{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً (62) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً (63) } [النساء]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(015) سافر معي في المشارق والمغارب

(015) سافر معي في المشارق والمغارب
في مدينة شَبَرتون

الجمعية الإسلامية الألبانية في شبرتون:

سافرنا من مدينة مالبورن إلى شبرتون بالسيارات، وكان في السيارة التي كنت فيها الشيخ أحمد أبو العلا المصري، وهو من علماء الأزهر وتولى عدة مناصب في وزارة الأوقاف وكان آخرها إدارة الأوقاف كما مضى.

وشبرتون هذه مدينة صغيرة تقع في شمال مدينة مالبورن، على بعد مائة وخمسين ميلاً تقريباً، وقد كان بيني وبين الشيخ أحمد مناقشات علمية استفدت من معلوماته ومن خبرته وتجاربه، حاول الشيخ أن يُحَنِّفَني ـ أي أن يجعلني حنفياً ـ لأنه هو حنفي، وكان السبب في محاولته هذه أنه حان وقت المغرب ونحن في الطريق ووقف السائق لأخذ بنزين لسيارته، فقال الشيخ: تعال نصلي المغرب فقلت له: نجمع المغرب والعشاء إن شاء الله إذا وصلنا شبرتون، فقال: أنا مذهبي حنفي ولا يصح الجمع في المذهب إلا في الحج في عرفة ومزدلفة، فقلت: ولكن النصوص صحيحة وكثيرة في الجمع وهي تدل على الجواز، قال: مادامت تدل عندك على الجواز فتعال نصل المغرب فإن ذلك لا يضرك، فاستجبت له، وصلينا المغرب ثم استمر نقاشنا في التمذهب والمذاهب الأربعة وبعض المذاهب الأخرى وكانت مناقشة ممتعة تخللها شيء من المزح الذي لم نشعر معه ببعد الطريق.

وقد وصلنا إلى مقر الجمعية الإسلامية الألبانية في شبرتون في الساعة السادسة والربع بعد المغرب.
وقد أسست هذه الجمعية سنة 1957م، ورئيسها الحالي هو حقيق سلمان الألباني، وعدد أعضائها سبعة ومائتان، وهم من الألبان والأتراك وباكستان وجنوب إفريقيا، ولكن الذين يشتركون مالياً فيها قليل كما قال رئيس الجمعية.

ومن أنشطتهم تدريس الطلبة من أولادهم في ثلاث مدارس حكومية، حصة في كل أسبوع. ولهم جريدة إسلامية تصدر كل شهرين باللغة الإنجليزية والألبانية، وقد حصلت خلافات بين الأعضاء بسبب بعض الاتجاهات السياسية، ولكن أعضاء الجمعية الحاليين أصروا على الالتزام بالإسلام وترك أي اتجاه آخر يخالفه، وقال رئيس الجمعية: إن الأتراك هم الأكثر في هذا البلد حتى في صلاة الجمعة، ولكنهم لا يأتون كثيراً في المناسبات الأخرى ولا يهتمون بتدريس أولادهم في المدارس.

وقد أبدى رئيس الجمعية "حقيق" سروره بزيارة المسلمين في أستراليا وبخاصة في شبرتون وقال: كنت أسمع أن الإسلام محفوظ وأنه سينتشر وأنا صغير في ألبانيا، فلما جئت هنا كنت أظن أننا سنضيع وسيضيع إسلامنا ونحن في هذا البلد وانقطع الأمل، وما كنت أفكر أننا سنستقبل العلماء ونجتمع بهم باسم الإسلام كما هو الحال معكم هذه الليلة، ولكن ما كتب الله تعالى لا بد أن يقع ونحن نشكركم وقلوبنا في غاية من السرور.

وقال: لقد حاولنا تدريس أولادنا وحفظهم، ولكن لم يكن عندنا رجل دين واحد جيد، والجيل الجديد ما عرف الإسلام إلا بالاسم وكثير منهم تزوجوا من النصرانيات، وكان عندنا إمام ولكنه ذهب. ولرئيس الجمعية هذا "حقيق" سبع وأربعون سنة في أستراليا، وقال له الشيخ رداً على ترحيبه: نحن نمسك بيدك ونشد عليها ونطلب منك زيادة العمل والتفاني في سبيل الدعوة وبخاصة أن أبناءنا هنا يعيشون في فتنة وفي دولة علمانية، وأنتم عندما تربيتم في ألبانيا رباكم آباؤكم ومشايخكم على الإسلام والقرآن.

