{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً (62) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً (63) } [النساء]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(07) التكفير ومذاهب العلماء فيه

(07) التكفير ومذاهب العلماء فيه

خروج من دخل النار من المسلمين:

ملحوظة نظرا لخطر التكفير وما يترتب عليه في الدنيا والآخرة، يترتب عليه في الدنيا، أن يعامل من حكم

عليه بالكفر، فإنه يفقد كل ما كان له من حقوق المسلمين، فلا يرث ولا يورث، ولا ينكح مسلمة، وإذا متزوجا مسلمة، فيجب مفارقتها، وغير ذلك ولا تحل ذبائحه، ولا يصلى عليه إذا توفي، ولا يدفن في مقابر المسلمين، وأما في الآخرة، فإنه يستحق التخليد في النار..إلخ، لهذا يجب بيان الحق فيمن يحكم عليه بالكفر، ولهذا يجب البسط فيمن يستحق التكفير، ومن لا يستحق ذلك، فلا بد من محاولة استقصاء الموضوع ولو طال، ونظرا لذلك، فإن الحلقات ستطول، ونحاول تقسيمها ليتمكن القارئ من معرفة حقيقة الموضوع.

وقد ذكر ابن أبي العز الحنفي رحمه الله أن النصوص المتواترة قد دلت على أنه يخرج من النار من في قلبه مثقال ذرة من إيمان، ونصوص الوعد. [شرح العقيدة الطحاوية (1/356)]. ومن الأحاديث الدالة على عدم خلود أهل الكبائر في النار وإن لم يتوبوا، حديث أنس، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن شعيرة من خير. ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن بُرة من خير. ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذرة من خير) قال أبو عبد الله: قال أبان حدثنا قتادة حدثنا أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من إيمان) مكان: (من خير). [صحيح البخاري (1/24) رقم (44) وصحيح مسلم (1/182) رقم ]193. (

فهذا الحديث واضح بأن الله تعالى يخرج من النار من دخلها، وهو يرد على من زعم خلود من دخل النار فيها. وبينت الأحاديث الصحيحة الكثيرة أن الذين يخرجهم الله من النار يدخلون الجنة. ومن أصرح الأحاديث في غفران الكبائر التي لم يتب أصحابها منها: حديث عبادة بن الصامت، ، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس، فقال: (تبايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً، ولا تزنوا، ولا تسرقوا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، فمن وفي منكم فأجره على الله، ومن أصاب شيئاً من ذلك فعوقب به فهو كفارة له، ومن أصاب شيئاً من ذلك فستره الله عليه، فأمره إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه). [صحيح البخاري، برقم (7030) وصحيح مسلم، برقم (1709)].

فقد جعل صلى الله عليه وسلم المسلمين الذين يبايعونه على ترك كبائر الذنوب، ثلاثة أصناف:
الصنف الأول: وفى بعهده، وهو موعود بالأجر من ربه. الصنف الثاني: لم يفِ بكل ما عاهد عليه، بل ارتكب شيئاً منه، وعوقب عليه في الدنيا بحد أو غيره، كأن يبتليه الله ببعض المصائب ويجعلها كفارة له. الصنف الثالث: أصاب شيئاً من المعاصي التي عاهد على تركها، ولم يعاقب عليه في الدنيا، بل ستره الله عليه، وهذا أمره إلى الله تعالى، إن شاء غفر له ابتداء وأدخله الجنة، وإن شاء عذبه على معاصيه ثم أدخله الجنة، وهذا هو محل الشاهد من الحديث.

ويجب هنا التنبيه على ثلاثة أمور:

الأمر الأول: عدم دخول الشرك في العفو إذا لم يتب متعاطيه قبل موته، بأدلة أخرى كما سبق وبإجماع الأمة.

الأمر الثاني: أن في الحديث وعداً بالعفو عمن أصاب شيئاً من الكبائر وإن لم يتب.

الأمر الثالث: أن الذنوب الموعود بالعفو عنها هي الكبائر، لا الصغائر فقط، كما يدعي الخوارج والمعتزلة، بدليل أن ما ذكر في الحديث من الذنوب، كله من أكبر الكبائر، وهي الزنا والسرقة وقتل النفس التي حرم الله.

التفريق بين مرتكب الكبائر والمرتدين:

فقد فرق شرع الله، من الكتاب والسنة، بين مرتكبي الكبائر، والمرتدين، فجعل عقوبة بعض الكبائر التي يُكَفّرُ بها الخوارج من تعاطاها، الحدود والقصاص، وجعل عقوبة المرتد القتل، ولو كان مرتكبو الكبائر من أهل القبلة كفاراً لكانوا مرتدين، ولكانت عقوبتهم القتل ردةً.

