{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً (62) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً (63) } [النساء]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(044) سافر معي في المشارق والمغارب

(044) سافر معي في المشارق والمغارب

أول مسجد بني في برزبن وثاني مسجد في أستراليا:

وبعد الحرب العالمية الثانية جاء بعض أسرى المسلمين من اليابان والهند وتركيا واستوطنوا في هذا البلد، وبعضهم ماتوا، وهاجر كثير من الأتراك وأقاموا الجمعة والجماعة، وعندما رأوا هذا المسجد قائماً أقاموا حوله، وهو أول مسجد بني في برزبن وثاني مسجد في أستراليا (المسجد الأول هو الذي بناه الأفغان في أدلايد وسيأتي الحديث عنه).

وجاء بعض المسلمين من الولايات الأسترالية الأخرى وفيجي وغيرها وسكنوا هنا وتزوجوا أستراليات، ولما كثر عددهم أنشأوا جمعية واتفقوا على عمارة المسجد عمارة جميلة، وعندما بدؤوا بناءه كان لا يوجد عندهم إلا القليل من النقود لا تتجاوز خمسين دولاراً، ولكنهم تعاونوا وبنوه خلال عشر سنوات من سنة 1960م ـ 1970م، ويتكون من طابقين الطابق الأرضي، وفيه المدرسة وقاعة الاجتماعات والمكتبة والمطبخ وغرف خدمات، والطابق العلوي، وهو مسجد وألحق به غرفة خاصة بالنساء، وغرفة للإمام.
وبلغت تكاليف المركز كله أكثر من ستين ألف دولار، وهي قيمة المشتريات، أما العمل فقد باشره المسلمون بأنفسهم.

وأسست الجمعية سنة 1958م، وقام بإنشائها فضل الدين، وهو عم صديق المذكور. وبدؤوا بتدريس الأولاد مبادئ الدين الإسلامي، وبالدعوة حسب الإمكان ونصحوا الناس بالتمييز بين الحلال والحرام، وبخاصة فيما يتعلق باللحوم، وعملوا للتجارة في اللحم الحلال منذ ثلاثين سنة.

رئيس الجمعية: سلطان محمد دين. نائب الرئيس: صديق محمد دين. أمين السر: محمد منظور الحق. عدد الأعضاء التنفيذيين: تسعة. المشتركون بالمال: خمسون ومائتان. المستفيدون من الجمعية: ثلاثة آلاف تقريباً، وهم منتشرون في مسافات بعيدة.

وقد حضر عدد من المسلمين العرب إلى المسجد، من مصر والأردن ولبنان وتم التعارف بيننا وبينهم.
وقد ألقى فضيلة الشيخ عمر محاضرة عرف الحاضرين بمهمتنا في هذه الزيارة، وأبدى أسفه على الجهل الذي يحيط بالمسلمين حتى أصبح أكثرهم لا يعرفون معنى الشهادتين حق المعرفة، وبذلك كثر عدد المسلمين وقل نفعهم، وقد أذلهم الله لبعدهم عن دينه، وهنا بين مكانة الجمعيات الإسلامية في العالم وما تقوم به من تعليم أبناء المسلمين.

وأثنى على المسلمين في هذا البلد، بما يبذلون من العمل لإنقاذ أنفسهم وأولادهم من الكفر والعادات الضارة، حيث يبنون المساجد ويلحون في وجود أئمة ومعلمين، ويحاولون إنشاء مدارس خاصة كاملة، و حذر من أنه إذا حصل أي تساهل في صيانة الأولاد، فإنه سيأتي اليوم الذي يكون اسم الأب محمد واسم ابنه جورج وما أشبهه، كما حصل لأبناء المسلمين السابقين في هذا البلد.

وبين لهم أنه لا يجوز أن يغلب طلب الرزق على صيانة الأنفس والأولاد بدين الله، بل يجب أن يكون الهدف الأول هو حفظ أنفسنا بدين الله وحفظ أولادنا، والرزق مكتوب لا بد منه، وذكرهم بأن القدوة الحسنة من أسلافنا كانت سبباً في إسلام شعوب كثيرة في العالم، كإندونيسيا وماليزيا وإفريقيا، وحثهم أن يلحوا على حكومات الشعوب الإسلامية في بعث علماء يربون أولادهم ويعلمونهم، وأكد لهم أن هذا خير من ملايين الدولارات.