ثم ذهبنا قبل صلاة العشاء إلى مطعم قد أعدوا لنا فيه طعام العشاء، وقد كان اليوم يوم إجازة، فلم توجد إلا فتاة واحدة كانت تقوم بالخدمة وتقديم الطلبات، فقدمت الطعام للحاضرين كلهم، وتركت الشيخ أحمد أبا العلا الذي كان طلبه مخالفاً لطلبات الآخرين، وانتظر الشيخ حتى فرغ بعضنا من تناول طعامه وهو يلتفت لصاحبته، ثم قال: ماذا فعلت لها حتى تركتني بدون طعام؟ قلت له: الظاهر أنها تتجاهل كبار السن، فقال: وماذا ستستفيد من الشباب الذين لا يجارونها مثلك، واتضح بعد ذلك أن طعام الشيخ أحمد قدم لبعض الأفراد الذين جاءوا متأخرين فصنع له طعام من جديد وقضي الأمر.

ثم رجعنا إلى المسجد وألقى الشيخ أحمد أبو العلا كلمة في الحاضرين بين فيها كيف كان تمسك الصحابة بدين الإسلام، وكيف غيرت كلمة التوحيد: لا إله إلا الله محمد رسول الله تفكير الناس، فجعلتهم يخلعون ربقة الجاهلية وظهرت آثار التوحيد في سلوكهم، فصار المسلم بها متميزاً عمّن سواه، ومن هنا كان العالم كله يجري وراء الإسلام لأن عقيدة الإسلام أشعرت الناس بأن ما عداها تخلف ورجعية وأن الإسلام وحده هو رمز التقدم والنجاح.

وقد ظن بعض الناس أن الأرض إنما فتحت بالسيف، لأن الجهاد هو ذروة سنام الإسلام، والواقع أن

المناطق التي فتحت بالسيف لا تزيد عن 30% وهي المناطق التي كان الطغاة يصدون عن سبيل الله فيها، وكان واجباً على المسلمين أن يدكوا معاقل الطغاة الذين يصدون الناس عن سبيل الله، وسبب هذا الانتصار أن من طبيعة الإسلام أن يجعل المسلم ممتازاً في عبادته وتفكيره وطرق سلوكه وفي كل شيء.

هذه الشخصية التي يمتاز بها المسلم بعقيدته ورجاله وسلوكه الذي فرضه عليه دينه، هي التي جعلت الإسلام حنيفاً أي مائلاً إلى طريق الحق دائماً، ولهذا يجب أن نصر على الالتزام بطريق الحق وعلى أن نتسمى بالتسمية التي سمانا الله بها وهي التي سمانا بها أبو الأنبياء إبراهيم : "المسلمين".

إن ذوي الأديان الأخرى لا يتطهرون لعباداتهم وإنما المسلم وحده هو الذي يتطهر لعبادته، فهو بهذا يتميز عن أهل الأديان الأخرى، والمسلمون في الصلاة يتساوون أمام الله: الشريف والوضيع وهذا لا يوجد في غير دين الإسلام: {صبغة الله ومن أحسن من الله صبغةً ونحن له عابدون} [138].

وأول ما يبدأ به المسلم في صلاته كلمة: الله أكبر، لينفي بها تعظيم غير الله ويخص الله وحده بالتعظيم، ويشهد أن محمداً عبد الله ورسوله حتى لا يقع في الإشراك الذي وقع فيه النصارى من تأليه غير الله. ثم دخل الشيخ أحمد أبو العلا في الموضوع الذي كان الهدف من كلمته، مغتنماً مناسبة وجودنا للتعاون على الإقناع بإحدى السنن الشرعية التي حاول المسلمون الحصول عليها بعد أن كانت محظورة في قانون أستراليا، وهي دفن موتى المسلمين على السنة التي جاء بها الشرع الحنيف: كفن من القماش، ولحد، ودفن في التراب بدون تابوت.