قال ابن تيمية رحمه الله: "ويقال للخوارج الذين نفوا عن السارق والزاني والشارب وغيرهم الإيمان، هو لم يجعلهم مرتدين عن الإسلام، بل عاقب هذا بالجلد وهذا بالقطع ولم يقتل أحداً، إلا الزاني المحصن، ولم يقتله قتل المرتد فإن المرتد يقتل بالسيف بعد الاستتابة، وهذا يرجم بالحجارة بلا استتابة، فدل ذلك على
أنه وإن نفى عنهم الإيمان، فليسوا عنده مرتدين عن الإسلام مع ظهور ذنوبهم، وليسوا كالمنافقين الذين كانوا يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر، فأولئك لم يعاقبهم إلا على ذنب ظاهر" [مجموع الفتاوى (7/298). وللكاتب رسالة خاصة في حكم قتل المرتد].
وجوب الجمع بين ما ظاهره التعارض من الأدلة:

وإذْ قد تبين لنا من نصوص القرآن والسنة في المسألة الثانية الدلالة الواضحة على غفران الله تعالى كبائر الذنوب - غير الشرك - لمن شاء من عباده، وأنه يخرج من النار من دخلها منهم، وأن من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة، وجب الجزم بأنه لا تعارض بين هذه النصوص، وبين النصوص التي استدل بها الخوارج والمعتزلة، لإمكان الجمع بينها.

الأصل عدم تعارض أدلة الشريعة:

إن أدلة الشريعة الثابتة في القرآن والسنة، لا يحصل بينها تعارض عند الراسخين المحققين من علماء الأمة؛ لأنها وحي من الله، والوحي معصوم من التعارض والتناقض، وإنما يحصل التعارض بين ظواهرها عند غير الراسخين في العلم، وأهل الأهواء والبدع.

وهذا ما عناه الإمام الشاطبي رحمه الله، بقوله: "كل من تحقق بأصول الشريعة فأدلتها عنده لا تكاد تتعارض، كما أن كل من حقق مناط المسائل فلا يكاد يقف في متشابه، لأن الشريعة لا تعارض فيها ألبتة، فالمتحقق بها متحقق بما في الأمر، فيلزم أن لايكون عنده تعارض، ولذلك لا تجد ألبتة دليلين أجمع المسلمون على تعارضهما، بحيث وجب عليهم الوقوف، لكن لما كان أفراد المجتهدين غير معصومين من الخطأ، أمكن التعارض بين الأدلة عندهم". [الموافقات (4/294)[.

وقال في موضع آخر: "ولذلك لا تجد فرقة من الفرق الضالة، ولا أحداً من المختلفين في الأحكام؛ لا الفروعية ولا الأصولية، يعجز عن الاستدلال على مذهبه بظواهر من الأدلة، وقد مرَّ من ذلك أمثلة، بل قد شاهدنا ورأينا من الفساق من يستدل على مسائل الفسق بأدلة ينسبها إلى الشريعة المنزهة" [الموافقات (3/76)].

وإذا ظهر تعارض للمجتهد بين دليلين، فلا يخلو الأمر من إمكان الجمع بينهما، أو عدم إمكانه، فإن أمكن الجمع وجب الأخذ به، بحمل كل منهما على معنى يخرجهما عن التعارض، وإن لم يمكن الجمع بعد التحقيق الصادر من المجتهد في العلم، وجب الترجيح بينهما، وإن تعذر الترجيح، وعلم تاريخ المتقدم منهما فهو منسوخ، والمتأخر ناسخ. ويجب أن يعلم أنه لا يحصل تعارض بين قطعيين، بل بين قطعي وظني، أو بين ظنيين، والقطعي مقدم على الظني. قال الشاطبي رحمه الله: "ومعلوم أن الناسخ والمنسوخ

إنما هو فيما بين دليلين يتعارضان، بحيث لا يصح اجتماعهما بحال، وإلا لما كان أحدهما ناسخاً والآخر منسوخاً، والفرض خلافه" [الموافقات (4/121)].

وقال رحمه الله، وهو يرد على المبتدعة - ومنهم الخوارج والمعتزلة - الذين يردون الأحاديث الصحيحة الثابتة، بحجة معارضتها للقرآن العظيم: "فإما أن لا يمكن الجمع بينهما أصلاً وإما أن يمكن، فإن لم يمكن، فهذا الفرض بين قطعي وظني، أو بين ظنيين، فأما بين قطعيين فلا يقع في الشريعة، ولا يمكن وقوعه؛ لأن تعارض القطعيين محال. فإن وقع بين قطعي وظني، بطل الظني، وإن وقع بين ظنيين، فهاهنا للعلماء فيه الترجيح، والعمل بالأرجح متعين. وإن أمكن الجمع، فقد اتفق النظار على إعمال وجه الجمع، وإن كان وجه الجمع ضعيفاً، فإن الجمع أولى عندهم، وإعمال الأدلة أولى من إهمال بعضها، فهؤلاء المبتدعة لم يرفعوا بهذا الأصل رأساً، إما جهلاً به أو عناداً..." [الاعتصام (2/247)].