ثم طلب مني الشيخ أن أتحدث إلى الحاضرين، فأكدت المعاني التي تعرض لها، مع حضهم على الاجتهاد في إيصال أولادهم إلى المركز أيام العطل وعدم التساهل في ذلك، وأن يكونوا هم أنفسهم قدوة حسنة لأولادهم في التزام الطاعة وترك المعاصي والمحرمات كالخمر والخنزير ونحوهما، وأن يحافظوا على الاجتماع في المساجد في كل فرصة تسنح لهم، وأن يكثروا من اللقاءات مع إمام المسجد للاستفادة منه، وأن يتحدثوا مع أولادهم بلغة بلدهم حتى لا تضيع لغتهم التي يفهمون بها الكتب الإسلامية المؤلفة بلغتهم.
وكان المترجم الأستاذ فاخر بيتيه، وهو لبناني يتجر في الخضار وترجمته جيّدة، ويقوم بخدمة المساجد وقال: إنه يخدم المسلمين ويحل مشكلاتهم المتعلقة بالدولة.

هذه هي برزبن!

إن أول ما طرقت سمعنا كلمة (برزبن) كانت ثقيلة علينا كما أن ألسنتنا كانت تتعثر بنطقها، وكان الشيخ عمر يطلقها على كل شيء فيه صعوبة أو مشكلة، وها نحن نزور مدينة برزبن بعد أن ذلت بها ألسنتنا وألفتها أسماعنا. وحصلت مشكلة بين بعض الحاضرين من العرب وإمام المسجد ورئيس مجلس الولاية، خصام شديد ونزاع أعقبهما سباب وشتائم وكاد يحصل بين الفريقين مضاربة، والسبب في ذلك ظن بعض العرب أن إمام المسجد ورئيس المجلس ورئيس الجمعية وبعض أعضائها يريدون الاستئثار بالضيوف الزائرين، وأنهم ينظمون لهم برامج تعود مصالحها لهذه الجمعية والعرب محرومون منها، وعلى رغم محاولتنا حل النزاع وإيضاح عدم صحة ما توهمه الإخوة العرب، فإن الأمر كان يزداد خطورة، لذلك رأينا أن الحل الأنسب هو الانصراف، فخرجنا من المركز، فلما خرجنا تفرقوا، وقال الشيخ عمر عند خروجنا معبراً عن هذه الحالة الصعبة التي وقعت: "هذه برزبن!".

وقد ذكرتني هذه القصة بقصة وقعت للشيخ محمود عبد الوهاب فايد المصري الأزهري ـ وهو أحد أعضاء الجمعية الشرعية في القاهرة، وأحد الأساتذة الذين قضوا فترة طويلة في الجامعة الإسلامية، وكنت كثيراً ما أستدعيه لإلقاء بعض المحاضرات، أو الاشتراك في بعض الندوات لطلاب الجامعة، عندما كنت مسؤولاً عنهم، وكذلك الاشتراك في الرحلات الطلابية.

وقد حكى لي بنفسه القصة وخلاصتها أنه كان مدرساً في إحدى مدارس الكويت وخرج ذات يوم من المدرسة راجعاً إلى منزله وحقيبته في يده، فقابله رجل يقود سيارة، فوقف وقال له: تفضل يا شيخ، فقال له: شكراً منزلي قريب، فأقسم عليه أن يركب معه، وهو يظن أنه سيوصله إلى منزله، فاستمر وتجاوز منزل الشيخ، فقال له الشيخ: إلى أين؟ فقال إلى منزلنا لحاجة خفيفة فحاول أن يعفيه من هذه الزيارة التي كان يظن الشيخ أنها زيارة غداء، لأن أحد أولاد الرجل في المدرسة وأحد طلبة الشيخ، ولكن الرجل لم يعفه.

