.

فالفرد المسلم الذي قويت صلته بربه بالفقه في دينه، والإيمان الصادق به وملائكته، وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، وأدى عبادته كما أمره الله تعالى، وأدى حقوق خلقه عليه، هذا المسلم، ينال في حياته من السكينة والطمأنينة وراحة البال، ما لا يناله غيره ممن حرم ما مَنَّ الله به عليه بالهداية والتوفيق.







السابق

الفهرس

التالي


14230899

عداد الصفحات العام

3188

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م