وعلى الرغم من المحاولات الجادة التي حاول المسلمون أن يحصلوا على إذن من الحكومة الأسترالية بذلك، وموافقة الحكومة الأسترالية على ذلك، فإن بعض المسلمين لم يقتنعوا بالدفن بدون تابوت ويرون في الدفن في التراب بدون تابوت تأخراً ورجعية لا تناسب العصر، ومن ذلك ما رآه بعض المسلمين من أعضاء الجمعية الألبانية في شبرتون.

قال الشيخ أحمد: الموت حق على كل إنسان، والمسلم يتميز في أسلوب تجهيزه عن غيره، كما يتميز يوم القيامة بالطهارة التي كان يتعاطاها في الدنيا، يتميز بالغرة والتحجيل. الميت المكرم هو المسلم الذي يغسل ويطيّب حتى لا تشم منه إلا الرائحة الطيبة الزكية، ثياب المسلم بيضاء كنجوم السماء والقمر والنور، وكاللبن الذي هو أصل الحياة، والبياض يقبله أهل الأرض وأهل السماء، والمسلم يحفر له في الأرض ويوضع فيها ويهال عليه ترابها لأن أصله الأرض ومرجعه إليها وبعثه منها يوم القيامة: {منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى} [طه 55]. لم نحجبه من الأرض، وهي أحنى عليه من غيرها، لم نخالف سنة الإسلام ونتخذ سنةً غير سنة رسولنا. إن المسلم يتمنى أن يحشر مع المسلمين، وأهم ما يحب أن يهديه إليه بعد موته أن يجعله في زمرة المسلمين بتجهيزه كتجهيزهم.

ثم سألنا الحاضرين: مَن أفضل من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصحابه المجاهدون وعلماء المسلمين الذين دفنوا كلهم في التراب؟ ثم حصل نقاش طويل جداً، وكان الذين لم يقتنعوا بالدفن على الطريقة الإسلامية يوردون أسئلة تافهة لا قيمة لها ويجاب عنها من قبل الحاضرين.

والعجب أن الجاهل يحاول أن يصبح صاحب رأي في الأمور الشرعية وقياس راجح يريد أن يتغلب بهما على علماء الشرع بسبب الأهواء والميول التي اتبع فيها أعداء الله، ولكن بحمد الله كان الأغلب ما بين مقتنع وساكت والذين ناقشوا ألقموا الحجج وأسكتوا، والحمد لله، ثم ودعنا الحاضرين من أعضاء الجمعية الإسلامية الألبانية، ومن حضر من الأتراك وقفلنا راجعين إلى مدينة مالبورن.

وكان المطر ينهمر طول المدة التي بقينا فيها في شبرتون وبقي كذلك عندما غادرناها وقد وصلنا متأخرين إلى مالبورن، وكان الشيخ فهمي هو الذي صحبنا هذه المرة في سيارته إلى قرب مدخل المدينة من الشمال ثم طلب من أحد السائقين إيصالنا إلى الفندق، لأن بيت الشيخ فهمي في تلك الجهة التي تركنا فيها والفندق في مركز المدينة، وكان السائق الذي تركنا معه الشيخ فهمي لا يعرف شوارع المدينة، فأشار له إلى بعض العلامات وقال له إنك ستعلم المكان وتركنا.

وعندما دخل صاحبنا إلى المدينة لم يهتد إلى الفندق وأخذ يدور هنا وهناك، ويسأل هذا وذاك، حتى هيأ الله له أحد المارة في سيارة فسأله فقال له: اتبعني وذهب أمام سيارتنا حتى أوصلنا الفندق، وقال له هذا هو الفندق فندق شيراتون، وكانت الساعة الثانية بعد منتصف الليل تقريباً والمطر نازل والبرد شديد جداً، ولكن الفندق مكيف تكييفاً لا يشعر الإنسان فيه بأنه في شتاء ولا صيف والحمد لله.






السابق

الفهرس

التالي


14230833

عداد الصفحات العام

3122

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م