وعندما جاء إلى المنزل وطرق الباب فتحت زوجُ الرجل فرأت الشيخ، فصرخت تبكي وتلعن زوجها وهرعت إلى المطبخ، فأخذت الكبريت وأرادت أن تحرق نفسها وتقول لزوجها: جئت بالمأذون والله لأحرق نفسي والشيخ في ذهول شديد وحرج أشد! وكان يقسم لها بالله أنه غير مأذون وأنه مدرس ولا علم له بذلك، وكانت تظن أنه جاء ليكتب طلاقها. وحاول الشيخ الخروج ولكن باب المنزل مقفل، وبعد مشقة استطاع أن يقنع المرأة أنه لا يريد أن يكتب طلاقها ـ وما كان يدري بالخصام بينها وبين زوجها ـ وللقصة بقية لم استوعب تفاصيلها ولكن محل الشاهد منها أننا كنا أنا والشيخ عمر كالشيخ محمود فايد في مركز برزبن هذه الليلة ـ وقد سلم الله والحمد لله.

الأحد 1/11/1404ﻫ
ملحق لما دار في المركز، في الفندق:

وألحق الإخوة العرب قصة البارحة بملحق آخر، حيث انتدبوا من يمثلهم لزيارتنا في الفندق لشرح المزيد من آرائهم وشكاواهم، فقد زارنا بعد الساعة الثامنة بدقائق من صباح هذا اليوم في الفندق الأخ فاخر بيتيه، وبدأ الكلام بذكر بعض المشكلات التي يسببها بعض العرب لأنفسهم ومنها التعطل المتعمد عن العمل، وذلك أنهم وجدوا الحكومة تنفق على من عطل نفسه عن العمل أكثر مما يتقاضونه إذا كانوا موظفين، فينامون في النهار ويلعبون الورق في الليل وكان هذا سبباً في صعوبة منح الإقامة لمن يريد أن يبقى في أستراليا.

ثم أثنى فاخر على الشيخ تاج الدين الموجود في سدني، وقال: إنه يقوم بالذكر الصوفي، وإنه قد وكله أن يقوم به في برزبن نيابة عنه، وإنه عنده شرائط فيديو من الذكر الذي يقوم به تاج، وقال: إن الذكر الصوفي سنة وهم يقولون: إنه بدعة وينهون عنه، (وقد تحدثنا عن الذكر الصوفي وما يتعلق به حديثاً مستفيضاً، مساء هذا اليوم بعد صلاة العشاء في المركز الذي عزمنا فيه العرب ومنهم فاخر بيتيه وسيأتي).
ثم قال فاخر بيتيه عن نفسه: إنه يخدم المسلمين بدون أي مقابل ويساعد المساجين من المسلمين وغيرهم، وإن الحكومة الأسترالية منحته بطاقة رخصة لدخول أي سجن في أي حال من الأحوال، وإنه لا يستطيع أحد أن يرده من كبار الموظفين!.

ثم جاء الأخ شفيق سكريه الأردني، وهو الذي تولى المشادة ليلة البارحة في الجامع، وجاء معه الأخ محمد نصار المصري، وصارحناهم بأن ما حصل منهم ليلة البارحة، لا يرضي الله، وأنا لسنا راضين عما حصل وبخاصة ما صدر من الأخ شفيق، واعتذروا عما صدر منهم وأكدوا أنهم مظلومون، لأن جمعية كويزلاند تستأثر بالوفود وبالمصالح المترتبة على زيارتهم، وألحوا علينا في مساعدتهم بوجود إمام يقوم بتعليمهم وتعليم أولادهم ويؤمهم في الصلاة ويساعدهم في تحديد أوقات الصلاة والصيام والأعياد، ويجب أن يكون مستقلاً لا يخاف إلا الله، وقد نُصِحوا بالتريث في الأمر وعدم المشادة مع الآخرين ووعدناهم أن نبلغ الجهات المختصة عندنا برغبتهم.

وبعد خروج الإخوة العرب الثلاثة، جاء الأخ محمد إقبال والشيخ محمد رحيم الله، وكانا مستاءين جداً مما حصل من الإخوة العرب ليلة البارحة، وقد أبدوا في الحقيقة تبصراً وتعقلاً على ما وجه إليهم، ولو أنهم فعلوا كما فعل بعض العرب لكانت فتنة لا تحمد عواقبها.