وقال الإمام النووي رحمه الله: "وأما إذا تعارض حديثان في الظاهر، فلا بد من الجمع بينهما أو ترجيح أحدهما، وإنما يقوم بذلك غالباً الأئمة الجامعون بين الحديث والفقه، والأصوليون المتمكنون في ذلك، الغائصون على المعاني الدقيقة، الرائضون أنفسهم في ذلك. فمن كان بهذه الصفة لم يشكل عليه شيء من ذلك إلا النادر في بعض الأحيان. ثم المختلِف قسمان: أحدهما يمكن الجمع بينهما فيتعين، ويجب العمل بالحديثين جميعاً، ومهما أمكن حمل كلام الشارع على وجه يكون أعم للفائدة، تعين المصير إليه، ولا يصار إلى النسخ مع إمكان الجمع، لأن في النسخ إخراجَ أحد الحديثين عن كونه مما يعمل به..." [شرح النووي على صحيح مسلم (1/35)].

وقال شيخنا العلامة محمد الأمين الشنقيطي، رحمه الله، بعد أن ذَكَر اختلاف العلماء في كفر تارك الصلاة عمداً: "هذا هو حاصل كلام العلماء وأدلتهم، في مسألة ترك الصلاة عمداً مع الاعتراف بوجوبها، وأظهر الأقوال أدلةً عندي قول من قال: إنه كافر، وأجرى الأقوال على مقتضى الصناعة الأصولية وعلوم الحديث، قول الجمهور: إنه كفر غير مخرج عن الملة، لوجوب الجمع بين الأدلة إذا أمكن. وإذا حُمِلَ الكفر والشرك المذكوران في الأحاديث على الكفر الذي لا يخرج عن الملة، حصل بذلك الجمع بين الأدلة. والجمع واجب إذا أمكن؛ لأن إعمال الدليلين أولى من إلغاء أحدهما، كما هو معلوم في الأصول وعلم الحديث".

وقال النووي في شرح المهذب، بعد أن ساق أدلة من قالوا إنه غير كافر ما نصه: "ولم يزل المسلمون
يورثون تارك الصلاة ويورثون عنه، ولو كان كافراً لم يغفر له ولم يرث ولم يورث. وأما الجواب عما احتج به من كفره من حديث جابر وبريدة ورواية ابن شقيق، فهو: أن كل ذلك محمول على أنه شارك الكافر في بعض أحكامه، وهو القتل، وهذا التأويل متعين للجمع بين نصوص الشرع وقواعده التي ذكرناها.." انتهى محل الغرض منه. [أضواء البيان ـ الشنقيطي (3/456)].

وبهذا يعلم أن الواجب هو الجمع بين نصوص الوعيد، الواردة في القرآن والسنة الصحيحة، التي استدل بها الخوارج والمعتزلة على تكفير مرتكبي الكبائر من مسلمي هذه الأمة، وبين نصوص الوعد التي استدل بها أهل السنة والجماعة، وقد سلك هذا المسلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغيرهم من سلف هذه الأمة. ومنهم حَبْر الأمة ابن عباس رضي الله عنهـما، قال: "إنه ليس بالكفر الذي يذهبون إليه، إنه ليس كفراً ينقل عن الملة. {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ (44)} كفر دون كفر" [الحاكم في المستدرك (2/342) رقم (3219) وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ويمكن مراجعة التفاسير الآتية: تفسير القرآن العظيم لابن كثير (2/62)، وجامع الأحكام للقرطبي (6/190)، وما بعدها، وتفسير البغوي (2/41)، وفتح القدير للشوكاني].

قال شارح الطحاوية: "وهنا أمر يجب أن يتفطن له، وهو أن الحكم بغير ما أنزل الله قد يكون كفراً ينقل عن الملة. وقد يكون معصية كبيرة أو صغيرة، ويكون كفراً إما مجازياً، وإما كفراً أصغر على القولين المذكورين، وذلك بحسب حال الحاكم، فإنه إن اعتقد أن الحكم بما أنزل الله غير واجب، وأنه مخير فيه، أو استهان به، مع تيقنه أنه حكم الله، فهذا كفر أكبر. وإن اعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله، وعَلِمَه في هذه الواقعة، وعدل عنه، مع اعترافه بأنه مستحق للعقوبة، فهذا عاصٍ، ويسمى كافراً كفراً مجازياً، أو كفراً أصغر. وإن جهل حكم الله فيها، مع بذل جهده، واستفراغ وسعه في معرفة الحكم، وأخطأه، فهذا مخطئ، له أجر على اجتهاده وخطؤه مغفور" [شرح الطحاوية (1/364)].

وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله: "{ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ } من الحق المبين، وحَكَمَ بالباطل الذي يعلمه لغرض من أغراضه الفاسدة { فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ} فالحكم بغير ما أنزل الله من أعمال أهل الكفر، وقد يكون كفراً ينقل عن الملة، وذلك إذا اعتقد حله وجوازه، وقد يكون كبيرة من كبائر الذنوب ومن أعمال الكفر قد استحق من فعله العذاب الشديد". [تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (1/233)]. وينطبق هذا الجمع على ما ورد من النصوص ظاهره كُفْرُ من ارتكب كبيرة ولم يتُب منها، وما ورد ظاهره معارضاً لها.






السابق

الفهرس

التالي


14214982

عداد الصفحات العام

79

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م