وقد أخبرناهم أن ما حصل لم يسرنا وأنه إنما حصل من شخصين تقريباً، وقد اجتمعنا بثلاثة من الإخوة العرب صباح هذا اليوم وصارحناهم بما عندنا، وأخبرناهم أنكم أنتم الذين عرفتمونا بهم، وأنكم وضعتم في البرنامج زيارتين لمسجدهم: الزيارة الأولى صلاة المغرب يوم السبت وقد تمت، والزيارة الثانية صلاة العشاء من هذا اليوم الأحد، وأخبرناهم ـ أي العرب ـ أن الإخوة الذين نظموا البرنامج ـ وهم أنتم ـ لم نسمع منهم عنكم إلا الخير، وصارحنا الأخ شفيق سكريه أنا لسنا راضين عما حصل منه وأن ذلك لا يخدم تألف المسلمين.

وأخبرنا الإمام إقبال أننا أكدنا على الإخوة العرب التعاون معكم وإحضار أولادهم إلى المسجد، ليتعلموا أيام الإجازات وأثنينا على ما يقوم به المركز من الخير كما أكدنا عليهم أنا إذا حضرنا اليوم إلى مسجدهم أن لا يحدثوا شيئاً يسيء إلى أحد، ونرجو منكم أنتم أن تصبروا وتصفحوا، والإنسان الذي يكلف مسؤولية لا بد أن يؤذى ولا بد أن يصبر، ورسول الله أسوة حسنة لنا لا بد أن نجتهد في الإقتداء به وإن لم نصل إليه.

وقال الأخ إقبال ـ بعد أن سمع منا ما تقدم ـ : إن هذا ليس أول ما يقع لي في حياتي وقد صبرت على كثير من الأذى، وأنا صديق للإخوة العرب ولكنهم عندهم شكوك غير صحيحة ونسأل الله لهم الهداية.
ومن المعلومات التي ذكرها لنا الشيخ محمد رحيم الله والأخ إقبال، أن عدد سكان مدينة برزبن مليون نسمة، وسميت برزبن باسم أول بريطاني وصل إلى هذه المنطقة، وقال الشيخ رحيم الله إن أول من اكتشف أستراليا هم العرب وأيد ذلك إقبال، وقالا: إن العرب وصلوا في الشمال أولاً للتجارة وعندما رأوا الجبال والغابات رجعوا وقد اعترف بذلك الأستراليون أنفسهم.

وأهل البلاد الأصليون: " أوبروجنيز" لا يدرى من أين جاءوا إلى أستراليا ـ وهذه الأمور تدرس في تاريخ فيجي، ويقال أن أستراليا كانت جزءً من آسيا وانفصلت عنها. ومن الأمور التي تحدثنا عنها، ظاهرة عدم وجود البوليس في الشوارع والأماكن العامة، كالمطارات البنوك والدوائر الحكومية وغيرها، فقال الإخوان: إن لذلك أسباباً كثيرة: منها ارتفاع نسبة التعليم والثقافة، ومنها صرامة تطبيق القانون على الصغير والكبير بدون فرق، والجاسوسية منتشرة بشكل واسع جداً وأي مجرم يحال إلى القضاء ويلقى جزاءه إذا ثبت إجرامه.

ومن الأمثلة أنه أعلن في بعض الجرائد أن بعض الوزراء جاء من الخارج وأَسَرَّت امرأته شيئاً ممنوعاً، فأحالوها هي إلى المحاكمة للتحقيق، وأوقفوا الوزير عن عمله الرسمي حتى يتضح إن كان شريكاً لها فيطرد من الوزارة، وإلا أعيد إلى عمله ونالت هي جزاءها. وشرب بعض الوزراء الخمر وسكر، فحول إلى المحكمة بعد أن أمسكه البوليس، والناس يعلمون موقف الحكومة الصارم الذي لا يحابي أحداً، ولذلك يقف كل واحد عند حده. قلت: أين عدالة أكثر المسلمين اليوم من عدالة هؤلاء الكفار الذين يستوي عندهم الكبير والصغير والغني والفقير والآمر والمأمور؟ مع أن الأساس في العدالة هو الإسلام الذي قال
نبيه صلى الله عليه وسلم: (والله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها).





السابق

الفهرس

التالي


14240045

عداد الصفحات العام

1554

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م